<!--<!--
محرمات استهان بها كثير من الناس ( 2 )
الحمد لله الغني الحميد ، اللطيف الخبير . تفرد بالعز والبقاء ، وتفرد بالملك والتدبير . أحمده سبحانه ، حمد عبد كبلته ذنوبه ، وأحاطته من كل عيوبه ، فاعترف بالعجز والتقصير . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، بيده الملك وهو على كل شيء قدير . والذين يدعون من دونه ما يملكون من قطمير . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، من استغنى بغير كتابه أو سنته فهو الفقير ، ومن اقتفى أثره ، وترسم هديه فاز بالجنة تجري من تحتها الأنهار ، ذلك الفوز الكبير . صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، حققوا اتباعه ، ونقلوا منهجه ، وعملوا بسنته ، فكان الله مولاهم ، نعم المولى ونعم النصير . وسلم تسليما . أما بعد ، فاتقوا الله عباد الله ، وتمسكوا بسنة الحبيب صلى الله عليه وسلم ، وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار0أما بعد:اتقوا الله عباد الله ، وقفوا حيث وقف السلف ، فهم عن علم وقفوا ، وخذوا من حيث أخذوا ، فهم عن علم أخذوا ، واتركوا ما تركوا ، فهم عن علم تركوا . )وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (النساء:115 أيها المسلمون :لقد أوجب الله على عباده طاعته، وحرم عليهم معصيته، وكان ذنب إبليس لعنه الله أنه عصى ربه معصية عظيمة، كان سببها الكبر، إذ قال: )خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ( الأعراف:12
فلعنه الله وأعطاه بحكمته المهلة إلى قيام الساعة؛ فتعهد إبليس بإضلال البشر وإغوائهم، بشتى أنواع الإغواء وتعهد بإيقاعهم في حبائل المعصية، كبيرها وصغيرها. والذنوب تنقسم إلى قسمين: كبائر وصغائر دل عليها قول الله عز وجل: )الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ( النجم:32 وهي صغائر الذنوب. والمشكلة في هذا الزمان 0
أيها المسلمون : أن الناس عدوا أموراً من الكبائر ظنوها من الصغائر، وثانياً: أنهم استهانوا بأمور من الصغائر استهانة ألحقتها بالكبائر. وقد اختلف أهل العلم في الكبائر ما هي؟ هل هي محدودة بحد أو بعد؟ فمنهم من قال: إنها محدودة بعدٍ فعدها بسبعين، وبعضهم أوصلها إلى تسعين، وظن بعض الناس أن بعض الكتب المؤلفة في الكبائر هي التي تحصر الكبائر فقط، وأنه لا يوجد كبائر غيرها، وبعض أهل العلم قال: إنها ليست محدودة بعدٍّ ولكن الحد فيها: هو كل معصية ورد فيها لعن، أو غضب، أو طرد من رحمة الله عز وجل، أو نفي الإيمان عن صاحبها (والله لا يؤمن) مثلاً، أو وعيد بالنار، أو بنوع من العذاب في الدنيا أو في الآخرة، في الدنيا مثل إقامة الحدود ونحوها، ولعل هذا التعريف جامع لأنواع كثيرة من الكبائر.
والأمر الثاني أيها الإخوة: وهو أن بعض الناس قد استصغروا أشياء من الكبائر، أو أنهم قد احتقروا صغائر الذنوب التي يعملونها، خلافاً لاعتقاد الصحابة رضوان الله عليهم كما وقع في حديث أنس عند البخاري رحمه الله: (إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر -ترونها تافهة جداً- كنا نعدها على عهد رسول الله r من الموبقات) وكما وقع لـابن مسعود رضي الله عنه في معنى قوله: [إن المؤمن يرى ذنوبه كجبل يوشك أن يقع عليه، وإن المنافق يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا، فطار وهذا معنى أن الناس اليوم يحتقرون الذنوب، وقد يقترن بالذنب الصغير، فبالتهاون به واحتقاره وتكراره والإصرار عليه ما يجعله كبيرة من الكبائر، وهذا معنى قول علمائنا: لا صغيرة مع الإصرار -فإنها مع الإصرار تصبح كبيرة- ولا كبيرة مع الاستغفار، إذ إن التوبة تمحو الذنوب.
