<!--[if !mso]> <style> v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} </style> <![endif]--><!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman";} </style> <![endif]--><!--<!--
الحمد لله جعل مرور الأيام عبرة للأنام،وحول قبلة المسلمين شطر المسجد الحرام وجعل الصلاة أحد أركان الإسلام،وأشهد أن لااله إلا الله وحده لاشريك له أحمده سبحانه على ما اتصف به من صفات الجلال والإكرام وأشكره على ما أسداه من جزيل الفضل والإنعام. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بها الفوز بدار السلام. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أظهر الله به الإيمان والإسلام. اللهم صلي على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه البررة الكرام. وسلم تسليما كثيرا. أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تقية من خاف وحذر واستقام، والتزموا ما أوجبه عليكم من حقوق الإيمان والإسلام. وأحبوه تعالى بما غذاكم به من سوابغ المن والإنعام. واشكروه على ما أولاكم من جزيل الفضل والإكرام.
أيها المسلمون:ها هو شهر رجب قد مضى... وها هو شهر شعبان قد قارب على الانتصاف، وإذا كان رجب شهر الإسراء والمعراج والصعود إلى السماء إسراء بخاتم الأنبياء والمرسلين ،فان شهر شعبان جعل الله فيه للمسلمين شخصيةً مستقلةً، وكياناً خاصّاً، وذاتيةً منفردةً، وذلك بتحويل قبلتهم من المسجد الأقصى إلى بيت الله الحرام، فلقد كان النبي rوالمسلمون معه منذ أن فرضت عليهم الصلاة وحتى بعدَ الهجرةِ بحوالي عام ونصف العام، يتوجهون في صلاتهم إلى المسجد الأقصى، وكان ذلك في السنة الثانية من الهجرة·فقد مكث النبيrيتوجه في صلاته بأمر ربه إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا وهو في المدينة المنورة،وكان r يحب ان يتوجه في صلاته إلى المسجد الحرام، ،ومع هذا التوجه فقد كان المصطفى rينتظر أمر الله في التحويل، فأجابه الله تعالى إلى مبتغاه ،وأمره أن يتوجه إلى الكعبة المشرفة،نزل الأمر في شهر شعبان على أرجح الروايات وفي مسجد بني سلمة ،حيث سمي هذا المسجد بعد ذلك بمسجد القبلتين فنزل قوله تعالى }قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ $ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ $ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ{ [البقرة: 144 - 146].
أيها الإخوة المؤمنون:تناول هذه الآية الكريمة حادثًا عظيمًا في تاريخ الجماعة الإسلامية، كان له آثار ضخمة في حياتها، وذلك من حيث تأصيل الشخصية الإسلامية وتأمين مقوماتها على مر العصور،ويتمثل هذا الحادث العظيم في تحويل الجماعة الإسلامية في المدينة المنورة من توجيه صلاتهم من بيت المقدس إلى الكعبة، وذلك بعد ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا من الهجرة، حيث صدر الأمر الإلهي الكريم باتجاه المسلمين في صلاتهم إلى المسجد الحرام. روى البخاري في صحيحه عن البراء رضي الله عنه((أن رسول اللهr صلى إلى بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون فقال: أشهد بالله لقد صليت مع النبي rقبل مكة،فداروا كما هم قبل البيت. وكان الذي مات على القبلة قَبْلَ أن تُحوَّلَ قِبَل البيت رجالٌ قُتِلُوا لم ندرِ ما نقول فيهم فأنزل الله }وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ{[البقرة: 143]. )) أي وما كان الله ليضيع صلاتَكم إلى بيت المقدس بل ستثابون عليها وتؤجرون.
أيها المسلمون:كان للهِ في جعل القِبلة إلى بيت المقدس، ثم تحويلِها إلى الكعبة حكمة عظيمة ومحنة للناس. قال تعالى :}وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ { [البقرة: 143]. قال ابن القيم في زاد المعاد كان في جعل القبلة إلى بيت المقدس ثم تحويلها إلى الكعبة حكم عظيمة ومحنة للمسلمين والمشركين وأهل الكتاب والمنافقين0
فأما المسلمون فقالوا:سمعنا وأطعنا}وقالوا آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا{[آل عمران: 7] وهم الذين هدى الله ولم تكن كبيرة عليهم 0 وأما المشركون فقالوا: كما رجع إلى قبلتنا يوشك أن يرجع إلى ديننا.
وأما اليهود فقالوا: خالف قبلة الأنبياء.
