مؤسسها "مارتن لوثر" Martin Luther.
نشأته: ولد مارتن لوثر في مدينة "أيزليبن" أي سكسونيا وهو ينتمى إلى أسرة قروية فقيرة إذ عاش عيشة بائسة كما تأثر في حياته بالخدمات التي انتشرت وقتئذ والتي كانت تنادى بتصوير السيد المسيح للناس بأنه (المنتقم الجبار الذي يتوعد الناس بأقصى العقاب والعذاب) ورغم فقر أسرة (مارتن لوثر) إلا أن والده صمم على تعليمه راغبًا فى أن يصبح ابنه أحد رجال القانون وبالفعل درس مارتن القانون في جامعة "أرفورث" وحصل على ماجستير القانون سنة 1505، ولكنه سرعان ما ترك القانون ودخل سلك الرهبان المعروفين باسم "جماعة سانت اغسطين"، وفي هذا الدير أشبع رغبته في التأمل والتفكير في خلاص المرء.. وبعد عامين من الرهبنة التحق بجامعة "فتبزج" ليكمل دراسته الدينية وتفوق وحصل على شهادة دينية تعادل الدكتوراه وفي سنة 1512 أصبح أستاذ اللاهوت في الجامعة وصار من الأساتذة في الوعظ والتدريس، واجاد.
حياته في الدير وبداية نشر أفكاره: -
لقد ظلت حالة القلق ملازمه له طوال الفترة التي قضاها في الدير وعلى الرغم من دراسته لعلم اللاهوت ورغم تنسكه وتقشفه فقد ظل يتخوف "من فكرة العقاب والعذاب" إلى أن توصل إلى فكرة كان لها أثرها فيما طرحه بعد ذلك من مقولات قالها: -
(أن الإيمان هو خير وسيلة لتخليص الروح، وأن التبرير يكون بالإيمان وحده) ومعنى هذا أن الإيمان برحمة الله هو خير وسيلة للخلاص من العقاب) واخذ لوثر ينشر أفكاره (التبرير بالإيمان) وبعد ذلك زالت منه مرحلة القلق والخوف من العقاب والعذاب إلا أن فكرته هذه كانت تعنى انتقادًا لوسائل الكنيسة الكاثوليكية في التبرير خاصة بعد زيارته لروما سنة 1530 ومشاهدته لمظاهر الانحلال والفساد الذي أصبح عليه رجال الكنيسة وبعد ذلك أخذ لوثر ينادى بضرورة عودة الكنيسة إلى أصل الكتب المقدسة وضرورة نشر المعنى الذي يساعد الشعب على فهم أصول دينهم.
وفي هذا الوقت أصدر البابا (لاون العاشر) صكوك الغفران ليبيعها ويحصل على الأموال اللازمة لبناء كنيسة القديس (بطرس بروما) ووصل إلى سكونيا مندوبه الخطيب البارز (حنا تنزل).
ملحوظة:- قد وقع "حنا تنزل" أثناء بيعه ترويجه لصكوك الغفران عندما قال (أن الرجل الذي ارتكب الخطيئة مع العذراء المباركة نفسها فإن هذه الصكوك كفيلة بأن تمنحه الغفران الكامل)! (وهذا القول في قمة الوقاحة والخطورة) لأجل بيع صكوك الغفران وهنا كان لابد من حدوث مقارنة ما بين (مارتن لوثر) بعقيدته الجديدة (التبرير بالأيمان) وبين ممارسات الكنيسة الكاثولكية التي أرهقت رعاياها نفسيا وماديا.
لذا ردَّ لوثر بوثيقته الشهيرة التي احتوتت على 95 حجة ودليل على فساد الكنيسة ورفض فكرة صكوك الغفران وأخذ يحرض الشعب على رفضها وعلق وثيقته الشهيرة على باب الكنيسة في (فتبزج) يوم 31 أكتوبر سنة 1517 ومن هنا بدأت المواجهة بين البابا ومارتن لوثر أو المواجهة بين فكرتين مختلفتين تعبر كل منهما عن مرحله من المراحل، ولم ينجح البابا فى أن يرجع لوثر عن أفكاره بل سرعان ما استفحلت وتزايدت أعداد المؤيدين له والملتجئين لهم الساخطين على الكنيسة يومًا فيومًا.
