السوداني يحب الونسه جداً .. وقد يضحي بموعد مهم أو بانجاز عمل ضروري حين تكون الونسة حلوه.. والبعض يقول ماشي أخد لي عشرة ونسه.. تشبيهاً لها بالتسلية في لعبة (الكوشتينه) وكثيراً ما تعطل الونسة الناس عن مشاويرهم .. ومع ظهور الحاسوب والنت ومواقع الدردشة لم تختف الونسة إنما أصبحت عبر الكمبيوتر .. فقط بدل أن تقال الونسة تكتب.. واستخدام الموبايل عندنا أضفنا إليه وظيفة (الونسة) وهذا ما يجعل فواتير هواتفنا عالية. وأصبح السوداني ينفق على (الاسكراتشات) مثلما ينفق على الرغيف..
ومن طريف ما قال لي الكاتب والناقد الخالد الذكر(محمود محمد مدني) إن عبقرينا الطيب صالح لم يكتب سوى هذا العدد القليل نسبياً من الروايات وكان يمكنه أن يكتب أكثر لولا إنه من محبي وعشاق الونسة وقد أكد لي الملاحظه مجددًا الاستاذ محمد محمد خير.. ويبدو إنها ظاهرة عربية فهم مثلنا يحبون الونسة والأخوة في مصر يسمونها (طق الحنك) ولوردة الجزائريه أغنية تمجد فيها الونسة إذ تصف المحبوب بأنها بتتونس بيهو .. في أغنيتها الشهيرة بتونس بيك..والشاعر عبدالرحمن الأبنودي يقول في واحدة من قصائده..( ننام زي الجثث.. ننام من غير ونس)
لذلك اشتهرت عندنا برامج(الونسة) وهي من أنجح البرامج في قنواتنا الفضائية والإذاعية بعد البرامج الغنائية .. وأمس وأنا أتجول بين الإذاعات توقفت عند إذاعة ساهرون وكان المذيع الجميل زهير بانقا يستضيف في برنامج ونسه حلوه الدكتور(فتح العليم) وكان ظريفاً وضمن ما حكاه وأضحكني جداً عن ذكرياته حين كان طالباً في جامعة الخرطوم وبصفته اقليمياً كان مقيماً في الداخلية وكان أن اشترى أحد زملائه منبهاً .. والمنبه من أدوات إيقاظ الناس قديماً الآن يقوم بالمهمة الموبايل.. ولكن زميله عندما أوشك أن ينام.. وضع المنبه في سرير دكتور (فتح العليم).. والصباح رن المنبه فصحا من النوم مستغرباً..من وجود المنبه(جنب راسو) وما كان منه إلا أن أيقظ زميله وسأله عن وجود المنبه فقال له: أيوه المنبه حقي اشتريتو أمبارح فسأله دكتور(فتح العليم) طيب خاتيهو لي في سريري مالك؟ فقال له: لأن سمعي تقيل فإن رن لا أسمعه فأنا وضعته بجانبك حتى تستيقظ ومن ثم تصحيني وهذا فعلاً ما حدث.. ذكرني ذلك بطرفة الأم التي وصل ابنها سن الدخول الى المدرسة ولما كان ابنها مدللاً وهي تحبه جداً.. أوصت المعلم قائلة: ولدى ده خواف ..فلما يعمل غلط إنت ما تدقو دُق الولد القاعد جنبو ,,هو بخاف وتاني ما بعمل كده.. وحركة زميل دكتور (فتح العليم) انتهازية واعية في اعتقادي.. فقد أصبح زميله مستطيعاً بغيره..
وبرامج الونسة تعتمد في نجاحها على الضيف.. فإذا كان وناساً وحصيلته من المواقف والذكريات ثره نجحت الحلقة..وإذا كان العكس أصبحت الونسة مملة وهنا ما عليك إلا إدارة مؤشر المذياع إلى محطة أخرى.. وقد درجنا على تنويع الونسة وتسميتها حسب الحالة فهنالك(ونسه دُقاقه) وهي ونسة خاصه وتكون بين المحبين خاصة.. وفي الجامعة كان زميلنا(علي مدني) يسمى ونسة العاشقين (التسميع ) فالهمس والقرب بين المحبين يجعلهما يبدوان كمن يسمع أحدهما للآخر قصيدة أو جدول الضرب أو الآيات على حسب ما درجنا على تسميعه أيام كنا طلبة.. وقد استعملت العبارة في قصيدة شارع الذكرى إذ قلت:
ساحة النقاش