لقد شهدت حضارة الإنسان وتطوره التقني في العصر الحديث قفزات وطفرات وثورات علمية أحدثت تغييراً جوهرياً في الحياة البشرية. فالأحداث العلمية في مجال الهندسة الوراثية تتوالى بسرعة مذهلة. في هذه الدراسة نتعرف سويا على تطبيقات الهندسة الوراثية في مجال الكائنات البحرية مثل الأسماك والصدفيات والقشريات والطحالب البحرية, كما نتناول فرع جديد في مجال الهندسة الوراثية وهو "جينوميا الفضاء", كما نلقي الضوء على بعض الإنجازات العربية الحديثة في مجال بناء القدرات التقنية في هذا المجال.
الوطن العربي والتقنية الحيوية البحرية
بالرغم من أنه لم يمر سوى عقد واحد منذ بداية التقنيه الحيوية البحرية، إلا أنه تحقق تقدم مدهش فى هذا المجال. فقد تم تسجيل أكثر من 1000 مستحضر جديد ومنتجات طبيعية واكتشافات أخرى ترتبط بعلم الجينات الجزيئية لتربية الأسماك والحيوانات الصدفية والقشريات والطحالب البحرية. كما تم اكتشاف مضادات حيوية وعقاقير لمعالجة السرطان وسلالات معدلة بأساليب الهندسة الوراثية. وبينما لم يكن هناك من قبل سوى عدد صغير من الرواد الذين يكدحون فى معاملهم، يوجد الآن مراكز جديدة كبرى لأبحاث وتطوير التقنيات الحيوية البحرية فى النرويج واليابان والولايات المتحدة وأماكن أخرى.
فمنذ قرون عديده، تمارس زراعة الطحالب البحرية الكبيرة ـ أعشاب البحر فى الدول الآسيوية وخاصة اليابان والمنتجات المشتقة منها تستخدم على نطاق واسع كمصادر للأدوية والطعام. والطحالب الكبيرة والصغيرة تعطى مجموعة واسعة من المنتجات، تشمل المضافات والمكملات للأغذية، ووسائط الإستنبات، ومبيدات الحشرات، ومنظمات نمو النبات، وعوامل مضادة للبكتريا وللسرطان وللفيروسات. فعلى سبيل المثال، ثبت أن الطحالب الكبيرة مفيدة فى الإنتاج الواسع النطاق للأحماض الدهنية، التى قد تساعد على تقليل مخاطر أمراض القلب والأوعية الدموية. والطحالب الكبيرة الخضراء المسماه دونا ليلاسالينا تربى على نطاق واسع واستنبات مكثف فى كاليفورنيا لإنتاج البيتاكاروتين، وهى ماده ترتبط بالوقاية من السرطان.
الكائنات الدقيقة البحرية هى مصدر مجموعة واسعة جداً من المنتجات الطبيعية التى لها تطبيقات طبية وزراعية وصناعية. فعلى سبيل المثال، التشيتين هو أحد هذه المنتجات التى وصلت للأسواق فى عدة أشكال مختلفة ـ ككمادات لشفاء الجروح ومستحلبات للتصوير.
الأسماك والحيوانات المائية "الصدفية" والقشريات البحرية تعتبر مصدراً هاماً للإنسان. طبقا ً لبعض التقديرات فإنه قد يقوم الإستنبات المائى للأسماك بتوفير 25% من استهلاك العالم من الغذاء البحرى بنهاية القرن.
وعلى الرغم من العالم العربي عامة ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية خاصة محاطة بالبحار مثل البحر الأحمر والبحر المتوسط العربي وبالتالي فالآمة العربية تملك أكبر حياة بحرية في العالم تقريباو فإن بحوث التقنية الحيوية البحرية لم تحظي بالاهتمام الكافي، على الرغم من أنها من التكنولوجيات الواعدة في مجال زراعة الطحالب والأسماك. كما يمكن بتطبيق هذه التقنيات تحويل الخليج العربي والبحر الأحمر إلى مصدر هام للغذاء و الكيماويات عالية القيمة والأدوية.
فتطبيق التقنية الحيوية البحرية فى الوقت الحالى، التى تجمع بين التقنية التقليدية والتقنيه الحديثة، يقدم فرصه للدول المطلة على الأنهار والمحيطات والبحار. ومع ذلك لتحقيق النجاح، لابد من فهم الجينات الجزيئية وتطبيق تقنيات الأحياء الجزيئية الحديثة على نطاق واسع لتحقيق تحسين السلالات أو إنتاج طحالب مهجنة جينياً تصلح للتجارة.
