النجاح لعلم المكتبات والمعلومات

التواصل بين طلبة علم المكتبات و المعلومات

 

1- التوثيـق فـي التاريــخ :

       تعود بدايات التوثيق إلى عصور ما قبل التاريخ ، أي أن بدايات التوثيق سبقت التدوين الكتابي ، ذلك أن التوثيق بمفهومه الواسع ، أي حفظ الأحداث التاريخية و المعلومات العلمية و نقلها إلى الأشخاص الذين يمكنهم الاستفادة منها ، ينطبق أيضاً على التناقل الشفاهـي للمعلومات و المعـارف و المهارات ، و لا بد أن نتذكر أن الشعر الجاهلي أسهم في توثيق تاريخ العرب قبل الإسـلام ، وأن ملاحـم هوميروس الشاعر الإغريقي الأعمـى " وثقت " فترة تاريخية كانت غائرة في عمق الذاكرة الإغريقية ، و أن التناقل الشفاهي لملحمتي الأوذيـسة و الإلياذة كان من أول أشكال التوثيق الشفاهي و ذلك قبل تدوينهما بقرون عديدة . و عندما ننظر إلى التوثيق في تاريخ العالم القديم نستطيع أن نلمح أهم محطاته :

* وصلت الحضارتان السومرية و المصرية إلى مستوى عالٍ من

         الكتابة التصويرية ، التي اسـتوعبت تدوين الشـعر و الطـب

         و المعتقدات الدينية  و العلوم .

* اكتشف المصريون نحو 2500 قبل الميلاد ورق البردي ، و بذلك

   أصبح من الممكن تبادل الوثائق ، و نقل المعلومات المدونـة من

   مكان إلى آخر.

* اكتشف السومريون نحو 1700 قبل الميلاد وسـيطاً آخر و هو

   الكتابة على ألواح فخارية ( الرقـم ) و سـجلوا عليها بالكتابة

   المسمارية تاريخهم وعلومهم و مبادلاتهم التجارية ، وذلك بعد أن

   طوروا كتابتهم التصويرية القديمة إلى كتابة مسمارية .

* ظهرت أولى المكتبات المنظمة و المصنفة في العالم في مصر

   و بلاد ما بين النهرين في الألف الثانية قبل الميلاد .

* في القرن الثامن قبل الميلاد ظهرت في سـورية أول أبجدية فتحت

   الطريق أمام الانتشار الواسع للكتابة في العالم القديم ، و أثرت على

   الأبجدية اليونانية و التي انطلقت منها فيما بعد الأبجدية اللاتينية .

* في الفترة ( 1450- 1456 ) م أخرجت مطبعة يوحنا غوتنبرغ

   أول كتاب مطبوع يتكون من 42 سطراً من الإنجيل ، مما منح

   البشرية إمكانية النشر الواسع للنصوص المكتوبة .

* في القرن التاسع عشر ظهر نظام تصنيف ديوي Melvil Dewey،

   و هو أشهر و أهم نظم تصنيف المكتبات حتى اليوم .

 

2- تعـريــف عـلـم الـتـوثيــق :

       تختلف تعريفات علم التوثيق باختلاف النقطة التي نرغب بالتركيز عليها ، و لعل أهم و أفضل هذه التعريفات هو :

" التوثيق هو علم السيطرة على المعلومات " .

       ذلك أن هذا التعريف ينطبق على نظم التوثيق التقليدية . كما يستوعب الاتجاهات الحديثة لهذا العلم ، فالمعلومات يمكن أن تتضمن جميع أشكال حاويات المعلومات بدءاً من الوثيقة و الكتاب و انتهاء بالصورة و التسجيلات الصوتية و الفيديوية و النصوص الإلكترونية ، كما أن مفهوم السيطرة يتضمن العمليات الفنية التقليدية كالتجميع و الاختزان و الفهرسة و التصنيف و التكشيف ، كما يتضمن الاتجاهات الحديثة كمحركات البحث و المكانز الآلية و الفهرسة الآلية .


3- نـظـم  الـتـوثـيـق  الـتـقـلـيـديـة :

       في القرن التاسع عشر بدأت ملامح ظاهرة انفجار المعلومات بالإعلان عن نفسها ، مما دفع بالموثقين إلى استكشاف أساليب جديدة تساعدهم في مواجهة هذه الظاهرة ، و قد كان التحذير الذي ورد على لسان جوزيف هنري ، و هو أحد أهم العاملين في مجـال المكتبات في الولايات المتحـدة و بريطانيا ، إذ أسهم في إنشاء 380 مكتبة في هذين البلدين ، وقد عبر عن قلقه تجاه مستقبل التوثيق عام 1851 قائلاً :

" لقد أثبتت التقديرات أن مقدار ما ينشر سنوياً من مصادر المعلومات ، يبلغ نحو عشرين ألفاً من المجلدات ، بما فيها النشرات ، و تعد كلها إضافة إلى رصيد المعرفة البشرية ، و مالم ترتب هذه الكميات الضخمة بطريقة ملائمة فسوف يضل الباحثون سبيلهم بين أكداس الإنتاج الفكري ، كما أن تل المعلومات سوف يتداعى تحت وطأة وزنه " .