أيها المسلمون: حديثنا في هذه الخطبة إكمالا لموضوع خطبتنا في الجمعة السابقة ( محرمات استهان بها كثير من الناس)
ايها المسلمون :ومن تلك المحرمات التي استهان بها الناس الفرح بالمعصية، وحب الحمد بغير فعل، كما قال الله عن أهل ذلك: )لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( آل عمران:188 وتأمل حال كثير من العصاة اليوم الذين يباهون بالمعاصي التي ارتكبوها ويتبجحون بها في المجالس، ويرون الناس صورهم حال ملابستهم للفسق والمعصية، ويتباهون بذلك ويقولون: سافرنا وعملنا، وفعلنا وارتكبنا، دون حياء من الله ولا خلقه: (يصبح أحدهم وقد ستره ربه، وهو يكشف ستر الله عليه) هؤلاء الذين يفرحون بالمعصية، وفي الوقت ذاته أيضاً يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فترى أحدهم يحب أن تنسب إليه الأعمال العظيمة التي ليس له فيها مغرز إبرة، وليس له فيها جهد ولا عمل ويحب أن يقال عنه: إنه هو الذي فعلها وهو الذي ابتدأها، فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب، والذين ينتحلون أعمال الآخرين، ليوهموا الناس أنهم هم الذين فعلوها، هذا من الظلم والتزوير، وهو واقع ومنتشر في المجتمع ولا حول ولا قوة إلا بالله!
ومن الأمور ياعباد الله التي تساهل بها الناس: اتباع بعض الناس للأئمة المضلين في تحليل الحرام وتحريم الحلال: ) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ( التوبة:37 تأخير الأشهر الحرم، أهل الجاهلية كانوا يؤخرونها، بحسب أهوائهم إذا أرادوا القتال في وقت معين فصادف شهراً حراماً أجلوا الشهر الحرام إلى غير وقت من أوقات السنة: ) يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ( التوبة:37 وأنت تسمع اليوم ممن ينادون بتحليل الحرام كالربا ونحوه، ويعطون الفتاوى الرخيصة يكتبونها بأيديهم: ) فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ( البقرة:79 وينشرونها بين الناس ويقولون للناس خداعاً وتضليلاً وتمويهاً: نحن نتحمل المسئولية أمام الله، تباً لهم على هذا الصنيع، وويل لهم يوم القيامة مما كسبت أيديهم، وسيتحملون مسئوليتهم عند الله، وسيجزون بجهنم قعرها سبعون عاماً لا تدرك، وويل للذين يتابعونهم ويقولون: أفتى واحد، هذه حجة، ففيها فتوى، وقد صدر فيها شيء، وحللها بعض العلماء، ويل لهم يلعبون بشريعة الله ويخادعون الله كأنما يخادعون الصبيان، ويظنون أن الله سينجيهم يوم القيامة لأنهم الآن اتبعوا بعض الأئمة المضلين.
ومن الأمور التي تساهل الناس فيها: الجلوس في المجالس التي يُكْفَر فيها ويستهزأ فيها بآيات الله: )بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً * وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً ( النساء:138-140
كم من المسلمين اليوم يجلسون مع أناس يستهزئون بدين الله، ويلمزون شرع الله، أو عباد الله الصالحين، لا لشيء إلا لأنهم تمسكوا بدين الله، أو يعترضون على حكم الله وشريعته، ويقرون في مجالسهم غير شرع الله عز وجل، ويعتبرون أن الدين رجعية، وأن الشرعية تخلف، وأنها لا تناسب هذا الزمان، وأنه يجب الأخذ من قوانين الشرق والغرب، إلى غير ذلك من الأمور، ويلك! ثم ويلك! ثم ويلك! إن جلست معهم وهم يخوضون في هذا الحديث، بل يجب عليك أن تنكر وتفارق حالاً قبل أن ينزل عليك السخط.
