موقع الاديبة الفلسطينية ناديا كمال / عطر الورد

رسالة الى امي \\ أعيديني الى ذاتي \\ الكاتبة الفلسطينية ناديا كمال

 

أمي  الحبيبة   ...



كم  كنتِ  حنونة  علي  وعلى  إخوتي  ،  كم  مرّة مسحت  دمعة  عيني   ،
 وحملت  همّي  وشكوتي  ، كم  مرّة  بكيتِ مني ، ومعي ،  كم  مرّة   زعّلتك مني يا أمي  ،  وكنتِ  دوما  تسامحين  وتغفرين ،  وتستقبليني  بحضنك الدافيء الحنون  ، كم  مرّة  لملمتِ  اللّيل  عن  شعري   ورعيته   بلمسة يدك  الحانية وجدَلت ِ  ضفائري  ،  كم  مرّة  أضأتِ  الشمس  في  كفّي  ، بنور ٍ من  سنا وجهك ِ الوضّاء   وبسمتك  الجميلة ، كم  مرّة    جمعتِ  شعثي  ،  وأصلحتِ لي  لُغتي  ،  ورمّمت ِ  كسري  وجبرت خاطري ..

 

 

سامحيني   أمي  لو كنتُ  يوماً  سببا  في  إنسياب  دمعاتك  ،  أو  سبب  حزنك ومأساتك ،  أعذريني  أمي  فأنا  منذ  ولدت ُ  ترَعرتُ  في جنبات ِ حضنك  وحضن أبي   الحنون ،  وتعلمتُ  منكما   كيف  الحياءُ  يكون  ،تربيتُ على حبّكما ومعي  إخوتي  ،فتعودت  أن أعتمد  عليكما  ونسيتُ  واجباتي ..وكبرتُ  يا أمي ،  وتزوجتُ وعشتُ  حياتي   بعيداً  عنكم ،  فزادت مسؤولياتي  ،  وما  عدتُ أقوى   على الحياة  بدونكم  ،  وما  عدتُ  أستطيع  العودة  إليكم ..... ومن  وقتها  أمي    تبعثرت أفكاري ،  تاهت  مراكبي  ،  واَنحرفت  دفة شراعاتي  ، ورغم  كل  شيء كنتِ  دوما تُعَدّلين  لي  المسير ،  وتُعيديني نحو  شاطيءِ الأمان ، وتُزيّني  أيّامي  بِروعةِ  بَسماتك  وكلماتك وإرشاداتك ، اااااااااه  يا أمي   كم  أشتاق  لحضنك  الدافيء  ، وطفولتي البريئة ..

 

 

كم  مرّة أمي  وعظتني  ،  نصحتِني  أن أسير على خَطوك  ، كم  مرّة  قلتِ  لي :  يا إبنتي  سامحي   ، إغفري ،  عاملي  الناس  بطيبة ،  وكنت  يا أمي   أسمع كلامك  ،  وأعيش  على هديك  ،  فضَعُفتُ  أمام   مكر البشر يا أمي ،  فقد كانوا  أقوى مني   حتى أصبحتُ  بينهم  كالبلهاء ،  يُهضم  حقي  ،  وتضيع حقوقي ،  ففي  قانون  الغاب ،  الطيبة غباء  .. وما  زلت ِأمي  كلما  لاح  لك  حزني تتألمين  ، تحزنين  وتحاولين  أن تحملي  عني  وجعي  وألمي  ، وما  زلتِ  تنصحيني   وترشديني  ،  ولكني  يا  أمي ،  لم  أعد  أسمع  الكلام  والنصح  والإرشاد  ،  فاَعذريني  أمي  ،  فزماني ليس  زمانك ،  ولا ناسي  مثل  ناسك،  زمانك  كان فيه  الحب والخير  والوفاء والإخلاص والتضحية ،  وزماني  زمن الجحود  والغدر والألم والضياع ،  وناسك
أمي  كانوا  طيبين  يعيشون على الفطرة ،  رغم  بساطة حياتهم  ،  كانوا لا يعرفون الحسد  ولا  الغيرة ولا الحقد  ،  بالحب  يعيشون ،  بالحب  يموتون  ،
أما  ناسي  أنا  فقد  طغت  عليهم  المصالح  الشخصية ،  والأنا  وحب الذات ، وباتوا   يدوسون  على كل القيم والمشاعر الإنسانية ويضربون بعرض  الحائط  كل العادات  والتقاليد  والأخلاق  الإسلامية  السامية ،  وما يهمهم  هو  إعتلاء القمم  على جثث  غيرهم  وجراحاتهم ........

