(قصّة قصيرة_ق.ق_)

لَيتَني اقتَلَعتُ الجِذورَ

أغمَضتُ عيونَ الدّهشَةِ عَن ذاكِرَةِ المَكانِ، وَأوغَلتُ السّفَرَ في قَلبِ الّلقاءِ الأوّلِ، الّذي جَمَعَني بِمَن مَلَكَت قَلبي، لَحظَة تَلاقي العيون تَحتَ ظِلال ِتِلكَ الشّجَرَة الخالِدَة...هُناكَ حَفَرنا أوّلَ أبجَدِيّات الحُبّ عَلى جِذعِها الأشَمّ...نَعَم إنّني أراها الآنَ بِكامِلِ هَيئَتِها، حينَ أحبَبتُها وَهِيَ تُحَدّثني:

_مَتى نُتَوّجَ حُبّنا بِالزّواج يا حَبيبي؟

_لأقول لَها: لَيسَ بِبَعيدٍ ذلِكَ اليَوم يا حَبيبتي، لَقَد استَلَمتُ وَظيفَتي أخيراً، وِسَأقومُ جاهِداً عَلى توفير كلّ مستلزمات الزّواج من كلّ قرشٍ أوفّره من دخلِ هذه الوظيفة.

_حينها قالَت لي: أتَمَنّى يا حَبيبي ألّا يَطول هذا الزّمن، فَوالدي يَلِحّ عَليّ، لِلقُبول بِالزّواجِ مِن أحَدهم لِمُجَرّد أنّهُ غَنِيّ، رَغمَ أنّني لا أطيقَه.

_لأقولَ لَها أيضاً: حَبيبَتي...اصبُري وَاستَمِرّي في الثّباتِ عَلى قَرارِك؛ فَأنا لا أطيق أن يَأخذك مِنّي أيّ إنسان...لا أحَتمِل ُرؤيَة هذا المَشهَد...لَرُبّما أقتلهُ لمُجَرّد لَمس خِصلَة مِن خِصالِ شَعركِ الغالي عَلى قَلبي.

آهٍ يا حَبيبَتي، تبّاً لِتلكَ الوَظيفَة؛ مَردودَها المادِيّ مَحدود، وَالوَقتُ لا يَسعِفَني لتَوفيرِ ما يَفِ ثَمَنَ مَهرُكِ المُستَحَقّ...سامِحيني يا مُهجَةَ الفُؤاد، لَقَد نالَ هذا الحَقير مُبتَغاهُ وَخَطبك رَغماً عَنكِ، وَهوَ يَعرفُ أنّكِ لا تَكنّ لهُ في قَلبكِ مِثقالَ ذَرّة مِن حُبّ.

كم أسعدني لقاؤنا الأخير، عندما رأيتك لآخر مرّة عند شجرة حبّنا الّتي تحتضن عشقنا الدّافئ دائماً.

لم أكن أعلم أنّ ظِلّاً آخر يتبعني عندما قابلتك هناك، ويقوم بدفعي بكلّ ما أوتي من بأسٍ شديد...حينها ارتطم رأسي بالأرض وغبت عن الوعي قبل لحظة الوداع الأخير وتسليم أمرنا للقدر الّذي اختار لنا هذه النّهاية المؤلمة.

عندما أفقت من الإغماءة، لم أحتمل أبداً رؤيته وهو ينهال عليك بالضرب المُبرح ويتّهمك بالخيانة.

يا لهذا القدر الّذي يُهيّئ لنا الأسباب ويضع نهاية للمشاهد الدّراميّة الواقعيّة؛ وكيف لتلك القطعة الحديديّة الثّقيلة أن تقع بيدي وبمهارة القاذف تهوي على رأسه وترديه قتيلاً في لحظات؛ كلّ ذلك حدث وأنا ليس في نيّتي قتله، بل أردت إبعاده عنك ويكفّ عن ضربك.

هذه هي ذكرياتي الّتي روادتني بعدما غادرت زنزانتنا يا صديقي أكتبها لك عبر رسالتي هذه وأنا أقف الآن على مقربة من ضريحها بعد مُضيّ عشرون عاماً على فراقها.

بقلمي/أكثم جهاد

المصدر: آسيا محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 50 مشاهدة
نشرت فى 30 إبريل 2019 بواسطة nasamat7elfouad

عدد زيارات الموقع

85,085