كتبت : ناني محسن
- الجيش المصري في 67 : " إحنا جيشنا ما حارب ش ، جيشنا إتاخد على غدر ، وجيشنا المصري رغم قلة إمكانياته لما بيتزنق بيبقى الله اكبر عليه"
- العدو الذي لا يقهر عبارة عن سماعات صوت !! : " في حرب الاستنزاف إحنا قاعدين في الضفة الغربية سامعين هيصه ورقص في الضفة الشرقية، قلنا النقطة دي كده مليانه ناس (جنود اسرائيليين) ، زميلنا عدا ودخل ما لقاش حد لقي أستريو كبير ، هما بقا مشغلين استريوهات كبيرة وموجهنها علينا ومستخبيين تحت المُسلح تحت الأرض"
- الدكتور "فاروق اسماعيل" أتصل بي لمقابلة "عساف ياجوري" في مكتبة : " أنا ما روحت ش وكويس أنى ما روحت ش ، إحنا جيلنا ما يحبهم ش وأنا قلت له : كنت خنقتهولك فى المكتب" .
- الشباب المصري اليوم : "الشباب المصري هو هو لما بيتزنق بيسد"
البطل اللواء "يسري عمارة" ليس مجرد اسم لشارع هام من شوارع التجمع الخامس بمحافظة القاهرة، أو اسم لميدان ذو طابع سياحي من ميادين بورسعيد ، بل بطل مصري أصيل أستطاع أن يكتب أسمه في التاريخ البطولي بحروف من نور ، أسم لن تنساه مصر ولن تنساه إسرائيل أيضاً ، فكيف تنسى إسرائيل من أرتبط أسمه بأول أسير إسرائيلي على أرض سيناء في حرب الاستنزاف، ولم يكن مجند عادي بالنسبة لإسرائيل بل هو "دان أفيدان شمعون" أحد أقرباء "جولدا مائير" رئيسة وزراء إسرائيل، الذي سأل بطلنا المصري ما أسمك فلم يقل له أنا يسري عمارة بل قال : "جمال عبد الناصر ... كلنا جمال عبد الناصر" ، وكيف تنسى إسرائيل من يحرص على تذكيرها دائماً بأن شجاعة جنودهم المزعومة كانت عبارة عن سماعات صوت تصدرها للجيش المصري ، وإذا نسيت كل ذلك فكيف تنسى من أسر "عساف ياجوري" قائد اللواء الإسرائيلي 190 مدرعات وقتل أحد جنوده بضربة واحدة من يده .
البطل "يسري عمارة" بطل يملك قلب الأسد وعينا النسر المصري ، فكان أحد نسور الكلية الجوية لمدة عامين ، لكن الأقدار كانت تخفي لهذا البطل نوع أخر من البطولات على أرض مصر دون جوها ، فحط النسر على ارض الوطن وطوي جناحية والتحق بالكلية الحربية وتخرج فيها ، ثم عمل باللواء 117 مشاة الذي سجل من خلاله تاريخه البطولي .
ورغم كونه قلب الأسد أستطاع أن ينفذ إلى قلوب أهالي بورسعيد الذين عاش بينهم بما يملكه من روح أصيله متواضعة كسائر أبناء البلد الطيبين يشاركهم مجالسهم ، ويشاطرهم أحزانهم وأفراحهم ، وإذا سألت عنه ابن بورسعيد سيقول لك " الحاج يسري حبيبي وصاحبي ، يسري عمارة تاريخ " هكذا أختار هذا البطل أن يسكن قلوب الناس كباراً وصغاراً ليكون الأب والصديق والبطل والمعلم الذي يفخرون به جميعاً
وبعد هذه البطولات تتسأل هل عرف الخوف يوماً طريقا إلى قلب هذا البطل الجسور ؟ ، لكن البطل يجيب : " لا يوجد إنسان لا يخاف لكنني لم أفكر بالخوف ، ولو كنت فكرت ما فعلت ، أنا فكرت فقط في الوطن ... في مصر .
