<!--[if !mso]> <style> v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} </style> <![endif]--><!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]--><!--<!--
الخطبة الأولى :الجامعة الرمضانية (4)
(مناسبة للجمعة الثالثة من شهر رمضان المبارك)
إن الحمد لله، أحمد ربي من الحمد أكمَله وأوفاه، وأشكره سبحانه أن شرع لنا الصيام تحقيقًا لتقواه، وحصنًا مكينًا دونما يسخطه ويأباه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبدٍ منيبٍ أواه، مخبتٍ بجوارحه ونُهَاه، وجِلٍ أن يراه ربه حيث نهاه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبد الله ورسوله ومصطفاه، خير من صام يومه وقام ليله حتى تفطرت قدماه، فصلوات الله عليه وعلى آله وأصحابه البالغين من كمال النفس منتهاه، ومن دعا بدعوته وتمسك بسنته واهتدى بهداه وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد :-فاتّقوا الله عبادَ الله، واعلموا أنّ الاستمساكَ بالتّقوى خير مطيّة ومنجاة، وبلوغُها لدى البرَرَة أفضل أمنية مرتجاة، هي زادُ الرّوح وقوت القلوب، وبها يستجلَب المرغوب ويؤمَن المرهوب وتستدفَع الخطوب،وهي خير ما يبلّغ لرضا علاّم الغيوب 0
معاشرالصائمين: كنا وإياكم في الجمعة الماضية في رحاب الجامعة الرمضانية حيث وقفنا أمام (ست) من كلياتها منذ إطلالة هذا الشهر المبارك ،فهي حقا جامعة إيمانية متواصلة ومستمرة لتربية الأجيال وتهذيبهم،تصقل في كل سنة،نفوس الناس، وتزودهم بشحنات إيمانية، تلهمهم معاني الدين الحنيف،وتثبت في نفسهم صفات المسلم الحق .فلئن كان المسلم يعبد ربه جل وعلا في سائر شهوره وأيامه إلا أنه يأخذ في جامعة رمضان دورةً عباديةً يزيد فيها من جُرُعَات الطاعة ونَكَهاتِ الإيمان والإخلاص، حتى يقوى على ما تبقى من الشهور، ويجعل هذه الفرصة مُنطَلَقًا إلى فعل الخيرات0
واليوم أيها الإخوة المؤمنون نواصل وإياكم جولتنا في بعض كليات الجامعة الرمضانية ،لنلهل من بركات هذا الشهر الكريم ،ونغترف من خيراته الكثيرة ,من معينه الدافق ،ونهره الخافق ،ففيه تتجلى القوى الإيمانية ،والعزائم التعبدية0ولنقوي إيماننا وعزائمنا نعم يامعشر الصائمين 000إن شهر رمضان جامعة وكلية تهذب النفوس، وتصقل الأخلاق وتنمي المشاعر والأحاسيس، تجاه الآخرين 0 0 أيها الإخوة في الله : إن وقع الصوم وموعظته في النفوس أبلغ من خطبة الخطيب وأبلغ من فصاحة الفصيح أتدرون لماذا ؟ لأن الصائم يسمع صوت المساكين من صوت بطنه إذا جاع ومن أمعائه إذا خلت ومن كبده إذا احترقت بالعطش ودعوني انتقل بكم إلى الكلّية السابعة والمكتوب عليها (كلية الجود والإنفاق) : شهر رمضان شهر الجود والإنفاق، شهر النفوس السخية، والأكف الندية، شهر يسعف فيه المنكوبون، ويرتاح فيه المتعبون، فليكن للمسلم فيه السهم الراجح، والقدح المعلّى، فلا يتردَّدنَّ في كفكفة دموع المعوزين واليتامى والأرامل، من أهل بلده ومجتمعه، ولا يشحَّنّ عن سد مسغبتهم، وتجفيف فاقتهم، وحذار من الشح والبخل حذار، فإنهما معرّة مكشوفة السوأة، لا تخفى على الناس فتوقها، ناهيكم عن كون النبي rاستعاذ ربه منهما، بل إن الجود والكرم كانا لزيمي رسول اللهr طيلة حياته، في حين إنه يتضاعف في رمضان، حتى يكون كالريح المرسلة0 ففي شهر رمضان يتنافس فيه المتنافسون, ويتسابق الخيرون للتقرب إلى ربهم جل جلاله بأنواع الطاعات والقربات، ما بين صيامٍ وقرآن وقيامٍ ودعاء وتضرعٍ ونفقةٍ وصدقةٍ وتفطيرٍ للصائمين، وغير ذلك من أنواع البر وأصنافه، وإن من أعظم أنواع البر في هذا الشهر المبارك التقرب إلى الله عز وجل بإخراج المال طيبةً به نفوسنا،كريمةً به أيدينا، نرجو ثوابه عند الله عز وجل0 فيا معشر الصائمين:ألا تعجبون من غني يستقرض فقيرا؟