 

 

حتى  السماء  في  زمانك  يا أمي  كانت  صافية ،  رغم  الحروب  التي  كانت ،  وكان  ماء البحر  نقيا  ،  عذبا  رغم   شذرات  الغبار  والأتربة  والشظايا ، فقد  كانت   رائحة الكرامة والعزة  والأمجاد  تعبق  شذى  في  كل  أوطاننا ..  وكنت  أنام  يا أمي  على حكاياتك  الجميلة  وقصصك  البطولية  عن  أجدادنا العظماء ،  وأسمع أناشيدك   الرائعة  وصوتك  الحنون ،  اليوم يا  أمي   باتت سماؤنا  ملبّدة   بالغيوم  متشحة بالسواد  ،  وغدت  مياه  البحار والأنهار عكرة  ،  قذرة ،  نجسة ، بعد  أن  دنّسها  الغزاة  ،وضيّعها  الأوغاد  ، وبتنا  لا نسمع  يا أمي  سوى أصوات   القنابل  والمدافع  ونحيب  الأمهات الثكالى  ،  وصراخ الأرامل  ،  وعويل  الأطفال  ،  واستغائة القاصرات العذارى ،  ولهفة الحيارى  ،  وهذا  مات  هنا واخر قتل  هناك واَخرون ينتظرون  الدور  في  طابور الموت ..

 

 

هذا  هو  زماني  يا  أمي  ،  ولهذا  يا أمي  ، تاهت  خطواتي وتبعثرت أفكاري ،  وما  عدت أنا  من  ربيتني  على الطيبة والمحبة  والتسامح  ، ليتك أمي  حين  ربيتني  ، ربيت العالم  معي   على أخلاقك  النبيلة  ،  ومبادئك العظيمة ،  المستوحاة من ديننا  وقراَننا  ودستورنا ...فأعذريني  أمي  ، فأنا الاَن لست أنا  ،  لا  شيء يشبهني  ،  لا  الزمان  زماني ،  ولا المكان مكاني  ،  قد  نسيت  إسمي  وعنواني .. أتذكرين  أمي  حين  كنتُ  أنظر كل  يوم
في  مراَتي  قبل أن أنام ،  أمشط   شعري  وأرتب شكلي ، وكنتِ أنت وأبي وإخوتي  تضحكون علي  وتقولون لي  :  من تظنين أنك  ستقابلين  في منامك ؟؟

 

 

كنت  أبتسم  وأذهب  للنوم ، وأحلم  .. بملاك  وحورية ،  وعالم  مليء بالطهر والنقاء  والعفوية ،  مليء  بالحب  والمشاعر الإنسانية ،  عالم  لا تسوده الأنانية   ولا التبعية  ولا  العبودية ، عالم   أخضر   كالمدينة الفاضلة  ... وصحوتُ  اليوم    يا أمي  ،  فوجدت  كلّ  شيء  تغير  ،  وغدوتُ    أكره  أن أنظرفي مراَتي .. لأنني  بتُّ  لا أراني  ،  أرى   وجها    قد  كلّله  الأسى وملامح  السنين   وتعب  الأيام  ووجع  وأنين ،  وغدر البشر  وجرح  دفين  ، ووجه  ( ملاك ) سكن  أعماقي ،  يُذكّرني  بحلمي   الجميل الذي  لم يكتمل   ، وأرى بقايا  صور  وذكريات  جميلة   ،بعضها  مفرح والاَخر حزين ، وكلها  تزيد عذاباتي  ،  وبعض  القصص  والحكايا  ،  والكثير من  الخيبات  ،  لم  أعد  أنا التي  في  المراَة ،  ولم  تعد  مراّتي   تهواني  ،  كم  ضاقت بي الدروب  يا أمي  ،  كم بعُدت  مسافاتي ، أشعر الاَن  بأنني  أنقسم  على ذاتي   ، وبيني وبيني  يا أمي  ،  حواجز  وحدود  مليئة  بألف  ااه  واااه  ، وزادت  معاناتي ..