التقنية الحيوية البحرية :
يمكن أن توصف التقنية الحيوية البحرية بأنها التعديل والتحسين التقني للكائنات الحية البحرية مثل الأسماك والحيوانات الصدفية والقشريات والطحالب البحرية. أو بمعنى أدق تطبيق للمبادئ الوراثية والهندسية على الكائنات البحرية للحصول على سلالات مهجنة جينياً، وتصنع الغذاء، وإنتاج المستحضرات الطبية، والمنتجات البحرية والزراعية والصناعية.
· أساليب التقنيه الحيوية البحرية :
تنقسم أساليب التقنيه الحيوية البحرية إلى نوعين :
أ ـ التقنية التقليدية Traditional biotechnology
تستخدم هذه التقنية الأساليب غير الجزيئية وتشمل مجموعة واسعة من العمليات مثل زراعة الخلايا والأنسجة Cells and tissue culture والتكاثر الدقيق والتخمر Fermentation. وتعتبر هذه التقنية مسئولة عن العديد من التحسينات التى شوهدت فى الأبحاث العلمية الخاصة بالكائنات البحرية.
ب ـ التقنيه الحيوية الحديثة Modern biotechnology
تسـتخدم هـذه التقنية الأسـاليب الجزيئيـة أى أسـاليب التعامـل المباشـر مـع المادة الوراثـية المتمثلـة فى جـزئ الحمض النووى الريبوزى المختزل DNA. وتشمل مجموعة من العمليات مثل التحكم بالجينات Genetic manipulation وإعادة اتحاد المادة الوراثية Recombinant DNA . وقد فتحت هذه الأساليب الحديثة الطريق إلى إنتاج سلالات ذات قيمة إقتصادية عن طريق تعديل الصفات الوراثية من خلال تغيير أو نقل الجينات إلى كائن آخر، وبالتالى إحداث طفرات وراثية وهو ما يعرف بالهندسة الوراثية Genetic engineering.
· التحكم الجينى فى الكائنات البحرية :
نظراً للأهمية الإقتصادية الكبيرة للكائنات البحرية فقد تم منذ عام 1984 البدء فى استخدام أساليب الهندسة الوراثية لعزل الجينات المسئولة عن الصفات المرغوبة ودراستها ونقلها إلى الكائنات البحرية بغرض الحصول على منتج ذو قيمة وبأقل تكلفة اقتصادية ممكنة، أو سلالة ذات إنتاجية عالية ويمكن التحكم فيها.
(ا) الهندسة الوراثية فى الأسماك :
· حفظ الموارد الوراثية السمكية
إن صيد الأسماك وتربيتها وتصنيفها أو المتاجرة بها يؤمن الغذاء والعمل والدخل فى المجتمعات الساحلية وغير الساحلية منذ قرون عديدة، إلا أنه فى الوقت الحاضر يتعرض التنوع البيولوجى للثروة السمكية لخطر اندثار أصناف عديدة منها وذلك نتيجة الإفراط فى استغلالها أو نتيجة إدخال نماذج غريبة إليها أو بسبب الكوارث البيئية. وحيث أن تحسين أصناف الأسماك باستخدام أساليب الهندسة الوراثية يعتمد اعتماداً كلياً على التراكيب والأطقم الجينية الموجودة بالموارد الوراثية السمكية وذلك بهدف نقل الجينات من صنف لآخر. لذا فيتم صيانة وجمع وحفظ المصادر السمكية الهامة بشكل قابل للإستمرار فى مزارع خاصة.
· عمليات التحوير الجينى للأسماك Genetic Transformation
معظم برامج تحسين أصناف الأسماك تعتمد على طرق التربية التقليدية ولكن فى الآونة الأخيرة حدث تقدم كبير فى استخدام التحوير الجينى لإنتاج أسماك معدلة وراثياً. وقد شجع على ذلك أن أصناف الأسماك التجارية تتشابه وراثياً مع الأصناف البرية مما يساعد ويفتح فرصاً كبيرة لعمليات نقل الجينات نظراً لسهولة الحصول على البيض وكذلك الحيوان المنوى من الأسماك بدون عمليات جراحية وكذلك كبر حجم البيض نسبياً وقدرة الحيوان المنوى على الحياة لمدة من أسبوع إلى أسبوعين فى محلول مالح وعدم الحاجة إلى تعقيم لإجراء عمليات التخصيب فإن التحكم الجينى فى الأسماك يعتبر بسيطاً وسهلاً بالمقارنة بالكائنات الأخرى.