ثم هو مع غناه وملكه العظيم لا يرهن شيئا ، ولا يكتب كتابا ، وإنما يكتفي بالوعد أن يرد ما استقرضه أضعافا مضاعفة ! إذا كنت تعجب من هذا فاستمع قول الله تعالى:)مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً (البقرة: من الآية245 كما وعد جل وعلا المنفقين في سبيله بأن يخلف عليهم ما أنفقوا ،يقول الحق تبارك وتعالى: )وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (سـبأ: من الآية39 0
أيها المسلم : لقد ثبت عن نبيك rأنه قال :( الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض ، والصلاة نور ،والصدقة برهان ،والصبر ضياء ،والقرآن حجة لك أو عليك ،كل الناس يغدو ، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها). أخرجه مسلم من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه والشاهد منه قوله عليه الصلاة والسلام :( والصدقة برهان ). قال النووي رحمه الله في شرح مسلم :قالوا : وسميت صدقة لأنها دليل لتصديق صاحبها ، وصحة إيمانه بظاهره وباطنه . قال : ومعناه أن الصدقة حجة على إيمان فاعلها ؛ فإن المنافق يمتنع منها لكونه لا يعتقدها ، فمن تصدق استدل بصدقته على صدق إيمانه . ولك أيها الحبيب أن تتصور هذا الرجل يسمع عن مساهمة في عقار أو اكتتاب في شركة يتوقع خبراء الاقتصاد أن ترتفع أرباحها إلى أكثر من مئة في المئة ، فلم يغمض له جفن ، حتى اكتتب فيها ،هو وأفراد عائلته ،بل لقد تقاتلوا على الاكتتاب ،وافترشوا الطرقات ،وقطعوا المسافات،برا وجوا،يرجون أرباحا كثيرة،وأموالا طائلة ،لولا تصديقهم بما قال الخبراء،ولولا يقينهم بصدق التوقعات لما تجشموا هذا العناء،ولما باع بعضهم جزءا مما يملك،وربما باع شيئا مما يحتاجه ولا يستغني عنه رجاء أن يربح خيرا منه.ونحن لا نعيب عليهم سعيهم ،ولا نثرب عليهم في ضربهم في الأرض يبتغون من فضل الله،ولكن مما يثير عندنا تساؤلا مريرا أننا لا نقول لهم توقعات ، ولا نعطيهم مجرد أمنيات ، بل نعطيهم وعدا من الله حقا بأن يخلف ما أنفقوا ،وأن يضاعفه لهم في الدنيا وفي الآخرة،فما لهم عن موعود الله معرضون،وما لهم عما ينمي أرباحهم غافلون ؟إن السبب أن تصديقهم بهذا الوعد فيه دخن ،أو ربما لا يوجد تصديق أصلا،أوهي محبة العاجلة ،وترك الآخرة.تصديقا لقول الحق تبارك وتعالى:)بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (الأعلى:16إذ يدعوهم الغني ليقرضوه فيبخلوا،)وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ(محمد: من 38 وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله rقال : قال الله تعالى: (أنفق أنفق عليك ، وقال : يد الله ملأى لا يغيضها نفقة ، سحاء الليل النهار ، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض ؛ فإنه لم يغض ما بيده ).