 

 

ليتك  أمي  لم  تدعيني  أكبر ، ليتك   حنّطتِني  وتركتِني  دمية صغيرة في  خِزانتك   ، أو مزهرية على طاولتك  ،  أو  تحفة  في  بيتك ،  ليتك أمي جعلتني  خيطا  من  خيوط  ردائك ، أو  كلمة  في قصيدة  شِعرك ،  أو  بسمة  على وجهك  ، ليتك  دفنتني  مع  جدي  وجدتي  وإخوتي  الصغار ،  لأصبح  عصفورة  في جنة الفراديس  والنعيم ، بعيدا عن هذا العالم القاسي .. سامحيني   أمي  لو قلت  لك    ربما   أخطأت  حين  ربيتني  على الطيبة والمحبة ، أنا الان  قد  أصبحت  أمّا  مثلك  ،  ولكني  لم  أستطع  أن  أكون بروعتك  أنت ،  ولن  أكون !!!  لم  أستطع  أن أُربيَ  أولادي  كما  ربيتني ، ففي  زماننا  لا مكان  للطيبين  .. عشتِ  لي  ولإخوتي   ولنا  جميعا   يا  أمي الحبيبة ،  وعاش  لنا  والدي  الحنون    ،  ودمتما  أنت   وأبي  رمز الخير والحبّ  لكل  أوقاتي  وعمري   وأعوامي  ،  ورغم  جحود  زماني  ،  فدروسك  يا أمي  والعبر  المستقاة من تجاربك  بالحياة ،  ستكون  دوما  قارب  نجاة  لي ولإخوتي  وأولادنا  ،  كلما  تاهت بنا  الدروب  ،  وضاقت  بنا الحياة ...ضمّيني  أمي  ،  أحضنيني  ، ....دعيني  أمي  أقبلُ  جبينك  النديّ  ،  أقبل أياديك  الحانية  ،  بل أقبل  قدميك  الطاهرتين   وأرتوي    من بحر  قداستك ونقائك ..علّني ... أعود  يوما  إلى ذاتي  ..

 

 

(الأم  هي  الوطن  ..هي الارض  ، هي  التراب  والطين ، هي شجرة الزيتون واللوز والتين  ،  هي   الحبيبة والزوجة والرفيقة والإبنة ،  هي  كل  شيء  ...كل الحب  والتقدير  لأمي الغالية ولكل أمهاتنا  وأمهات المسلمين  والعرب والعالم   أجمع  في  كل  مكان،  والى كل  من  فقد أمه  اقول  :  رحمها  الله واسكنها  فسيح  جناته   وجعلها  وجعل أمهاتنا  جميعا   من  سيدات الجنان  ، لن  أقول  كل عام وانتن  بخير  .. بل  انتن خير  كل الأوقات والأعوام والأيام   )..


ناديا كمال


القدس /  فلسطين

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 692 مشاهدة
نشرت فى 30 إبريل 2012 بواسطة nadia-alwardhmh

ساحة النقاش

ناديا كمال / عطر الورد

nadia-alwardhmh
فلسطينية الاسم ,,,,,فلسطينية الكلام والصمت ,,,,فلسطينية الوشم ,,,,,فلسطينية الاحزان والجرح ,,,,, نعم فعِنْدَمَآ يَقُولُونَ لِيْ : يَآ فَلَسْطِينـِــــيْة ... ..أشْعُرُ وَكَأنِّيْ ' مَلِكـة ' فِيْ هَذَآ الكَوْنْ ..! وأقول لاعدائي :عذِّبوني، هجِّروني، و ان اردتم حتى اقتلوني و لكن … من ارضي ابدا لن تقتلعوني !! »

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

16,061