       و يمكن أن نقول أن علم التوثيق الحديث انطلق في القرن التاسع عشر، حيث شهد هذا القرن ولادة نظام ديوي للتصنيف ، و شهد انطلاق معظم الأساليب المستخدمة فيما بعد في مجال التوثيق  و وضع أسسها العلمية كالفهرسـة و التكشيف و التحليل الموضوعي و التصنيف و الاستخـلاص ، و نوجز فيما يلي أهم الأدوات المستخدمة في نظم التوثيق التقليدية :

* الكشافات : هي إحدى الأدوات الأساسية المستخدمة في استرجاع

   المعلومات ، و تعنـى الكشافات بتنظيم المقالات و الدراسـات

   و البحوث داخل الدوريات أو الصحف أو الكتب ، و يكون تنظيم

   الكشافات إما موضوعياً أو ألفبائياً أو زمنياً أو رقمياً .


* المستخلصات : هي ملخصات دقيقة تبنى بصورة علمية وفقاً لقواعد

   الاستخلاص التي تتوخى تضمين الملخص كل العناصر الموجودة

   في المادة الأصلية ، وتصاغ بأسلوب مشـابه للوثيقة الأصلية مع

   وصف ببليوغرافي يسهل استرجاع الوثيقة الأصلية .

   و تتنوع المستخلصات وفقاً للهدف من إنشائها فهنالك المستخلصات

   الوصفية و المستخلصات الإعـلامية و المستخلصات الموجـزة  

   (التلغرافية ) .

* الأدلـة : تفيد في الوصول إلى المعلومات الجارية و المتجددة

   و تعرف بأنواعها و أماكن وجودها ، و هنالك أنواع عديدة من

   الأدلة نوجز أهمها فيما يلي :

- أدلة الأفراد : تعرف بالخبراء المتخصصين في مجال معين .

- أدلـة الهيئات و الجمعيات و المنظمات الدوليـة : تعرف بهـذه الجهات و أعمالها و أقسامها و مهامها و أنظمتها و خدماتها .

- أدلة الدوريات : تعرف بالدوريات و تخصصها و أماكن صدورها .

- أدلة المؤتمرات و حلقات البحث : تعرف بالندوات و غاياتها و أنواعها و أعمالها و توصياتها و البحوث الصادرة عنها .

- أدلة المواد السمعية و البصرية: تعرف بالأشـرطة الصوتية و الفيديوية و الأفلام و الصور و الشرائح الثابتة و الأقراص الليزرية .

* نظم التصنيف : هي إحدى الأدوات الأساسية المستخدمة في تنظيم

   المكتبات و دور الأرشـيف ، و يغلب على نظم تصنيف المكتبات

   و نظم تصنيف مراكز المعلومات الصحفيـة الطابع الموضوعي ،

   و الانتقال من رأس الموضـوع العام إلى رؤوس الموضوعات

   الفرعية ، في حين تعتمد دور الأرشـيف على تصنيف الوثائق

   الورادة إليها وفقاً للجهة التي أصدرتها .

* نظم الفهرسة : و هي إحدى الأدوات الأساسية المستخدمة في تنظيم

   مـواد المكتبات و دورالأرشـيف ، و تدل هذه النظم على طريقـة

   وصـف أوعية المعلومات وفقاً لقواعد علمية موضوعة سلفاً بحيث

   تغطي وصف وعاء المعلومات من جميع الجوانب الممكنة .

* المكانز : هي النظم التي تتضمن كلمات البحث الرئيسة ( الكلمات

   المفتاحيـة ) و التي تستخـدم في تخزيـن المعلومات و من ثم

   استرجاعها و غني عن البيان أن المكانز هي لغة مقيدة ، أي أن

   الواصفات المستخـدمة في الإدخـال يجب أن تكون هـي ذاتها

   المستخدمة في الاسترجاع .