وما أغلى مصر وما أغلى بطولات أبناءها الذين حلمت بشرف الإنصات لهم والتعلم منهم ولكوني من أبناء الباسلة أرض البطولة والأبطال فكان من الطبيعي أن يكون سيادة اللواء "يسري عمارة" أول بطل أطمح إلى لقاءه ، فتوجهت إلى إدارة المتحف الحربي ببورسعيد، الذين أدين لهم بالفضل في تقديم العون والمشورة ، حباً ورغبة منهم في نشر الوعي والثقافة والروح الوطنية ،
ومن خلال ذلك العون التقيت بسيادة اللواء يسري عمارة في الساعة الواحدة ظهر يوم السبت الموافق الخامس من أغسطس لعام ألفين وسبعة عشر ليدور بيننا حوار مدته ساعة اكتشفت خلالها أن سيادة اللواء يسري عمارة بالرغم من كونه طيب القلب ، ودود ، بسيط ، بشوش الوجه ، إلا أنه يتمتع بصلابة وحزم وكأنما خلق ليكون قلب الأسد بل أنه من الصعب أن يكون سوى "يسري عمارة" الذي أسر "عساف ياجوري" ، فهو شخصية لا ترضى بأنصاف الحلول ، ولا تعرف سوى الأبيض والأسود ، أما اللون الرمادي فلا يعرف سبيل لقلب وعقل هذا البطل ، الذي لم تثنيه السنين ومعاهدة السلام عن مواقفه تجاه إسرائيل وجنودها ، فإذا به يقسم لو التقى بعساف ياجوري لضربه وخنقه ، حينما ُطلب منه الحضور للقاء عساف الذي أتى مصر كخبير زراعي حينما كان يوسف والي وزيرا للزراعة ويعلل ذلك قائلا "احنا جيلنا ما يحبهم ش" ، فذكرني بكلمات الرئيس جمال عبد الناصر عن بورسعيد " إديتوا هنا المثل في بورسعيد ، حينما تعرضتم للغارات ، وحينما تعرضتم للعدوان ، اديتوا المثل الكبير إن الطوب داب ، والحديد داب ، ولكن الرجالة ما دابوش ، ولا النساء ، ولا الأطفال " وهكذا البطل يسري عمارة لم تذب إرادته وروحه البطولية ، ومع قلب الأسد وعدو الصهيونية كان هذا الحوار .
ما هي الكلية التي تخرجت فيها سيادتك ؟
" انضميت لأسرة الدفعة 55 بالكلية الحربية وتخرجت في يوليو 69 " .
ما السلاح والكتيبة اللذان كُلفت سيادتك بالعمل بهما ؟
" بعد التخرج التحقت بسلاح المشاة ، وانضميت لأسرة الكتيبة 361 مشاة ، اللواء 117 بمنطقة سرابيوم ، عين غصين ، جنوب الإسماعيلية "
ما هي ذكريات سيادتك عن النكسة ؟
"النكسة حصلت وأنا في الكلية الجوية ، شفت الطيران الإسرائيلي يوم 5 يونيه ، ضرب مطار بلبيس ، وضرب في الطيران بتاعنا على الأرض ، بس الحمد لله ما خسرنا ش طيارين ، وإحنا كطلبة بقينا زعلانين ، أخذونا في عربيات عشان خافوا أن الكلية تتضرب وطلعونا بره الكليه، و ودونا مدرسة الصنايع في بلبيس ، وإحنا ماشيين الناس مفكره إننا رايحين نحارب، بدأوا يزغرطوا ويرموا علينا ملبس، وبعدين اكتشفوا أننا رايحين مدرسة صنايع فكسروا المدرسة علينا، إحنا جيشنا ما حارب ش ، جيشنا إتاخد على غدر ، وجيشنا المصري رغم قلة إمكانياته لما بيتزنق بيبقى الله اكبر عليه ... " .