وأما المنافقون فقالوا: ما يدري محمد أين يتوجه، إن كانت القبلة الأولى حقا فقد تركها، وإن كانت الثانية هي الحق فقد كان على باطل وكثرت أقاويل السفهاء من الناس. وكانت كما قال الله تعالى : }وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ{[البقرة:45] .وكانت مِحنة من الله امتحن بها عبادَهُ، ليرى مَن يتَّبعُ الرسول منهم ممن يَنْقَلِبُ على عَقِبَيه.، وكثرت أقاويلُ السفهاء مِن الناس }سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا { [البقرة: 142]فأنزل الله جواب السفهاء قوله تعالى: } قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ { [البقرة: 142] ،أي إن الحكم والتصرف والأمر كله لله فحيث ما وجهنا توجهنا، ولو وجهنا كل يوم مرات إلى جهات عديدة فنحن عبيده وفي تصرفه وخدامه. وأكد سبحانه الأمر بذلك مرة بعد مرة، وأمر حيث ما كان رسوله، ومن حيث خرج وأخبر أن الذي يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم هداهم لهذه القبلة، وأنها هي القبلة التي لهم وهم أهلها لأنهم أوسط الأمم وهي أوسط القبل وأفضلها، فأختار أفضل القبل لأفضل الأمم. كما اختار لهم أفضل الرسل وأفضل الكتب، وأخرجهم في خير القرون. وخصهم بأفضل الشرائع ومنحهم خير الأخلاق،وأسكنهم خير،فسبحان من يختص برحمته من يشاء، }ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. { [الحديد:21]
أيها المسلمون :لقد كان هذا التحويل الذي سرَّ قلوب المؤمنين،وطيَّبَ خاطر سيدِ المرسلين وبقدرِ مافِرحَ المسلمون بتحويل القبلة حزن اليهود الذين أكَلَ الحِقْدُ والحسدُ قلوبَهم فحسدوا المسلمين على هذه القبلة كما أخبرنا المعصومُ rفيما رواه أحمد من حديث عائشة رضي الله عنها:))إنهم لا يحسدوننا على شيء كما يحسدوننا على يوم الجمعة التي هدانا الله إليها وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا الله لها، وضلوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام آمين((. وأخبر سبحانه أنه فعل ذلك لئلا يكون للناس عليهم حجة، ولكن الظالمين الباغين يحتجون عليهم بتلك الحجج التي ذكرت، ولا تعارض الرسل إلا بها وبأمثالها من الحجج الداحضة. وأخبر سبحانه أنه فعل ذلك ليتم نعمته عليهم وليهديهم، ثم ذكَّرهم نعمته عليهم بإرسال رسول إليهم وإنزال كتابه عليهم ليزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمونه، ثم أمرهم بذكره وشكره، ثم أمرهم بما لا يتم لهم ذلك إلا بالاستعانة به وهي الصبر والصلاة وإنه مع الصابرين"
أيها المسلمون: لقد أكمل الله نعمته على أمة الإسلام بهذا التحول فأضْحَت أُمَّةً مستقلةَ المعالمِ في كل شيء، وبهذا التوجيه ربط الله قلوب المسلمين بالأماكن المقدسة في بيت المقدس كما ربطها بالكعبة الشريفة وقد أيقن المسلمون بهذا التحويل أن الله مستخلِفُهُم في الأرض لينظر كيف يعملون فازداد يقينهم بأن الله ناصرُهُم وخاذلُ عَدُوِّهم، وأن بيت المقدِس سوفَ يكون هو وما حوله تَبَعاً للبيت الأعظم ، وأن رسالةَ الإسلامِ سوف تَسري في الآفاق ويمتدُّ نُورُها إلى تلك البقاع، حتى لا يظنَّ أحدٌ أنَّ تحويل القبلةِ قَلَّلَ من مكانة المسجد الأقصى في قلبِ الرسول rوأتباعه رضي الله عنهم بل زادهم ذلك حباً له وتمسُّكاً بهِ، وقد حقَّق اللهُ لهم ذلك بإيمانِهم، وعملِهم، وجهادهم، فطهَّروا المسجدَ الحرام من الأصنام يوم فتح مكةَ، وفُتِحَتْ القدسُ في عهدِ سيدِنا عمر رضي الله عنه، وأُعِيدَ المسجدُ الأقصى ليُباشر بثّ الدعوة مع أخويه المسجد الحرام والمسجد النبوي في عهد صلاح الدين الأيوبي
أيها المسلمون:وثمة دروس تُؤخذ من حادثة تحويل القبلة ومن ذلك:
