تتعمق الدراسات حول الفوائد الطبية والصحية للطحالب البحرية، وخاصة تأثير ما تحتويه من مواد كيميائية، على جوانب من مراحل نشوء الأمراض أو تسارع وتيرة تداعياتها. وربما يكون ظهور أكثر من 647 دراسة علمية حولها وفق إحصاء مكتبة الصحة القومية الأميركية أحد المؤشرات المهمة. ويتحمس الكثير من الباحثين في أوروبا والولايات المتحدة لدراستها، وغدوا في هذا المضمار ينافسون الباحثين من اليابان والصين وغيرها من الدول الآسيوية المستهلكة لها. ومن بين المواد الكيميائية في أنواع الطحالب البحرية مادة فيوكودان التي تحتل اهتماماً خاصاً، تمثل في ظهور أكثر من 36 دراسة علمية حولها خلال المدة ما بين مارس في العام الماضي وحتى ساعة إعداد هذه العرض، تسعة منها منذ بداية هذا العام. وفي وقت يتنافس الجميع فيه على مصادر المياه العذبة لتأمين احتياجات الإنسان في استخداماتها المتعددة، والتي على رأس قائمتها الزراعة، فإن البحار تطرح نفسها ليس كمصدر بديل بل كمكمل لمصادر الغذاء. وإن كانت البحار قد أثبتت جدارة وتفوقاً عبر قدرتها على تأمين اللحوم الصحية في الأسماك وعلى تأمين المياه عبر تحليتها، فإنها تقول لنا إنها هنا أيضاً لتأمين نباتات طازجة وصحية عبر الطحالب البحرية. وفي منطقتنا العربية ليس من طباعنا ولا تراثنا الغذائي الالتفات الى طحالب البحر كمصدر غذائي أو طبي، لكن ألم يئن الأوان الى أن ننظر إليها بطريقة أخرى؟ فدعونا نعرض ما الذي يقال اليوم عنها وفق ما تناولته الدراسات الطبية فيها.
تتوجه الدراسات الطبية حول الطحالب البحرية الى خمسة جوانب رئيسية وهي، الأول تزويدها الجسم بعناصر غذائية قلما تتوفر في الطبيعة ضمن منتج غذائي واحد مثلها، والثاني تأثير مكوناتها على آليات نشوء وتطور أنواع من السرطان، والثالث عملها على ضبط وتوازن أداء جهاز مناعة الجسم لوظائفه، والرابع عملها فيما يُعرف بإبطال مفعول السموم والمواد المشعة على الجسم، والخامس تأثيرات مكوناتها سواء متفرقة أو مجتمعة على أمراض شرايين القلب من خلال نسبة كل من سكر وكولسترول في الدم ومن خلال أيضاً ترسب الكولسترول في جدران الشرايين وتصلبها. هذا بالإضافة الى أن هناك دراسات أخرى نظرت الى التركيب الكيميائي والقيم الغذائية لأنواع مختلفة منها وبالتالي فوائد كل هذا الصحية والطبية على الذهن ونضارة البشرة والرغبة الجنسية وغيرها.
