أولاً: حياة ميكافيلي .
- نيكولا ميكافيلي ( 1469 – 1527م) .. ولد في فلورنسا في إيطاليا ، وقد أتاح له وضعه الاجتماعي الحسن فرصة للتعليم العالي في مجالات مختلفة مثل: الأدب ، والقانون ، والتاريخ ، والفلسفة ..
- بدأ ميكافيلي حياته كموظف بسيط في حكومة مدينة فلورنســا ، وحين اجتاحت الجيوش الفرنسية مدينة فلورنسا ، وأطاحت بالحكم فيها-حكم أسرة مديتشي- سارع ميكافيلي لتأييد النظام الجديد ، وتنقل في وظائف حكومية كثيرة تحت ظل هذا النظام حتى وصل إلى منصب "السكرتير الأول لحكومة فلورنسا"..
- وقد أوفد في عدة بعثات مهمة نيابة عن الحكومة إلى المدن الإيطالية والدول الأجنبية ، واستطاع ميكافيلي خلال هذه الفترة الإطلاع على خبايا الحياة السياسية وأسرارها عن قرب ..
- في عام 1512م عادت أسرة مديتشي للحكم بمساعدة من البابا ، وتم القبض على ميكافيلي ونفيه إلى مزرعته الواقعة على أطراف فلورنسـا ، حيث عاش هناك حتى توفي سنة 1527م..
الميكافيلية :
أنت إنســان ميكافيلي ، أو صاحب قرارات ميكافيلية .. يطلق هذا اللقب على كل من اتبع مبدأ ميكافيلي الأول "الغاية تبرر الوسيلة" ، وهو أشهر مبدأ عُرف به ميكافيلي ، فـهو يرى بأن الهدف النبيل السامي يضفي صفة المشروعية لجميع السبل والوسائل التي تؤهل الوصول لهذا الهدف مهما كانت قاسية أو ظالمة ، فهو لا ينظر لمدى أخلاقية الوسيلة المتبعة لتحقيق الهدف ، وإنما إلى مدى ملائمة هذه الوسيلة لتحقيق هذا الهدف .. فـ الغاية … تبرر الوسيلة .. وكان هذا المبدأ هو ما استند عليه في أغلب نصائحه في كتاب الأمير.
ثانياً: منهجه الفلسفي .
حاول ميكافيلي إتباع منهج جديد مختلف عن مناهج من سبقوه ، فعلى الرغم من دراسته للمنطق والفلسفة ، إلا أنه أهمل مبادئها إهمالا تاماً وركز على التاريخ، فقد كانت خلاصة فكرته الرئيسة: أن أفعال البشر تؤدي إلى نفس النتائج دوماً ، فحاول الربط بين الأسباب والنتائج والدراسات التحليلية المستمدة من التاريخ ،
وعلى ذلك كان أسلوب ميكافيلي في البحث هو :
1. الاستعانة بالتاريخ لاستقصاء الأحداث ، ومعرفة نتائجها ، وارتباطها ، وإمكانية تكرارها ، أي محاولة التنبؤ بالمستقبل ..
2. محاولة وضع تعميمات في حالة تكرار الأحداث للوصول إلى قواعد عامة ، توضع أمام الحكام لتسهيل مهمتهم وتساعدهم على تبني مواقفهم ..
3. البحث عن إمكانية التدخل في الأحداث مسبقاً بعد معرفة أسبابها ، ومحاولة تحديد السلوك الواجب إتباعه لمواجهة الأحداث ..
ومن هنا نرى بأن أسلوب ميكافيلي يبين مدى شغفه بالتاريخ ، وكثرة استخدامه للأحداث التاريخية للتدليل على صحة أفكاره -كما في كتاب "فن الحرب" وغيره من الكتب – وبذلك يعتبر ميكافيلي أحد مؤسسي طريقة التحليل التاريخي الحديث ..
ثالثاً: أعمالــه :
لميكافيلى اكثر من 30 كتاب اشهرها
- كتاب الأمير (Il Principe) :
ألفه ميكافيلي في منفاه عام 1513م ، وقد أهداه إلى لورينزو دي مديتشي (Lorenzo de’ Medici ) ، وقد تضمن الكتاب أفكار ميكافيلي وتجاربه السياسية مع مجموعة من النصائح للحاكم ، وقد كان راجياً أن ينال رضا الحاكم عن طريق هذا الكتاب ولكنه فشل في ذلك وظل في منفاه ..
أهم صفات الأمير -الحاكم- في نظر ميكافيلي :
من ناحية الاخلاق:
عليه التخلص من الأخلاق والتقاليد والبدع والقيم المسيحية وخاصة التواضع والرضوخ للحكام ، واستعمال الدين كوسيلة لكسب الشعب فقط ..!
- من ناحية السياسة الداخلية :
عليه أن يجمع بين حب الناس وخوفهم منه ، وإن تعسر ذلك فعليه أن يتأكد من كونه مخيفاً ومهاباً ..
- من ناحية السياسة الاقتصادية :
عليه أن يسعى لتحقيق العدالة الاقتصادية وتوزيع الدخل بشكل عادل ،لأن وجود طبقة فقيرة تشكل أغلبية سيكون سبباً فيما بعد لقيام ثورة ضد الحاكم ..
- من ناحية السياسة الخارجية :
عليه أن يتعلم أن يتخلص من عهوده ووعوده إن كانت عبئاً عليه ، وعدم التردد في استعمال القوة عند الضرورة .
- من ناحية الحروب :
ركز ميكافيلي على وجوب إقامة جيش وطني قوي ، وأن الجيش المكون من المرتزقة لا يجدي نفعاً ، فالمرتزقة لاولاء لهم إلا للنقود ..