في حرب الاستنزاف المجند "توفيق الشافعي " أستشهد ليلة رجوعه الكتيبة بعد زواجه فأشعل شرارة الانتقام داخل زملائه في الكتيبة فكيف حدث ذلك ؟
" حرب الاستنزاف أنا تعبت فيها أكثر من حرب أكتوبر ، أنا عشان أشوفهم كويس ، في شجره على الضفة الغربية ، شجرة كافور ، اخترت شجرة وسط الشجر وعملت عليها طبلية خشب مربعة وعملتها فوق الشجرة، وبدأت اطلع فوقها بالليل أراقبهم ، لغاية ما قائد الكتيبة الله يرحمه استشهد المقدم "صلاح حبيشة" كان مسميني الشاشة ، وفى حرب الاستنزاف استشهد من عندي جندي من المنصورة اسمه "توفيق الشافعي " كان راجع من أجازة جوازه واستشهد يومها بالليل ، أنا وقتها كنت لسه ملازم أول وبمر عليهم وبقولهم : " يالا كل واحد يروح مكانه وبلاش التجميع ده " ، فإسرائيل ضربت باتجاه الصوت ، مش شايفه بالليل ، فربنا سبحانه وتعالى اختار توفيق ، فحسينا أننا السبب في موته ، وشوفي بقا جمال الجندي المصري ، كان حكمدار الوحدة مسيحي اسمه "حماية تناغسوس" من المنيا ، قالي : "بكره هأخذ بثأرة" قلت له : "أزاي" ، قالي : "هضرب على الدورية" ، كان كل يوم 8 الصبح بتعدي على الطريق الموازي من الشرق عربيتين مدرعة وعليهم طيارة مرواحية ، وكل يوم بيعدوا علينا يشتمونا ، قالي : "هضرب على الطيارة والدورية" ، قلت له : "ممنوع ... أي طلقة هنتحاكم أنا وآنت : ، قال لي : "حاكمني ... هضرب يعنى هضرب" ، وراح كل الجنود متضامنين معاه قلت لهم : "انتو كده لو ضربتوا انا هتحاكم انا ملازم ممكن اتفصل" ، قالوا : "هنضرب يعنى نضرب" ، قلت لهم : "اضربوا" ، الصبح راح جايب الرشاش بتاعة ، وهو مفروض يتنصب عشان يضرب به الطيران ، راح ناصبه ضرب ارضي وراح طالع على تبة عالية وأول ما الدورية جت وظهرت بدأ مع الدورية وضرب لغاية ما اختفت ، وبعدين قلت لهم : "يالا لم الرشاش" ، ودفناه في الرمل ، وكان معانا قائد كتيبة الرائد "عبد الله عمران" أتوفى الله يرحمه برتبة لواء من المنيا ، وهو الله يرحمه كان قوي جدا ، وكنا بنحبه جدا ، اتصل بالتليفون قال لنا : "إيه الضرب ده ؟ " ، قلت له : "يا فندم ده الجار اليمين " ، راح متصل بالجار اليمين وكان وقتها الله يرحمه "إبراهيم حسين" ، قال له : "يا إبراهيم إيه الضرب ده ؟ " ، قال له : " يا فندم ده عند يسري عمارة " ، و"عبد الله عمران" مش بتاع هزار ، ثلث ساعة لقيته قدامي في الموقع ، هو جالى وأنا شفته كانت روحي راحت بقا خلاص ، وهو حس أن أنا خايف منه ، قال لي : "آنت ضربت بأي سلاح" ، قلت له : "يا فندم بالرشاش" ، قال لي : "هو فين ؟" ، قلت له : "دفناه في الرمل" ، قال لي : "ضربت ليه ؟" ، قلت له : "عشان نأخذ ثأر توفيق استشهد أمبارح والجنود قالوا هنأخذ ثأر توفيق وأنا ضابط فما أبقاش قدامهم يعنى طرطور" ، قال لي : "آنت عارف انك عملت خسائر في الدورية" ، قلت له : "لا" ، بس أنا شفت قنبلة دخان طالعة وشفت الطيارة وهى نازلة ، لكن ما اعرف ش" ، قال لي : "انتووا عملتوا خسائر فيهم آنت ضربت بأي سلاح ؟ " ، قلت له : "ده " ، قال لي : " يعنى السلاح ده اللي عمل الخسائر دي" ، قلت له : "آه" ، قال لي : "طيب بكره الصبح - قلت بس محكمة عسكرية – هبعتلك الرشاش الثقيل وقائد الفصيلة وتقضي على الدورية دي " ، أنا ما بقتش مصدق بقيت عايز أقوم احضنه بس خايف منه ، وبعت لي فعلا رشاش أثقل وقائد الفصيلة ، "ومزعنا خبر الدورية" بعد ما بقوا يجوا 8 ، بقوا يجوا عشرة ويقطعوا يومين ، لخبطناهم خالص ، فكان أي مكان في الجبهة يحصل فيه اشتباك لازم موقعي يضرب ، موقعي بقا غلس أي مكان يضرب حتى لو الضرب في السويس يضربونا ، ولما الرائد "عبد الله عمران" لقانا بنرد عليهم قال لنا : "طيب إيه رأيكم نخطف منهم واحد" ، وكان جريء قوي الله يرحمه ، قلت له : "أزاي يا فندم ؟ ، إحنا آلميه بالليل عامله لنا رعب" ، أحنا قاعدين على القناة وما فيش بواخر ، ما فيش حد ماشي ما فيش ضوء، الدنيا ظلمة وآلميه مع القمر والفسفور ، من كثر السمك آلميه بتنور فعمله رعب ، ولما كان ضرفيل يجئ في القناة كنا نضرب عليه نار من الخوف ، قال لنا : "انتو خايفين ؟ مين هيعدى يروح اسرائيل " ؟ ، قال لنا : " طيب كل يوم واحد مننا يعدي بدون سلاح ، وينام على الضفة الشرقية لمدة ساعتين ، ويرجع في أول ضوء" ، قلنا له : "طيب ليه يا فندم ؟ " ، قال : "عشان نضيع رهبة الخوف مننا ، ويروح بدون سلاح " ، سألناه : "ليه ؟" ، قال : "عشان لو إسرائيل كشفته وأخذته يبقى أسير ولو ضربته ومات يبقى شهيد ؟ ، وطلع أول واحد من عندنا ملازم أول "رشدي عبد الله إمام" ، كان ماسك امن صناعي الكتيبة ، وقع عليه الاختيار و"رشدي" فرح ، قلنا لقائد الكتيبة : " يا فندم رشدي ما بيعرفش يعوم" ، سألنا رشدي : " انت بتعوم يا فندم ؟ " ، قال لنا : " لا ، ما بعرفش أعوم ، عدوني وما لكوش دعوة بيا" ، فنزل اثنين ضباط " إبراهيم حسين" و "سمير عبد الجليل" ومعاهم حبل ، ربطوا الحبل بين الضفة الشرقية والغربية ، ونزل رشدي بقارب خشب اسمه " ندل 10 " سحب ... سحب لغاية ما وصل هناك ، وأدانا إشارة انه وصل بفتاش بطارية صغير بينور .
رشدي كان مفروض ينام ساعتين على الضفة الشرقية ومع أول ضوء يرجع ، هو نام ساعتين لا عرفنا نكلمه ولا يكلمنا ، فحس انه ما لوش قيمه ، صعبت عليه نفسه راح قايم ماشي، ضرب في سلك التليفون وهو ماشي ، راح ماشي مع السلك ، لقي نفسه دخل نقطة قوية بتاعة إسرائيل ، وإحنا قاعدين في الغرب سامعين هيصه ورقص ، قلنا النقطة دي كده مليانه ناس ، هو دخل ما لقاش حد لقي أستريو كبير ، هما بقا مشغلين استريوهات كبيرة وموجهنها علينا وهما مستخبيين تحت مسلح تحت الأرض ، فرح رشدي و راح فاكك التليفون وراح راجع به وقال لنا : دول بيهربوا بالليل ومش هنسيبهم بقا " .
كان ضمن أسئلة حواري مع سيادة اللواء "يسري عمارة" التي أعددتها لأطرحها على سيادته كيف وجدت الشخصية الصهيونية ؟ ، حينها لم أجد للسؤال فائدة بعدما عرفت أن العدو الذي لا يقهر عبارة عن "مكبرات صوت" !!! ، وأستكمل سيادة اللواء حديثة .