فيا أيها المسلم : صدقتك هي مقياس إيمانك ، وبرهان يقينك ، وإثبات رغبتك فيما عند الله ،تذكر هذا المقياس عند سماعك لمن يدعوك لتنفق في سبيل الله ، وكلما عظم ما تقدمه كلما عظم البرهان ،واستقام الدليل ،وكلما خبت ناره ،وانطفأ سراجه فثق أنك ممن يحبون العاجلة ،ويذرون الآخرة .إن ما تتصدق به يثبت تصديقك لقول الحبيب r(ما نقصت صدقة من مال) رواه مسلم.كما قد أخبرالحبيب rأن (الصدقة برهان) والله تعالى يقول: )قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ( النمل: من الآية64.فأبرز برهانك على صدق إيمانك وثبات يقينك ،متى فعلت ذلك فقد أقمت البينة ،ورفعت الراية على قلبك بأنه من المصدقين بوافر الجزاء من المليك المقتدر يوم الدين،) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ*إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (الشعراء: 88-89
معاشر المسلمين : كل منا قد أسرته ذنوبه ، وبانت له – على الأقل بينه وبين نفسه – عيوبه .فهو أسير الخطايا ، مكبل بالذنوب ،فهل علمت أيها الحبيب أنك تستطيع فك وثاقك من ذنوبك بالصدقة ؟ إذا فاستمع إلى الحبيب rوهو يقول :(وآمركم بالصدقة ،فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه ،وقدموه ليضربا عنقه ،فقال : أنا أفديكم بالقليل والكثير،ففدى نفسه منهم ) .أخرجه الترمذي . وعن جابر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله rيقول لكعب بن عجرة :(يا كعب بن عجرة : الصلاة قربان ، والصيام جنة ، والصدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار . الحديث) رواه أبو يعلى بإسناد صحيح . وليست فائدة الصدقة محصورة بفك أسير الخطايا من أسره، ووضع وزره عن ظهره ،بل تتعدى ذلك إلى دفع البلاء عنه ، وشفاء مرضه ،ومريضه ،قال ابن القيم رحمه الله تعالى "وكل طبيب لا يداوي العليل بتفقد قلبه ، وتقوية روحه وقواه بالصدقة ، وفعل الخير والإحسان ، والإقبال على الله والدار الآخرة فليس بطبيب ، بل متطبب قاصر".قال هذا معلقا على قول النبي r: (داووا مرضاكم بالصدقة 00 الحديث) ،وقد حسنه الألباني ،في صحيح الجامع الصغير وقد قيل إنه من قول الحسن البصري رحمه الله . وخرج الطبراني عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله r:(باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها).ثم اعلم ياأخي في الله إن للصدقة وفعل المعروف تأثيرا عجيبا في شرح الصدر قال ابن القيم رحمه الله تعالى : وعند الطبراني :عن عمرو بن عوف قال : قال رسول الله r: (إن صدقة المسلم تزيد في العمر ،وتمنع ميتة السوء ،ويذهب الله بها الكبر والفقر والفخر).وعند الترمذي من حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال:قال رسول الله r:(إن الصدقة لتطفيء غضب الرب ، وتدفع عن ميتة السوء ) وقف مليا يا عبد الله وتأمل قول الحق تبارك وتعالى عن عباده الأبرار ، فذكر من أوصافهم أنهم: )وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً*إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً*إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً*فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً( الإنسان:8-11 فمن أبرز صفاتهم الصدقة، رجاء موعود الله .وابتغاء مرضاته وكانت عاقبتهم الأمن يوم الخوف ، والظل يوم الشمس ، والرضا في يوم غضب الله فيه غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله .
واستمع يا رعاك الله لهذه القصة ترويها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها ، تقول : "جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها ، فأطعمتها ثلاث تمرات ،فأعطت كل واحدة منهما تمرة ، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها ، فاستطعمتها ابنتاها ، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما ، فأعجبني شأنها ، فذكرت الذي صنعت لرسول الله rفقال : (إن الله قد أوجب لها بها الجنة . أو أعتقها بها من النار ) " فهلم أخي الحبيب ، وأنت في هذا الشهر الكريم ،وفي هذا الموسم العظيم فكن مثل حبيبك r، فقد كان أجود الناس،وكان أجود ما يكون في رمضان ، حين يلقاه جبريل ، فيدارسه القرآن ، فلرسول الله rأجود بالخير من الريح المرسلة . وأنت ترجو اللحاق به ،ولقياه ، وتأمل أن تعتق رقبتك من النار،وترجو أن تدخل الجنة ، فقد علمت أن تمرة أوجبت جنة عرضها السموات والأرض ، وأعتقت رقبة من النار،فجد على نفسك من مالك،وقدم لها ما ينفعها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ،فإن مالك ما قدمت،ومال وارثك ما أخرت واقرأ إن شئت:)لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ(آل عمران:92.وقال سبحانه)وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ( الحديد: من الآية10فبادر أخي الحبيب بالصدقة حتى تدخل في دعاء الملك كل يوم:اللهم أعط منفقا خلفا ولتدخل مع المذكورين في قوله تعالى:)إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ( وذكر معهم )وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ(ثم بين ما أعد لهم من الجزاء فقال )أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (الأحزاب:35وامتدح الله تعالى عباده بقوله:)الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(آل عمران:16وبين من أوصافهم:)الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ(آل عمران:17جعلني الله وإياك منهم وممن وصفهم فقال فيهم: )إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ ( الحديد:18أسأل الله عز وجل أن يوفقنا لما يحب ويرضى, وأن يجعلنا ممن يخرجون أموالهم طيبةٌ بها نفوسهم, وممن يبتغون بذلك وجه ربهم. أسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صيامنا وقيامنا وصدقاتنا وصالح أعمالنا ،وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم 00 كتبت ما قلت وسمعتم ، فالخير ما وفقت إليه ، والشر ما أعرضت عنه والله نعم المولى ونعم النصير ، واستغفر الله أن أقول عليه بلا علم ، فاستغفروا ربكم إنه كان غفاراً0
الخطبة الثانية :الجامعة الرمضانية (4)
الحمد لله المثيب من واظب على طاعاته ،وزجر نفسه عن[ متابعة ]شهواته .أحمده سبحانه وتعالى حمدا أستفتح به أبواب هباته ، وأشكره شكرا أستجلب به المزيد من رحماته.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،شهادة تقرب[من الله ومن جناته] وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ،وحبيبه وخليله ،صفوة كائناته .صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ووارثيه وهداته وسلم تسليما ، وعظم تعظيما0أمابعد:
الكلية الثامنة مكتوب عليها (كلّية الدعاء): كيف يجهل أحدٌ منكم نسماتِ رمضان وخيرية شهر رمضان؟ والدعواتُ تنطلقُ من أفواه الصائمين وقلوبهم فتعتلجُ في السماء، فتردُّ قضاءً، أو تحققُ مطلباً، أو تكفُّ سوءاً، أو تصلحُ فاسداً، أو تنصرُ مظلوماً، أو تشفي مريضاً، أو تغني فقيراً، أو تفكُّ أسيراً، أو تنكأ عدُوَّاً.
إخوة الإيمان : إن الدعاء هو سهام الليل يطلقها القانتون، وهي حبل ممدود بين السماء والأرض يقدره حق قدره عباد الله المخلصون هو الربح ظاهرا بلا ثمن، وهو المغنم في الدنيا والآخرة بلا عناء، هوا لتجارة الرابحة يملكها الفقراء كما يملكها الأغنياء على حد سواء، يتفاوت الناس في هذه العبادة بين مقل ومستكثر،بين حاضر القلب،وشارد الذهن، بين خاشع متأمل لما يقول وبين قاس القلب لا يتأثر ولايلين وهو طريق للفلاح في الآخرة،وهو سبب من أسباب السعادة في الدنيا بإذن الله ذلكم هو الدعاء، بل هو العبادة، كما قال عليه الصلاة والسلام:(الدعاءهوالعبادة) رواه الترمذي
أيها الصائمون :إن للصائم دعوةً لا ترد لاسيما عند فطره، وللمسلم دعوةٌ لا ترد لاسيما في الهزيع الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي حال السجود، وآخر ساعةٍ من الجمعة...إلى غير ذلك من مواطن إجابة الدعاء، فألحوا على الله بالدعاء، واستجيبوا لأمره، وآمنوا به، فتلك بوابةُ الدعاء، وعلامة الرشد )وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ( البقرة:186.
