تمرّ الدول بفترات السلم والحرب ، كما تمرّ الحياة الإنسانية بأوقات الفرح والحزن، وفي ظل الأحداث المتواكبة لكل طريقته في التعبير والمشاركة، وقد تكون أفضل وسيلة تنتهجها النخبة المثقفة هي تقديم الحلول في زمن الحروب والأزمات والمحن بما يتماشى والظروف البيئية التي يعرفها المفكر ابن البيئة ذاتها.
توالى اتهام النخبة وأساتذة الجامعات بابتعادهم عن دراسة أحوال مجتمعاتهم وأنهم يعيشون في جوف النظريات والخيال والأبراج العاجية، وانفصال الجامعات عن قضايا المجتمع، لكنهم يتناسون أن السيف إذا حط على الرقاب لن يعود الى غمده إلاّ بعد القضاء.
لقد عكف الكاتب الليبي عبد السلام جمعة زاقود على تأليف كتاب محاولا بجدية ايجاد الحلول الفعلية لمجتمع يتخبط في الانقسامات القبلية.
من الصعب أن يكتب الباحث بموضوعية عن موضوع حساس يعايشه وأن يكون أحدا من أبناء الوطن المجروح، وأن يحافظ على التحليل العلمي البعيد عن تدخل الذاتية والتعصب لطرف دون الآخر ، وكما قال عنه الدكتور الموريتاني " الحسين الشيخ العلوي" في تقديمه للكتاب :
" من الأروع في هذا الكتاب أنه يظهر طرفي النزاع في ليبيا، وكأنهما صنوان في الجنون والجموح، و في التوّاد والتراحم، دون أن يسقط الحق عن أي طرف، أو يحملّه وحده وزر ما  آلت إليه الأحداث".
لقد جاء على غير عادة الكتب التي قرأتها حول المصالحة الوطنية فقد جمع بين السياسة والدين والحكم والوعظ، حتى يصل به إلى قلب وعقل كل ليبي، فكل واحد منهم له ميل واقتناع بجانب أقوى من الجانب الآخر. حيث قال:
"عبارة عن رسالة محبة وسلام، وسط ضجيج السياسة، ودوي المدافع،رسالة كلها رقة، وود، وتسامح، بأسلوب علمي وأدبي رفيع المستوى، كتاب فيه من رصانة العلم، ومتعة الأدب، وإفحام الفقه، وبراعة الأسلوب الشيء الكثير".
من خلال عملية بحث دقيق عن مراجع بخصوص الوضع السياسي الليبي منذ الاستقلال عن الاحتلال الإيطالي إلى أحداث 17 فبراير 2011، لن تجد ما يسد شوق المطالعة والتثقيف والبحث إلاّ تلك الكتب والتقارير التي تتحدث عن الكتاب الأخضر والمؤتمرات الشعبية، لاعتبارات عديدة على رأسها حرية التعبير المهضومة، ولعلّ الوقت حان بعد حركة التغيير أن يسقي ويرتوي المتشوق للحال السياسي الليبي قديمه وحديثه وتطلعاته من نبع الباحثين الليبيين المختصين والخبراء.
      يتضمن كتاب مسار المصالحة الوطنية والسلم الاجتماعي الذي جاء في 288 صفحة،الصادر عن دار الزهران الأردنية خمسة فصول؛
الفصل الأول حول المداخل الأساسية للموضوع؛ جاءت فيه جملة مفاهيم أساسية ومرتبة تناسب موضوع الكتاب شارحة، منها الوطن، الوطنية، والمواطنة، الشعب، الدولة، السيادة الوطنية، السلم الاجتماعي، الحكم الرشيد.
الفصل الثاني تفسير دقيق لمبادئ المصالحة الوطنية وقد أدرجها في ثمانية عشر مبدأ.
الفصل الثالث المعنون بماهية المصالحة الوطنية حول أهمية وأهداف المصالحة وأبعادها المقاصدية) الأبعاد الثقافية، الأمنية، القانونية والسياسية، النفسية وصولا إلى البعد الإنساني العالمي(، بل راح إلى تفسير حال تحقيق المصالحة في أحوال النزاع المختلفة من النزاعات الأسرية الى القبلية.