* القيمة الغذائية
* يرى الباحثون اليوم أن الطحالب البحرية مصدر غذائي جيد لم يتنبه له غالب الناس، ويعللون الأمر بأنها تحتوي على جميع ما في المحيط من معادن وأملاح، ويشبهونها في ذلك بالدم. وبتحليل حصة غذائية تملأ ربع كوب من الطحالب المقطعة، نجد أنها تحوي أكثر من 400 مللي غرام من اليود، أي ما يُؤمن حاجة الجسم لمدة ثلاثة أيام. وعلى ما يغطي 20% من حاجة الجسم اليومية من فيتامين فوليت، وكميات جيدة من الكالسيوم والحديد والمغنيسيوم وفيتامينات أخرى من مجموعة بي. والطحالب غنية بمواد كيميائية عدة، لكن أهمها كما تشير الدراسات الحديثة ثلاث مواد، هي: _ مواد لامينارين Laminarin، وهي إحدى السكريات العديدة التي تخزن هذه الطحالب الطاقة فيها. وهي مواد مفيدة في الوقاية والعلاج لأمراض شرايين القلب، عبر مجهودها في إحداث توازن في عمليات تجلط الدم. ـ مواد فيوكودان Fucoidan التي تشكل لب فوائد الطحالب البحرية، وحولها تدور اليوم غالب الدراسات الطبية. وسيأتي الحديث عنها. ـ مواد ألغانيت Alginate وهي المواد اللزجة في تراكيب جدران خلايا الطحالب، وخاصة النوع البني منها. وكثيرة هي استخداماتها اليوم، ولعل أطباء الأسنان هم أكثر من يدرك أهميتها في تراكيب الأسنان وغيرها. وأطباء الجهاز الهضمي عبر عملها كمضادة للحموضة، وأشهر الأدوية التي تتركب بالأساس منها هو شراب أو حبوب غافيسكون. وأطباء التجميل عبر استخدامات شتى أبسطها تغطية الحروق الجلدية لشفائها بواسطة ألغانيت الكالسيوم. لكن القصة ليست هذه فحسب، بل هي مواد طبيعية عالية الأهمية من خلال قدراتها على الالتصاق بالمواد المشعة والمعادن الثقيلة السامة وأيضاً الجذور الحرة free radicals المساهمة بشكل فعال في أمراض شرايين القلب وخرف الدماغ وغيرها من الأمراض. والفكرة بسيطة، وهي أنها مواد ليفية لا يتم هضمها وتفتيتها بأي من عصارات الأمعاء أو المرارة ولا يُمكن للأمعاء أيضاً امتصاصها، ولذا فإن الجسم حينما يحاول أن ينظف نفسه من المعادن السامة أو المواد المشعة عبر إفرازها مع عصارات المرارة الى الأمعاء كي تخرج مع البراز فإن احتمال دخولها الى الجسم مرة أخرى من خلال الأمعاء الطويلة وارد بشكل عالي، لكن هذه المواد من ألغانيت تعمل على الالتصاق بها ومنع دخولها الجسم مرة أخرى. وترى بعض الدراسات أن لها أثر ايجابي في خفض امتصاص الأمعاء للكولسترول وللسكر، لكن الأمر بعد المراجعة يحتاج الى دراسات أكبر وأكثر لتأكيد هذين الأمرين، وإن كان ما هو متوفر مشجع جداً للظن بذلك خاصة مع وجود عنصر الكروميوم فيها، اسوة بما سبق الحديث عن جدواه عند عرض تأثيرات القرفة على سكر الدم في الملحق الماضي من الصحة في «الشرق الأوسط».
* تناول الطحالب البحرية
* حسبما تقوله مصادر البحث حول الطحالب البحرية، فإن وجود اليود بهذه الكمية يحمي من حصول قصور في أداء الغدة الدرقية لوظائفها نتيجة لنقصه، الأمر الذي يطال حوالي 200 مليون شخص سنوياً، ويُعد نقص اليود هو السبب في 96% من الحالات. واليود هو أهم عنصر طبيعي معقم داخل الجسم، ويتركز في الغدة الدرقية، ولنا أن نتخيل مقدار استفادة الجسم من توفره فيها لو علمنا أن الدم الجاري في الجسم بكاملة يمر من خلال مكونات هذه الغدة مرة كل 15 دقيقة. كما أن أهمية توفيره للجسم يمكن تصورها إذا ما علمنا المظاهر المرضية لنقصه، بدءا من الأطفال حديثي الولادة حينما يكونون عرضة للتخلف العقلي وقصور نمو الجسم حال نقص اليود، وصولاً الى تأثير نقصه لدى البالغين حيث يسهل عليهم التعب من أدنى مجهود، ويظهر الخمول البدني والنفسي والذهني، وتتدنى المناعة ويصعب التأقلم مع الظروف المحيطة من اجتماعية ومناخية وغيرها، حتى الصوت يغدو غليظاً والحديث بطيئاً والشعر مجعداً وعرضة للتساقط وبشرة الجلد خشنة. ويُعد توفر الفوليت بهذه الكمية من مصادر طبيعية عاملا يقي الحوامل من ولادة أطفال ناقصي النمو أو الوزن أو حتى من الولادة المبكرة. والفوليت الطبيعي عنصر غذائي هام للقلب أيضاً، ومن فوائده أنه يُسهم في التخلص من أحد المواد الضارة في الجسم، التي ارتفاعها يُعتبر اليوم لدى أطباء القلب عامل خطورة ومؤشرا على احتمال ارتفاع الإصابة بأمراض الشرايين، وهو الهوموسستين. وكذلك الحال مع تأمين المغنيسوم المفيد لعضلة القلب وخفض مقدار ضغط الدم، وإذا ما أضفنا الى كل هذا ما أشارت إليه الدراسات من فائدة الطحالب البحرية في ضبط نسبة سكر الدم والكولسترول، تتبدى جوانب يُمكن أن يُقال عنها مفيدة للقلب ، لكن الأمر يحتاج الى تحقق تطبيقي أدق مما تصرح به كثير من المصادر الطبية الغذائية، من خلال دراسات مقارنة.
