وأنت تتابع إعلان نظام عبد الفتاح السيسي عن موت زراعة القمح في مصر، تذكّر أن القمح كان حاضرا بقوة في معركة الجنرالات للإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي.
كان سلاحاً في المعركة، وكان سبباً لشن هذه الحرب القذرة، ذلك أن حكومة هشام قنديل أعلنت في شهر أبريل/ نيسان 2013 أن مصر على أعتاب الاكتفاء الذاتي من القمح، بعد ارتفاع المحصول إلى ما يقارب عشرة ملايين طن.
كان ذلك قبل الانقلاب بشهرين، حيث كانت جبهة الحرب على الرئيس القادم من قلب ثورة يناير تظن أنها أوشكت على إنجاز مهمتها في إزاحته، مستخدمة كل أساليب وحيل الإنهاك والإحباط. لذا، كان لا بد من حملة لإفساد انتصار القمح.
بدأت القصة بالتشكيك والسخرية من الأرقام المعلنة، ثم حين أكد الفلاحون، أصحاب الشأن، أن ارتفاعاً حقيقياً حدث في الإنتاجية، اتخذت الحرب أساليب أخرى، أكثر انحطاطاً، حتى وصل الأمر إلى أن عصابات شريرة أشعلت الحرائق في مساحاتٍ مزروعة قمحاً بطريق مصر الاسكندرية الصحراوي، فيما ظهرت ملامح هذا المخطط بالكشف عن أشرار آخرين، ينشطون في شراء محصول القمح من الفلاحين وإعدامه، أو إخفائه، كي لا يتم توريده إلى الصوامع الحكومية، وذلك عقب إعلان الحكومة عن رفع سعر التوريد، تشجيعاً للفلاحين.
وقد سجلتُ، وقتها، أننا أمام جريمة عدوان غاشم على أمن مصر القومي، يتطلب تحقيقاً سريعاً ووصولاً أسرع إلى الجناة، ومن يقف وراءهم.
ورصدت أيضاً محاولة استدراج نقيب الفلاحين، لكي يظهر على إحدى الشاشات التلفزيونية السامة، ويكذب أخبار الارتفاع المذهل فى إنتاجية القمح. وقبل اللقاء بساعات، ذهب إليه أحد سماسرة هذه الشاشة، ليلقنه ما يجب أن يقول، بحيث ينفي تماماً صحة التقارير الخاصة بزيادة الإنتاج، وكما قال لي أحد شهود الواقعة، فإن السمسار إياه حاول إيهام الفلاح الأصيل بأن من مصلحة مصر ألا يقال إنها ستحقق الاكتفاء الذاتي من القمح.
غير أن فطرة الفلاح السوية لفظت هذا الفحيح، وفاجأ الرجل البرنامج بتأكيد معلومة ارتفاع إجمالي محصول القمح، فتغيرت خارطة الحوار إلى محاولة التشكيك في نجاح عمليات التوريد والتخزين.
ملحوظة: نقيب الفلاحين المشار إليه لقي مصرعه في حادثٍ مريب بعد أسابيع من انقلاب عبد الفتاح السيسي، وتحدثت مصادر التحقيق عن شبهة جنائية في حادث انقلاب سيارته.
فتحت الثورة المضادة كل مخازن أسلحة القبح، كي تحارب إنجاز القمح، حتى أن وسائل الإعلام، بعد أن فشلت في نفي الإنجاز التاريخي وإنكاره، قرّرت أن تتجاهل القصة، وكأن تغييراً حقيقياً في مصر لم يتم، كون تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح ليس مجرد إنجاز زراعي أو اقتصادي، وإنما يعني أن أمةً قرّرت أن تنبعث مجدداً من تحت ركام العوز والحاجة، وأن تمد قدميها وتضرب بهما الأرض، فتثمر خيراً، بدلا من أن تمد يديها تسولاً واستجداءً من هنا وهناك.
في عام 2010، قال لي وزير زراعة سابق إن اكتفاء مصر ذاتياً من القمح ممنوع بالأمر الأميركي، كي تبقى مصر سجينة التبعية الغذائية، ومن ثم التبعية السياسية. وروى لي مصدر أثق في مصداقيته واقعةً لا تخفى دلالتها على أحد، مؤداها أنه، في فترة رئاسة بيل كلينتون الولايات المتحدة، كان نائبه آل غور في زيارة إلى مصر، وقرّر أن يسافر لمشاهدة مشروع توشكي على الطبيعة، يرافقه وزير الري المصري في ذلك الوقت، ولم يكن معهما صحافيون ولا إعلاميون على الطائرة. وحين وصلا، سأل آل غور الوزير أبوزيد: ماذا أنتم فاعلون بهذه الأراضي؟ فرد الأخير نخطط لزراعتها قمحاً..ابتلع آل غور الإجابة، من دون أن يعلق، وبعد أقل من ساعة من العودة إلى القاهرة، رن هاتف الوزير، وكان المتصل وزير الزراعة في ذلك الوقت، يوسف والي، ولم تخرج المكالمة عن توجيه سؤال غاضب: هل تحدثت مع نائب الرئيس الأميركي في زراعة توشكي بالقمح؟ فرد: نعم. فطلب والي بصرامة من وزير الري عدم الكلام في ما لا يخصه بعد ذلك، "بالبلدي كده، ما تبقاش تتدخل في اللي مالكش فيه تاني".
هل علمت، الآن، لماذا يعلن إعلام عبد الفتاح السيسي أن "القمح في ذمة الله" بكل سرور؟
المصدر: وائل قنديل
نشرت فى 10 فبراير 2016
بواسطة news2012
صحافة على الهواء
نتناول الموضوعات السياسية والعلمية والدينية والإجتماعية على الساحة الداخلية والخارجية وتأثيرها على المجتمع المصرى »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
125,294