بعد ذلك طلب البابا من رئيس جماعة (سانت اوغسطين) أن يقنع لوثر بالعدول عن أفكاره وبالفعل عقد مجمع (هيدلبرج) سنة 1518 لمناقشة أفكار لوثر لكنه لم يتراجع وتمسك بالأفكار التالية: -
1- أن كل مسيحي معمد إنما يمكن اعتباره رجل من رجال الدين.
2-أن روما مدينة منحلة أخلاقيًا.
3-أن البابا عدو للمسيح.
4- ضرورة زواج رجال الدين وجعل الطلاق أمر مشروع.
وبعد ذلك جمع أفكاره كلها ودفعها في أسفار ثلاثة اسماها (وسائل الإصلاح) وبدا في رواجها الأولى وجهها إلى المدنيين باللغة الألمانية.
وحثهم فيما على المساهمة في إصلاح الكنيسة، والثانية كتبها باللغة اللاتينية ووجهها إلى رجال الدين، والثالثة وجهها إلى البابا لاون العاشر وتتعلق بالحرية المسيحية.
المقصود بصكوك الغفران :
ظهر مصطلح صكوك الغفران كعلاج لعذاب المطهر في المجمع الثاني عشر المنعقد في روما سنة 1215 م وقرر فيه أن "الكنيسة البابوية تملك الغفران وتمنحه لمن تشاء ".
وقد استندت الكنيسة لهذا المعتقد لعدد من النصوص منها:
- "أنت بطرس وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها، وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات، فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السماوات، وكل ما تحله على الأرض يكون محلولاً في السماوات" ( متى 16/18 - 19 )، ولما كانت الكنيسة تعتبر نفسها وارثة لبطرس ورثت أيضاً هذا السلطان.
- وأيضاً يقول يوحنا بأن المسيح قال لتلاميذه: " من غفرتم للناس خطاياه تغفر له، ومن أمسكتم خطاياه أمسكت " ( يوحنا 20/23)
- فقد ورثوا دور المسيح الوسيط الذي وصفه بولس: " يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس: الإنسان يسوع المسيح " ( تيموثاوس (1) 2/5 ).
وقد ووجه قرار المجمع باحتجاجات طويلة من الذين رفضوا أن يكون قرار الغفران بيد رجال الكهنة الخاطئين.
التعويض السرى :
ظهر بعد انتشار صكوك الغفران ما أسمته الكنيسة بالتعويض السري ويشرحه "معجم اللاهوت الكاثوليكي" فيقول: " الإنسان يخضع لهذه المراحل التطهيرية ، إذ يموت مبرراً بالنعمة ، بمقدار ما تكون حالة العقاب (المستحق) لا تزال موجودة فيه ، ولم تزل بزوال الخطايا بالغفران يوم التبرير ، وبمقدار ما بالإمكان أن تزيل هذه الحالة عقوبات تعويضية... فإذا لم نتم التعويض السري بعد أن نكون قد أكدنا إرادتنا كلياً للتعويض يظل السر صحيحاً، إنما يجب أن نقوم بذلك التعويض محتملين نتائج الحقيقة الأليمة ".
- وصكوك الغفران التي بقيت الكنائس تصدرها ردحاً طويلاً من الزمن فقد كانت أحد أسباب وجود البروتستانت وانشقاقهم عن الكنيسة الكاثوليكية.