أول أسير إسرائيلي على ارض سيناء فى حرب الاستنزاف كان احد اقرباء جولدا مائير وتم أسره على يد كتيبتك وسيادتك لقنته درس لن ينساه هو وإسرائيل ؟
"بعد كده بقينا نتسابق كلنا مين اللي يروح ، واللي يروح لازم يجيب حاجة ، وكلنا رحنا ، أنا جبت أطباق صيني ، وما فيش حد ما راح ش حتى كان في ضابط اسمه "محمد زيتون" عبر بدون أمر دخل نقطة الدفلسوار ، نقطة قوية وشهيرة جدا ، من غله قلب كل حاجة وراح راجع ومعاه مراتب أسفنج أول ، كنا أول مره نشوفها ، ورجع عايم ، أحنا ضربنا عليه لأننا مش عارفين مين ؟ ممكن يكون عدو ؟ نده علينا... انا زتون انا زتون ، وأنا أخذت منه مرتبة، وأتشجعنا ، وكان كل يوم لازم واحد مننا يروح يجيب حاجة نعلم عليهم ... فالإسرائيليين عرفوا . و"عبد الله عمران" الله يرحمه قال لازم نجيب واحد منهم .
الإسرائيليين جم يستطلعوا أحنا بنعدي منين ، كان فيه مقدم مدفعية اسمه "فوزي" كان هاوي تربية كلاب البوليس والشرطة ، وهما كانوا بيستطلعوا ، عايزين يعرفوا بنعدي منين ، لقينا كلب المقدم "فوزي" بينط عايز يعدي القناة والمقدم "فوزي" خبير ، قال : "في حد منهم الناحية الثانية" ، جابوا النظارات فعلا لقوا كلب إسرائيلي جاي يستكشف الأثر بتاعنا ، جابوا البندقية القناصة وأنا جبت البندقية الآلي بتاعتى وجيت اضرب على الكلب ما لقيتوش ، رحت ضارب على كومة حشيش ، كان الكلب كبير ورآها راح مقلوب .
مشيوا جنود إسرائيل اللي كانوا جايين يستطلعوا ، وراحوا بلغو قيادة اللواء إننا موتنا كلب إسرائيلي وعملوا قصة ، اتصل بيا قائد الكتيبة ، قال لي : "انت عملت اشتباك ثاني ؟" ، قلت له : "لا يا فندم" ، قال لي : "انتووا مش موتوا كلب" ، قلت له : "طيب يعنى اتصل بسيادتك أقولك أحنا موتنا كلب !!! ؟ ، ده ولا اما نكون موتنا واحد منهم !!! " ، قال لي : "يا أهبل الكلب ده كان جاي يشوف انتو بتعدوا منين عشان يضربوا عليكم" ، أتضح أن الكلب كان جاي ماشي على أثرنا بالليل عشان يعرف إحنا جينا منين ، قال لي : "الحمد لله إن انتووا موتتوه" .
عبر مننا مجموعة ، أربعة بقيادة النقيب "احمد إبراهيم" قائد سرية الاستطلاع للواء 117 مشاة ميكانيكا، كان ده الساعة ثلاثة ونص الظهر يوم 29 ديسمبر 1969 ، ومشوا حوالي كيلوا و300 متر ، عملوا حفر وبلغناهم بالأجهزة أن في هدف من بورسعيد متجه للسويس من الشمال للجنوب تعامل معه ، فهو ضبط نفسه هو والأربعة اللي معاه لغاية ما العربية جت في حضنه طلعوا عليها ، والعربية وقعت في الحفرة وجابوا أول أسير إسرائيلي على ارض سيناء .