ويعد توفر المغنسيوم مع فيتامينات بي، بالإضافة الى مادة حمض بانتوثينك عوامل تُسهم في تخفيف التوتر النفسي. والذي تذكره المصادر العلمية التي ترى ذلك هو أن مادة هذا الحمض تعمل على ضبط إفراز الغدة فوق كلوية لهرمونات التوتر وخاصة هرمون أدرينالين، وبالتالي فإن من شأن هذه المادة الحمضية تقليل أعراض التوتر، وتقليل تداعيات ذلك كخفض مقاومة الجسم لمثيرات الحساسية، وخفض قوة جهاز مناعة الجسم في مقاومة الميكروبات والإعياء المزمن. وإضافة الى هذه التأثيرات على مناعة الجسم، فإن مادة فيوكودان تخفف من إفراط عمليات الالتهابات، الأمر الذي يعلل الفائدة التي تقول ربما أن الطحالب البحرية تقلل من نوبات الربو. ونظراً لتوفر مادة ليغنان التي تعمل عمل الهرمون الإنثوي لكن بقوة ضعيفة، ولتوفر المغنسيوم، فإن أعراض بلوغ سن اليأس تخف لدى متناولات الطحالب البحرية من اضطرابات النوم والمزاج والتغيرات في الجلد غيرها.
* طبيعة الدراسات
* الملاحظ من خلال النظر المجمل الى الدراسات الطبية حول الطحالب البحرية، أن هناك إدراكا واقعياً من الباحثين أن الإقبال على استخدامها هو من قبل المستهلكين لها كغذاء ومن قبل أيضاً الشركات التي تستخرج مواد كيميائية منها لإنتاج مستحضرات تغذية أو تجميل، أو كمكملات غذائية في المشروبات والآيسكريم (البوظة) والجلي وغيرها، وصنع مزارع استنبات البكتيريا في المختبرات الطبية، والأهم من كل هذا دراسات استخدام مركباتها. لذا كان من المنطقي اتجاه الأبحاث نحو دراسة تأثيرات مكونات طحالب البحر، وعدم اتجاهها نحو دراسة أثر تناولها بشكل مباشر، لأن غالبية شعوب العالم اليوم لا تفعل ذلك، وأفضل طريقة لحثهم على ذلك هو عبر إثبات فوائد مركباتها. الأمر الذي سيدفع الناس إما الى تناولها مباشرة أو الى استخدام مستحضراتها. والواقع أن غالبية شعوب العالم تدخل مستخلصات من الطحالب البحرية دون أن تشعر وبشكل غير مباشر، كما في استخدام أنواع شتى من المنتجات الغذائية كما تقدم. كما أننا لو نظرنا الى بلدان آسيا فقط لوجدنا أن هناك أكثرية عددية تتناولها بالفعل كما تدل عليه ارتفاع معدل إنتاجها. ولعل عولمة تناولها هو آخر ما تبقى من عملية عولمة المأكولات بين شعوب الأرض. هذا كله دون الحديث عن دراسات إمكانية الاستفادة منها في إنتاج الطاقة، أو الاستفادة الصناعية الأخرى كما في إنتاج الأخشاب والدهانات والصمغ وغيرها.