ويتم نقل الجينات إلى البويضات المخصبة إما عن طريق الحقن [Microinjection] أو باستخدام جهاز الثاقب الكهربائى [Electroporator]. يلى ذلك تحضين البيض فى ظروف خاصة حتى يتم الفقس وبذلك نحصل على أسماك ذات جينات معدلة.
· إنجازات التحوير الجينى للأسماك
لقد حدث تقدم كبيرة فى الآونة الأخيرة فى استخدام العلاج بالهرمونات للتحكم فى تكاثر ونمو الأسماك الهامة، ففى اسكندنافيا يتم تطعيم كل أسماك السالمون المستنبته مائياً بالمقارنه بـ 5% فقط منذ عشر سنوات. ولكن حقن الأسماك بالهرمونات أو إضافته إلى غذائها قد يؤدى إلى تجمعه فى خلاياها أو بيضها، فيتراكم في الإنسان المستهلك، مما يسبب له أضراراً صحية جسيمة قد تصل إلى ظهور النموات السرطانية.
ولذا فقد تم تركيز الجهد فى أبحاث التحكم الجينى على نقل الجينات المسئولة عن الصفات المرغوبة أو إنتاج هرمونات معينة إلى البيضة. وميزة هذه الطريقة أن إنتاج الهرمون يكون طبيعياً متوازناً فلا يؤثر على الإنسان الذى يستهلك الأسماك أو منتجاتها.
وقد نجح العلماء باستخدام أساليب الهندسة الوراثية إلى الوصول إلى أسماك مهجنة جينياً. فعلى سبيل المثال :
1 ـ السالمون :
العديد من الأسماك البحرية التى تعيش فى المياه الباردة تنتج بروتينات تقوم "بمنع تجمدها"، وتحميها بمنع تكون بلورات الثلج فى مصل الدم، ولكن سالمون الأطلنطى ليس لدية جينات لإنتاج هذه البروتينات، وبالتالى لايستطيع أن يعيش فى المياه الثلجية. ولذا تم نقل الجينات المسئولة المضادة للتجمد إلى سالمون الأطلنطى لزيادة مقاومته للبرد، وبالتالى يُوَسع من مجال البيئة التى يمكن أن يُربى فيها هذا النوع من الأسماك.
2 ـ السمك الذهبى :
نظراً للمشاكل الصحية المترتبة على استهلاك الأسماك المعالجة بالهرمونات، فإن الأبحاث اتجهت إلى توليد سمك معدل جينياً باستخدام أساليب الهندسة الوراثية. وكانت أول تجربة فى هذا المجال هى نقل الجين المسئول عن إنتاج هرمون النمو البشرى إلى السمك الذهبى، مما أدى إلى زيادة نموه وإنتاجيته.
ومنذ ذلك الوقت تم نقل العديد من جينات الحيوانات الفقارية إلى أنواع مختلفة من الأسماك. وحتى عام 1990م، وصل عدد أنواع الأسماك المهجنة جينيا إلى ثلاثة عشر نوعاً من أصناف الأسماك التجارية مثل سالمون الأطلنطى.
3- السمك الذكري المميز
فى الإنسان يتم تحديد الجنس وراثياً عن طريق الصبغى (X- المحدد للجنس الأنثوى) والصبغى (Y- المحدد للجنس الذكرى) ولكن فى الأسماك فالقصة مختلفة حيث تلعب الجينات والبيئة دوراً هاماً فى تمييز الجنس. حيث يمكن تحويل الذكر (XY) إلى أنثى ولكن من الناحية الوظيفية والظاهرية ـ مع بقاء التركيب الوراثى ثابت ـ عن طريق المعاملة الهرمونية والعكس صحيح بالنسبة للأنثى (XX).
ففى عام 1995م استغل الباحث شيرلى جودى Cheryl Goudie فى وحدة أبحاث الوراثة فى الأسماك بولاية ستونفيل Stoneville الأمريكية هذه الظاهرة للحصول على سمك ذكرى أطلق علي (YY) Super male وذلك عن طريق المعاملة الهرمونية والتزاوج. وميزة هذه الطريقة خو الحصول على سمك ذكرى كبير الحجم وخالى من الرمونات. وقد تم استخدام ذ الطريقة مع صنفين من الأسماك هما Tilapia, Catfish.