إسرائيل في حرب الاستنزاف كان عندهم قائد الموقع هو اللي بيدير المعركة مهما كانت رتبته، إنما إحنا بقا عشان نكلم قائد السرية ، ويكلم قائد الكتيبة ، وقائد اللواء ، والفرقة والجيش ، ومصر تكون الدنيا خربت ، لقينا الطيران الإسرائيلي طلع والغارات طلعت عشان يأخذ مجموعتنا ويأخذوا أسيرهم تقوم العملية تفشل ، "احمد ابراهيم" اتصل قال لي : "أبعتو لي حد يشيل ، معايا ضيف ثقيل" ، وأنا باعت الأربعة الثانين يشيلوه ، شالوه ونزلوا على الضفة الشرقية، سحبناهم بالحبال ، أنا شفت أسير عملاق وملتحي ، وطلع بطل مصارعه في جنوب إسرائيل وأخذ طلقة رشاش في فخذه ، سحبناه وجرناه على الرمل ، وأنا بقا فرحان ، جبنا واحد ، الجنود بتوعى جم عايزين يقطعوه عشان زميلهم اللي استشهد ، قلت لهم : "استنوا ده أسير مصاب ، نشوف رايح فين وجاى منين وبعدين نرميه في القناة للسمك ، لكن الأول لازم نحافظ عليه لان هو مصاب ولازم نعالجه" ، والإسرائيليين بيتكلموا عربي حلو ، قال لى : " مياه أشرب" ، اعطيته زمزميه آلميه ، شرب فنزف ، الدكتور وصل لقاه بيشرب ميه ، قال لي : "مين اللي أداله ميه؟ "، قلت له : "آنا " ، قال لي : " ليه ؟ " ، قلت له : " أسير مصاب طلب يشرب مياه فأعطيته " ، قال لي : " ده كده يموت " ، قلت له : " ما يروح في ستين داهية أنا مالي ، بس هو عايز يشرب يشرب" ، الأسير قال لي : " أنت اسمك إيه ؟ " ، قلت له : " جمال عبد الناصر " ، هز رأسه وقال لي : " والدكتور ؟ " ، قلت له : " جمال عبد الناصر " ، قال لي : " والعسكري جمال عبد الناصر" ، قلت له : "كلنا جمال عبد الناصر " .
أنا بقا سمعت للأسير نشرة أخبار مصر الساعة خمسة ، أذاعت عبرنا ودمرنا وآسرنا ضابط ، بعدها سمعته نشرة أورشليم القدس سبعة ونص ، قالت الكوماندوز المصري عدا القناة وأتعامل مع دورياته وتم فقد احدهم وأن جيش إسرائيل قام بالتعامل معاهم بالمدفعية والمدرعات وأبادت موقع المشاة المصري بمن فيه ، قلت له : "أديك شفت مين كذاب ، مصر ولا إسرائيل ؟ " ، وقعد في مصر من 1969 لغاية 1973 وأول دفعة تبادل أسرى كان أول واحد في الكشف ، اسمه "دان افيدان شمعون" قريب "جولدا مائير" رئيسة وزراء إسرائيل ، ورجع إسرائيل وأترقى لغاية ما مسك نائب رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي " .
في حرب أكتوبر سيادتك أسرت عساف ياجوري فكيف حدث ذلك ؟
" احنا عبرنا وقعدنا يوم ستة وسبعة ، ويوم ثمانية الصبح يوم الاثنين كنا خدنا 9 كيلو شرق القناة ، جاء لنا إشارة إن إسرائيل بتجهز قوات شرق الفرقة الثانية عشان تقوم علينا بهجوم مضاد ، وترجعنا الغرب وتقطع القناة وتعدي الطريق وتحاصر إسماعيلية و بورسعيد والسويس وتنزل على الصحراء وتنزل مصر وتلحق نقطة الفردان ودي النقطة القوية اللي ما سقطت ش .