* سوق متنام من الألوان والأنواع > الطحالب البحرية تصنفها كثير من المصادر مجازاً كنباتات بدائية، لكنها تشدد على أنها غير عشب البحر، وهذا أمر يطول شرحه ولا مجال للاستطراد فيه هنا. وكأنواع، فإن تحت سطح ماء البحر وعلى شواطئه 6000 نوع من الطحالب الحمراء اللون، 200 من النوع الأخضر. وبرغم أن هناك 2000 نوع من البني اللون، إلا أنها تمثل كمية غالب ما في البحر من طحالب. وقد تُوجد الطحالب في أعماق تصل الى 250 متراً، إلا أن أكثرها ينمو في المياه الضحلة أو بين الصخور نظراً الى حاجتها الماسة لضوء الشمس. وتتفاوت أحجامها بين ما طوله بضعة سنتيمترات الى 70 متراً. وأكثر الأنواع شيوعاً ولذة أيضاً لمن قارن بين طعمها هو نوع «نوري»، ذو اللون البنفسجي الغامق، الذي يتحول الى لون أخضر فسفوري لدى الطهي كما في لفائف السوشي اليابانية. ونوع «كيلب» الأخضر الغامق، والذي يسميه البعض رماد البحر لأن المجفف والمبشور منه يُستخدم كإضافة الى الطعام بدل الملح، وتعطي الطعام نكهة عبق البحر. ونوع «واكامي» المستخدم في إعداد شوربة ميسو اليابانية المميزة الطعم. والأصل أن بالرغم من وجود أنواع كثيرة من الطحالب البحرية إلا أنه لا يُعرف أن هناك أنواعاً سامة أو ضارة منها كما يقول الباحثون من الجامعة القومية بآيرلندا، كما أن من غير المعروف أن تناولها يسبب أي نوع من الحساسية في الجسم.
وتوسع في الآونة الأخيرة حجم السوق العالمي للطحالب البحرية بشكل مطرد. وانتشرت مزارع إنتاجها حتى في دول أميركا الشمالية وأوروبا، والسبب أن استخراجها من البحر عفوياً ومباشرة لم يعد كافياً لتأمين حاجة الأسواق، ففي عقد التسعينات تجاوز حجم إنتاج السوق العالمي 9.6 مليون طن سنوياً، تنتج اليابان منه حوالي 10%، ويُدر عليها لذلك أكثر من بليون دولار سنوياً. لكن المصادر الفرنسية والآيرلندية تتحدث مؤخراً عن وصول الإنتاج العالمي الى حدود 5.9 مليون طن سنوياً، أي أن الارتفاع قارب 40% خلال عقد واحد. وبالمناسبة فإن الاهتمام الآيرلندي بالأمر سبق بقية الدول الأوروبية بأزمنة طويلة لأن تناول النباتات البحرية جزء من تراثها، ولدى الجامعة القومية الآيرلندية في غالوي مركز متخصص في أبحاثها.
* ذهب بلاد الشرق .. فيوكودان الطحالب البحرية > تشتهر مملكة تونغا لدى الكثيرين بأنها من أوائل دول العالم التي تبدأ السنة الجديدة فيها، نظراً لموقعها الممعن بعدا في شرق العالم ضمن مناطق شرق نيوزيلندا وجزر فيجي. لكن هذا ليس هو أول شيء يسبق فيه سكان هذه المملكة من الجزر المتناثرة بقية سكان العالم، إذْ اكتشف العالم منذ أن وطئت أقدام كابتن كوك أرضها في عام 1777 أن سكان هذه الجزر النائية قد سبقوهم الى نوع مميز من الطحالب البحرية يُدعى ليمو موي، وهو السر وراء طول أعمارهم وتمتعهم بالصحة الجيدة كما يرى الكثيرون فيها ذلك. ولقد دلت دراسات العلماء أن هذا النوع من الطحالب البحرية غني بالأملاح والمعادن والفيتامينات المهمة للجسم، إضافة الى البروتينات والسكريات العديدة التي ترفع من مستوى مناعة الجسم وتقلل فرصة الإصابة بالسرطان. لكن تظل مادة فيوكودان هي الأبرز من ناحية الشهرة بالنظر الى الدراسات التي احتضنتها اليابان أولاً ومراكز البحث في أميركا وأوروبا لاحقاً. وتشكل هذه المادة نسبة 4% من مجفف هذا النوع من الطحالب، الذي يفوق تركيزها فيه أياً من أنواع الطحالب البنية الأخرى. وفيوكودان عبارة عن سكريات عديدة كبريتية ذات تركيب معقد، وتشمل نوعين، نوع يو U-fucoidanو نوع أف F-fucoidan . ولعل الذي فتح الباب على مصراعيه هو الدراسات اليابانية في عام 2000، والتي جرت في مختبرات تكارا لأبحاث الكيمياء الحيوية، والتي أشارت الى قدرة هذه المادة على وقف النمو للخلايا السرطانية ودفعها نحو قتل نفسها بنفسها، أو ما يعرف بعملية التخلص الذاتي.