· تمييز الأصناف باستخدام البصمة الجينية
من المعروف أن الجينات التى تنقل الرسائل الوراثية من جيل لآخر وتوجه نشاط كل خلية حية هى عبارة عن جزيئات عملاقة تكون مايشبه الخيوط الرفيعة المجدولة تسمى الحمض النووى الريبوزى المختزل (DNA) وتحتوى هذه الرسالة الوراثية على كل الصفات الوراثية. وتكمن المعلومات الوراثية لأى خلية فى تتابع الشفرة الوراثية (تتابع المعلومات النيتروجينية الأربع التى وهبها الله للحياة وهى الأدينين والجوانين والسيتوزين والثيامين) التى تكون المادة الوراثية فى صورة كلمات وجمل تقوم بتخزين المعلومات الوراثية فى لوح محفوظ مسئول عن حياة الفرد. وقد تمكن "أليك جيفرس" فى جامعة لستر بالمملكة المتحدة من اكتشاف اختلاف فى تتابع الشفرة الوراثية فى منطقة الإنترون (Intron) متمثلة فى الطول والموقع وقد أطلق على هذه الإختلافات "البصمة الجينية" ونظراً لعدم القدرة على تمييز سلالات الصنف الواحد من الأسماك مظهرياً فقد تم استخدام الشفرة الوراثية لتمييز السلالات السمكية.
· تشخيص الأمراض التى تصيب الأسماك
تصاب الأسماك بالعديد من الأمراض التى تسببها مجموعة كبيرة من البكتريا والفطريات والفيروسات مثل الأمراض Vibrosis، ich و Lymphocystis. ونظراً لعدم ظهور أعراض لهذه الأمراض بصورة واضحة فى بداية الإصابة، فإن التشخيص المعملى أصبح ضرورة. والتشخيص فى هذه الحالات يتم إما عن طريق عزل الكائن المسبب للمرض والتعرف عليه، وهى مسألة صعبة تتطلب معامل متخصصة على مستوى عال من التجهيز والإمكانيات المعملية والبشرية المدربة، أو يتم التشخيص عن طريق تأكيد وجود الإجسام المضادة ـ التى تتكون لمهاجمة الكائن الغريب ومحاولة تخليص الجسم منه ـ ومعرفة كميتها بالتحليل المناعى الإشعاعى أو الإنزيمى.
ونظراً لصعوية إجراء الوسائل الموضحة أعلاه، فقد اتجه العلماء إلى استخدام طرق الهندسة الوراثية للكشف عن الكائنات الدقيقة مباشرة فى العينات دون اللجوء إلى العزل. ويتم ذلك عن طريق تقدير تتابع القواعد فى الحمض النووى وهو مايعرف بإسم تفاعلات إنزيم البلمرة المتسلسل Polymerase Chain Reaction "PCR" وتحليل المادة الوراثية (DNA) للخلايا بواسطة مسابر جزيئية (Molecular probes) التى تستطيع الكشف عن التسلسل الجينى للكائن المسبب للمرض.
وترجع أهمية اختبار PCR واختبار المادة الوراثية إلى الكشف عن أقل كمية من الكائن المسبب للمرض. وبذلك يمكن تشخيص العدوى عند بداية حدوثها وهى خطوة مهمة فى التشخيص المبكر للإصابة قبل ظهور الأعراض.
وقد تم استخدام هذه الطريقة فى تشخيص مرض Furunculosis الذى يعتبر من أقدم الأمراض التى تصيب الأسماك فى العالم وتسببه بكتريا Aeromonas salmonicida.
· تحديات على الطريق :
والأبحاث جارية الآن لتحديد العوامل الفسيولوجية والغذائية والبيئية التى تساعد على تحقيق أفضل نتيجة للأسماك المهجنة جينياً قبل السماح بالإنتاج التجارى على نطاق واسع. كما أنه مع انتشار الزراعة المكثفة للأسماك وتزايد مخاطر التعرض للأمراض المصاحبة لذلك، فإن تطوير نوع من الأسماك يقاوم الأمراض قد أصبح أيضاً هدفاً أكثر أهمية.