الدرس الأول: أن بيت المقدس هو قبلة المسلمين الأولى وقبلة الأنبياء السابقين من بني إسرائيل قال ابن كثير في تفسيره: معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل، لكن البيت الحرام بني قبله وكان يُطاف به ويُتعبد فيه.روى الإمام أحمد ومسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال قلت: يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أولاً؟ قال ))المسجد الحرام. قلت ثم أي؟ قال المسجد الأقصى قلت كم بينهما؟ قال: أربعون سنة))وذكر ابن كثير تفسيره ما روى عبد الله بن عمرو "بعث الله جبريل إلى آدم وحواء فأمرهما ببناء الكعبة فبناه آدم ثم أمر بالطواف به وقيل له أنت أول الناس وهذا أول بيت وضع للناس"قال الله تعالى: }إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ {[آل عمران : 96]ولهذا كان النبي rيشتاق أن يعود إلى القبلة الأولى لأبيه آدم ومن بعده فحقق الله ما تمناه، وقد جاء في التوراة ما يدل على أن الكعبة تعود قبلة بعد بيت المقدس فيما نقله ابن القيم في هداية الحيارى قال "وتفتح أبوابك الليل والنهار لا تغلق ويتخذونك قبلة، تدعى بعد ذلك مدينة الرب" يعني بيت الله.
الدرس الثاني :أن تحويل القبلة أمر الله سبحانه وتعالى يحب التسليم له،وهذا يُوجب الإيمان لله سبحانه وتعالى والتسليم له لا الحسد والعناد وأن احتج أهل الكتاب بأن بيت المقدس قبلة إبراهيم الخليل ومن بعده فقد رفع إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل قواعد البيت الحرام في قوله تعالى: }وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ { [البقرة: 127]. وقوله تعالى: }فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ{ [آل عمران: 97]. مقام إبراهيم الحجر الذي صعد عليه لرفع قواعد البيت 0 الدرس الثالث: أن الأنبياء كلهم رسالتهم في الأصل واحدة وهي دعوة الناس لتوحيد الله، وإن اختلفت في الفروع، وخاتم الأنبياء محمد r،عرف أهل الكتاب وصفه وصفته ومهاجره، إلا أن خروجه من العرب أورثتهم حقداً وحسداً وعنادا، وقد دعا النبي rأهل الكتاب إلى المحاورة والمناظرة فقال تعالى على لسان نبيه r: }قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ $يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ $ هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{ [آل عمران:66:64 ] }إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ اللّهُ وَإِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ $فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ{ [آل عمران:63:62 ] بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بسنة سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله،يحب من اتبع،ويبغض من ابتدع .أحمده سبحانه ،حمدا يملأ القلب بالسكينة والورع ،ويذهب عنه طول الأمل ويقلع الطمع،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،أعطى ومنع،وفرق وجمع ، فلا راد لفضله ، ولا ينال فضله إلا من ذل له وخشع واتبع أمره واجتنب نهيه فأطاع واستمع .وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، خير ذاكر ذكر،وخير شاكر شكر،وخير مجتهد جاهد،وخير مصل ركع صلى الله عليه وعلى آله وصحبه،كلما أذن مؤذن لصلاة في الفروض وفي الجمع ، إلى أن ينفخ في الصور للنشور ،يوم الصعق والفزع وسلم تسليما .أما بعد ،فاتقوا الله أيها الناس تفلحوا ،واعتصموا بحبل الله جميعا تفوزوا وتنجحوا،واذكروا الله كثيرا،فهو خير لكم،حتى من الجهاد في سبيل الله فهللوا وكبروا واحمدوا وسبحوا0 ثم اعلموا رحمني الله وإياكم إن ارتباط المسلم ببيت الله وبالقبلة ليس مقصورًا على أشهرٍ معلومات ولا محصورًا في أيام معدودات، ولكنه ارتباط دائم ووشائج لا تنقطع. المسلم يبدأ يومه ويستفتح عمله كما يختم نشاطه بالتوجه إلى البيت الحرام حين يقف بين يدي ربه قائماً يؤدي الصلوات الخمس موزعةً بانتظام في يومه وليلته، ينتظم مع إخوانه المسلمين حيثما كانت مواقعهم وأينما كانت ديارهم، ناهيكم بالنوافل والأدعية والأذكار التي يُشرع فيها استقبال البيت الحرام، فهذه صور وهيئات لا حصر لها يتفاوت فيها المسلمون ويتنافس فيها الصالحون، بيت الله المحرم هو الوجهة الدائمة التي ترافق العبد المؤمن في كل حياته، ليس مرتبطاً بموسم ولا محصوراً في فريضة، بل حتى حين يوّسد في قبره دفيناً فإنه يوجّه إلى البيت الحرام فهي قبلتكم أحياءً وأمواتاً. تأملوا حفظكم الله هذه الآيات الثلاث:والتي عطرتم أسماعكم بها في الخطبة الأولى قول الله عز وجل: }قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَاء فَلَنُوَلّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبّهِمْ وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ{ [البقرة:144].