عالمنا مليء بالمشاكل، وشحيح في تقديم الحلول، إلا أن العلماء وجدوا حلا بسيطا لعدد من أهم قضايا العصر التي تؤرق الجميع في المشرق والمغرب، ألا وهي الغذاء والطاقة والتلوث، ويكمن السر في تلك الكائنات المجهرية الدقيقة "الطحالب" التي قد تصبح عما قريب مصدرا متجددا يلبي حاجات البشرية الملحة للغذاء والدواء والطاقة.
وتستخدم الطحالب في التغذية في العديد من دول العالم، ويتم استخدامها كغذاء للحيوانات والطيور والأسماك؛ نظرا لاحتوائها على حوالي من 45-60% من وزنها بروتينا، وهي نسبة هامة لتغذية الماشية والحيوانات الداجنة.
كما أثبتت الدراسات والأبحاث الطبية الحديثة احتواء بعض أنواع الطحالب على مضادات للميكروبات كالفطريات والبكتيريا، وتم استخراج بعض العقاقير والأدوية الهامة التي تستخدم كعلاجات لمرض السرطان والإيدز وغيرهما الكثير، وأثبتت الأبحاث التي أجراها فريق من العلماء في معهد البحوث التابع لكلية الطب في جامعة كاليفورنيا، أن بعض أنواع الطحالب مثل طحلب (سبيرولينا) لها تأثيرات إيجابية على الجهاز المناعي للجسم، وتحفز جسم الإنسان على التغلب على بعض الأمراض الخطيرة.
إن استغلال هذا المصدر الغني بالبروتينات لإنتاج الغذاء المناسب للإنسان يعتبر أمرا هاما وحيويا، والأمر لا يحتاج سوى لإجراء الأبحاث والدراسات العلمية غير المعقدة، وتطوير بعض التقنيات البسيطة لتطوير زراعتها واستغلالها الاستغلال الأمثل.
الطحالب غذاء ودواء
من المعروف أن الطحالب تنتمي إلى المملكة النباتية، ومنها الكائنات الدقيقة المجهرية وغير المجهرية التي تصل أطوال بعض مستعمراتها لعدة مترات، ولكنها جميعا تشترك في صعوبة تمييز أجزائها إلى جذور أو أوراق أو سيقان، وهي تنمو بشكل طبيعي في البيئات المائية العذبة والمالحة، وتكون مستعمرات ضخمة تصل أطولها إلى 50 مترا، وتتنوع أشكالها وألوانها وأحجامها.
ويمكن استغلال هذا المصدر الغني بالبروتينات لإنتاج الغذاء المناسب للإنسان، والأمر لا يحتاج سوى إجراء الأبحاث والدراسات العلمية غير المعقدة، وتطوير بعض التقنيات البسيطة لتحسين زراعة الطحالب واستغلالها بالشكل الأمثل.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديدا ولاية كاليفورنيا، اكتشف العلماء أنواع الطحالب مثل طحالب (سبيرولينا) أن لها تأثيرات إيجابية على الجهاز المناعي للجسم، وتحفز جسم الإنسان على التغلب على بعض الأمراض الخطيرة.
الطحالب والاحتباس الحراري
تتم زراعة الطحالب حاليا في العديد من المزارع السمكية؛ حيث تعمل كمصاف حيوية لامتصاص النيتروجين، وهناك بعض الأنواع التي تستخدم في مداواة البيئة عن طريق معالجة مياه الصرف الصحي وامتصاص المعادن الثقيلة منها، ثم تجري معالجتها بعد ذلك للتخلص من هذه السموم الخطيرة.
كما تعمل بعض أنواع الطحالب على تجديد الأكسجين في مياه الأنهار والبحيرات والسدود والبحار، ومؤخرا اكتشف عالم البيئة الأمريكي "أوليفر وينجينتر" وسيلة سهلة وغير مكلفة لوقف الاحتباس الحراري الذي يهدد الكرة الأرضية والبشرية جمعاء، وتتمثل في إلقاء بعض المخصبات أو السماد المعدني في مياه البحر لتساعد على تكاثر العوالق النباتية البحرية، التي تقوم بدورها بإنتاج غازات كفيلة بالحد من تأثير الظاهرة المهددة للبيئة.
وأكد أن من شأن العوالق النباتية البحرية الدقيقة إنتاج غاز "سلفات الديميثيل"، المسئول عن تشكيل الغيوم، واعتبر أن الحل الذي يقترحه قد لا يكون جذريا؛ لأنه سيحد من ارتفاع حرارة الأرض بفضل طبقة الغمام التي ستحميها.
وخطرت الفكرة لـ "وينجينتر" عندما كان يقوم بتنفيذ دراسة حول إمكانية تحويل الغازات المسببة للاحتباس الحراري إلى غذاء للعوالق البحرية عبر الهندسة الوراثية خلال عام 2002، وبالفعل بدأت بعثة علمية ألمانية مؤخرا تجربة في جنوب المحيط الأطلسي لتنقية الهواء من غاز ثاني أكسيد الكربون، وهو واحد من أهم الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي تؤدي إلى زيادة درجة حرارة الأرض، باستخدام الطحالب البحرية التي تستهلك هذا الغاز.
وتقوم التجربة على تولي الباخرة العلمية "بولار شتيرن" نشر الأسمدة التي تحتوي على الحديد في مناطق شاسعة تمتد جنوب وغرب مدينة "الكاب" في جنوب إفريقيا؛ كي تسرع من نمو وتكاثر الطحالب، وبدأت التجربة بعملية تسميد مساحة من 150 إلى 200 كم مربع من المحيط بمحلول سلفات الحديد، وتستهدف هذه التجربة تسريع نمو الطحالب، وزيادة كتلتها الحيوية من أجل خفض نسبة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.
