ليس صحيحاً أن عبد الفتاح السيسي يرفض العشوائيات، أو يعتبرها مظهراً لا يليق بمصر.. هو ذاته حاكم عشوائي يقود سلطة عشوائية، يريد شعبه كله من العشوائيين.
ابحث عن تعريفات للعشوائيات ستجد الآتي: إنها المناطق التي أقيمت بالمخالفة للقوانين واللوائح المنظمة للتخطيط والبناء، وغير متوفر فيها الخدمات المطلوبة، من تعليم وصحة وغيرهما من خدمات، وكذلك المرافق الأساسية، وأحياناً يمكن أن تكون هذه المناطق غير آمنة بيئياً أو اجتماعياً، وتم تصنيف المناطق إلى غير مخططة وأخرى غير آمنة.
تعريف آخر صاغته مؤسسة "معاً" يقول إن العشوائيات، من الناحية القانونية والسياسية، هي مناطق مخالفة (غير مرخّصة للبناء) أو على أساس اقتصادي (غير رسمي). ومن الناحية العمرانية والاجتماعية، هي عمليات البناء التي تتم خارج إطار الدولة ومؤسساتها.
كل ما سبق ينطبق حرفياً على عبد الفتاح السيسي ونظامه، فقد أقيمت سلطته بالمخالفة للقوانين، بكل معاني المخالفة، وتأسست على أرضٍ ليست أرضه، بل استولى عليها بقوة السلاح وبطش البلطجة، ولكي يبني فوقها ارتكب مجموعةً من الجرائم، شملت القتل والحرق والإبادة والتعذيب، ومصادرة الممتلكات والحريات. هدم السيسي بناء ديمقراطياً، سليماً من الناحية القانونية والإجرائية، وبنى فوق أنقاضه هذه السلطة القبيحة الشائهة، بمساعدة الغير وتمويله، هذا الـ"غير" الذي يفضل هذا اللون من الواجهات، غير الحضارية، لدولة صاحبة حضارة عريقة.
على مستوى الأداء والممارسة، كل ما يفعله السيسي عشوائي، يشيد قصوراً من الوهم، ويحفر قنوات من الأكاذيب، يتحدّث عن القوة، وهو يتسوّل بضعفه وهشاشته، ويردّد كلاماً عن التنمية، وهو يهدم ما تبقى من ملامح دولة، وصفها هو شخصيا بأنها "شبه دولة".
تضرب العشوائية بجذورها في مجال حركته السياسية، فلا مبادئ مستقرّة، ولا قيم محترمة، تحكم حركته، هو مع "أهل الأرز" ما دام متدفقا، وضدهم، إذا توقف الضخ، مع السعودية وضدّها، ومع إيران وضدّها، يومئ لأتباعه بمهاجمة أميركا التي ترتعد خوفاً من قوته، ثم فجأةً يدلي بأحاديث، يعلن فيها أنه لا يستطيع البعد عن واشنطن، حتى لو أعطته واشنطن ظهرها، غير أنه وللإنصاف، لديه ثابت وحيد لا يحيد عنه، هو الحفاظ على الرضا الصهيوني، وكأن شعاره بات "ماذا يفيد الجنرال إذا كسب العالم وخسر إسرائيل".
دبلوماسيته تكذب كما تتنفس، وليس آخر هذه الأكاذيب وقوف وزير خارجيته أمام الصحافة الأميركية ليردّد روايةً مغلوطةً ومزيفةً عن اقتحام نقابة الصحافيين، واختطاف اثنين من محرّريها المعتصمين، غير أنهم لا يكذبون بحرفية جوبلز والآلة النازية، وإنما هم عشوائيون في أكاذيبهم أيضاً.
قلت سابقاً إنه يتحرك بعقلية الديليفري، حيث التوصيل لمن يطلب، ومن يدفع، والمواقف طازجة وساخنة، يوماً بيوم، إذ تمارس السياسة بالقطعة، كما يفعل عمال الأجرة اليومية، فالبوصلة هي إيراد آخر النهار، لا فرق بين العمل في بناء دار عبادة، أو طلاء دار مناسبات، أو بيتٍ للتجميل، أو بيت لأي شيء آخر.
عشوائيته في الداخل لا تتوقف، تجلياتها عديدة من "علاج الإيدز بالكفتة" إلى تفريعة القناة التي يكذبون في أرقام إيراداتها، مروراً بقضية سد النهضة والعاصمة الإدارية.استماتتهم في محاولة تقنين أوضاعهم العشوائية تدفعهم إلى إشعال الحرائق في كل ما هو أصيل وشرعي، ولأنه يعاني مشكلةً مع ماضٍ قريبٍ ملوثٍ بالدماء وانعدام القيمة وضآلة القامة، في وطنٍ هيمن عليه، بأساليب إجرامية، فقد قرّر أن ينسف الماضي بكل ما فيه، ويفتتح وطناً جديداً، بعاصمةٍ جديدة، يحمل اسمه، ويحرق تاريخه، ويبدأ العالم من اللحظة التي حكم فيها.
ليس غريباً، إذن، أن تتكشف الحقائق عن أنه كان وراء حرق المجمع العلمي، بوثائقه التاريخية وخرائطه الجغرافية، كما يحرقون غرفة التخطيط في مبنى محافظة القاهرة التي تحوي تاريخ مصر والعاصمة بالكامل. إنهم يحرقون التاريخ ويحرقون الجغرافيا، كي لا يبقى هنالك فرق بين العشوائي والحقيقي، ليصير العشوائي لاحقا هو السيد.