يزوّدون شاحنة الاستبداد بالوقود في القاهرة، فتنطلق مثيلتها بالسرعة الإجرامية القصوى في دمشق.
كل دعم يحصل عليه نظام عبد الفتاح السيسي في مصر ينعش نظام بشار الأسد في سورية.. تلك هي المعادلة التي أثبتت صحتها وقائع الأيام.
لم يرد بشار أن يفوِّت فرصة ازدحام مطار القاهرة بطائرات داعمي الانقلابات، فالتقط الرسالة سريعاً، وقرر ذبح حلب مرة أخرى، وإقامة حفل شواء، "باربيكيو"، للحوم الأطفال والعجائز في المستشفيات وفي المدارس والملاجئ، تزامناً مع حفل الطرب الملكي في قصر عابدين في القاهرة.
يعلم بشار أن الرعاة يعلمون، في قرارة أنفسهم، أنه والسيسي في سلة واحدة، وما يُلقى للثاني من مساعدات يفيد منها جزار الشام، وكما انتفخت أوداج السيسي بعد الزيارات السخية، فأطلق العنان لفرق الاستبداد والوحشية، فقد انتعش بشار وانتشى، بالقدر نفسه، وقرّر أن يمارس عمليات الإبادة ضد الشعب الثائر، بالطاقة القصوى، فافترس حلب، ثم استدار إلى الرقة مدعوماً بغطاء جوي من الطيران الروسي، وعملية إعادة انتشار برية لمقاتلي داعش الذين رصدتهم العدسات يتنقلون، منسحبين، من مناطقهم على الرحب والسعة، بينما يواصل طيران النظام غاراته المجنونة على المدنيين وقوات المعارضة الثورية.
وكما رصد متابعون سوريون من الميدان، فقد خرجت قوافل قوات داعش من ضواحي دمشق، ومن الضمير، بحماية برية من قوات النظام، فيما كانت تسير أمام قوافلهم سيارات ترفع علم الأمم المتحدة، وقطعت الطريق من دمشق إلى الرقة في 8 ساعات مكشوفة في صحراء منبسطة تحت أنظار الطائرات الأميركية والروسية وطائرات النظام، ثم يستخفون بعقولنا ويدّعون أنهم يحاربون داعش.
ينسف هذا المشهد كل الأكاذيب، ويسقط كل الادعاءات والأساطير التي يسوقونها لتبرير عربدتهم في الأراضي السورية بالحرب على "داعش"، ويؤكد أنهم جميعاً كاذبون في قولهم إنهم مع الشعب السوري ضد بشار الأسد وداعش، فالصحيح أنهم، مع داعش وبشار، ضد الثورة السورية، وربيعنا العربي.
غضب مني بعض الأشقاء العرب، حين قلت يوماً إن قليلين جداً من اللاعبين في المأساة السورية يحبون الربيع العربي، فيما جلّهم كاره له، وإن استخدمه ورقةً في اللعبة الإقليمية أحياناً.. وهكذا، تتحول الثورات إلى مجرد ورقة في لعبة البوكر السياسي في المنطقة، بعناصرها الطائفية، والمذهبية، لتتحقق بوضوح نظرية الأواني المستطرقة. خذ في الشام، واترك في اليمن، والعكس أيضاً صحيح، فيما ينشط اللاعبون في تقديم كمياتٍ إضافيةٍ من مظاهر التعاطف مع الضحايا، مساحات لجوء، وحسابات تبرع، ليهنأ السفاحون بالاستمرار.
وها هي الأيام تنطق بأنهم "أكلة لحوم الثورات العربية"، كما وصفتهم سابقا، فكل صيحات الحرب، العربية والغربية، ضد بشار، انتهت إلى تثبيت أركان حكمه، ومنحته مساحاتٍ وقدراتٍ للحركة فوق جثة الثورة السورية، منذ أعلن باراك أوباما، عقب مجزرة الكيماوي في الغوطتين 2013، أن الضربة الأميركية خلال ساعات، وحتى الحديث عن قواتٍ عربية، بقيادةٍ سعودية، تستعد لدخول سورية، للحرب ضد تنظيم الدولة.
وأكرّر أن الثورة السورية تدفع من لحمها الحي ثمن ما يجري في اليمن، وفي مصر، وفي ليبيا. يسقط الحوثي وصالح، ليعيش بشار والسيسي، ينخفض سعر برميل النفط، لترتفع فرص بشار الأسد في البقاء. يعصرون عنب اليمن، كي يثمر بلح الشام، ويتساقط رطباً جنياً في حجر بوتين، ليتغذّى بشار، ويسمن إجرامه.
كلهم يتناوبون افتراس الثورة السورية، في فراشٍ داعشي وثير، ليصبح جل أصدقاء سورية أصدقاء روسيا البوتينية، في اللحظة نفسها، والوضع نفسه، ولا يبقى سوى أن تتحوّل المأساة السورية إلى صندوق تبرعات أمام مساجد، تدعو منابرها على بشار، وبوتين، وفي الوقت نفسه، تدعو بطول البقاء لأصدقاء الدب الروسي الألداء.
كلهم دواعش، وكلهم بوتين، وكلنا حلب وسيناء، يقطعون من لحمنا الحي، ويصنعون أطباقهم المفضّلة في مطابخ الحرب على الإرهاب.