يستدعي مقدم شهر أكتوبر إلى سطح ذاكرتي العديد من الذكريات السعيدة لمرحلتي الطفولة والصبا. ولقد أضاف يوم السادس من أكتوبر في العام 1973 إلى أجندته الغنية وفي القلب من ذاكرة الوطن شهادة ميلاد جديدة للأمتين المصرية والعربية، شهادة ميلاد سطرتها قواتنا المسلحة الباسلة بدماء المقاتلين من شهدائنا وجرحانا التي روت رمال سيناء الطاهرة، فأعادت بها الحياة إلي شرايين الوطن وأعادت معها الروح إلي آمال وطموحات مصر في استعادة أرضها السليبة وفي النمو والنهضة واللحاق بركب التقدم، هذه الروح التي كانت قد انكسرت مع ما ضاع وانكسر في يونيو 1967.
وبنظر أبناء جيلنا لم يكن نصر أكتوبر يعبر فقط عن عملية عسكرية نجحت بدقة في تحقيق أهدافها السريعة من كسر لحالة الجمود العسكري ومن تحرير واستعادة السيادة علي المجري الملاحي لقناة السويس، ولكنها كانت مقدمة لابد منها لتحسين الموقف التفاوضي للقيادة المصرية، وقد أسفرت بسياسة النفس الطويل عن تحرير كامل لشبه جزيرة سيناء وعن توقيع معاهدة السلام التي جنبت مصر وأبناءها ويلات ومخاطر الحروب والتي أسهمت في تحويل مسار الاقتصاد المصري من اقتصاد متأزم لأمة في حالة حرب إلي اقتصاد أمة ناهضة ترنو إلى التقدم وتتطلع إلى التنمية. إن ملحمة أكتوبر 1973 لم تكن نصرا عسكريا أحادي البعد، ولكنها كانت انتفاضة أمة عظيمة نفضت عن وجهها غبار الإنكسار وألقت عن كاهلها إحباطات اليأس ووقف فيها شعبها خلف قيادتها وجيشها في سيمفونية حب وانتماء وتفان وعطاء قل أن تتكرر في تجارب الشعوب وفي تاريخ الأمم.
واليوم وبعد مرور سبعة وثلاثين عاما علي نصر أكتوبر 1973 وقد ولدت أجيال عدة لا تعرف عن هذه الحرب المجيدة سوي ما تقرأه عنها في كتب التاريخ المدرسية وما يعرض عليها في وسائل الإعلام المختلفة، وأغلبه للأسف يقصر عن المعالجة المناسبة ويبعد عن التوثيق الدقيق لطبيعة وتفاصيل وحيوية هذا العمل العسكري والاستراتيجي العظيم، ما أحوجنا إلى نشهد حدثا قويا يحدث تأثيرا فارقا نسترجع به "روح أكتوبر"، نستنهض من خلاله "همة الأمة"، ونستعيد معه حالة "الإجماع الوطني"، ونلتف فيه حول "المشروع القومي". فهل يجود أكتوبر 2010 بما لم يأت به أكتوبر في سابق الأعوام؟!، أرجو –بل أتمنى- ذلك، فرجال وأبطال وشهداء أكتوبر يا سادة لم يضحوا دماءهم وأرواحهم الغالية لنغني للنصر يوما وحيدا في العام، ولكنهم بذلوها رخيصة لكي نصنع بها جميعا نصرا عظيما لمصر في كل يوم من أيام كل عام. تحية لأبطال أكتوبر، أحياء مكرمين بظهر الأرض أو شهداء أحياء بظهر الغيب، ولهم ولأسرهم ولأهليهم ولذويهم جميعا نقول: تضحياتكم لم ولن تضيع، ومصرنا أبدا لم ولن تهون، وسلام على أرواحكم الطاهرة إلى يوم يبعثون.
ساحة النقاش