قال المفسرون: فليستجيبوا لي إذا دعوتُهم للإيمان والطاعة، كما أني أُجيبهُم إذا دعوني لحوائجهم فأكثِروا فيه من الدعاء والتضرُّع إلى الله تعالى، وهل علمت ياعبد الله أن صاحب الدعاء كاسب على كل حال إذا لم يدع بأثم أو قطيعة رحم، وتأمل جيدا هذا الحديث النبوي الشريف الذي قال فيه النبيr: (ما على الأرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا أتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها مالم يدع بإثم أو قطيعة رحم، فقال رجل من القوم: إذا نكثر (يعني من الدعاء) قال r الله أكثر) يعني أكثر إحسانا مما تسألون رواه الترمذي ثم اعلم ياعبد الله أن الداعي لا يعدم أحد ثلاثة أمور: إما أن يستجاب دعوته عاجلا، أو تدخر له في القيامة، أو يدفع عنه من السوء مثلها.وهذا أو ذاك لاشك فضل عظيم ومنة من الله يمتن بها على عباده الداعين.فإذا عرفت فضل الدعاء وأهميته فينبغي أن تعرف أن للدعاء موانع الاستجابة لتجنبها والتي تخفي على كثير من الناس، ومعرفتها والعمل بها سبب في استجابة الدعاء بإذن الله.ومنها:
أولا : إن من أسباب عدم قبول الدعاء المطعم الحرام والملبس الحرام، ورد في ذلك خبر الأشعث الأغبر الذي لا يزال يسأل! وطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له الحلال يستجب الله دعاءكم.
ثانيا : من موانع الاستجابة : الاستعجال في الدعاء والتوقف عنه والرسولr يقول : (يستجاب لأحدكم مالم يعجل يقول: قد دعوت ربي فلم يستجب لي ) متفق عليه .وفي رواية لمسلم قيل يا رسول الله ما الاستعجال ؟ قال: ( يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر من يستجب لي فيستخسر عند ذلك ويدع الدعاء)
ثالثا: من موانع الاستجابة في الدعاء الاعتداء في الدعاء والزيادة عن المشروع، والله تعالى يقول: )ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (الأعراف:55 .فكم من دعوة بلغت عنان السماء وصاحبها خاشع لا يكاد جاره يسمع به لكن قلبه مرتبط بالسماء وشفتاه وقسمات وجهه تعبر عن صدق التضرع والالتجاء وكم من داع علا صوته وأسمع من حوله.. ولكن دعوته لم تتجاوز حدود مكان الدعاء، ولم يؤذن لها اختراق الحجب، بسبب اعتداء صاحبها أو تفريطه في الذنوب والمعاصي وعدم إقباله على الله بصدق وإخلاص وتوبة نصوح.
إخوة الإسلام: ومن رحمة الله بنا وسعة فضله علينا في الدعاء أنه لا يعجل بإجابة الداعي على نفسه أو ولده أو ماله بالشر في حال الضجر والغضب وضعف النفوس، وذلك لعلمه سبحانه أن ذلك غير مقصود منا، وإنما هو التفريج عن الشدة التي نجدها أحيانا في نفوسنا، فنظن أننا نفرغها بالدعاء على أنفسنا وأموالنا وأولادنا. عكس ذلك في دعائنا بالخير فهو يستعجل الإجابة لنا، ويعطينا سؤلنا أو يدخر لنا خيرا منه في أخرانا. ولكم معاشر المسلمين فضل من الله وإحسان.. ويأملوا في حقيقة ذلك في قوله تعالى )وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ( يونس:11 ومع ذلك- أخوة الإيمان- فلا ينبغي للمسلم أن يكثر من الدعاء على نفسه أو ولده أو ماله، مهما ضجر أو غضب، فالعاقبة وخيمة كما قال عليه الصلاة والسلام : (لا تدعوا على أنفسكم، لا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة فيها إجابة فيستجيب لكم ) رواه البزار قال مجاهد في تفسير هذه الآية : )وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ( يونس من الاية : 11وهو قول الإنسان لولده وماله إذا غضب عليه (اللهم لا تبارك فيه والعنه، فلو سجل لهم الاستجابة في ذلك كما يستجاب لهم في الخير لأهلكهم) فأكثِروا فيه من الدعاء لأنفسِكم بالمغفرة والتوفيقِ لطاعة الله ومجانبَةِ معاصيه، والدّعاء للمسلمين وولاةِ أمور المسلمين وجمع كلمةِ المسلمين على الحقّ والهدى ومجانبتهم كلَّ ما يسخِط الله عز وجل. ادعوا الله عز وجل أن يردَّهم إلى تحكيمِ كتابه وإلى سنّة رسوله، وادعوا الله أن يؤلِّف بين قلوبهم. وعليكم أن تدعُوا اللهَ تعالى للمستضعَفين المضطَهدين من المسلمين الذين اضطُهِدوا من أعداء الإسلام، فإنَّ الدعاءَ في هذا الشهر المبارك دعاءٌ مستجاب، وادعوا اللهَ عز وجل أن يحفَظَ المسلمين من كيدِ أعداء الإسلام والمسلمين، فإنّه على كل شيء قدير. أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يفقهنا في دينه وأن يتقبل صيامنا وقيامنا اللهم نسألك رحمة تهدي بها قلوبنا.