إن الاستعمار مهما تعددت أساليبه وأشكاله فهو حركة توسع من جانب الدول القوية على حساب
دول أخرى تقوم باحتلالها واخصاعها بالقوة بهدف نهب ثرواتها الطبيعية, وتسخير طاقاتها البشرية في خدمة مصاحلها.
والاستِعْمارُ هو:
إخضاع جماعة من الناس لحكم أجنبيّ،ويُسمَّى سكان البلاد المستَعْمَرين، وتُسمَّى الأراضي الواقعة تحت الاحتلال البلاد المُستعمَرة, ومعظم المستعمَرات مفصولةٌ عن الدولة المستعمِرة ببحارٍ ومحيطات.
وغالبًا ما ترسل الدولة الأجنبية سكانًا للعيش في المستعمرات وحكمها واستغلالها كمصادر للثروة, وهذا ما يجعل حكّام المستعمرات منفصلين عِرقيًا عن المحكومين.
وللاستعمار تاريخٌ طويلٌ يعود إلى العصور القديمة,
فالرومان، مثلاً، حكموا عددًا من المستعمرات في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا, وبدءًا من القرن الخامس عشر الميلادي، بدأت الدول الأوروبية في بناء إمبراطوريات استعماريةٍ ضخمة في كلٍّ من إفريقيا وآسيا وأمريكا الشمالية، وكذلك في أمريكا الجنوبية.
ومن أهم القوى الاستعمارية الأوروبية، فرنسا، بريطانيا، هولندا، البرتغال، أسبانيا, وبحلول سبعينيات القرن العشرين، تَفكَّكت معظم هذه الإمبراطوريات.
دوافع استعمار أوروبا للوطن العربي:
أولا- الموقع الجغرافي المتميز للوطن العربي :
هناك قارتين يمتد بهم الوطن العربي وهما آسيا وأفريقيا, ومضائق يتحكم بها مثل جبل طارق,باب المندب,هرمز ,قناة السويس, وبحار ومحيطات وخلجان مثل البحر الأحمر والمتوسط وبحر العرب وخليج عدن والخليج العربي وخليج عمان وخليج العقبة والمحيط الأطلسي والمحيط الهندي, مما يجعلنا نستنتج أن الوطن العربي يحتل موقعا هاما ومتميزا بين قارات العالم القديم, ويتحكم بطرق المواصلات العالمية بين الشرق والغرب, مما جعله محط أنظار الدول الاستعمارية الأوروبية..
ثانيا- ضعف الدولة العثمانية:
إن الضعف الذي بدأ يسري في أوصال الدولة العثمانية منذ القرن الثامن عشر الميلادي, جعل الدول الاستعمارية الأوروبية تلقب الدولة العثمانية بلقب ((رجل أوروبا المريض)), كما أغرى هذه الدول على التنافس فيما بينها لاقتسام ممتلكات الدولة العثمانية, وبخاصة ولاياتها العربية, وقد أطلق المؤرخون الأوروبيون على هذا التنافس الأوروبي اسم ((المسألة الشرقية)).
ثالثا-الوطن العربي مصدر للمواد الخام:
زادت حاجة الدول الصناعبة الأوروبية إلى المواد الخام إثر قيام الثورة الصناعية, وكذلك حاجتها إلى توفير أسواق لبيع منتجاتها الصناعية, فوجدت ذلك في البلاد العربية حيث تتوافر فيها المواد الخام والأسواق التي تحتاجها صناعة هذه الدول الأوروبية..
رابعا- مكانة الوطن العربي الدينية:
يطلق على الوطن العربي ((مهبط الأديان السماوية)) لان معظم الأديان السماوية هبطت فيه, استغلت الدول الأوروبية مكانة الوطن العربي الدينية باعتباره مهبطا للديانات السماوية, فتذرعت بحجة حمايتها للأماكن المسيحية المقدسة في الوطن العربي, وتدخلت في شؤنه ثم احتلت معظم اقطاره..
خامسا- خوف أوروبا من قيام دولة عربية موحدة:
تخوفت أوروبا وبصفة خاصة بريطانيا من نجاح نهضة مصر في عهد محمد علي, وقيام دولة عربية موحدة وحديثة تقف حائلا دون تحقيق أطماع الدول الأوروبية الاستعمارية في الوطن العربي...........