(ب) التحكم الجينى فى الصدفيات والقشريات والطحالب البحرية :
لم يتم حتى الآن التحكم الجينى الكامل فى القشريات البحرية مثل الروبيان وسرطان البحر والجمبرى، وذلك لقلة المعلومات المتاحة بعلم الجينات الجزيئية لهذه الكائنات. ولكن هناك بعض المحاولات للتحكم الجينى فى النمو والتطور ومقاومة الأمراض لسرطان البحر. حيث ثبت أن سرطان البحر يتخلص من هيكله الخارجى أثناء النمو بواسطة عملية طرح تتحكم فيها الهرمونات التى تفرزها الغدد الصماء. وعلى ذلك فإن الأبحاث تركز على عزل الجينات المسئولة عن عملية طرح الهيكل الخارجى مما قد يؤدى إلى زيادة نمو سرطان البحر.
الحيوانات المائية الصدفية يمكن أن تخضع للتحكم الجينى، خاصة حجمها ومعدل نموها. وفى هذا المجال، فقد تم زيادة نمو الأبالون الأحمر الكاليفورنى عن طريق نقل الجينات المسئولة عن إنتاج هرمون النمو البقرى إليها.
أما بالنسبة للطحالب البحرية فإنه بالرغم من أن التقنيه الحيوية التقليدية هى صاحبة الفضل فى كثير من استخداماتها واستغلالها، فأن هناك تقدم كبير فى مجال التقنيه الحيوية الحديثة، حيث تم تصميم الكثير من أنظمة نقل وعزل الجينات وخصوصاً من طحلب الكلاميدوموناس Chlamydomonas والنوستوك Nostoc ولكن التقنيه الحيوية الحديثة لم تتعدى الأبحاث الأكاديمية حتى الآن.
الهندسة الوراثية في الفضاء
الفضاء هو المنطقة الكونية الواقعة خلف ما يسمى بالغلاف الجوى الذى يحيط بكوكب الأرض ويقع به العديد من النجوم والكواكب والأفلاك والمجرات كما يتميز بانعدام قوى الجاذبية الأرضية، وقد بدأ الإنسان فى النصف الثانى من هذا القرن بارتياد الفضاء حيث كان يورى جاجارين الروسى الجنسية أول الرواد فى هذا المجال بينما يسبح حالياً فى الفضاء الخارجى عدد من المركبات والسفن يقيم داخل البعض منها عدد من الرواد يقومون بتأدية مهام خاصة وتجارب معينة لتحقيق الاستفادة المثلى من تطبيقات أبحاث الفضاء.
· جينوميا الفضاء ... فرع علمي جديد
هو دراسة الأداء الوظيفى للجينات فى ظل تواجد ظروف بيئية غير طبيعية، أي في البيئة الفضائية، وهو يهدف إلى دراسة كل ما يتعلق بالجينوم (الطاقم الوراثى) فى الظروف البيئية الفضائية، ومضاهاة نتائج ذلك بنتائج الدراسات الجارية فى الظروف البيئية الطبيعية.
فقد قام علماء الجينات بإجراء تجاربهم في الظروف الطبيعية للخلايا الحية من خلال هندسة الأطقم الوراثية "الجينوم" لبعض النباتات بإدخال جينات جديدة لطاقمها الوراثى تمكنها من إنتاج مواد تعجز فى حالتها الطبيعية على إنتاجها. فقد تم تحوير الطاقم الوراثى لبعض النباتات بهدف إنتاج بعض اللدائن البلاستيكية، كما نجح العلماء فى إنتاج نبات يعطى درنات بطاطس تحت التربة، وثمار طماطم فوق التربة، بما يمكن أن نسميه "البطاطم "أو "الطماطس". وقد دفع ذلك العلماء إلى اقتحام تقنية الجينوم فى ظل الظروف غير الطبيعية، .