ومن أعضم الأمور التي تساهل بها الناس التطفيف في الصلاة، (رأى حذيفة رضي الله عنه رجلاً يصلي فطفف في صلاته -أنقص في الركوع والسجود والقراءة، وأسرع إسراعاً مخلاً بالصلاة- فقال له حذيفة: مذ كم تصلي هذه الصلاة؟ قال: منذ أربعين سنة، قال: ما صليت منذ أربعين سنة -كل الصلوات الماضية باطلة- ولو مت وأنت تصلي هذه الصلاة مت على غير فطرة محمد r ، ثم قال: إن الرجل ليخفف ويتم ويحسن) رواه النسائي ، وأنت ترى حال المصلين اليوم من نقر الصلاة والإسراع فيها إسراعاً مخلاً، حتى إنك تعجز في بعض الأحيان عن قراءة الفاتحة، أو قول سبحان ربي العظيم ولو مرة واحدة وراء بعض الأئمة، وكذلك انظر إليهم حين ينفردون بالصلاة في السنة مثلاً بعد صلاة الجماعة إلى أحوالهم في تطفيف هذه الصلاة، كيف تكون مقبولة عند رب العالمين؟! ولو قال قائل: إنني فعلت هذا في الماضي وأنا أجهل فهل علي الإعادة؟ نقول: كلا، لأنه r لما رأى الرجل يطفف في صلاته، أمره بإعادة هذه الصلاة في الوقت، ولم يأمره بإعادة الصلوات الماضية، وإنما الواجب التوبة، والإكثار من صلوات النوافل، وإكمال وتحسين الصلوات القادمة.
ومن المعاصي التي استخف بها الناس: إيذاء المؤمنين والمؤمنات، قال تعالى: )وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً ( الأحزاب:58 بأنواع الأذى، اللمز، الهمز، السخرية، السعي بالشكاية والنكاية، وتدبير المؤامرات وحبكها للإيقاع بعباد الله الصالحين، ويل لهم ثم ويل لهم، وأنت تنظر اليوم في أبسط الأشياء وهي قضية المعاكسات الهاتفية .. المعاكسات الهاتفية ماذا تعتبر في شرع الله؟ )وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً ( الأحزاب:58 بلا ذنب، بلا جريرة: ) فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً ( الأحزاب:58 تأمل في أحوال الطائشين اليوم بكل سهولة يرفع السماعة ويتصل بالرقم عدة مرات، وأحياناً في آخر الليل يزعج المسلمين، ويريد أن يكلم حريمهم، هذا ماذا يعتبر وماذا يكون؟
ومن الأمور التي تساهل الناس فيها كذلك :الذين يحبون إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، ونشر الفساد في الأرض، وتخريب الأخلاق والعلاقات الأسرية والزوجية بهذه الإباحية التي تنشر في جميع الوسائل ويل لهم، هؤلاء الذين قال الله في شأنهم: ) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ( النور:19.