وتأملوا قوله سبحانه: }وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبّكَ وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ{[البقرة:149]. وقوله سبحانه: }وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِى وَلاِتِمَّ نِعْمَتِى عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ{ [البقرة:150] يا ترى،ما هو السرُّ في التكرار لمعظم هذه الكلمات في هذه الآيات؟ أُمر النبي rباستقبال البيت في هذه الآيات ثلاث مرات، وأُمر المسلمون مرتين، وتكرر قوله سبحانه:}وإنه للحق من ربك{ ثلاث مرات، وتكرر تعميم الجهات ثلاث مرات. ما ذلك كله إلا لتأكيد عِظم هذا التوجه والتنويه بشأن استقبال الكعبة المعظمة والتحذير من تطرق التساهل في ذلك تقريرًا للحق في نفوس المسلمين }ٱلْحَقُّ مِن رَّبّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ{ [البقرة:147] . أيها المسلمون: إن أبعادًا كثيرةً لهذا التوجه قد غابت عن حياة كثير من المسلمين اليوم فأصبح الأمر عندهم أقربَ للعادةِ منه للعبادة.إن تولية الوجوه نحو البيت تقتضي الحضور الدائم لمعاني الولاء والموالاة ومعاني الصلاة والحج وأسرارهما، وكلِ عبادةٍ مرتبطةٍ باستقبالِ هذا البيت المعظم.يُولّي المسلم وجهه شطر المسجد الحرام ليسير مع التاريخ بماضيه ويستصحبه في حاضره ليتذكر تاريخ البيت وبناء البيت على التوحيد الخالص والملة الإبراهيمية الحنيفية.يُولّي وجهه شطر البيت ليرى كيف هدَّ الإسلام بنيان الجاهلية وقواعدها.يُولّي وجهه شطر الكعبة المشرفة ليتذكر ألوان العذاب التي لقيها المسلمون المستضعفون في ظلها وعلى جنباتها، والنبي rيقول لهم مطمئناً ومثبتاً ومؤكداً: ((والله ليتمّن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)) إنه النصر الذي لا بد أن يتم بإذن الله من خلال صحيح الإيمان وعزمات البشر، والخضوع للسنن الإلهية في النصر والهزيمة ولكنّ قومًا يستعجلون. الجالس قبال بيت الله يدرك حكمة الدعوة وتربية الناس في مثل قوله r: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم،وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه))مخرج في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وفي مثل قوله r: ((لولا أن قومكِ حدثاء بالكفر لنقضت البيت ثم بنيته على قواعد إبراهيم))أخرجه البخاري وغيره.كل هذه الاستحضارات والتأملات من أجل أن لا يُكذّب الله ورسوله، ومن أجل أن تُسلك مسالك الحكمة في الدعوة والفقه والتعليم والتربية. . أيها المسلمون:وحكمة أخرى تتجلى حين التأمل في التوجه نحو بيت الله المحرم واستقباله.ذلكم أن المقصود بالعبادات كلها تمام الخضوع لله}فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ{ [الماعون:3]. وبمقدار استحضار المعبود وعظمته وجلاله يقرب العبد من مرتبة الإحسان، فالإحسان:((أن تعبد الله كأنك تراه)) فكان التوجه إلى المسجد الحرام وإلى القبلة مساعدة على هذا الاستحضار العظيم.فالمسلمون حين يتجهون إلى القبلة فإنما يتوجهون نحو التميز والاختصاص، فالقبلة رمز للوحدة والتوحيد، ورمز لتميز الشخص المسلم، وحّد الله هذه الأمة في ربها ونبيها ودينها وقبلتها، وحّدها على اختلاف أوطانها وأجناسها وألوانها ولغاتها، وحدة قيامها العقيدة والقبلة: عقيدة القلب وقبلة العبادة.