لقد كان حلم البيولوجيا الفضائية أملاً يراود الإنسان منذ القدم، ولتحقيق هذا الحلم، وضعت وكالات الفضاء العالمية الثلاث السوفيتية (سابقاً) "تاس"، والأمريكية "ناسا" والأوروبية "إيسا" ضمن برامجها الأساسية محاولة الزراعة فى الفضاء من خلال توفير بيئات زراعية صناعية تحتوى على المغذيات الكبرى والصغرى اللازمة لحياة ونمو النبات، ثم تجاوزت التجارب ذلك إلى محاولة فهم كيفية سير العمليات الوظيفية داخل خلايا النبات المستزرعة فى الفضاء، أو زراعتها فى الفضاء، ثم نقلها إلى البيئة الطبيعية لها "التربة الأرضية" وتسجيل الفروق بين الأداء الوظيفى لها وبين أداء النباتات الطبيعية, ثم تجاوزت ذلك إلى طرح العديد من الأسئلة مثل :هل يعبر الطاقم الوراثي عن نفسه فى البيئة الفضائية كما فى البيئة الأرضية ؟ هل ستوفر البيئة الفضائية حلاً للغز المورثات المتحركة داخل الطاقم الوراثى ؟, هل ستوفر البيئة الفضائية بيئات جديدة لحفظ جينوم الكائنات الحية ؟ أيمكننا إحداث تحكم جزئى فى التعبير الجينى من خلال آلية جينية فضائية جديدة ؟
ولتوفير الإجابة على تلك الأسئلة المطروحة تم استزراع العديد من الخلايا الحية فى البيئة الفضائية، مع توفير الظروف المناسبة والكافية لحفظ حيويتها، ودراسة السلوك الجينى أثناء عملية الاستزراع الفضائى فى مرحلة الانقسام الأول، أو فى مراحل انقسامية أخرى، ويتم ترجمة التعبير الجينى إلى موجات كهروجينية باستخدام تقنيات عالية وأجهزة تسمح بتحويل الحركات الجينية للأطقم الوراثية إلى ذبذبات كهربائية يمكن إظهارها على شاشات معينة، ويمكن باستخدام التحليلات الكهروجينية للموجات الظاهرة تحديد السلوك الجينى داخل تلك العمارة المتسعة، والتى يعجز العقل عن إدراكها، ومن ثم ستوفر لنا "جينوميا الفضاء" إجابة عن السؤال المطروح: هل توجد حياة خارج كوكب الأرض؟ حيث أن "جينوميا الفضاء" تعطى الأمل فى فحص أى جزء حيوى "مادة حية صغيرة جداً" متناثر فى الكون للوصول إلى حقيقة الحياة الكونية.
· بعض تطبيقات جينوميا الفضاء
(1) أدوية الهندسة الوراثية في الفضاء
ما زال الإنسان عاجزاً عن توفير الدواء الفعال لعلاج بعض الأمراض وإنتاج نوعيات معينة من الأدوية تتميز بالفاعلية والنقاء التام مثل الأمصال واللقاحات المضادة لداء عجز المناعة المكتسب (الإيدز) والالتهاب الكبدى وبعض المضادات الحيوية الفائقة الفاعلية.
وقد حمل مكوك الفضاء ديسكفرى عدداً من المعامل الدوائية والوراثية التى تبحث إمكانية ابتكار أدوية جديدة باستخدام أساليب الهندسة الوراثية ولكن فى ظروف الفضاء خارج الغلاف الجوى للأرض مستفيداً بظروف التعقيم التام وانعدام الجاذبية.
(2) إنتاج الجينات "المورثات " في الفضاء
تجرى حالياً دراسة إمكانية إنتاج أجزاء من المورثات الموجودة داخل الخلية فى الفضاء ومن ثم يمكن إبعاد مظاهر الشيخوخة حيث أن أسباب إصابة الإنسان بأمراض الشيخوخة يرجع إلى تناقض (التوليمرات) وهى التركيبات الحاملة للجينات فى أنوية الخلايا الموجودة على نهاية الكروموسومات والتى تميل إلى التآكل التدريجى مع تقدم السن كذلك فقد أجزاء من مادتها الوراثية الحاملة للشفرات والمسئولة عن إدارة شئون الخلية وذلك مع تكرار انقسامها. ويستمر هذا التضاؤل حتى تصل إلى حدود معينة تفقد معها القدرة على الانقسام وإنتاج المزيد من الحامض النووى لذا فإن العلماء الآن يحاولون إيقاف تناقص التوليمرات وإبطاء تآكلها عن طريق استخدام التقنيات الفضائية فى تحفيز قدرة الخلايا على الانقسام وتجديد حيويتها.