الفصل الرابع الاستدلال بطرق المصالحة في التاريخ بطريقة التشويق الرائعة عن قصص الأنبياء عليهم السلام ، وعن صلح الحديبية، مقدما أمثال يقتدى بهم الإنسان المسلم في حياته الخاصة والعامة ليصل إلى قدرة العفو التي تمتع بها الأولون الصالحون، و قد استدل أيضا بالمصالحة اللبنانية.
وجاء الفصل الخامس من الكتاب في آليات التطبيق بين العوائق والوسائل، وفي كل مرة يرجع إلى تحليل مظاهر المجتمع الليبي.
وفي حوار صحفي جمعني بالكاتب "عبد السلام جمعة زاقود"، أجابني على جملة أسئلة حول مؤلفه عن "مسار المصالحة الوطنية والسلم الإجتماعي" نطرحها على القراء؛
هل تراجعتم في كتابة بعض المعلومات والحقائق عن الوضع في ليبيا و أنتم بصدد التأليف؟
في الحقيقة كانت ولا تزال الغاية من وضع الكتاب، هي المبادرة العلمية، والمحاولة الجادة لإصلاح ذات البين بين الليبيين، ولذا توخيتُ كل الحذر في ذكر ما من شأنه استفزاز أي من طرفي الصراع في ليبيا، في مقاربة مفادها أن أقف على مسافة واحدة من الخصوم من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن منهج الإصلاح والمصالحة يتطلب الرفق واللين في الخطاب، ليكون أقرب إلى عقول وقلوب أطراف الصراع من ناحية أخرى.
هل من نبذة عن واضع تقديم الكتاب ؟
قام بوضع تقديم الكتاب، والتقريض الأخ العزيز الدكتور الحسين العلوي، وهو أكاديمي، وأستاذ جامعي موريتاني، وله كتابات عن المصالحات الوطنية، بالإضافة إلى أنه عاش فترة لا بأس بها في ليبيا، مما جعله متعرفا على الليبيين عن قرب، وهو أيضًا مستشار بالمرصد العربي الإفريقي للدراسات الإستراتيجية وقضايا التنمية، وليبيا اليوم في وضع يتطلب الكثير من البحث عنه، وعن مسيرة التنمية فيها، وما تأثيرات الصراع على الأمن القومي للمنطقة، وكذلك العملية التنموية في ليبيا، مما أعتقد معه أن التقديم منه يُضيف للكتاب الشيء الكثير، وسيظل وصفه للكتاب وسامًا في صفحات الكتاب، وشهادة يعتز بها المؤلف.
لماذا لم يكن واضع التقديم دكتور من دكاترة ليبيا؟
أغلب الليبيين اليوم سيكون منتميا لطرف من أطراف الصراع، فضلاً عن إن الجانب الأمني في ليبيا غير جيد، وبالتالي فإن المحاباة ستكون مؤثرة على التقديم ، وكما أسلفت فإن للدكتور الحسين تتبعه لمسألة المصالحة الوطنية، وأرى أنه كان موضوعياً في تقديمه إلى حد بعيد من وجهة نظري.
في رأيكم التدخل الخارجي أذكى الانقسام الليبي الداخلي ؟
بكل تأكيد كان للتدخل الخارجي دوره في استمرار الصراع، حيث إنني أعتقد أن السواد الأعظم من الشعب الليبي مع التغيير، وأن الدولة الليبية كانت مهيأة جدا لقيام ثورة، أو انتفاضة ضد النظام الليبي، وفي بعض مؤلفاتي الأخرى أشرت إلى أنه كان هناك شبه إجماع ليبي على ضرورة تغيير النظام في ليبيا، ولكن بعد التدخل الخارجي انقسم الشعب الليبي بين مؤيد للنظام ومعارض له، وبين مناطق، أو قبائل وقفت إلى جانب النظام، وأخرى ناصبته العداء، وكرّت سبحة العنف، والعنف المُضاد، وحدث الاقتتال، والاحتكام إلى السلاح، حتى وصل الأمر إلى ما هو عليه اليوم.
ما هو الهدف من تأليفكم للكتاب ؟