وبالجملة فإن الدراسات من اليابان والولايات المتحدة والأرجنتين والسويد وكندا وأسبانيا تشير الى قدرة هذه المادة على وقف النمو السرطاني، وتنشيط خلايا جهاز مناعة الجسم، ومنع الإصابة بالأمراض الفيروسية خاصة الهربيس، وتخفيف حدة تفاعل الجسم مع المواد المسببة للحساسية، ووقف تدهور ترسيب الكولسترول في الشرايين وحالات ألزهايمر، وتطور مراحل شيخوخة خلايا الجسم، وتعديل ارتفاع سكر الدم. وآخرها في شهر مارس الحالي ما أعلنه الباحثون من فرنسا أن لهذه المادة قدرة قوية على تنظيم إفرازات الأنسجة الليفية الضامة في تفاعلات التئام الجروح داخل وعلى جلد الجسم. وفي نفس الشهر أيضاً اتخذ الباحثون الألمان من هذه المادة حكماً إيجابياً في تقييم قدرة السكريات العديدة في حليب الأم على تحفيز مناعة الجسم عند متابعة القضاء على الميكروبات. لكن الدراسات الأبرز للفرنسيين كانت حول فائدة مادة فيوكودان إما منفردة أو بإضافتها الى عقار هيبارين المسيل للدم، وذلك في منع عودة سد الشريان التاجي بعد توسيعه بالبالون أثناء القسطرة. ودراسة جامعة ريوكاوس في إيكيناوا باليابان في ديسمبر الماضي حول تأثير هذه المادة في حالات لوكيميا الخلايا الليمفاوية، التي يقول الباحثون أنها مادة واعدة لعلاج هذا النوع من السرطان. والحقيقة أن الأبحاث وكثرتها، والتي وصلت الآن إلى مرحلة متقدمة عبر دراسة تأثيرات استخدامات دقيقة لها كمادة علاجية، تثير في ذهن الإنسان استغراباً لعدم وضع الكثيرين هذه الطحالب البحرية ضمن وجباتنا من آن لآخر على أقل تقدير.
يعتبر تأمين الغذاء الكافي والمناسب للإنسان في المستقبل القريب، أحد أهم التحديات التي تواجه البشرية، ففي عام 2050 يتوقع العلماء أن يتجاوز تعداد البشر 9 مليارات نسمة، وهذا يعني تضاعف الطلب العالمي على مصادر المواد الغذائية التقليدية.
من هنا كان تفكير الباحثين منصبا لاستغلال موارد غير تقليدية لإنتاج الغذاء المناسب للإنسان والذي يلبي الطلب المتزايد على الأغذية، فاستحدثت وطورت تقنيات جديدة للإنتاج الغذائي، ومنها تقنية زراعة الطحالب الصالحة للاستهلاك الآدمي.