(3) إنتاج أنسجة بشرية
علاج الأمراض المستعصية يكمن فى إنشاء مزارع خلوية تنمو فى الفضاء الخارجى بعيداً عن جاذبية الأرض وليس من المستبعد أن يصبح بالإمكان إنماء أعضاء كاملة فى المحطات الفضائية من أجل استعمالها فى عمليات زراعة الأعضاء خاصة أن هذه الخلايا تنمو بطريقة أقرب لطريقة نموها الطبيعى داخل جسم الإنسان وسبب ذلك أن الخلايا فى حالة انعدام الوزن لا تتعرض للأذى عندما ترتطم بعضها ببعض أو مع جدار المفاعل أثناء تحريك الخليط الخلوى لتزويدها بالأكسجين، وقد نجحت هذه الطريقة فى إنتاج أنسجة طبيعية من الرئة والغضروف والأمعاء الدقيقة.
· جينوميا الفضاء .... سلاح ذو حدين
في الوقت الذي يفكر فيه مجموعة من العلماء في كيفية الإستفادة من "جينوميا الفضاء"، في إجراء عمليات الاستنساخ الحيوى Clonning للأنسجة فقط وذلك بهدف إنتاج أنسجة حية تؤدى وظائف حيوية هامة داخل الجسم كنسيج البنكرياس والكبد, ودراسة هندسة الأطقم الوراثية لبعض الكائنات الدقيقة فى البيئة الفضائية، لفهم كيفية تعامل هذه الكائنات الدقيقة مع الملوثات الكونية، ثم إمكانية تطبيق ذلك للتخلص من الملوثات الأرضية، فقد بدأت مجموعة أخري من العلماء تعبر عن الخوف من احتمالية حدوث تحوير جينى للطاقم الوراثى للكائنات المهندسة فى الفضاء، بما يسمح لها بالإضرار المباشر بالحياة على سطح الأرض.
فقد شهد البرنامج الفضائى لمكوك الفضاء الأمريكى "ديسكفرى" عام 1984 تجارب تتعلق بإنتاج بعض الهرمونات ذات المواصفات الحيوية المتميزة فى حقل المقاومة الحيوية، ولاسيما للفيروسات المسرطنة، كما تم انتاج هرمونات منشطة لكرات الدم الحمراء، وقد تمت إضافة العديد من هذه الهرمونات فى الرحلات التالية عام 1985 و 1988.
كما لا يراود العلماء أى شك فى نجاح أبحاثهم فى الزراعة الفضائية باستخدام تقنيات الهندية الوراثية ، لكن المشكلة هي فى إدامة هذه العملية وقدرتها على توفير الغذاء لسنين عديدة. وتأثير البقاء الطويل فى الفضاء على التغذية البشرية وطبيعتها، واحتمالات نقص الكالسيوم فى العظام بسببها، وضرورة تطعيم رواد الفضاء بمواد مستخلصة من الجزر والطماطم لحمايتهم من الإشعاعات الكونية.
إنجازات عربية في مجال الهندسة الوراثية
وقد شهدت الفترة الأخيرة العديد من الإنجازات العربية من أجل إقامة دعائم صناعة التقنية الحيوية ، منها على سبيل المثال مايلي :
(1) المركز العربي للدراسات الجينية بالإمارات
قام هذا المركز بإعداد قاعدة البيانات الخاصة بالاضطرابات الوراثية في العالم العربي والمعروفة باسم CTGA. ومنذ ذلك الحين توسعت تغطية قاعدة البيانات لتشمل أكثر من 900 علّة وراثية تمّ وصفها في الشعوب العربية. وعلى الرغم من أن الجهود تتركز على واقع الأمراض الوراثية في دولة الإمارات العربية المتّحدة، فإن قاعدة البيانات CTGA تحوي أيضاً معلومات مفصّلة عن بعض الأمراض الوراثية في الدول العربية الأخرى. كما يقوم المركز بتنظيم دورات وورش عمل ومؤتمرات وإصدار وإعداد الدراسات والتقارير في مجال الدراسات الجينية.
(2) مجمع دبي للتقنيات الحيوية والأبحاث
يعد أول مبادرة من نوعها على مستوى العالم لإقامة منطقة حرة مخصصة بالكامل لأنشطة التقـنيات الحيوية ، ومن المنتظر أن تخصص دبي 400 مليون دولار للمشروع. ومن المقرر إنجاز المرحلة الأولى منه في مطلع عام 2006.
ويعد هذا المشروع خطوة جديدة في خطط ومشاريع انتقال المنطقة إلى عصر المعرفة، ونقلة نوعية في توجه دولة الإمارات العربية المتحدة لتعزيز زخم نموها الاقتصادي وتعزيز مكانتها على المستويين الإقليمي والعالمي.