وتمت هذه التجربة بعد أن قام الباحث "أولريش باتمان" من معهد "ألفريد فيجنر" للأبحاث القطبية والبحرية في مدينة "بريمرهافن" الألمانية، بتجربة نموذج يعمل على إثارة النظام البيئي في المحيطات والبحار لامتصاص المزيد من ثاني أكسيد الكربون من الجو؛ وذلك من خلال خطوة بسيطة وهي تزويد المياه بأسمدة غنية بالحديد.
وأوضح "باتمان" أن هذه الأسمدة يمكن أن تجعل عمل الكائنات الحية الدقيقة في البحار والمحيطات وبصفة خاصة الهائمات النباتية "فيتو بلانكتون" أكثر فعالية، مؤكدا أن ثلث الكائنات النباتية الدقيقة التي تعيش بالقرب من سطح البحار ضعيفة النمو بسبب افتقارها للحديد الذي تحتاجه.
مفاعلات حيوية من الطحالب
يحاول العلماء حاليا تصميم وإنتاج أنواع جديدة من المفاعلات الحيوية باستخدام الهندسة الوراثية للطحالب، ويهدف العلماء لإنتاج الوقود الحيوي من هذه المفاعلات البيولوجية، بالإضافة إلى تقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وتقوم فكرة العلماء على ضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد، وتعتمد الفكرة على استخدام الطحالب من أجل امتصاص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ثم يتم استخدامها بعد ذلك في إنتاج وقود حيوي، كما يمكن استخدام بقايا هذه العملية من المنتجات الحيوية كعلف للأسماك والحيوانات.
وأشار البروفيسور "لورينز طومسين" من جامعة "جاكوبس ببريمين" إلى أنه يمكن خلال عشر سنوات أن نرى مناطق بطول 20 أو 30 كيلومترا على شاطئ البحر المتوسط تستخدم في هذه العملية.
وتتمثل رؤية "طومسين" في إنشاء ما يسميه بالمفاعلات الحيوية التي تستخدم الطحالب البحرية؛ حيث تقوم الطحالب بسحب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الهواء الجوى، وتقوم بإنتاج كتلة حيوية يمكن استخدامها في إنتاج أنواع من الوقود الحيوي مثل "الإيثانول" الذي يستخدم حاليا كوقود للسيارات.
وأوضح "طومسين" أن الكتلة الحيوية يمكن استخدامها أيضا في صناعة الإنشاءات؛ حيث يمكن أن تستخدم كمادة عازلة للمنازل والمباني الأخرى، مشيرا إلى أن أحد المشاكل المتعلقة بهذا الموضوع هي أن أي مفاعل حيوي يعمل بالطحالب يحتاج إلى مساحات شاسعة والكثير من الشمس لكي يعمل بكفاءة، وسيتم غمر الطحالب في مياه بحر مليئة بالمواد المغذية وفي أسطوانات، ولا تلامس التربة، ولا يتعين أن يكون الموقع قريبا من البحر؛ حيث تمتص الطحالب ثاني أكسيد الكربون بالإضافة إلى أشعة الشمس والمياه من أجل إنتاج السكريات باستخدام التمثيل الضوئي، ثم تتحلل إلى زيوت دهنية وبروتينات، وفيما تنمو الطحالب وتتضاعف يتم سحب كميات من السائل من المفاعل باستمرار، ويتم تجفيفها على شكل فطائر من الطحالب المركزة؛ حيث يمكن تحويلها إلى وقود ديزل حيوي، أو إيثانول من خلال المزيد من المعالجة.
وتشكل الطحالب مصدرا هاما آخر للكتلة البيولوجية لإنتاج الوقود البيولوجي، وقد جرت بنجاح اختبارات في الآونة الأخيرة على البيوديزل المستمد من الطحالب بوصفه خليطا بنسبة 5% في الديزل.
زراعة الطحالب
تعود فكرة زراعة الطحالب واستغلالها كمصدر هام للمواد الغذائية إلى مئات السنين؛ حيث تم زراعتها أولا في الصين واليابان على ضفاف الأنهار والبحيرات الداخلية والبحار، ويبلغ إنتاج الصين من الطحالب حوالي 70% من الإنتاج العالمي.
ويتم زراعة الطحالب عن طريق ربطها على الأفرع المرجانية الميتة أو الصخور، أو قد تعلق على عوامات موضوعة داخل الماء، كما قد تثبت على شباك داخل الأنهار والبحيرات، ويتم تسميدها باليوريا؛ حيث يوضع هذا السماد في أوعية مثقبة، وتدفن بالقرب من الطحالب المزروعة.
كما تم استخدام خزانات المياه في المناطق الصحراوية والتي تعتمد على مياه الأمطار المتجمعة فيها لإنتاج واستغلال بعض أنواع الطحالب غير الضارة بصحة الإنسان كمواد أولية للصناعات الغذائية البشرية.
إن استغلال هذا المصدر الغني بالبروتينات لإنتاج الغذاء المناسب للإنسان يعتبر أمرا هاما وحيويا، وبعد إجراء المزيد من الأبحاث والدراسات فمن المؤكد أنها ستوفر مصدرا متجددا يلبي بعض حاجة البشرية الملحة للغذاء والدواء، والطاقة أيضا.
ساحة النقاش