وبعض الناس مع الأسف ببغاوات يرددون ومكبرات يضخمون أقوال أعداء الإسلام، وينقلون الفساد إلى بيوتهم، وإلى أنفسهم تقليداً لغيرهم، أو علماً بما ينطوي عليه ذلك الأمر من الخطورة، ويساهمون في نشر الفساد، ويل لهم عند الله عز وجل.أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجنبنا وإياكم هذه الفواحش والآثام، وأن يرزقنا وإياكم الابتعاد عن هذه الكبائر والذنوب، ونسأله أن يسلمنا ويسلمكم من سائر أنواع الفحش والمعاصي. قد قلت ما قلت، إن صواباً فمن الله، وإن خطأً فمن نفسي والشيطان 0لا أريد إلا الإصلاح ماستطعت وماتوفيقي الابالله0بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياك بما فيه من الآيات والذكر الحكيم،واستغفر الله من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم 0
الخطبة الثانية: محرمات استهان بها كثير من الناس (2)
الحمد لله الذي لا إله إلا هو رب الأولين والآخرين، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي جاء بالإنقاذ من الضلال، وهدانا لما اختلف فيه من الحق، وعرفنا شريعة ربنا r، هدانا هداية الدلالة والإرشاد، وأمرنا بأن نتمسك بما أمر الله به لا نحيد عنه ونهانا عن معصية ربنا عز وجل لسائر أنواع المعاصي والآثام.اما بعد فياعباد الله اتقوا الله حق تقواه : واكمالا لما سمعتوا اليه في الخطبة الاولى من المحرمات والمعاصي التي أستهان بها و يمارسها كثير من الناس0
فمن تلك المحرمات قطع صلة الرحم :فعلاقاتنا الاجتماعية في عصرنا هذا لقد حاربتها الإنسانية المتمثلة في أفرادها ،وصلة رحم قطعت، وأواصر المحبة تفككت ،وروابط الألفة ضاعت ، وما ذاك إلا لضعف إيمان كثير من الناس ،وطغيان المادة حتى أحكمت سيطرتها على قلوبهم ، فنتج من ذلك توتر العلاقات الاجتماعية، لأتفه الأسباب بين كثير من المسلمين حتى الأقربين نسباً ومصاهرة ،ورحمة ومجاورة ،فسادت الخصومات ،وكثرة المشاحنات ،ومن مظاهر ذلك ولو عجبتم ألوان من التعامل تشهد الساحة الاجتماعية، وهذا دليل على ضعف الإخاء الإسلامي بين المسلمين، بل حتى بين الأسرة الواحدة 0 نعم انه لمن الموسف ان راية قطيعة الأرحام ياعباد الله بدت تترفع وأعراضها تظهرعلينا. فلو أن لها رائحة لازكمت الأنوف 0 ولما جلستم في هذا المصلى من رائحتها النتنه 0 لقد وصل الحال ببعض الناس أن يمتلئ قلبه غيظاً وحقداً على أقاربه وذوي رحمه، فيقاطعهم بل يعاديهم، ويخاصمهم بل يقاضيهم، ويتمنى لهم الموتَ من أجل أمر تافهٍ حقير، يتعلَّق بحفنة من الحطام، أو وشاية غِرٍ لئيم، أو زلة لسان، أو شجار بين الأطفال، فتمرُّ الأشهر والسنوات وقلبُه يغلي عليهم، ونفسه تموج غلاّ ضدّهم كما يموج البركان المكتوم، فلا يستريح إلا إذا أرغى وأزبد، وآذى وأفسد، وتلك ـ لعمرو الحق ـ من دلائل الصغار واللؤم وخسّة الطبع وقلة المروءة لدى أقوام لا يتلذَّذون إلا بالإثارة والتشويش، ولا يرتاحون إلا بالتحريش والتهويش0 ومن أعراضها :
عقوق الوالدين. فكم من ولد يهينهما ويسخر منهما ويحتقرهما، يكرم امرأته ويهين أمه، ويقرب صديقه ويبعد أباه، ونلحظ انتشار الأنانية والكبر والحسد والبغضاء بين الإخوة والأخوات والأعمام والأخوال وسائر أفراد المجتمع إلا من رحم الله، وكثرت النزاعات والخصومات بين الأهل والأقارب، وذلك لأتفه الأسباب حتى أبدى بعضهم لبعض الشر والعداء، فأين الرحمة عند هؤلاء والديانة؟! بل أين المروءة والإنسانية؟! وإذا كان هذا في حق الوالدين، فما بالكم بموقف هؤلاء من الأقارب والأرحام؟! )فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى ٱلأَرْضِ وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ * أَوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَـٰرَهُمْ (محمد:22- 23.
