عندما يحلم القلم ... \ !! الكاتبة الفلسطينية ناديا كمال
أمسكت قلمي لأكتب واقعا أليما نعيشه في عالمنا العربي المعاصر ،حاولت الكتابه وحاولت ، ولكن في كل مرة يرجع قلمي ويبتعد ، وكأنه ينفر من الورق الذي أمامه ، حاولت مرات ومرات ولكن دون جدوى ، فقلمي يرفض الكتابة ، إنتابتني الحيرة والدهشة ،ماذا دهاك يا قلمي وأنت الصوت الصادح بالحق دوما ،ناشراً الحقائق والوعي والفكر ، ماذا حلٌ بك ؟ أخبرني بالله عليك .
ووسط الغموض الذي ساد عالمي ،سمعت صوتا يهمس لي والحزن والألم يبدوان من خلاله ،صوت قلمي الحزين يقول لي: ماذا أكتب ؟ وأنا منذ عهدي بالكتابة وأنا أكتب تاريخ وأمجاد العرب والمسلمين ، وتركت عبر أجيالكم حضارة وثقافة توارثتموها عبر القرون ، وبطولات وأمجاد خلٌدها التاريخ .فرحت بالربيع العربي في بدايته ، وانتظرت نتائجه كي أكتب عنه ، فساءني ما وصل إليه الحال فلم يعد الربيع أخضر كما كان ، بل أصبح ربيعا ممزوجا بالدم معبقا برائحة الموتى في كل مكان ،في مصر ، وسوريا واليمن والعراق وليبيا ، و...وفلسطين .
حاولت ان أقسو على نفسي وأكتب الربيع الدُامي ، فتذكرت أنني لسان حالكم ، أتحدث عنكم ، وما سأكتبه هنا ستتناقله الأجيال ويذكره التاريخ ، فتراجعت لأنني لم أعهد ان أكتب عن تخاذل العرب وجبنهم وانحطاطهم ، بل حضارة وأمجاد وبطولات .
رجعت بفكري إلى عراق الرشيد حاولت أن أكتب عن المؤامرة التي ضيُعت التراث وسرقت الأمجاد ، لم أستطع ، فكيف أكتب أن بني العرب باعوا اوطانهم للأعداء ، وتاجروا بدماء ذوي القربى وضيعوا الحقوق وسمحوا لفاسد حقير ان يصول ويجول في بلاد العز والفخر والإباء؟
رجعت في فكري الى فلسطين الجريحة ، أردت ان أكتب عن صمودها وبطولاتها وتحديها للمحتل عبر عشرات السنين ، ولكن استوقفني كثرة الخونه والعملاء والفاسدين ،الذين شوهوا معاني البطولة ، وحاربوا الاخ وابن العم ،في سبيل إرضاء ذلك الصهيوني الحقير مقابل حفنات من المال لا تغني ولا تفيد ، ودموع الأقصى الذي يئن ويصيح من عشرات السنين ، يبحث له عن مغيث يطهره من الانجاس ويحرره من القيود ، ويبعد عنه شبح الهدم المرتقب الذي بات وشيكا ، وعيون العرب شاخصة ترقب من بعيد ، قلوب الضعفاء تغلي عليه وهم لا حول لهم ولا قوة ، وأصحاب القرار يتفرجون بصمت رهيب غير مسبوق .
أيضا تراجعت فحبري جف أمام هول المأساة ، وكلماتي عجزت عن الإتيان بعبارات توازي الحدث ، وصوتي بح واختنق ولم يعد قادرا على الصراخ ، أردت ان اكتب عن الشهداء والجرحى في بلاد العرب ، فعجزت ماذا أكتب فدماء شعبنا في فلسطين الحبيبة تسفك بأيدي صهيونيه حاقدة وهذا شرف لي ولكل العرب ، ولكن في المقابل هناك دماء عربية تسفك بأيدي عربية ودم بارد فلم أعلم ما أكتب .أأكتب عن المعتقلين في سجون بني صهيون الذين ضحوا بأعمارهم وزهرات شيايهم كي يحيا غيرهم بسلام ، وسجون العرب مليئة بالمظلومين والمقهورين ، عن ماذا أكتب يا ابنتي ، فلم يعد لي رغبة للكتابة وحبري لم يعد قادرا على النزف ، ففضلت السكوت .
امتلأت عيناي بالدموع ، وانتابني الحزن الشديد ، فكل ما قاله قلمي صحيح ، ولكن أيها القلم ، اذا أنت صمت وانا سكت فمن سيكتب التاريخ اذن ، وكيف ستصل الحقائق الى الاجيال ليعلموا ما حل بنا وما ال اليه الحال ، أكتب اكتب يا قلمي لا تتوقف ،
واملأ الحيطان والجدران والورق ، ليبقى صوتك صادحا مدويا عبر كل الارجاء ، فربما وسط الربيع الدامي تنبت السنابل وينمو الياسمين ،ويزهر الربيع الاخضر من جديد ويولد الابطال ، فما زال هناك امل وما زالت السواعد السمراء تتغنى بالأمجاد وتحمل على عاتقها اعادتها وانمائها من جديد وتطالب بالتغيير ، اكتب يا قلمي لا تتوقف وليكن صوتك شوكة في وجه كل ظالم عتيد ، ونورا يضيء عتم الليالي ويبشر بفجر جديد . |
ساحة النقاش