بلينيوس الأكبر والأصغر بلينيوس الأكبر (23/24ـ79م) هو كايوس بلينيوس سكُندوس C.Plinius Secundus، عالم ومؤرخ ورجل دولة روماني عاش في القرن الأول الميلادي، يُعرف أيضاً باسم بلينيوس الأكبر (بالإنكليزية Pliny Major)، وذلك تفريقاً له عن قريبه وابنه بالتبني بلينيوس الأصغر. ولد في قرية كومو في شمالي إيطالية، في أسرة ميسورة تنتمي إلى طبقة الفرسان، أمضى شبابه في رومة حيث تلقى تعليمه في مدارس البلاغة وأمضى خدمته العسكرية في جرمانية قبل أن ينصرف إلى ممارسة المحاماة. تقلد في عهد صديقه الامبراطور فسباسيان (69-79) عدة مناصب عسكرية وإدارية مهمة، قادته إلى بلاد الغال وإسبانية وشمالي إفريقية، وكذلك إلى سورية وفلسطين، وهذا ما أكسبه خبرة ومعرفة واسعة بالعالم الروماني. كان يتولى قيادة الأسطول الروماني المرابط في مسينوم في خليج نابولي الإيطالي، وهو من أرفع المناصب، عندما ثار بركان فيزوف وغطى بحممه مدن بومبيي Pompeii وهركولانيوم وستابيه، لقي بلينيوس حتفه في 24آب عام 79، وقد ترك لنا بلينيوس الأصغر في إحدى رسائله (16،17) وصفاً مؤثراً لموته المأساوي وهو يحاول بفضوله العلمي رصد ثورة البركان والمساعدة في درء الكارثة عن الناس، كما يصف في رسالة أخرى دأبه ونشاطه الشديدين في المطالعة والقراءة والكتابة. ألف بلينيوس عدداً كبيراً من الكتب والأبحاث اللغوية والأدبية والتاريخية، كتب تاريخاً عن أحداث عصره (31كتاباً) وآخر عن الحروب الجرمانية (20كتاباً) كانا مصدراً رئيساً للمؤرخ الكبير تاكيتوس[ر]، ولكن لم يبق منها جميعاً سوى كتابه الشهير التاريخ الطبيعي National Historia، الذي خلد اسمه، وقد نشره عام 77 في 37كتاباً واستخدم في تأليفه، كما يذكر، نحو 20 ألف بطاقة جمعها من ألفي لفافة بردية ومئات الكتب اللاتينية والإغريقية. ويضم الكتاب الأول مقدمة عامة بأسماء مصادره وفهرساً تفصيلياً بمحتويات تاريخه الطبيعي الذي يعالج فيه مواضيع مختلفة تتعلق ببنية الكون (ك 2) والجغرافية والإتنوغرافية (ك 3-4) والأنثروبولوجية وعلم النفس (ك 7) وعلم الحيوان (ك8-11) وعلم النبات (ك12-19) والأدوية النباتية (ك20-27) والحيوانية (ك28-32) والمياه المعدنية والمعادن والحرف والصناعات والصخور والأعمال الفنية (ك33-37)، كما يجد المرء في ثنايا هذه الكتب معلومات شتى تاريخية وفنية وفلسفية وأخلاقية وسواها، وهكذا فإن التاريخ الطبيعي يمثل موسوعة تضم مجموع المعارف السائدة في عصره، وهي ذات طابع خليط بعضها علمي وكثير منها معارف شعبية متداولة. وقد استقى كثيراً من معلوماته عن الكون والشعوب المختلفة والبلدان البعيدة من الفيلسوف الرواقي الكبير بوسيدونيوس الأفامي ومصادر أخرى إضافة إلى مشاهداته وتجاربه وملاحظاته الشخصية. كان بلينيوس يملك فكراً علمياً وحب إطلاع كبيراً واهتماماً فائقاً بموضوعه وقدرة عجيبة على الدأب والمثابرة، وقد حفظ لنا مادة غنية جداً عن معارف عصره والعهود السابقة، مما جعله منجماً قيماً لشتى أنواع المعرفة الطبيعية والإنسانية، وتاريخه الطبيعي هو الوحيد الذي بقي من العصور القديمة، ولذلك حظي بشهرة واسعة وتقدير كبير طيلة العصور الوسطى بوصفه موسوعة التاريخ الطبيعي. بلينيوس الأصغر (61-113م) هو كايوس بلينيوس كايكيليوس سكندوس C.Plinius Caecilius Secundus، المعروف أيضاً باسم بلينيوس الأصغر (بالإنكليزية Pliny Minor)، أديب ورجل دولة روماني من أسرة ثرية من شمالي إيطالية، تبناه خاله بلينيوس الأكبر وتعهده بالرعاية والتعليم. درس البلاغة والخطابة في رومة وظهرت مواهبه الأدبية باكراً، فمارس المحاماة واشتهر بها سريعاً. تقلد عدداً من المناصب العسكرية والمدنية، وخدم في بداية حياته تحت إمرة والي سورية حيث تعرف على الفيلسسوف الرواقي أوفراتيس، ثم تابع صعوده في سلك الوظائف العامة حتى وصل إلى منصب القنصلية عام 100، وتسلم أخيراً ولاية بثينية Bithynia في آسيا الصغرى «111-113». تعرف سيرة حياته من رسائله ومن النقوش التي وجدت على قاعدة تمثال أُقيم له في مسقط رأسه كومو. ترك لنا مجموعة كبيرة من الرسائل في عشرة كتب، قدم فيها صورة حية عن المجتمع الروماني في أواخر القرن الأول الميلادي، اشتهر منها تلك الرسائل التي تبادلها مع الامبراطور ترايانوس المتعلقة بتدبير أمور ولايته بثينية والتي تعد وثائق تاريخية مهمة عن إدارة الولايات الرومانية، وبداية انتشار الديانة المسيحية والتعامل مع المسيحيين الأوائل. كان معاصروه ينظرون إليه على أنه خطيب روماني من الدرجة الأولى، ولكن لم يبق من خطبه سوى خطاب المديح Panegyricus الموجه إلى الامبراطور ترايانوس بمناسبة تقلده القنصلية والذي أصبح فيما بعد نموذجاً أدبياً تقليدياً. يمثل بلينيوس صعود النخبة الإيطالية إلى قمة الإدارة الامبراطورية، ويعد نموذجاً للطبقة العليا المثقفة في عصره، والتي وجدت في مجال الخدمة العامة خير تعبير عن مواهبها وطموحاتها.