 

4- نـظـم الـتـوثـيــق الحـديثـة :

       لعل أول من أشار إلى ضرورة فتح آفاق جديدة أمام نظم استرجاع المعلومات ، بشكل يتجاوز نظم التوثيق التقليدية هو فانيفار بوش الذي كتب مقالاً عام 1945 قال فيه :

" يرجع عجزنا عن الوصول إلى الوثيقة . إلى حد بعيد  إلى الافتعال و عدم الدقة في نظم التكشيف ، فحينما توضع بيانات من أي نوع في مكان الاختزان فإنها ترتب هجائياً أو رقمياً ، و يتم الوصول إلى المعلومات ( إذا تحقق ) بتتبعها من فرع إلى آخر"

ثم : " العقل البشـري لا يعمل بهذه الطريقة ، و إنما يعمل بتداعي المعاني أو ترابط الأفكـار ، فهو عندما يحصل على إحـدى المواد ينتقـل في التو و اللحظة إلى الأخرى التي اقترحها تداعي المعاني"

       و بذلك يكون " فانيفار بوش " أول من دعا إلى تجاوز نظم التوثيق التقليدية ، و إن الأفكار التي طرحها عام 1945 ، كان لا بد أن تنتظر قبل تحقيقهـا ما يقارب نصـف قرن من الزمـن ، مع تطويـر تقنيات البحـث و الاسترجاع و اعتماد محركات البحث و المكانز الآلية و الشبكات العصبونية ، و مع ظهور النص الفائق (  الممنهل ) Hypertext .

       و اليوم تعتمد المكتبات الكبرى في العالم على نظم استرجاع متطورة ، و قد قامت مكتبة الكونجرس و المكتبة البريطانية بتحويل ملايين الكتب من شكلها الورقي إلى الشكل الرقمي ، حيث أصبح بالإمكان اليوم إجراء بحث متطور ليس فقط في عناوين الكتب و موضوعاتها و كلماتها المفتاحيـة ، بل و من خلال البحث عن أية كلمة وردت في الكتاب .

       و نوجز فيما يلي أهم الأدوات المستخدمة في نظم التوثيق الإلكترونية الحديثة :

* محرك البحث : و هو برنامج ذكي يبحث عن الكلمات و مرادفاتها

   في نصوص الكتب أو الوثائق المخزنـة رقمياً ، أو إذا لم تكـن

   النصوص مخزنة بشكلها الكامل فإنه يستطيع البحث في نصوص

   الملخصات ، كما تتميز بعض هذه المحركات بذكائها و بإمكانيـة

          التعلم ،أي أنها يمكن أن تطور أساليب بحثها ذاتياً من خلال تقويم

          نتائج البحث و مدى مطابقتها و تلبيتها لحاجات المستفيد في كـل

          مرة.

* المكنز الآلي : و هو نظام ذكي يعتمد على استخراج الواصفات من

  النصوص المخزنة و إقامة علاقات ترابـط فيما بينها من العام إلى

   الخاص و علاقات ترادف ، و يقوم بتطوير و تعديل هذه العلاقات

   بشكل آلي ، من خلال تقويم نتائج البحث و مدى مطابقتها و تلبيتها

   لحاجات المستفيد .

* النصوص الفائقة ( الممنهلة ) : تقوم النصوص الفائقة ( الممنهلة )

         Hypertext  بالإحالة فوراً من نص يعالج موضـوع محـدد إلى

          نصوص أخرى متعلقة بكلمة وردت في النص ، مما يشكل أساساً

          متطوراً للمعلومات المتكاملة ، و يتطابق إلى حد بعيد مع التصور

          الذي طرحه فانيفار بوش عام 1945 ، حيث أكد على الانتقال من

          فكرة إلى أخرى وفقاً لتداعي المعاني ، و لكن هذا الانتقـال هنا لا

          يعتمد على تداعي المعاني لدى القارىء و إنما لدى المؤلـف الذي

          يتوقع أين يكمن تداعي المعاني في النص فيحيل في هذه المواقـع

          أو الكلمات إلى نصوص أخرى مترابطة مع النص الأصلي .

 

5- نـظــم  الأرشــفـة  الـضـوئـيـة :

       مع تعاظم حجم الوثائق الحكومية المخزنة في دور الأرشيف ، أصبح من العسير الوصـول إلى هذه الوثائق دون استخـدام الوسائل الإلكترونية ، و من الطبيعي أن الخطوة الأولى في هذا المجال هي إنشاء قواعد معطيات لتوصيف هذه الوثائق و تسهيل الوصول إليها ، أما الخطوة الثانية فهي ربط هذه القاعدة مع مكنز للواصفات التي تحدد بدقة الموضوعات المتعلقة بهذه الوثائق ، إلا أن الشكل الأحدث لحفظ الوثائق الورقية يتمثل دون شك في إنشاء نظام الأرشفة الضوئية ، الذي يضمن عدم المساس بالوثيقة الأصلية ، فهو يحيل المستفيد إلى صورة الوثيقة المخزنة في الحاسوب بسهولة وسرعة.

