نظرات

موقع اجتماعي سياسي و تربوي ونفسي يهتم بالطفل وتربيته وقصصه


 

لعله من أجمل -وأيضا من أجل- مكتسبات ثورة 25 يناير أن أعادت إلى المصريين إحساسهم بأن وطنهم قد عاد ملكا خالصا لهم، بعد أن كانوا أو كادوا يشعرون بأنهم قد أصبحوا ضيوفا عليه، وبعد أن شاعت في أوساط عمومهم مقولتهم الساخرة بالغة الدلالة: "يا عم سيبك ... هي البلد بلدنا؟!!".

 

وفي استجابة تلقائية وتفاعل محمود مع هذا الشعور الرائع بالحرية والكرامة وبالشراكة في الملكية والمسئولية، انخرطت قطاعات واسعة من أفراد المجتمع ومن قواه الوطنية من كافة التيارات والفصائل والاتجاهات في حوارات ساخنة حول المسائل والقضايا والشئون العامة، ولعل أكثر المناقشات حرارة واحتداما كانت من نصيب برامج الإصلاح السياسي وآليات التحول نحو المسار الديمقراطي واستحقاقات وترتيب أولويات أجندة العمل خلال المرحلة الانتقالية.

 

وبالرغم من أن هذه الحوارات والنقاشات تحمل في مجملها عددا من المؤشرات الإيجابية، إلا أننا نلاحظ أنها أحيانا ما تتجاوز قواعد وآداب الحوار الهادئ الموضوعي البناء الذي يستهدف تواصل الأفكار وتبادل المعارف وبناء الخبرات وتقويم المسارات وتكامل الأطروحات، بل وأحيانا ما تخترق حدود اللياقة لتأخذ صورا من التربص والعنف والاستفزاز والازدراء والسخرية والاستهزاء بأفكار وقيم ومعتقدات الآخرين، فيتحول النقاش الحر حينئذ من ساحة فكرية رحبة تتسع لجميع الآراء والاتجاهات إلى أفق ضيق سقيم تتوحد فيه ذوات الأشخاص مع أفكارهم ويستميتون في الدفاع عنها والتشبث بها استماتتهم في الدفاع عن حيواتهم، ويتحول الحوار الراقي من رياضة ذهنية يستمتع بممارستها ذوي العقول المستنيرة إلى إرهاب فكري يشهر أسلحة التكفير والتخوين والتخويف، أو إلى شجار كلامي واشتباك لفظي وجدل عقيم، وجميعهم سلوك مذموم يرفضه الدين السمح وتأنفه النفس السوية ويمجه العقل الراشد ويأباه الخلق القويم. ومن عجب حقا أن يحدث هذا من البعض تحت شعار الديمقراطية وحرية التعبير، وربما كان هذا سلوكا متوقعا ممن صاموا طويلا عن الكلام وربما يلزمهم بعض الوقت حتى يألفوا النطق الحكيم، وهو ما يوجب علينا أن نمتلك شجاعة الاعتراف بأننا بعد لم نزل –إلا من رحم ربي- في "سنة أولى"، ولا أقول "كي جي 1"، ديمقراطية.

 

والديمقراطية -التي تعني لغويا "حكم الشعب لنفسه"- مصطلح مركب من كلمتين من اللغة اليونانية القديمة: "ديموس=الشعب" و"كراتيا=الحكم". والديمقراطية ليست بالطبع قيمة مطلوبة لذاتها، وإنما هي وسيلة اختبرتها واختارتها الغالبية من شعوب الأرض لضمان شراكة المواطنين في صناعة القرارات التي تمس حياتهم وتؤثر على مستقبل أولادهم من بعدهم. والديمقراطية بهذا المعنى ليست فقط "خيارا سياسيا" أو "نظام حكم" يعتمد على وصول الأكثرية إلى سدة الحكم من خلال صناديق الانتخاب ومن خلال تفعيل مبادئ التداول السلمي للسلطة والتوازن بين القوى والفصل بين السلطات، وإنما هي "ثقافة مجتمع" تتوافق قواه على مجموعة من القيم العامة الحاكمة، ويرتضيها لتنظيم العلاقات بين أفراده وجماعاته ومؤسساته، وينشأ ويتربى على ممارستها حتى تغدو لأفراده منهج فكر ونمط حياة، ويتعود على احترامها حتى يرفض تجاوزها ويلفظ تلقائيا كل من يحاول اختراقها.

