اعتصامات شباب 25 يناير: إلى متى؟
في 19 فبراير المنصرم كتبت الأستاذة الفاضلة فاطمة أمين في صحيفة الوطن العربي مقالة رصينة تحت عنوان "حماك وحفظك الله يا مصر" دعت فيها شعب مصر إلى وقف الاعتصامات والعودة إلى العمل. وقالت موجهة كلامها إلى الشعب: "فإلي كل من يتمنى الخير لمصر .. ياشعب مصر الذي أبهر العالم بثورته وتحضره .. حان وقت العمل . حان وقت رد الجميل .. كفانا احتجاجات الآن ... كفانا اعتصامات .. إلي العمل ..ياشعب مصر .. الوضع خطير إذا استمرت الامور بهذا الشكل .. الخسائر كبيرة وجسيمة وخطيرة وكل يوم في زيادة"
وأنا من حيث المبدأ أتفق مع الكاتبة في أن الاستمرار في الاعتصامات والمسيرات هو على حساب الاقتصاد الوطني الذي هو اقتصاد الشعب.
بادئ ذي بدئ لا أستطيع أن أزعم أنني أتحدث من منطلق أنني أعرف مصلحة مصر أكثر من المصريين أنفسهم، لكن يشفع لي حبي لأرض الكنانة وشعبها الأبيّ. فأنا واحد من الملايين الذين تابعوا انتفاضته المباركة يوماً بيوم وساعة بساعة، وما زالوا يتابعونها ويؤيدونها ويتطلعون إلى اليوم الذي تسترد فيه مكانتها في قلب العروبة، وتستعيد قيادتها للعالم العربي، ويحسب لها العالم ألف حساب. وربما يقول قائل إن أهل مكة أدرى بشعابها. فأقول إن شباب ميدان الحرير برهنوا أنهم يعرفون شعاب مصر حق المعرفة.
كذلك لا أستطيع أن أدّعي أنني أفهم كثيراً في الاقتصاد. لكنني أدّعي أن هناك أبجديات يستوعبها القاصي والداني، ولا تتطلب بحثاً أكاديمياً وتحليلاً عميقاً لكي نفهمها وندرك أبعادها – أبجديات تستقي حيثياتها من الواقع المصري والحياة اليومية للمواطن المصري، الذي تشترك معه في الهموم وتعاني مثلما يعاني عشرات الملايين في عالمنا الممتد من الحيط إلى الخليج.
قلت إنني أتفق مع صاحبة المقالة من حيث المبدأ، أي من الناحية النظرية. لكني أختلف معها حين يتعلق الأمر بالتجربة المصرية وخلفياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
قبل انتفاضة 25 يناير كان معظم أفراد الشعب المصري يكدحون بلا كلل أو ملل. وكانوا (من حيث المبدأ أيضاً) يرفدون "الاقتصاد المصري" بعشرات البلايين من الدولارات. فأين كانت تذهب تلك الموارد العظيمة.
كان معظمها، كما تكشف وما يزال يتكشف، يصب في جيوب حفنة من رجال النظام. وقد ذهل العالم وهو يستمع إلى الأرقام الفلكية من قيمة الثروات المنهوبة من شعب مصر. فأين ذهب هؤلاء الفاسدون بتلك الأموال؟ هل أنفقوها في فتح المصانع أو استصلاح الأراضي لتأمين احتياجات الشعب ومحاربة الفقر من خلال توفير فرص العمل والقضاء على البطالة المتفشية في طول البلاد وعرضها؟ أبداً. كانوا ينفقون جزءاً منها على رفاهيتهم التي لم تعرف حدوداً، و يوزعون جزءأ آخر على وكلائهم وأتباعهم من المتنفّعين. وما يتبقّى بعد ذلك، وهو الذي يشكل الجزء الأعظم من تلك الأموال فيذهب جلّه إلى حساباتهم السرية أو لتمويل أعمالهم واستثمارتهم في أوروبا وأمريكا.
إذن فإن ما تقدمه عجلة الإنتاج التي تعتمد على عرق الكادحين من أهل المحروسة في الحقيقة لا يخدم الاقتصاد الوطني المصري ولا يصب في تقدم البلاد أو تحسين أحوال العباد، الذين في واقع الأمر لا يحصلون من وراء جهدهم إلّا على الفتات. ولا يمكن لأحد أن يتصور أن خدمة الاقتصاد الوطني ستتحقق طالما بقيت فلول النظام القديم تتحكم في الكثير من أدوات الإنتاج ومواقع القرار .
من هنا تأتي قرارات شباب حركة 25 يناير باستمرار الاعتصامات والاحتجاجات. فلدى هؤلاء الشباب قائمة من المطالب بعضها ذو طابع سياسي أو أمني وبعضها اقتصادي. وما لم يتم تحقيق تلك المطالب، فسيظل الاقتصاد المصري يعاني من الاستنزاف المرتبط بالفساد ويظل حلم الانسان المصري في الوصول ولو إلى الحد الأدنى من الحياة الكريمة حلماً بعيد المنال.
لكنني أجد لساني يردد مع الأستاذة فاطمة: "حماك وحفظك الله يا مصر"
نزار سرطاوي
ساحة النقاش