ولقد جاء في الحديث الصحيح: ((من صلَّى صلاتنا واستقبل قبلتنا فذلك المسلم))مخرج في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه0 0 فيا أيها المسلمون: يُوّلي المسلمون وجوههم شطر المسجد الحرام ليبرز من خلال ذلك وحدة المسلمين وجماعتهم، التفافٌ حول هذا البيت من خلال عمود الإسلام الصلاة المفروضة، والتي تبدأ بأهل الحي وتنتهي بالتجمع الأعظم يوم الحج الأكبر، صلاة الجماعة قاعدة وأساس، وصلاة الفرد فذٌّ واستثناء، جاء في الحديث في حديث أُبي بن كعب رضي الله عنه في قولهr: ((صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وكلما كثر فهو أحب إلى الله)) أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه بإسناد حسن.المؤذن للصلاة هو داعي الجماعة ((أتسمع النداء؟ قال: نعم، قال: أجبه لا أجد لك رخصة))ألا فاتقوا الله رحمكم الله واعرفوا نعمة الله عليكم في دينكم وعباداتكم }وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ وَٱلْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ{ [البقرة:231].هذا وصلوا على المبعوث رحمة للعالمين وحجة على العاملين ، قدوة للصالحين ،كما أمركم ربكم في كتابه المبين } إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً { اللهم صلّ وسلم وبارك على نبينا وسيدنا وقدوتنا وحبيبنا محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذي النورين وعلي أبي السبطين، وعن السبطين العلمين وعن أصحاب بدر والعقبة وعن آل بيته الطيبين الطاهرين وعن الطاهرات أمهات المؤمنين وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين 0 اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم انصر الإسلام وأعزَّ المسلمين، وارفع بفضلك كلمتي الحق والدين، اللهم انصر من نصر الدين واخذل من خذل المسلمين، وأذل الشرك والمشركين اللهم عليك بأعدائك أعداء الدين، اللهم عليك باليهود المعتدين وكل مَن سار في دربهم، اللهم أحصهم عددًا واقتلهم بددًا ولا تُغادر منهم أحدًا، واجعلهم لكل مسلمٍ حبيب فدى،يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، اللهم دمر من طغى وبغى، من اليهود والنصارى المعتدين ،اللهم جمد الدم في عروقهم ،وزلزل الأرض من تحت أقدامهم، وجعل شبح الموت في وجوههم ، اللهم وعليك بهم فإنهم لا يعجزونك ، ندرا بك اللهم في نحورهم ، ونعوذ بك من شرورهم ، اللهم اكتب لنا صلاةً في المسجد الأقصى أو شهادةً في سبيلك، اللهم اكتب لنا صلاةً في رحابه أو شهادة على أعتابه، يارب العالمين.اللهم أدم على بلادنا هذه أمنها وإيمانها،وعلى سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين ، اللهم ووفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى وأصلح به البلاد والعباد ياكريم ياجواد، اللهم انصر به دينك،اللهم ومُنَّ على جميع حكام المسلمين بالرجوع إلى الله جل وعلا،وتحكيم شريعة الإسلام.اللهم اجعلهم رحمة على رعاياهم0اللهم حبب الإسلام إليهم،اللهم وانشر في الأرض دينك ودين نبيك، وسنة نبيك محمد r،اللهم وأبدل ضائقة المسلمين سعة، اللهم وأبدل ضيقهم سعة وهناء وسعادة يا رب العالمين. ،اللهم ارزقنا حبك .وحب من يحبك ,وألهمنا ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وجعلنا الله وإياكم من أوليائه المفلحين ، ومن الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، اللهم إنا نسألك التوفيق للعلم والعمل والإخلاص فيهما ونسألك اللهم العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة اللهم عافنا واعفوا عنا وعلى طاعتك أعنا، ومن شرور خلقك سلمنا، وإلى غيرك لا تكلنا، وارفع اللهم مقتك وغضبك عنَّا اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة والقصد في الغنى والفقر وكلمة الحق في الغضب والرضى ونسألك اللهم نعيماً لا ينفد وقرة عين لا تنقطع اللهم وارزقنا لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين ،اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات. الأحياء منهم والأموات برحمتك يا ارحم الراحمين0}رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار { أَيهاْ النَاسْ :إِنَّ اللهَ يَأمركُمْ بِثلاثٍ فَاتَبعوهَا، وَينَهاكُم عَنْ ثَلاثٍ فاجْتنِبوهَا، }إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحسان وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ{
ساحة النقاش