الثورات العربية ..بين اسبابها ونتائجها \ نادية كمال – القدس - فلسطين
لست محللة سياسية ، ولا أفهم في أمور السياسة كما يفهمها أهلها ودارسوها ، ولكنني مواطنة عربية أعرض وجهة نظري حسب ما أراه من أحداث على ساحتنا العربية والتي ربما يراها الكثيرون كما أراها انا، وهناك الكثيرون ممن يعارضها ايضا ، فأنا اتساءل كغيري : رغم سنين الظلم والفساد والقهر التي عاشها المواطن العربي البسيط ورضاه بالظلم والقهرلعجزه عن التغيير وإيجاد بديل لهذه الحياة التي يعيشها ، لم يتجرأ يوما بالتغيير والثورة الا البعض القليل ممن كانت لهم الجرأة لفعل ذلك سواء بهبات شعبية بسيطة ، او بأقلام حر لمفكرين وسياسيين رفضوا الذل والخضوع وقد دفعوا ثمن وقفاتهم واعتراضهم على رؤسائهم ، فعانوا ما عانوا في اقبية التعذيب التي تصدعت من هول صرخاتهم وجور جلاديهم ومعهم كل من عارض الانظمة الفاسدة وطالبوا بحقوقهم منهم ..
هل حقا كانت الخطوة التي أقبل عليها البوعزيزي التونسي في احراق نفسه اعتراضا على سوء المعاملة وضيق العيش وبقايا متراكمة من الإحباط والكآبة التي طالت الكثيرين في وطننا العربي المقهور ، هي عود الكبريت الذي أشعل الثورات في عالمنا العربي ،الذي عانى وما زال من جبروت الحكام وجورهم وظلمهم ؟؟ ام أن هناك أياد خفية عملت على إشعال الفتن ودس السم بين الشعوب وتشجيعها لتخرج من صمتها وتعلن رغبتها في التغيير واسقاطها لانظمة فاسدة عاشت تحت وطأتها سنين طوال عانت فيها ما عانت من الجوع والفقر والظلم والتعذيب ؟؟ اذا كان الامر كذلك فتلك الايدي الخفية لم تكن تريد ابدا لأوطاننا السلام والامن ، وانما تريد زرع الفتن واثارة النزعات الطائفية والحروب الاهلية وتعبئة النفوس ضد بعضها فبات الاخ يحارب اخيه والابن يعارض ابيه ، وذلك لمصالها الشخصية التي نعرفها جيدا وهي اشغال اوطاننا وشعوبنا بمشاكلها الداخلية وابعادها عما يجري في فلسطين من استيطان وطغيان واغماض العيون عما يجري في اقصانا الحبيب وقدسه الابية من تهويد وطمس لهويته العربية الاسلامية ومحو كل ما له علاقة بتاريخه واصالته ، وادخال رموز وطلاسيم يهودية وهمية تثبت للاجيال والعالم اجمع ان الاقصى معبد اسرائيلي في الاساس وليس معراج الرسول الحبيب ولا ثاني القبلتين ولا يحق للعرب والمسلمين فيه شيء ، هذا بالاضافة الى تحقيق الحلم الصهيوني باقامة دولته المزعومه في وطننا العربي من النيل للفرات وبسط سيطرتهم علينا جميعا وعلى اوطاننا عن طريق سياستهم المعروفة ’’ فرق تسد ’’ ووضع ايديهم على خيرات بلادنا وثرواتها . ولعل ما يثبت ذلك هو ما فعلوه في عراق الرشيد حيث اوهموا العالم بوجود الكيماوي وظلم صدام لشعبه فاقبلوا على احتلال العراق واغتصاب ثرواته واغتيال ثقافته وحريته وكرامته على مرأى من العرب جميعا ، لا بل بمساندة ’’ الاشقاء العرب ’’ لا سامحهم الله ابدا (ما ادى الى تحول العراق الى ساحة معارك اهلية شبه يوميه ما ينتج عنه ازهاق للكثير من الارواح ومعها تزهق الكرامة والعروبةوالانسانية ..!!
لست ضد التغيير ابدا ، ولست اعارض الثورة ضد الظلم والفساد ، على العكس انا من مشجعي الثورات ، واحيي كل الثوار الاحرار في كل مكان الذي هدفهم الاساسي هو التخلص من الفساد والظلم وتحسين ظروف العيش والعدالة الاجتماعية سواء بالفعل عبر النزول الى الميادين والمناداة بالحقوق ، او بالكلمة الحرة التي تبناها الكثير من الكتاب والشعراء الاحرار وجعلوها شوكة في جوف الظالمين ، ولكنني ضد ان تستغل شعوبنا لتحقيق اهداف بني صهيون واعداء الانسانية، وضد ان تكون ثوراتنا والمطالبة بالحقوق سلما يصعد عليه المتشدقون الطامعون بالكراسي والمناصب للتحكم بمصير شعوبنا واوطاننا حسب اهوائهم هم ، لا حسب ما تريده الشعوب وما انتفضت من اجله .... ان ما يجري الان على ساحتنا العربية من امور لا يبشر بخير ابدا ، فمنذ نجاح الثورة التونسية والمصرية لم نسمع بتغييرات جذرية حصلت نتيجة لهذه الثورات ، وربما يكون الوضع في تونس الخضراء افضل حالا مما هو في مصر الحبيبة الان التي تنتظر انتخاب رئيسها القادم على جمر ونار، وكأنها تستعد لارتداء ثوبها القديم الفاسد المرقع بصورة التغيير الحديث اذا ما عاد النظام بشخص شفيق كما يريد اسياده الصهيوامريكيين ..واذنابهم من انظمتنا الفاسدة ، واظن ان ثوار مصر الاحرار لن يقبلوا بهذا وسيلزمون ميدانهم في التحرير وسيواجهون اياما اصعب مما فات ..اسأل الله لهم الثبات على الحق والنصرة على الظالمين ، ولمصرنا الامن والسلام ..