لا شك أن أهمية تأليف الكتاب نابعة من أهمية موضوعه أصلاً، ولذلك فإن الهدف من كتاب (مسار المصالحة الوطنية والسلم الاجتماعي)، هو الهدف من المصالحة، وأرى أن للمصالحة الوطنية العديد من الأهداف على رأسها، وضع حد للنزف البشري، وحقن الدم الليبي، والمحافظة على اللحمة الإجتماعية، والوحدة الوطنية لليبيا، وهذه الأهداف تكفي للكتابة والتأليف في موضوع المصالحة الوطنية، بالإضافة إلى عديد الأهداف التي وردت في الكتاب.
يقال أن أحسن ما يكتب عن نزاع أم صراع أم حرب هو ما يكتب بعد أن تحسن الحال أي اعطاء وقت كافي للملاحظة وترقب الوضع وإمكانية الاستشراف المستقبلي لحال السياسة والمجتمع في البلاد تكون أكثر عمقا، فما هو رأيكم ؟

تلك هي الكتابات التي تُعنى بالبحث عن نتائج الصراع، والتي تدرسه لأجل الاستفادة من دراسته بحثًا عن ما يمكن تقديمه للإنسانية من دروس مستفادة، أما هذا الكتاب فإنه يأتي لوضع حد للاقتتال، والإسهام في تغليب منطق العقل على منطق السلاح، وهو دعوة للتفكير معا بصوتٍ عال كليبيين، للنظر في ما هو مستقبل بلادنا، ومن هنا فلا ننتظر إلى أن تختفي ملامح الوطن في أتون الحرب الأهلية، والصراعات القبلية، بل حتماً سنسعى لتقديم الحلول، والتي نرى أنجعها هو الحل السلمي المتمثل في المصالحة الوطنية، والسلم الاجتماعي.
إصدار الكتاب عن دار نشر غير ليبية خوف من الانتقادات الشديدة اللهجة، أم لا انفتاح في عالم النشر والطبع في ليبيا بعد موجة الثورة العنيفة للوصول إلى الإنفتاح والتغيير؟

ليس هذا ولا ذاك، فقط أنني أتعامل مع دار زهران للنشر والتوزيع، وقد لقيت مؤلفاتي عندهم موضعها، ومهما يكن من أمر فإن الكتاب اليوم يُباع في جل المعارض، وفي أغلب الدول العربية، وفي دول غير عربية أيضًا لأن المصالحة الوطنية تراكم حضاري وتجربة إنسانية أجرتها الكثير من الدول، وستحتاجها الكثير من الدول أيضًا.
أولى السيناريوهات المحتملة في حال غياب التسامح بين الليبيين كانت الإبادة الجماعية هل كان منها التهويل التخويف من استمرار حال الصراع في ليبيا ؟
لا ليس ذلك تمامًا، بل هي سيناريو محتمل وبقوة في ظل الاحتكام إلى لُغة السلاح، والواقع يؤكد ذلك، فهناك قبائل، ومدن صارت خاوية على عروشها، بل ويسكنها الأشباح، وفي حال عدم قيام المصالحة الوطنية فإن الإبادة الجماعية ستكون حقيقة أكثر مما هي حقيقة اليوم.
لماذا لم تظهر الصراعات القبلية في ليبيا قبل الثورة و بعدها انفجرت و زاد انتشارها ؟
يرجع ذلك إلى العديد من العوامل، فمثلاً القبضة الحديدية للنظام، وعدم انتشار السلاح كما هو الحال اليوم، ولم يكن هناك مجال للتدافع حول السلطة والسيطرة، والنفوذ، أما اليوم ففي ظل هشاشة الأمن، وانتشار السلاح، والصراع على النفوذ، فُتح الباب على مصراعيه للتنازع القبلي، والجهوي.
آخر اللقاء تمنياتي بنجاح الكتاب وتحقيق ما ورد فيه حتى يعود السلام والسكينة لأهل ليبيا يتناسون الأحقاد ويخوضون سبيلا الى التنمية.

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 108 مشاهدة

نبيلة بن يوسف

nabilabenyoucef
ســــيـــــــــــــرة ذاتــــــــــــــيــــــة : التفاصيل الشخصية : الاسم : نــبــيــلـــة اللقب : بن يـــوســف العنوان : باب الوادى _ الجزائر العاصمة . الجنسية : جـــزائـــــريــــــــــــة المؤهلات العلمية : _ متحصلة على شهادة بكالوريا ، دورة جوان 1995 بالجزائر العاصمة _ متحصلة على شهادة الليسانس في العلوم السياسية،فرع التنظيم السياسي والإداري سنة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

15,802