كما نسأله تعالى أن يجعلنا ممن يصوم رمضان ويقومه إيمانا بالله واحتسابا لثواب الله إنه جواد كريم. ،اللهم واجعلنا فيه من عتقائك من النار اللهم اجعلنا ممن صام رمضان وقامه صبرا واحتسابا ،وأرزقنا اللهم فيه الجد والاجتهاد ، والقوة والنشاط ، وأعذنا فيه من السآمة والفترة ،والكسل والنعاس،ووفقنا اللهم فيه لليلة القدر ،واجعلها خيرا لنا من ألف شهر ولنا معكم أيها الإخوة المؤمنون لقاء إن شاء الله في الجمعة القادمة في رحاب الجامعة الرمضانية0هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد فقد أمرتم بالصلاة عليه فقال عز من قائلا عليما )إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً( اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطبيبن الطاهرين وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلى، وعن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين واحم حوزة الدين وانصر عبادك الموحدين اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح ولاة أمورنا ودلهم على الرشاد وباعد بينهم وبين سبل أهل البغي والفساد يا أكرم الأكرمين.اللهم إنا نسألك أن تنصر المسلمين في كل مكان، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم واجعلهم حامين لشرعك رافعين لراية توحيدك يا رب العالمين داعين إلى دينك كما دعا إليه نبيك r، اللهم وألهمهم رشدهم وقهم شرور أنفسهم، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان،اللهم فرِّج همَّ المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واقضِ الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا أجمعين، وفك أسر المأسورين, اللهم فك أسر المأسورين من إخواننا المسلمين في كل مكان،, اللهم ارحم غربتهم، اللهم آنس وحشتهم، اللهم نفس كربتهم، اللهم ردهم سالمين غانمين, اللهم لا تجعل لكافرٍ على مؤمنٍ سبيلاً، اللهم لا تجعل لكافرٍ على مؤمنٍ سبيلاً برحمتك ياأرحم الراحمين ، اللهم نوّر على أهل القبور قبورهم، واغفر للأحياء ويسر لهم أمورهم, اللهم اجعل آخر كلامنا من الدنيا شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتوفنا وأنت راضٍ عنا غير غضبان, يارب العالمين ناللهم اجعلنا من أهل المعروف، اللهم اجعلنا باذلين للخير صانعين له، اللهم اجعل قضاء حوائج الناس على أيدينا، اللهم من آتيته منا مالاً أو جاهًا أو منصبًا فاجعله في سبيلك، وعونًا على طاعتك، وطريقًا لبذل المعروف لعبادك وقضاء حوائجهم، وتفريج كرباتهم يا حي يا قيوم نسألك أن تلين قلوبنا لطاعتك وأن تجعلنا من المحافظين على أوامرك ومن المجتنبين لكل ما نهيت عنه يا رب العالمين، قلوبنا بين إصبعين من أصابعك فصرف قلوبنا إلى طاعتك فإنك أنت نعم الوكيل، توكلنا عليك يا مولانا في صلاح قلوبنا وصلاح ذرارينا وأهالينا وأنت نعم المسئول ونعم الوكيل. )رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ( وأدخلنا الجنة مع الأبرار، يا عزيز يا غفار
عباد الله: )إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ( فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، اذكروه بألسنتكم وأعمالكم يذكركم واشكروه على النعم يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
ساحة النقاش