فوائد متعددة
تحتوي الطحالب على 45-60% من وزنها بروتينا، وهي تستخدم في الكثير من أماكن العالم كغذاء للحيوانات والطيور والأسماك، وقد أثبتت الدراسات والأبحاث الطبية، احتواء بعض أنواع الطحالب على مضادات للفطريات والبكتيريا، إذ تم استخراج بعض العقاقير والأدوية الهامة منها، كبعض علاجات مرض السرطان والإيدز وغيرها الكثير، وتجدر هنا الإشارة إلى الأبحاث التي أجراها فريق من العلماء في معهد البحوث التابع لكلية الطب في جامعة كاليفورنيا، حيث أثبتت دراستهم، أن بعض أنواع الطحالب مثل ( سبيرولينا) لها تأثيرات إيجابية على الجهاز المناعي للجسم وتحفز جسم الإنسان على التغلب على بعض الأمراض الخطيرة، ومن جانب آخر حذرت الدراسة من احتواء الكثير من الطحالب على مواد سامة وضارة، مثل مادة ( مايكروكستين).
ويتم زراعة الطحالب في بعض المزارع السمكية حيث تعمل كمصاف حيوية لامتصاص النيتروجين، وهناك بعض أنواع الطحالب التي تستخدم في معالجة مياه الصرف الصحي وإدمصاص المعادن الثقيلة منها ثم يجري معالجتها ببعض أنواع الحوامض للتخلص من هذه السموم الخطيرة.
كما تعمل بعض أنواع الطحالب على تجديد الأوكسجين في مياه الأنهار والبحيرات والسدود والبحار، ومن جانب آخر فإن بعض أنواع الطحالب، والزيادة غير المنضبطة في نموها، يؤديان إلى حدوث مشاكل بيئية معقدة للغاية، حيث قد يتعكر لون الماء، وتنبعث منها روائح كريهة ومواد سامة وقاتلة، كذلك قد تمنع كثافتها وصول الأوكسجين إلى الأسماك والكائنات الحية الأخرى الموجودة في الماء، مما يؤدي إلى قتلها وتعفنها في الماء.
ماهي الطحالب؟
تنتمي الطحالب إلى المملكة النباتية، ويتعذر تميز أجزاؤها إلى جذور وأوراق وسيقان، وتنمو بشكل طبيعي في البيئة المائية، وتكون مستعمرات ضخمة يصل طولها إلى 50 مترا، وتتنوع أشكالها وألوانها وأحجامها.
تم تقسيم الطحالب إلى ثلاثة فصائل رئيسة تبعا للونها وهي الخضراء والحمراء والبنية اللون، وينطوي تحت هذا التقسيم العام، أنواع أخرى، أما التقسيم العلمي للطحالب، فيشمل ثمانية فصائل وهي
الطحالب الخضراء المزرقة.
الطحالب الكارية.
الطحالب السوطية.
الطحالب البيرية.
الدياتومات ( الطحالب الذهبية).
الطحالب الخضراء.
الطحالب البنية.
الطحالب الحمراء.
زراعة الطحالب
تعود فكرة زراعة الطحالب واستغلالها كمصدر هام للمواد الغذائية، إلى مئات السنين، حيث تم زراعتها أولا في الصين واليابان على ضفاف الأنهار والبحيرات الداخلية والبحار، ويبلغ إنتاج الصين من الطحالب حوالي 70% من الإنتاج العالمي.
ويتم زراعة الطحالب عن طريق ربطها على الأفرع المرجانية الميتة أو الصخور، أو قد تعلق على عوامات موضوعة داخل الماء، كما قد تثبت على شباك داخل الأنهار والبحيرات، ويتم تسميدها باليوريا، حيث يوضع هذا السماد في أوعية مثقبة، وتدفن بالقرب من الطحالب المزروعة.
كما تم استخدام خزانات المياه في المناطق الصحراوية والتي تعتمد على مياه الأمطار المتجمعة فيها لإنتاج واستغلال بعض أنواع الطحالب الغير ضارة بصحة الإنسان، كمواد أولية للصناعات الغذائية البشرية.
إن استغلال هذا المصدر الغني بالبروتينيات للإنتاج الغذاء المناسب للإنسان، يعتبر أمرا هاما وحيويا، ومزيدا من الأبحاث والدراسات، ستوفر للإنسانية مصدر متجدد يلبي بعض حاجة البشرية الملحة للغذاء والدواء أيضا.