تاريخ الاستعمار:
الاستعمار القديم:
تُعدّ الإمبراطورية الرومانية أكبر دولة استعماريةٍ في التاريخ القديم، فقد بدأت روما توسُّعَهَا فيما وراء البحار نحو عام 264ق.م, وفي أوج مجدها، كانت الإمبراطورية الرومانية تمتد من شمالي بريطانيا إلى البحر الأحمر والخليج العربيّ, وفي عام 476م، سقطت تلك الإمبراطورية.
بدايات الاستعمار الأوروبي:
بدأت البرتغال وأسبانيا في القرن الخامس عشر الميلادي بإرسال مستكشفين للبحث عن طرق بحرية جديدة إلى الهند والشرق الأقصى، حيث كان المسلمون يهيمنون على الطرق البرية ويسيطرون على التجارة بين آسيا وأوروبا. وكان الأوروبيون يطمحون إلى السيطرة على تلك التجارة، فقد نجحت البرتغال في السيطرة على البرازيل، وأنشأت مراكز تجاريةً في كل من غربي إفريقيا والهند وجنوب شرقي آسيا.
كما نجحت أسبانيا في السيطرة على أجزاء مما يعرف اليوم بالولايات المتحدة، واحتلت معظم أجزاء أمريكا اللاتينية.
وفي القرن السابع عشر الميلادي، انتزع الهولنديون والبريطانيون التجارة الآسيوية من البرتغاليين، وذلك بعد أن نجحوا في احتلال جزر الهند الشرقية الهولندية (إندونيسيا) وأصبح للإنجليز نفوذ قويُّ في الهند.
وتمكَّن الهولنديون والبريطانيون والفرنسيون من احتلال بعض المناطق في أمريكا اللاتينية,
وبالإضافة إلى ذلك، احتل عددٌ من المهاجرين البريطانيين والفرنسيين بعض المناطق في كندا. كما أنَّ الهولنديين والبريطانيين والفرنسيين ادَّعوا ملكية بعض أجزاء من الولايات المتحدة,وفي نهاية المطاف، تمكن الإنجليز من إنشاء ثلاث عشرة مستعمرة في تلك البلاد. ودخل البريطانيون والفرنسيون في صراع ٍ على أمريكا الشمالية سُمّي حروب الهنود والفرنسيين الأربع، واستمر ذلك الصراع من عام 1689م حتى 1763م, وفي آخر تلك الحروب، انتصرت بريطانيا ونجحت في احتلال معظم الممتلكات الفرنسية في أمريكا الشمالية.
الاستعمار الحديث:
نجحت المستعمرات الثلاث عشرة في الحصول على استقلالها من بريطانيا في الثورة الأمريكية (1775 - 1783م).
وحصلت معظم المستعمرات في أمريكا اللاتينية على استقلالها في القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر.
ولم يتطوَّر الاستعمار الأوروبي في بداية القرن التاسع عشر مع أنَّ بريطانيا ضَمَّت عددًا من المستعمرات في أستراليا، وقد كانت نيوساوث ويلز, أول مستعمرة أسترالية تم تأسيسها في القرن الثامن عشر.
وكان معظم المستوطنين الأوائل من السجناء الذين أُبعدوا إلى أستراليا عقابًا لهم, وقد أوقف إرسال السجناء إلى تلك المناطق في منتصف القرن التاسع عشر, وبحلول ذلك التاريخ، أُنشئت مستعمراتٌ جديدة في كوينزلاند وفان ديمنزلاند (تسمانيا حالياً)، وغربي أستراليا وجنوبيها، وفكتوريا.
أما نيوزيلندا، فإنها لم تصبح مستعمرة بريطانية إلا عام 1840م, وبحلول عام 1850م، كان هناك الكثيرون ممن يعتقدون أن المستعمرات لا تساوي تكاليف إنشائها وإدارتها.
وساعدت الثورة الصناعية وظهور القومية الأوروبية، على تطور الاستعمار في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في كلٍّ من إفريقيا وآسيا, ففي هاتين القارتين، سعت الدول الصناعية إلى الحصول على المواد الخام لمصانعها، والأسواق لمنتجاتها الصناعية، كما سعت إلى هاتين القارتين بوصفهما مناطق استثمار جديدة، وللبحث عن أقطار جديدة تقويها في منافستها للأقطار الأوروبية الأخرى.
واقتسم إفريقيا كلٌّ من بلجيكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا والبرتغال وأسبانيا, ولم يبق من المناطق الإفريقية مستقلة إلا إثيوبيا وليبيريا.