ومن المحرمات أيضا هجر المسلم فوق ثلاثة أيام دون سبب شرعي :- من خطوات الشيطان إحداث القطيعة بين المسلمين وكثيرون أولئك الذين يتبعون خطوات الشيطان فيهجرون إخوانهم المسلمين لأسباب غير شرعية إما لخلاف مادي أو موقف سخيف وتستمر القطيعة دهرا وقد يحلف أن لا يكلمه وينذر أن لا يدخل بيته وإذا رآه في طريق أعرض عنه وإذا لقيه في مجلس صافح من قبله ومن بعده وتخطاه وهذا من أسباب الوهن في المجتمع الإسلامي ولذلك كان الحكم الشرعي حاسما والوعيد شديدا فعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : ( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار ) رواه أبو داود وعن أبي خراش الأسلمي رضي الله عنه مرفوعا : (من هجر أخاه سنة فهو بسفك دمه ) رواه البخاري ويكفي من سيئات القطيعة بين المسلمين الحرمان من مغفرة الله عز وجل فعن أبي هريرة مرفوعا (تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين ، يوم الإثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبدا بينه وبين أخيه شحناء فيقال : اتركوا أو أركوا ( يعني أخروا ) هذين حتى يفيئا ) رواه مسلمومن تاب إلى الله من المتخاصمين فعليه أن يعود إلى صاحبه ويلقاه بالسلام فإن فعل وأبى صاحبه فقد برئت ذمة العائد وبقيت التبعة على من أبى ، عن أبي أيوب مرفوعا : ( لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ) رواه البخاري 0أما إن وجد سبب شرعي للهجر كترك صلاة أو إصرار على فاحشة فإن كان الهجر يفيد المخطئ ويعيده إلى صوابه أو يشعره بخطئه صار الهجر واجبا ، وأما إن كان لا يزيد المذنب إلا إعراضا ولا ينتج إلا عتوا ونفورا وعنادا وازديادا في الإثم فعند ذلك لا يسوغ الهجر لأنه لا تتحقق به المصلحة الشرعية بل تزيد المفسدة فيكون من الصواب الاستمرار في الإحسان والنصح والتذكير .
أين تعاليم الأخوة الإسلامية الصادقة ؟! كفى يا عباد الله تشاحناً وهجراً ،حذاري أن ينجح الشيطان في التحريش بينكم ، اصطلحوا أيها المتشاحنون ، وتواصلوا أيها المتقاطعون ، فإن شؤم التشاحن والقطيعة عظيم في الدنيا والآخرة ، فاتقوا الله عباد الله، واحذروا قطيعة الرحم وقوموا بصلتها ابتغاء مرضاة الله تعالى ورجاء الأجر والثواب منه جل في علاه ولا تقابل من قطعك بالقطيعة واصبر واحتسب الاجر والمثوبة لان صلة الرحم سبب في دخول الجنة وصلة الله للعبد في الدنيا والآخرة. اقرؤوا قول الله تعالى عن المؤمنين: )وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوء الحِسَابِ *وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبْتِغَاء وَجْهِ رَبّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَءونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيّئَةَ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ( سورة الرعد اية21-23
واعلموا أيها المؤمنون أن صلة الرحم والإحسان إلى الأقارب علامة على كرم النفس وعزها وليس تبعية أو تذللا ومنه فليس التواصل بين الأرحام مكافأة وتبادل للمصالح فأن أحسنوا أحسنا وإن أساءوا قابلنا إساءتهم بمثلها وهذا ليس من الدين ، فالواصل ليس مكافئا وفي ذلك يقول المصطفى )r ليس الواصل بالمكافئ وإنما الواصل الذي إذا قُطعت رحمه وصلها ) رواه البخاري والترمذي وأبو داود وأحمد ومارواه أبوهريرة رضي الله عنه أن رجلا قال يارسول الله ، إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عنهم ويجهلون علي فقال r: (لئن كنت كما قُلت فكأنما تسفهم الملّ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك ) رواه مسلم وأحمد