- يقول ميكافيلي في كتابه : ” وهنا يقوم السؤال عما إذا كان من الأفضل أن تكون محبوبا أكثر من أن تكون مهابا أو أن يخافك الناس أكثر من أن يحبوك ؟؟
ويتلخص الرد على هذا السؤال في أن من الواجب أن يخافك الناس وأن يحبوك ولكن لما كان من العسير الجمع بين الأمرين ، فإن من الأفضل أن يخافوك على أن يحبوك ، هذا إذا توجب عليك الاختيار بينهما ...
وقد قال عن الناس بصورة عامة : أنهم ناكرون للجميل ، متقلبون ، مراءون ميالون إلى تجنب الأخطار شديدوا الطمع ، وهم إلى جانبك طالما أنك تفيدهم فيبذلون لك دمائهم وحياتهم وأطفالهم وكل ما يملكون ، طالما أن الحاجة بعيدة نائية ، ولكنها عندما تدنو يثورون”
والجدير بالذكر أنه لم يتم نشر كتاب "الأمير" إلابعد وفاة ميكافيلي بخمس سنين ، وأول من هاجم مكيافيلي هو"الكاردينال بولس" مما أدى لتحريم الإطلاع على كتاب الأمير ونشر أفكاره، وكذلك انتقد "غانتيه" في مؤلفٍ ضخم أفكار مكيافيلي، وقد وضعت روما كتابه عام (1559م) ضمن الكتب الممنوعة وأحرقت كل نسخة منه .
ولكن وعند حلول عصر النهضة في أرجاء أوروبا ظهر هناك من يدافع عن مكيافيلي ويترجم كتبه.
رابعاً: الظروف التي أثرت في فكر ميكافيلي :
هناك العديد من الأسباب التي أثرت على فكر ميكافيلي ،من أهمها :
1. ضعف حال الدولة آنذاك ، وكثرة المشاكل السياسية في تلك الفترة ، ولهذا كان يرى بأنه لابد من نظام حكم قوي يحكم الدولة ، إما نظام ملكي صارم ، أو نظام جمهوري .. وكان مؤيدا بشكل كبير للنظام الجمهوري ..
2. الخدع والمؤامرات التي واجهها ميكافيلي في أروقة ودهاليز السياسة عندما كان ذا شأن في حكومة فلورنسا ..
3. تأثره الشديد وولعه بالتاريخ ، واعتبار أن جميع الأحداث لا تخرج عن دورة منطقية متكررة ..
ختاماَ، حاز ميكافيلي على المرتبة الـسابعة والتسعون ضمن لائحة أكثر الأشيــاء المؤثرة في التاريخ لـ مايكل هارت ..
خامسا- آراء وأفكار ميكافيلي :
عُني « ميكافيلي » بأن يكشف من التاريخ القديم ، ومن الأحداث المعاصرة له: كيف تُنال الإمارات، وكيف يُحتفظ بها، وكيف تُفقد؟ .
وانتهى إلى رأي في السياسة يتلخص كما سبق بالعبارة التالية:
« الغاية تبرر الوسيلة » مهماكانت هذه الوسيلة منافية للدين والأخلاق .
وقد استند في رأيه هذا إلى الواقع المنحرف للأكثرية من الناس، لا إلى مبادئ الحق والعدل والخير والفضيلة .
رأى أن أكثر الحكام لم يكونوا شرعيين، ولم يكونوا ملتزمين المبادئ الأخلاقية الفاضلة ، وبذلك استطاعوا أن يصلوا إلى الحكم، وأن يضمنوا استقرار الحكم في أيديهم إلى حين.
بخلاف الحكام الشرعيين، والذين كانوا يلتزمون المبادئ الأخلاقية الفاضلة المستندة إلى الحق والعدل والخير، فإنهم لم يحققوا لأنفسهم النجاح المطلوب، ولا المحافظة على الحكم، كمحافظة الساسة الخائنين الغدارين المرائين المنافقين الكذابين .
حتى البابوات فقد رأى أنهم قد كانوا في الكثير من الحالات يضمنون الانتخاب لأنفسهم بوسائل فاسدة، لا تتفق مع الفضائل الخلقية .
وأنكر «ميكافيلي » في كتابه (( الأمير )) بصراحة تامة الأخلاق المعترف بصحتها، فيما يختص بسلوك الحكام، فالحاكم يهلك إذا كان سلوكه متقيدًا دائمًا بالأخلاق الفاضلة، لذلك يجب أن يكون ماكرًا مكر الذئب، ضاريًا ضراوة الأسد.
وفي الفصل الثامن من كتابه «الأمير » ذكر أنه ينبغي للأمير أن يحافظ على العهد حين يعود ذلك عليه بالفائدة فقط. أما إذا كانت المحافظة على العهد لا تعود عليه بالفائدة فيجب عليه حينئذٍ أن يكون غدارًا .
لكنه يرى في ذات الوقت أنه من الضروري أن يكون الأمير قادرًا على إخفاء هذه الشخصية,
وأن يكون دعيًا كبيرًا، ومرائيًا عظيمًا، والناس كثيراً مايصلون في السذاجة إلى الحد الذي يجعلهم ينخدعون بمثل هذا الادعاء كثيراً .
فآراء «ميكافيلي » في تبرير الوسائل المنافية لفضائل الأخلاق تدور حول السياسة، وأخلاق الحكام، وذوي السلطة .
وقد أخذ معظم أرباب السياسة في الشرق والغرب، بهذا الاتجاه الميكافيلي وفق أقصى صوره المنحرفة .