أما بريطانيا، فقد سيطرت بدورها على الهند وبورما وما يُعرف الآن بماليزيا, كما احتلت فرنسا الهند الصينية, وكانت الهند الصينية الفرنسية تضم كلاّ من كمبوتشيا (كمبوديا) ولاوس وفيتنام.
وتوسَّع الهولنديون في الهند الصينية الشرقية. أما الولايات المتحدة، فقد احتلت الفلبين.
وكان هناك تنافسٌ كبير بين فرنسا وألمانيا وبريطانيا وأسبانيا والولايات المتحدة للسيطرة على جزر المحيط الهادئ.
وفي نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، أنشأت اليابان إمبراطوريةً ضمَّت كوريا وتايوان.
وخلال الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945م)، وسَّعت اليابان إمبراطوريتها على حساب بعض المستعمرات الصغيرة التي كانت تسيطر عليها دول غربية, إلا أنَّ هذه الإمبراطورية سقطت بعد أن هُزمت اليابان عام 1945م, وتحولت هذه المناطق مرةً أخرى إلى مستعمرات غربية.
والواقع أنَّ هناك ثلاثة عوامل أسهمت في إنهاء عصر الاستعمار في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين:
1- أنَّ القوى الأوروبية قد أُضعفت في الحرب وبدأ عددٌ كبيرٌ من الناس يعارضون الاستعمار لأسباب أخلاقية.
2- أنَّ الحركات القومية والمطالبة بحقِّ تقرير المصير قد زادت ازديادًا كبيرًا في مستعمرات إفريقيا وآسيا.
3- حصلت بعض هذه المستعمرات على استقلالها بشكل سلميّ، لكنَّ مستعمرات أخرى لم تحصل على استقلالها إلا عن طريق الحرب, وكانت البرتغال من أواخر الدول التي منحت مستعمراتها الاستقلال في منتصف السبعينيّات.
الاستعمار المعاصر:
لا تزال كل من فرنسا وبريطانيا والبرتغال وأسبانيا تحتفظ ببعض مستعمراتها إلى اليوم، ولكنها لا تسميها مستعمرات.
على سبيل المثال، فإن بريطانيا تُسمي هذه المناطق البلاد التابعة, كما أنَّ الولايات المتحدة تحكم بعض المناطق البعيدة، مثل:
ساموا الأمريكية وغوام وعددًا من الجزر في المحيط الهادئ، وكذلك بورتوريكو وفيرجين آيلاندز الأمريكية, كما لا تزال إسرائيل تلك الدول التي أقامتها الصهيونية مدعوية من القوى العالمية تحتل و تستعمر أرض فلسطين العربية منذ عام 1948م.
أعمال الاستعمار:
خلال تاريخ الحركة الاستعمارية الغربية للعالم الإسلامي وبقية المستعمرات أظهر المستعمر الغربي صوراً قاتمة كالحة ملؤها الظلم والقهر والاستغلال.
فعلى الصعيد الإنساني ارتكب المستعمرون مجازر بحق الشعوب التي قامت تدافع عن دينها وخيراتها، فقد بلغت أعداد قتلى المسلمين في الهند حتى عام 1880م مليون مسلم سقطوا على يد الإنجليز، ومثله كانت الجزائر بلد المليون شهيد.
وكان البرتغاليون قد أحدثوا مجازر عند سيطرتهم على الشواطئ الهندية، ويسجل القائد البرتغالي البوكيرك بفخر بعضاً منه وهو يخاطب ملك البرتغال مهنئاً إياه بالسيطرة على مقاطعة جوا الهندية فيقول : " وبعد ذلك أحرقت المدينة، وأعملت السيف في كل الرقاب، وأخذت دماء الناس تراق أياماً عدة, وحيثما وجدنا المسلمين لم نوقر معهم نفساً، فكنا نملأ بهم مساجدهم، ونشعل فيها النار، حتى أحصينا ستة آلاف روح هلكت، وقد كان ذلك يا سيدي عملاً عظيماً رائعاً أجدنا بدايته وأحسنا نهايته ".
وفي مدغشقر قتلت القوات الفرنسية ثمانين ألف في ضربة واحدة للثائرين من سكان الجزيرة، فيما أعمل الإنجليز القتل في قبائل ماو ماو الأفريقية، ثم ادعوا أن وحوشاً مفترسة ظهرت في المنطقة وتخطفت الآلاف إلى مصارعهم.