تاريخ صكوك الغفران :
بدأت فى أواخر القرن الثالث عشر , حينما أعلن البابا بونفاس أن السنة الأولى من القرن الرابع عشر هى سنة اليوبيل , وإن كانت قد ضاعت فى أورشليم فإن روما المقدسة مازالت قائمة بقبور الرسل والقديسيين وأن من يقوم بالحج الى قبرى القديسين بطرس وبولس مرة كل يوم لمدة ثلاثين يوما من أبناء روما أو مدة خمسة عشر يوما من الغرباء , يحصل على الغفران الكامل لجميع خطاياه , ماضيها وحاضرها ومستقبلها مما أدى إلى تدفق الجماهير وتكدس الطرقات كما تكدس الذهب والفضة على قبرى الرسولين .
وقد كانت تجربة ناجحة جدا لجمع الأموال فاقت تصور البابا بونفاس , وعلى منواله سار البابا إكليمندس السادس (سنة 1350)الذى جعل سنة اليوبيل كل خمسين سنة فقط وهى سنة 1389 جعل البابا أربان السادس اليوبيل مرة كل ثلاثين عاما ومن بعده البابا بولس الثانى جعل سنة اليوبيل كل خمسة وعشرين عاما .
وفى سنة 1513 لم يكن لدى البابا (ليو) العاشر أرصده كافية لإعاده بناء القديس بطرس الذى بدأها البابا بولس الثانى فجدد بيع عملية الصكوك وبدأ البحث عن أماكن يمكن البيع فيها.
رأى الكنيسة الأرثوذكسية :
1-صكوك الغفران ضد كفارة المسيح التى قدمها على الصليب لأجل خلاصنا وبدونها لا يمكن الحصول على غفران الخطايا .
2-إن صكوك الغفران تقف فى طريق التوبة الداخلية الصادقة .
3-إن صكوك الغفران تفتح الباب لطريق الشر وتعطى فرصة للأغنياء أن يرتكبوا ما يشاءون من الخطايا مادام بإمكانهم أن يشتروا صكوك غفران كثيرة تصفح عن خطاياهم السالفة بل والمستقبلية أيضا .
أصدر البابا "ليو العاشر" غفراناً شاملاً للعالم أجمع 1517م , ويتمتع بهذا الامتياز كل من يشتري صك الغفران وكان الغرض من هذا العمل هو الحصول على المال اللازم لبناء كنيسة "القديس بطرس" في روما, فكان من يدفع للكنيسة يحصل على صك غفران من الخطايا.
لجأ كثير من الناس إلى المذهب البروتستانتي الجديد هربا" من الضرائب وهربا" من سيطرة الكنيسة والبابا على الأفكار والعلم. كما نشطت هجرة "البروتستانت" إلى العالم الجديد " أمريكا" فشكلوا نسبة كبيرة من المجتمع الأمريكي.
اتخذ "مارتن لوثر" ثلاثة وسائل لجذب الناس إلى معتقده:
نشر كتاب حرض فيه الأمراء على اختلاس أوقاف الأديرة وتحويل الأديرة إلى مدارس ومستشفيات عقلية وبهذا جذب الأمراء إلى جانبه.
أراد حاكم "هيش" أن يتزوج بإحدى النساء التي هام بها رغم أن زوجته حية فصرح له لوثر أن يكون له امرأتان معاً وبهذا كسب وده فصرح له بإقامة شعائره الجديدة.
ولكي يستميل الكهنة والرهبان (الذين ضاقوا ذرعاً بالرهبنة) جعل نفسه نموذجاً لهم فاعتدى على راهبة تدعى "كاثرين" ثم تزوجها وهو الراهب!! فأهان الإسكيم الملائكي وتزوج بعد أن كاهناً فأساء إلى أبوة الكهنوت ثم عاش مع زوجته في البناء الذي كان قبلاً ديراً له!!! حتى مرض بالفالج وتوفى سنة 1546م.