دواء مستخرج من الطحالب لعلاج مرض الإيدز
يسعي الباحثون لطرق جميع الأبواب التي قد تسهم بشكل أو بأخر في القضاء علي أخطر أمراض العصر، وتوفير العقاقير التي قد تحول دون تفاقم هذا المرض..وفي هذا الصدد، اكتشف علماء برازيليون عناصر في الطحالب البحرية يمكن استخدامها لمعالجة الإصابة بفيروس الإيدز والوقاية منه وذلك في دراسة اشرف عليها معهد اوزفالدو كروز الذي لم يكشف أسماء هذه العناصر مكتفياً بالقول أنه حصل على نتائج واعدة أثناء تجارب اولية غير سريرية.
وأشار المعهد إلى أن المواد التي درست يمكن أن تستخدم في أدوية لمعالجة المرضى الذين يعيشون مع فيروس "اتش اي في" المسبب لمرض الإيدز وكذلك في الوقاية من الإصابة به مع تطوير مبيد جرثومي ذي مفعول موضعي.
ودرس الباحثون 22 عنصراً طبيعياً موجوداً في الطحالب البحرية على الساحل البرازيلي واختاروا منها ثلاثة لاعداد مضادات لفيروس "اتش آي في".
وأوضح لويس روبرتو كاستيلو برانكوال المتخصص في نظام المناعة أن الفارق الكبير هو ضعف سمية هذه المواد في حين أن الأدوية المتوافرة ناجعة لكنها سامة، مضيفاً أن كل شيء جرى كما هو متوقع و ستبدأ في العام 2010 المرحلة السريرية مع تجارب على مرضى.
يذكر أن هذه التقنية العلاجية الجديدة ستسمح بمعالجة مرضى لم يتجاوبوا مع تركيب الأدوية المتواجدة كما أن المصدر الطبيعي للمادة طحالب غير سامة هو صمام أمان لتطبيق المنتج.
وقد نجح علماء برازيليون في تطوير مادة هلامية مستخرجة من الطحالب لحماية النساء من فيروس " HIV " المسبب لمرض الإيدز، حيث أثبتت التجارب الأولية فعاليته بنسبة 95 %.
وتأتي تجارب الطحالب كجزء من برنامج واسع المدي لصنع سلسلة من وسائل منع الحمل للنساء، والتي يمكنها أن تمنع انتشار المرض القاتل.
وأشار العلماء إلى أن برنامج البرازيل الوطني لمنع انتشار مرض الإيدز يعد هو الأفضل على مستوى العالم.
وأوضح العلماء أن هناك مادة أخرى تستخرج من الطحالب المائية الحمراء تساعد على الوقاية من سرطان عنق الرحم وتقتل فيروس "ال اتش بي في" المسبب له.
وأوضحت الدراسة أن هذه المادة والتى تدعى "كاراجينان" تستخدم كمادة مكثفة في كثير من المنتجات ومنها بعض المشروبات وأطعمة الأطفال وتساعد على قتل هذا الفيروس الذي ينتقل عبر الاتصال الجنسي و الذي يتسبب في سرطان عنق الرحم.
وخلصت الدراسة إلي أن هذه المادة هي أفضل من أي مادة أخرى في قتل الفيروس وتكفي وضع قطرات منها في حوض ماء لمنع العدوي.
كما اكتشف مجموعة من العلماء الاستراليين مادة طبيعية خاصة فى طحالب البحر، تساعد فى تقليل حالات الالتهاب والمضاعفات الناتجة عن عمليات زراعة الأعضاء.
وتنجم هذه الالتهابات عن بكتيريا تعيش على الجلد بصورة طبيعية ولا تسبب أى أضرار فى الحالة العادية ولكنها قد تلوث الأجهزة المزروعة فى الجسم.
وتستطيع هذه المادة الموجودة تقليل احتمالات تعرض المريض للالتهابات والمحافظة على حياته، لدورها فى تقليل أعداد بكتيريا المكورات العنقودية البيضاء التى تلوث الأجسام البلاستيكية.
ساحة النقاش