قالوا نعملهم كمين على هيئة حرف u ، مكون من اللواء الرابع مشاه من جنب، اللواء 120 مشاة من جنب ، اللواء 117 مشاة اللي أنا شاركت فيه ، وعملنا لهم جيب يخشوا فيه وسيبناهم لما دخلوا في حضننا ونزلنا عليهم بالضرب ، الساعة أربعة أخذنا أوامرنا بالضرب واللي معاه طوبه رماها عليهم ، صواريخ ، دبابات ، اربجيهات ، ثقيل ، خفيف ، دمرنا 70 دبابة في خلال نص ساعة ، وأخذنا أوامر بالانتشار عشان الانفجارات كثيرة وخسايرنا تبقى قليلة ، وبعد كده أخذنا أوامر من قائد الكتيبة "جلال مروان" ، قال لنا : " اركبوا المركبات واكسبوا وقت وارض " ، أنا لقيت العربية أصيبت أخذت المدفع وقطرته في مدرعة توباظ برمائية بتاعة الشهيد البطل النقيب "فاروق فؤاد سليم" ابن أجا دقهليه هو كان دفعتي، قال : " يا نعيش سوا يا نموت سوا" ، كان "فاروق" قائد المركبة والجنود متوزعين في المركبة خمسة يمين وخمسة شمال ، وكل واحد مطلع البندقية من الفتحة بتاعتها وأنا ما ليش مكان، رحت قاعد فوق المركبة ، فوق شجرة التمويه المتغطية بها المركبة ، وكنا شباب ما فيش ورآنا حاجة وفرحانين، وأنا عمال اعد الخسائر لقيت في دم في هدومي ، بصيت لقيت أيدي الشمال مفتوحة ، قلت له : " استني يا فاروق آنا اتعورت " .
بصيت على الإسفلت على الطريق شرق الفردان ، لقيت عسكري إسرائيلي ، والإسرائيليين بيلبسوا زيتي ، وإحنا بنلبس كاكى ، يعني مميزين عن بعض ، وقتها ما فكرت ش ، وأنا أتصرفت غلط ، رحت رامي بندقيتي في المركبة وجريت عليه ، وهو ربنا عماه راح واقف وكان بيني وبينه مسافة عشرين متر ، لو كان ضرب طلقة غلط كان قتلني ، وهو هيموت هيموت ، لان زمايلي قالوا لي : " لو كان قتلك كنا ربطناه في أتنين طوباز وقسمناه نصين" ، أنا وصلت جنبه لقيته طولي ، هو مواليد 1948 وأنا 1947 ، وخوذته على الأرض ، بصيت ورايا ، لقيت زمايلي بيبصوا لي بصه ، لو كان عشرة كنت فرمتهم وأنا ضابط ، والجنود بيبصوا لي ! ، رحت زاقق الخزنة من الجاكت وفيها رصاص ورحت طالع فوق ونازل على دماغه سقطت نفوخه بخبطة واحدة ، ورحت نايم جنبه في الرمل .
نط ورايا جندي وأتمنى الأيام دي ترجع ، إنكار الذات وحب الجندي للضابط وحب الضابط للجندي ، الناس تحب بعض ، الجندي اسمه "محمد حسان" من الأقصر ، نط ورأيا وكان ممكن يموت ، وقال لي : " أوعى يا فندم ده في أتنين تانين من الناحية الثانية من الإسفلت" ، وما كنت ش شايفهم ، حسان ضرب عليهم نار بالبندقية بتاعته ، جابهم فوق بعض ، وإحنا بنلم السلاح والحاجة بتاعتهم سمعنا أربعة طالعين من الحفرة يصرخوا أسرى أسرى ، ما تضربونا ش قلت ل "فاروق" اكبس عليهم في الحفرة وأنا ه أجبهم أنا وحسان .
أيدي أتملت رمل وبدأت تورم دخل عليهم "فاروق" بالطوباز ورحت قايم عليهم آنا وحسان طلعناهم من الحفرة زى الفئران وحطتهم فوق المركبة الطوباز ونظفت الجرح ، كان في وسطهم واحد ضخم ، عرفت انه القائد بتاعهم "عساف ياجورى" قائد اللواء 190 مدرعات اللي كان جاي عايز يعدي الغرب ، وحبسناه في مركبة طول الليل وعرفت في المستشفى انه هو "عساف يا جورى" .
أخذنا مسدسه وأدناه لقائد اللواء بتاعنا ، وكان فقد رجليه الاثنين ، وهو في المستشفى راح له مسدس "عساف" في علبة قطيفة .