فعلى المسلم أن يداوم على صلة رحمه ولو جفوه وأن يبادر إلى العفو عنهم إن أخطأوا والإحسان إليهم وإن أساءواوليدع المسلم البخل والشح فإنه من أسباب القطيعة يقول النبي r:( إياكم والشح فإنما هلك من كان قبلكم بالشح،أمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالقطيعة ققطعوا وأمرهم بالفجور ففجروا أمرهم ) رواه أبو داود وأحمد
فهنيئاً لقريبٍ أعان على صلته بقبول العذر والصفح والعفو والتغاضي عن الهفوات والتغافل عن الزلات يشارك أقاربَه آلامهم وآمالهم، ويشاطرهم أفراحهم وأتراحهم، ومن كان بينه وبين رحمٍ له عداوة فليبادِر بالصّلة، وليعفُ وليصفح، )فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ(الشورى:40. لقد فعل إخوة يوسفَ مع يوسفَ ما فعلوا، وعندما اعتذروا قبِل عذرهم وصفَح عنهم الصفحَ الجميل، ولم يوبِّخهم، بل دعا لهم وسأل الله المغفرةَ لهم،قال )لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ( يوسف آية : 92
جعلني وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين0 هذا وصلوا وسلموا على النبي المختار ، سيد الأبرار ، صادق الأخبار ، فقد أمركم الله بذلك الواحد القهار : ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ الأحزاب:56 اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد، وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار.ماتعاقب الليل والنهار0 اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، وأجعلنا في هذا البلد آمنين مطمئنين وسائربلاد المسلمين يارب العالمين0 اللهم أعزنا بالإسلام، وقوِّنا بالإيمان. اهدنا إلى صراطك المستقيم، واغفر لنا خطايانا يوم الدين.اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وارنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ،اللهم آتي نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها ،أنت وليها ومولاها، وأنت على كل شيء قدير، اللهم ألبسنا لباس التقوى ، وألزمنا كلمة الحق والتقوى .واجعلنا من أولي النهى ، وأمتنا حين ترضى ، وأدخلنا جنة المأوى .واجعلنا ممّن بر واتقى ، وصدّق بالحسنى ، ونهى النفس عن الهوى .واجعلنا ممّن تيسّره لليسرى ، وتجنّبه العسرى .واجعلنا ممّن يتذكر فتنفعه الذكرى . اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك ، وأيده بتأيدك ، واجعل عمله في رضاك ،اللهم بارك لنا في علمائنا وفي ولاة امرنا ،وفي مواطنينا واصلح ذات بيننا ،اللهم اجمع كلمتنا على الحق ،اللهم ألف بين قلوبنا ، اللهم ارحم ضعفاءنا وفقراءنا ،ومرضانا يارب العالمين ،اللهم انصر اخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان اللهم انصرهم في فلسطين وفي العراق وفي افغانستان وفي الصومال وفي سائر ديار المسلمين0 اللهم أنصرهم على أنفسهم اولا وعلى شهواتهم ثانيا وعلى أعداء الاسلام ثالثا اللهم اخرج اعداء الاسلام والمسلمين من بلاد المسلمين عاجلاً غير آجل اللهم لا ترفع لأعداء الاسلام في بلاد المسلمين راية ولا تحقق لهم فيها غاية يارب العالمين اللهم انصر الاسلام والمسلمين في كل مكان واقمع المشركين في كافة الأرض يارب العالمين انك سميع مجيب الدعوات 0
﴿ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ البقرة:201 ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ *وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ *وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ ﴾الصَّفات:180-182 ، وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون0
ساحة النقاش