لربما فرحة الثوار في مصر بانجازهم بسقوط المخلوع ونظامه الفاسد، ووقوف الجيش الى جانب الثوار في البداية ، جعل الثوار لا يعون الحقائق المتمثلة بان الجيش تابع للنظام وكان تحت امرته اكثر من 30 عاما مضوا ، ومن الطبيعي ان يكون متأثرا به راضخا له ، ولم ينتبهوا ايضا ان القضاء المصري كان ايضا في زمن المخلوع ، فكيف يقاضي العبد سيده ويحكم عليه وهو اصلا قد تتلمذ على يديه ونهل من فكره واسلوبه ومنهجه الكثير ، فكان من الطبيعي ان يكون الحكم على مبارك وزبانيته ضعيفا لا يرتقي الى مستوى دماء الشهداء الذين سقطوا في سبيل الحرية والعدالة والمساواة ولقمة العيش ، ولا يرتقي الى مطالب الثوار وقضايا الفساد والتهم الموجهه لهؤلاء من قبل الشعب بحجة ان الادلة واهية ضعيفة ، مع انها واضحة وضوح الشمس ناهيك عن الفيديوهات والمستندات التي أُعدمت حتى لا تؤخذ دليلا ضدهم ...
وثورة ليبيا التي ما زالت مشتعلة حتى الان رغم مقتل الطاغية الكبير معمر القذافي ، واليمن والبحرين وغيرها من بلادنا العربية التي تنزف دما كل يوم وتنزف قلوبنا معها حسرة والما وحزنا ..... ولعل الحدث الابرز على ساحتنا العربية هو ما يجري في سوريا الحبيبة من مذابح تدمي القلب والروح و تبكي عليها الافئدة دما والما وحسرة فقد زاد الظلم عليهم وبات الموت يحاصرهم من كل النواحي ، تغتصب الحرائر ويذبح الاطفال وتغتال البراءة ويعتقل الرجال ويقتل الابطال وتداس كل معاني الانسانية بالاقدام ، لست ادري هل من يقتل شعبه انسان ،واتساءل اين كانت اسلحة بشار حين نهب العراق واغتصبت كرامته ؟؟ اين كانت هذه الاسلحة ابان حرب غزة وقبلها جنين وقبلها كل ركن في فلسطين ؟؟ لماذا هذه الاسلحة لم تستخدم لتحرير الجولان المحتل حتى الان ؟؟ كيف تحتوي سوريا على هذه الاسلحة الفتاكة ولا تستخدمها ضد اعداء الانسانية جمعاء الا وهم اليهود والامريكان ، وتقتل بها شعبها الاعزل الذي لا حول له ولا قوة ؟؟ كم كنا نتمنى ان يثمر الربيع العربي وثورات التغيير بنتائج ايجابية لصالح اوطاننا وشعوبنا العربية المقهورة ، ولكن حتى الان لم نر الا النتائج السلبية التي تتمثل في زيادة البطالة وقلة فرص العمل وكثرة الديون للغرب ، شلالات دماء في كل مكان ورائحته التي غلبت عطور باريس في عبقها المنتشر عبر ارجاء وطننا الذبيح ، فتن وحروب اهلية منها بالاسلحة ومنها بالفكر والاراء ، مشادات واختلافات في كل مكان ، ظهور المزيد من الاحزاب والقوى التي سببت زيادة التفرقة والتجزئة بين صفوف شعوبنا، امتلاء السجون بالابرياء ومنهم اطفال ، المستشفيات ما عادت تستوعب الجرحى لكثرتهم ، والقبور ما عادت تطيق رائحة الموت لكثرة الموتى ، وزيادة اللاجئين والمخيمات ، حرائر تغتصب كل يوم وتصرخ ’’وامعتصماه’’ ولا مجيب ..!!!بالاضافة الى الاحباط والكآبة والأمراض النفسية التي باتت منتشرة بشكل كبير بيننا ،وزيادة هيمنة الغرب علينا ، وكثرة الإستيطان في فلسطين الحبيبة ، وتدنيس الأقصى كل يوم من قبل المستوطنين الأنجاس على مرأى من العالم أجمع ، ولا احد يأبه لخطورة الموقف ، كل هذا وعدونا الصهيوأمريكي يتفرج علينا ويضحك بصمت الشيطان ، كيف لا وقد نجح في تفرقتنا ، وحقق أهدافه وما زال
يطمع بالكثير ..!! .
لن أنادي على مؤسسات حقوق الإنسان ولا الأمم المتحدة ولا الجامعة العربية ولا الرؤساء العرب فكلهم قد كلل جبينهم العار ووضعوا ضمائرهم وكرامتهم تحت أقدام أسيادهم الطغاة ، وباعونا وباعوا أوطاننا بأبخس الأثمان .. لن أقول سوى يــــــــــا رب عليك بالظالمين والطغاة فهم لا يعجزونك ، قد عاثوا في الأرض فسادا وصالوا وجالوا وطغوا وظلموا ، عليك بهم يا الله أغرقهم كما اغرقت فرعون وقومه ونجنا ونج شعوبنا الضعيفة منهم وانصرنا على القوم الكافرين واحفظنا واحفظ أوطاننا ، واااااااااااااااااااااااااااااارباااااااه
ساحة النقاش