وسيقام المشروع في المنطقة المجاورة لمشروع «دبي لاند» على مساحة إجمالية قدرها 21 مليون قدم مربع، فيما من المنتظر أن يصل إجمال مساحات المباني والمنشآت ضمن المجمع إلى أكثر من 30 مليون قدم مربع تشمل مجموعات متنوعة من المعامل والمختبرات ومراكز الأبحاث والتطوير المصممة خصيصا لتلبية احتياجات هذا المجال إضافة إلى المختبرات المعقمة وحاضنات الأعمال، كما سيوفر المشروع مساحات مكتبية مختلفة وأبنية سكنية لتوفير فرص معيشية توائم احتياجات العاملين بالمجمع. وفي مجال تشجيع الأفكار والمشروعات الجديدة، سيخصص المجمع ذراعا تمويليا تنحصر مهمته في توفير الدعم المالي للمبادرات البحثية وحاضنات الأعمال والمشروعات المشتركة.
(3) معهد بحوث الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية بمدينة مبارك للأبحاث العلمية والتطبيقات التكنولوجية بمصر.
يهدف هذا المركز الى تحسين وتطوير الخبرة والمعرفة فى مجال التكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية وتنفيذ المشروعات البحثية التطبيقية فى هذا المجال، بالاضافة الى فتح آفاق التعاون بين مصر والدول المتقدمة والإرتقاء بسمعة البحث العلمى فى مصر وإدرار عائد مادى قومى يساعد على مواصلة الأنشطة اللازمة لعملية التنمية.
(4) البنك القومي للجينات بمصر
يسعي البنك للحفاظ علي الأصول النباتية والأصول الحيوانية والكائنات الحية الدقيقة حيث تتعرض هذه الأصول لجملة من الأخطار والتغيرات المناخية المستمرة, كما يقوم البنك بعمليات طويلة ومستمرة تشمل الاستكشاف والحصر والجمع والتوصيف والتقييم والحفظ لجميع أصول مصر الوراثية, كما ستتم دراسة التباين في الصفات الوراثية داخل كل صنف علي حدة والتباين بين هذا النوع والأنواع الأخري.
(5) مدينة التقنية الحيوية بالسعودية
تعتبر أول مدينة للتقنية الحيوية في منطقة الشرق الأوسط وسوف يكون مقرها في جامعة الملك عبدالعزيز بجده وتبلغ مساحتها مليون متر مربع يتم تطوير البنية التحتية فيها لتكون مدينة تقنية ذات بنية تحتية فائقة ذات مواصفات تقنية عالية وخدمات مساندة متكاملة لخدمة قطاع التقنية لحيوية في وعاء علمي اقتصادي متناغم يكون أكبر صرح علمي تقني في منطقة الشرق الأوسط.
ويستهدف هذا المشروع الكبير أن تشغل مساحة هذه المدينة التقنية العديد من الشركات الصناعية العالمية المعروفة وإنشاء عدد من حاضنات الاعمال لتحويل ابتكارات الافراد وافكارهم من مجرد خيال الى واقع ملموس.
ويعتبر مشروع مدينة التقنية الحيوية قيمة مضافة واضحة للملكة العربية السعودية تستطيع به الخروج إلي الأسواق العالمية عن طريق جلب وجذب التقنية وشركاتها للاستثمار في السعودية بعد تهيئة بيئة استثمارية مميزة للمستثمرين. علاوة على توفير فرص عمل للأيدي العاملة السعودية التي تستطيع أن تعي بمرور الوقت المفاهيم والمحاور التقنية وبالتالي إشراكهم في الأسواق العالمية واحتضانهم وخروجهم إلي حركة الاستثمار العالمية، كما ويساعد هذا المشروع على سرعة نقل التقنية والمعرفة التقنية للشركات والجامعات السعودية.
(6) مركز إقليمي للهندسة الوراثية والتقانة الحيوية للنبات بقطر
سيخدم هذا المركز جميع دول مجلس التعاون في مجالات تطوير بحوث الهندسة الوراثية وتحوير الصفات الوراثية في مجموعة من المحاصيل الاقتصادية المستوطنة. كما سيساهم المركز الجديد في حفظ وتسجيل جميع الموارد النباتية الرعوية والطبية المحلية.
ساحة النقاش