وفي الجزائر يقول الجنرال الفرنسي شان : " إن رجاله وجدوا التسلية في جز رقاب المواطنين من رجال القبائل الثائرة في بلدتي الحواش وبورقيبه ".
وقد بلغ عدد القتلى في مدينة سطيف في مايو 1945م ما يقرب الأربعين ألفاً.
وقد تفنن المستعمرون في طرق إبادة هذه الشعوب، ومما أبدعوه في هذا الباب طريقة يسمونها "جهنم" حيث يتبع الجنود الهاربين من النساء والأطفال والرجال إلى الكهوف فيشعلون عند باب الكهف ناراً عظيمة، فيموت من بداخله حرقاً أو خنقاً ".
وفي جنوب أفريقيا سيطر الاستعمار ففرض القوانين الجائرة والضرائب، ومنح البيض في عام 1913م 88% من أراضي جنوب أفريقيا وفرض على السود دون البيض مصروفات الدراسة، وأمر بأن يدفع كل أسود بين سنة 12 - 65 سنة ضريبة عن نفسه وأخرى عن كوخه.
وقد أضر المستعمرون بمصالح المزارعين حين أمروهم بزراعة بعض المحاصيل دون بعض، ثم شروها منهم بأبخس الأثمان.
ففي عام 1951م باع فلاحو الجزائر قنطار الزيتون بـ 2000 فرنك في حين كانوا يبيعونه قبل دخول فرنسا بـ 5000 فرنك فرنسي.
وأجبر الفرنسيون السكان في أفريقيا الاستوائية على زراعة القطن عام 1955م، ثم باعوه لأربع شركات استعمارية بما ثمنه 72 -60 فرنكاً للكيلو، فيما باعه المستعمرون بسعر 245-285 فرنكاً في مرفأ التصدير.
وقد كان كيلو القطن المستورد في فرنسا يماثل - في مراكش - أربعة مرات كيلو القطن المصدر، وذلك في عام 1938م، ثم ارتفع إلى ست مرات في عام 1949م ومثله يقال في القطن التونسي.
وفي نيجيريا يباع الخشب أكثر من سعره بـ 30 - 40 %، وباعت بلجيكا كيلو زيت النخل في مستعمراتها بـ 110 فرنكاً بدلاً من 75 فرنكا.
وفي مظهر آخر للاستعمار وظف المستعمر أبناء جلدته في مؤسسات الدول المستعمرَة، وأبعد أهل البلاد الأصليين، ومن ذلك أن فرنسا وظفت في الجزائر في الدوائر العقارية 200 موظف منهم ثمانية فقط من الجزائريين، فيما لم يبلغ عدد المغاربة في وزارة الشئون الإجتماعية في المغرب سوى أربعة من الحُجَّاب فيما قارب الفرنسيون المائتين والخمسين.
وأجبر السكان الأصليون تحت مظلة المستعمر على العمل بأبخس الأجور، ففي حين كانت الأسعار في الجزائر مقاربة للأسعار في فرنسا كان العامل الجزائري يحصل على 40 - 70 فرنكاً لقاء عمله اليومي، في حين أن العامل الفرنسي يحصل على أكثر من ضعف المبلغ في فرنسا، وقد كان سعر كيلو الخبز يومذاك في الجزائر 48 فرنكاً وكيلو السكر 94، واللبن 25 فرنكاً فيما كان اللحم الردئ يباع الكيلو منه بـ 400 - 500 فرنك فرنسي.
وأما المشاريع التي أقامها الاستعمار في البلاد المستعمرة فإنما أقامها لحماية مصالحه " فالجهود المبذولة لكهربة المراكز الثانوية والريفية يجب أن يكون مفهوماً أن التجهيزات المنتظرة إنما يجب أن تقتصر فقط على المشروعات ذات الدخل المضمون.
أما برنامج النقليات فعليه أن يقتصر في الدرجة الأولى على إنشاء وسائل النقل وطرق المواصلات المرتبطة مباشرة بأهداف الانتاج المعينة في المشروع والتي تؤلف على كل حال أحد العوامل الجوهرية لنجاحه "
ورغم الاستغلال الواسع للموارد الطبيعية والقوى البشرية فإن المستعمر لم يقدم أبسط الخدمات الإنسانية وهي الصحة والتعليم ففي الجزائر التي اعتبرتها فرنسا جزءً منها لم يستطع سوى 12% من أطفال الجزائر ممارسة عملية التعلم، وانخفضت النسبة في مراكش إلى 10%، وفي أفريقيا الغربية إلى 7.6 %، وفي تشاد إلى 4.7%، فيما ارتفعت في أفريقيا السوداء إلى 18% من أطفال تلك البلاد.