الثورة على صكوك الغفران :
جاء رجلٌ يُدعى جون هص John Huss من بوهيميا (جمهورية الشيك ، وكان قد درس اللاهوت وأصبح أستاذاً في جامعة شارلز في براغ في عام 1398 ثم مديراً للجامعة. وكان هذا الأستاذ يدرّس طلبته أن البابا والقساوسة يجب أن يكونوا قادة روحانيين وليس حكاماً على الأرض، فقوانين الأرض يجب أن تترك للناس أنفسهم. وكان من الطبيعي أن يثور البابا وتثور الكنيسة ، وأصدر البابا أمراً بإخراج جون هص من المسيحية أي حكم بردته عن المسيحية. وكان من الطبيعي كذلك أن تُعقد لجون هص محكمة لاهوتية تحكم بما أنزل الله في الإنجيل ، وحكمت هذه المحكمة على المتهم بالحرق حياً على الصليب، وحُرق جون هص يوم 6 يوليو 1415. فزاد حب العامة للبابا وللكنيسة التي نفذت حكم الله في المرتدين. وجاءت القشة التي قصمت ظهر البعير عندما أصدر البابا في روما كميات هائلة من صكوك الغفران التي وقع عليها وختم عليها بخاتمة الرسمي لتباع للعامة الذين يرغبون في غفران ما ارتكبوا من ذنوب، فكان ممثل البابا يطوف على المدن والقرى يبيع صكوك الغفران التي تمحو ذنوب المشتري لأن البابا هو ممثل الله في الدنيا ولا بد لله أن يحترم وعده بالغفران.
وعندما نجحت هذه الفكرة في كنز كميات هائلة من الفضة والذهب للكنيسة، تفتقت ذهنية البابا عن فكرة أخرى: شراء صكوك الغفران باسم الأقرباء الميتين كي تساعدهم على دخول مملكة السماء. فكانت هذه هي القشة التي جعلت القس الألماني مارتن لوثر يكتب كتابه " 95 بحثاً " 95 Theses في عام 1517. وكانت هذه بداية النهاية بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية.وبعد أن انقسمت الكنيسة إلى كاثوليكية وبروستانتينية وكون القس كالفن أول حكومة بروتستانتينية في سويسرا عام 1530، لم تكن كنيسته تختلف كثيراً عن الكنيسة الكاثوليكية في مسألة الحاكمية لله ومسألة ابتزاز الفقراء لصالح الكنيسة.
أسس المذهب البروتستانتي :-
1- الكتاب المقدس هو المصدر الأعلى وليس تعاليم الباباوات.
2- الكتاب المقدس يفسر حرفيا" وليس مجازيا".
3- يتاح لكل مسيحي تفسير الكتاب المقدس.
وينقسم البروتستانت إلى العديد من الطوائف مثل: معمدانية ومنهجية ومتحدة وأسقفية ولويثرية ومشيخية ومورمونية وإصلاحية وسبتية وغيرها.
تداعيات ظهور طائفة البروتستانت:
نتيجة لظهور المذهب البروتستانتي الذي لا يعترف بسلطة البابا
- حاول الإنكليزإخضاع أيرلندا دينيا" بفرض المذهب البروتستانتي اعتبارا" من 1536 واستمرت الحروب بين الكاثوليك والبروتستانت حتى القرن الثامن عشر, ولا تزال أثار العنف تظهر في بعض المناسبات الدينية.
كما تزامن مع ظهور البروتستانت عمل تراجم للكتاب المقدس, وظهور آلات الطباعة, ونتيجة للمبادئ التي نادى بها البروتستانت وأهمها حق القراءة والتفسير للكتاب المقدس, أصبح بذلك العهد القديم ( الذي كان حبيس الأديرة والصوامع قرون عديدة ) أصبح المرجع الأعلى لفهم العقيدة المسيحية وبلورتها.
للذكر, يشكل ( معتنقي البروتستانت60 – 62 % ) من نسبة سكان أمريكا, و( الكاثوليك 25-27 %) و(الأرثوذكس 1% ) و(اليهود 2 % ) و( المسلمين2 % ).