وفى عام 2009 كان المشير طنطاوي بيكرمنا في المنطقة الجنوبية قال لقائد اللواء : " المسدس ده لازم تسلمه للمتحف الحربي" ، ولغاية دلوقى المسدس موجود في القلعة ومعاه الاوفارول بتاعى بدمه بجبسه بمحفظته والورق اللي أخذته وفلوسه ، في المتحف الحربي بقاعة حرب أكتوبر" .
ما الفرق بين شباب جيلكم وشباب هذه الايام ؟
" الشباب المصري هو هو لما بيتزنق بيسد ، انا طلعت في برنامج أيام حكم الإخوان ، سألني وجاوبت بصراحة ، رجعت البيت الساعة 2 بالليل لقيت شباب كثير تحت البيت قلت دي خناقة ، طلع الشباب اللى بيشتموه طول النهار في الشارع لقيته مستنيني ، قلت لهم : " في إيه قالوا لي : " مستنينك ايه اللي أنت عملته فينا ده ، لا ما تقلقيش على شعب مصر " .
في يوم من الأيام سيادتك تلقيت اتصال من الدكتور "فاروق إسماعيل" يدعوك للقاء "عساف ياجوري" في مكتبة ، وكان عساف قادم إلى مصر كخبير زراعي ، فهل كان من الممكن أن يحدث هذا اللقاء وما رد فعل سيادتك فى تلك اللحظة ؟
" كويس أنى ما روحت ش ، إحنا جيلنا ما يحبهم ش وأنا قلت له : كنت خنقتهولك فى المكتب" .
فترة السلام الطويلة مع إسرائيل ألم تغير من مواقف سيادتك ؟
" هو السلام حلو ، أنا لما شفت العلم الإسرائيلي على السفارة وأنا معدي على كُبري الجامعة عيطت ... وقفت على جنب وقعدت اعيط ... بقا ده علم إسرائيل في الأخر .. بس هو السلام حلو ... السلام الحقيقي " .
في حالة الاستعانة ب "عساف ياجوري" كخبير زراعي ، هل ممكن أن نأتمنه على زرع مصر؟
"هي إسرائيل شاطرة في الزراعة .... لكن لا أنا ما أمنهم ش .. إحنا جيلنا ما يحبهم ش " .
ودون تفكير وبشعور صادق رددت وقلت : ولهذا جيلنا يحبكم .
والحقيقة أن ما شعرت به لم يكن حباً فقط بل شعور بالفخر وكأن رأسي تتجاوز السماء تلك الكلمة ذاتها التي قالتها المناضلة الجزائرية "جميلة بوحيرد" وهي تصف مشاعرها حينما زارت بورسعيد فقالت : " وأنا في بورسعيد أشعر كأن رأسي تتجاوز السماء وذلك لأنني أسير على أرض الأبطال" ، فكيف لمن سار على ارضهم والتقى بهم وتحاور معهم وتعلم منهم أن يصف مشاعره ؟.
ويظل السؤال الموجع يبحث عن إجابة منطقية مقنعة للضمائر قبل العقول ، كيف أستعنا بإسرائيل ومحاربيها كخبراء زراعة نأتمنهم على زروع مصر ، فلا أستطيع في هذا الموقف أن أقف موقفاً محايداً دون أن أسجل بهذا القلم صرخة اعتراض تترد صداها بين صفحات التاريخ ، إن إسرائيل ليست فقط صبرا وشاتيلا ودير ياسين واستباحة المسجد الاقصى والابراهيمي ، بل هي الجولان ، وبحر البقر و أبو زعبل والنكسة ، وجماعات إرهابية وإبادة عرقية فلو كانت دماء الشهداء أحباراً وفوهات بنادقهم ومدافعهم أقلاماُ تكتب جرائم إسرائيل لظلت تكتب إلى يوم يبعثون دون أن تنفذ الدماء ، وسيظل يسري عمارة بطل رغم أنف كل من جهل أو تجاهل صوت التاريخ ودماء الشهداء