وأما الخدمات الصحية فجرى تأمينها في المناطق التي ينتشر فيها الفرنسيون فيما كان لكل 10000 جزائري طبيب واحد، وتصل هذه النسبة في الأقاليم الجنوبية للجزائر إلى 30000/1، وفي مراكش 45000/1 فيما لكل 50000 شخص في غينيا طبيب واحد.
ونتيجة لذلك ارتفعت نسبة الوفيات بين الأطفال في المستعمرات عنها في البلاد المستعمِرة أو بين المستعمِرين، ففي حين يموت من أطفال الأوربيين في الجزائر ما نسبته 5.4 % يموت من أطفال الجزائر 18%، وفي تونس يموت للأوربيين من أطفالهم ما نسبته 5.9% فيما يموت للتونسيين ما نسبته 19.3% فيما تصل النسبة في بعض مناطق أفريقيا الريفية إلى 60%
آثار الاستعمار:
للاستعمار آثارٌ سلبية وأخرى إيجابية على كلٍّ من المستعمَرات والدول المُستعْمرَة على حدٍّ سواءً, فقد حقق المستعمرون شيئًا من التنمية الاقتصادية للمستعمرات، فأدخلوا إليها طرق الزراعة والصناعة والعلوم الطبيَّة الغربية, وفي الوقت نفسه، قامت القوى الاستعمارية باستغلال مستعمراتها واستفادت منها اقتصاديًا.
وفي عدد من المستعمرات، قامت القوى الحاكمة بتعطيل الهياكل الاقتصادية التقليدية وتغييرها, فقد ألزموا المستعمرات بإنتاج المواد الخام وشراء معظم السلع المصنَّعة من الدول الحاكمة, وبهذه الطريقة، حطَّم المستعمِرون الأنشطة التجارية والصناعية في المستعمرات. ومع أن هناك نواحي إيجابيةً لربط المستعمرات بالنظام الاقتصادي الدولي، فإن شعوب تلك المستعمَرات فقدت القدرة على التحكم في مقدَّراتها الاقتصادية, وبالإضافة إلى ذلك، قاد ارتفاع مستويات المعيشة والاستقرار السياسي إلى زيادة كبيرة في عدد السكان، الأمر الذي أدى إلى توقف التحسن في مستوى المعيشة وربما ساعد على تقهقره.
وقام النظام الاستعماريُّ بزيادة رقعة السيطرة السياسية للدول الأوروبية، ولكنه أدى في الوقت نفسه إلى تقليص عدد من الحروب المحلية ووحَّد تلك المناطق تحت مظلة دولة واحدة. وأقامت القوى الحاكمة عددًا من المدارس الحديثة، وأدخلت النظام الديمقراطيّ في الحكم. ولكن، في العديد من الحالات، لم يمنح المُستعمرون الشعوب التي استعمروها إلا قدرًا ضئيلاً من التدريب والإعداد من أجل الاستقلال، كما حاول عددٌ من الحكام فرض ثقافتهم على الشعوب المُستعمَرة, ويعتقد بعض المؤرخين أنَّ الثقافة الغربية قد أفادت الشعوب المستعمَرة بطرق شتَّى، لكن عددًا من الدول التي كانت مُستعمَرة ً حاولت، بعد الاستقلال، إعادة إحياء ثقافتها وهويتها.
ولقد أثرى النظام الاستعماري الدول الحاكمة، ولكنه ساعد أيضًا في ظهور الحركات القومية وظهور الشعور الوطني بين الشعوب المستعمَرة, وبذلك، كتب الاستعمار نهايته بنفسه.
وكان من النتائج غير المتوقعة لنهاية الاستعمار أن ظهرت حركات الهجرة لعدد كبير من سكان المستعمرات إلى البلدان التي كانت تَستعمرها. كما أنَّ أعدادًا كبيرةً من الهنود والباكستانيين ومواطني جزر الهند الغربية وجدوا طريقهم إلى بريطانيا, وهاجرت أعدادكبيرة من إندونيسيا وسُورِينَام إلى هولندا. وهناك أعدادٌ من المهاجرين من شمالي إفريقيا تعيش في فرنسا. ومن ناحية أخرى، أسهمت هذه الهجرات في خلق تباين عرقي وثقافي في البلدان الأوروبية التي كانت يومًا ما ذات طابع عرقي واحد.