      إلا أن النظم الأحدث للأرشفة الضوئية تربط صورة الوثيقة بنظام التعرف على الأحرف ضوئياً OCR ، وبالتالي يستطيع المستفيد أن يشاهد صورة الوثيقة بشكلها الأصلي مع الأختام والتواقيع ، وفي الوقت نفسه يستطيع أن يستفيد من البحث في النص الكامل للوثيقة بعد قراءتها آلياً باستخدام نظام OCR  .

6 ـ نـظـام  الأرشــيـف  الـرقـمــي :

شهد العقد الأخير من القرن العشرين تطورات كبيرة في مجال تطبيقات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مجال الإدارة ، وبذلك أمكن تقنياً معالجة المعلومات المطلوبة و نقلها في جميع أقسام المؤسسات الرسمية المتباعدة جغرافياً ، تماماً كما لو أن موظفي المؤسسة يعملون في مبنى واحد، وهكذا ظهر اهتمام الأرشيفيين بحفظ واسترجاع هذه الوثائق الرسمية الإلكترونية التي تجري ضمن بيئة إلكترونية بحتة ، وفي جزء هام من هذه الحالات دون استخدام الورق .

إلا أن نجاح نظام الأرشيف الرقمي يتطلب عدة شروط نوجز أهمها فيما يلي :

* لا بد أن تتوافر في النظام المنشود حماية قوية تتحكم بأي تعديل

   يطرأ على الوثيقة الأصلية ، وذلك من خلال إجراءات تحـدد

   صلاحيات إنشاء الوثيقة بدقـة ، وتحتفظ بنسـخ عن الوثيقـة

   الأصلية مع معلومات عن تاريخ إنشائها والجهة التي أنشأتها ،

   كما تحتفظ بنسخ عن أية تعديلات أو إضافات تطرأ عليها مع

   تاريخ التعديل والجهة التي قامت به .

* لا بد من حفظ جميع المعلومات المتعلقة بالسياق ، مثل علاقـة

   الوثيقة بالوثائق الأخرى و الجهة التي أنشأت الوثيقة و الفعالية

   التي أنشئت فيها الوثيقة .

* لا بد من حفظ جميع المعلومات المتعلقة ببنية الوثيقة كالتنسيق

   وتسجيل استخدام المصطلحات والشكل والوسـط والحقـول

   والجداول والهوامش والفصول والأجزاء والصور والأشكال

   المتضمنة في الوثيقة .


* لابد من حفظ المعطيات الوصفية Meta Data حول الوثيقـة

  وهي المعطيات التي تبين كـيفية تسـجيل الوثيقـة ونوعهـا

  وموضوعها كما توضح خلفية الوثيقة والأجزاء والسلاسل كما

  تتضمن معلومات عن محتوى الوثيقة .

* لا بد من الحفاظ على الوثيقة نفسها بصورة ملائمة للاستخـدام

   عبر التطور التكنولوجي المتسارع ، وهذا يتطلب نسخ الوثيقـة

   من النظام القديم إلى النظام الأحدث مع التأكيد على الحفاظ على

   معلومات السياق والبنيـة والمعطيات الوصفية دون تغيير ، بما

   في ذلك شكل الوثيقة وتنسيقها الداخلي .

 

7 ـ الـنـظــم الـمـتـكـامـلـة الـمـنـدمـجـة :

تتجه نظم التوثيق الحديثة حالياً إلى نظم متكاملة تتيح للمستفيد الذي يستفسر عن موضوع محدد ، مثلاً : إعلان الحرب العالمية الثانية ، أن يقرأ هذا الخبر من الصحف ثم يستمع إلى التسجيل الصوتي للخبر من الإذاعة ، ثم يمكن أن يشاهد أفلاماً وثائقية تسجيلية لأحداث بداية الحرب ، كل ذلك إلى جانب الوثائق الرسمية الصادرة عن الحكومات التي دخلت الحرب في بدايتها ، ونظم التوثيق هذه دخلت طور العمل فعلياً منذ عدة سنوات ، كما لا بد من التأكيد أن هذه النظم أصبحت متاحة على شبكة المعلومات الدولية ( الانترنت ) ، وتعتمد هذه النظم محركات بحث ذكية تبحث عن الكلمة المفتاحية ومرادفاتها ، كما تقبل في الوقت نفسه أسئلة باللغة الطبيعية .   

 

المصدر: http://www.arabcin.net/arabiaall/studies/nothom.htm د.بشار عباس
nassirmoussi

نصير موسي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 2666 مشاهدة
نشرت فى 29 ديسمبر 2011 بواسطة nassirmoussi

ساحة النقاش

نصير موسي

nassirmoussi
نصـــير موســــي تكنولوجيا جديدة وانظمة المعلومات الوثائقية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

384,983