 

ومن أهم القيم الداعمة للممارسة الديمقراطية الرشيدة هي الحرية والعدالة وتكافؤ الفرص والمراكز القانونية المتساوية، واحترام حقوق المواطنة وحقوق الأقليات وحقوق الإنسان، والتسامح الفكري، وقبول الآخر، وتشجيع التنوع والاختلاف باعتبارهما روافد للتكامل لا مصادر للتناحر والصدام، وحماية واحترام حرية العقيدة وحرية الفكر والتعبير والإبداع، وضمان حرية تبادل الأفكار والتداول الحر للمعلومات، واعتماد الحوار الموضوعي كوسيلة لتحقيق التآلف أو لبناء التحالف أو لحل النزاع أو لفض الخلاف، والالتزام بالإفصاح الأمين عن المقاصد الحقيقية والنوايا والأهداف والبرامج والسياسات، واحترام الأقلية لإرادة الأغلبية، ومن جانب آخر منع تعسف الأغلبية في استخدام صلاحياتها في مواجهة الأقلية، وضمان عدم حصول الأغلبية على أصوات الناخبين بأساليب غير نزيهة أو غير موضوعية، أو بطرق رخيصة أو ملتوية أو معيبة، أو باستخدام الضغط أو الترهيب أو الغش أو التدليس للتأثير على وعي وإرادة واختيار وقرار الناخبين.

 

ونخلص من هذا كله إلى أن المفهوم الرحب للديمقراطية لا يمكن اختزاله في مجرد انتخابات حرة، أو ابتساره إلى إجراءات نزيهة، إذ أن الديمقراطية وفي غياب أخواتها وتوائمها وقيمها الداعمة تتحول إلى منهج بدون قيمة، وإلى شكل بغير مضمون، أو في أحسن أحوالها ستكون ممارسة قاصرة ومنقوصة، ولا أظن أن هذا هو ما أراده لبلده وما ضحى من أجله شبابنا الحر صناع الثورة الأصليين، وليس هو ما نتمناه لتجربتنا الديمقراطية الوليدة، وليس هو ما نرجوه لشعبنا الأصيل بعد طول صبر وانتظار سنين.

Email: [email protected]

 

المصدر: بقلم: دكتورة/ حنان إسماعيل راشد رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للتنمية وحماية المستهلك
  • Currently 46/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
16 تصويتات / 719 مشاهدة
نشرت فى 26 يونيو 2011 بواسطة nazrat

ساحة النقاش

nazrat

نشكركم على جميل تعليقاتكم . وإنما الشكر موجهة للاستاذة الدكتورة حنان راشد فهي من كتاب الموقع المتميزات , فهي توالينا بالثمين من مقالاتها بين حين وآخر

karika-azzamadvertising

استاذ محمد اشكرك على مقالك الرائع ولكن نريد من حضرتك توضيح مفهوم الدولة الاسلامية للناس لان الكثير متخوفون من حكم الدين الذى انزل من السماء وساد كل ربوع الارض فلما الخوف من الدين الاسلامى ولما نطبقه فى بعض امور حياتنا وعند حكم البلاد نخاف ولا نشهد له شهادة حق . جزاكم الله خيرا ....

محمدمسعدالبرديسي

nazrat
( نظرات ) موقع إجتماعي يشغله هم المجتمع سياسيا وتربويا بداية من الاسرة الى الارحام من جد وعم وخال الى آخره , الاهتمام السياسي أساسه الدين النصيحة و يهتم بالثقافةبألوانها ويعد الجانب النفسي والاهتمام به محور هام في الموقع كذلك الاهتمام بالطفل ثقافة وصحة »

ماذا تود البحث عنه ؟

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

642,912

مصر بخير

                         
* الشكر واجب للسيد العقيد هشام سمير  بجوازات التحرير , متميز في معاملة الجمهور على أي شاكلة ..

* تحية للمهندس المصري محمد محمد عبدالنبي بشركة المياه