النزاعات الحدودية في المنطقة العربية:
بعد تقديمنا لخصائص حدود المنطقة العربية، و عرضنا للنزاعات في الجبهة الشرقية(الخليجية)، سنتابع في هذه الورقة تقديم النزعات الحدودية في المنطقة المذكورة على الجبهة الشرقية (غير الخليجية).
1-سوريا و تركيا: تعد تركيا من أهم الدول المجاورة للمنطقة العربية الشرقية، تربطها بالمنطقة علاقات تمتد جذورها إلى عهد الإمبراطورية العثمانية، اعتبره البعض نجدة قدمها الأتراك للعرب في حين عوزة، و اعتبرها البعض الآخر استعمارا اتخذ الدين غطاء يخفي حقيقته و انه هو الذي مهد للاستعمار الأوروبي. لكن بعيد الحرب العالمية الأولى انسلخت تركيا عن الحضارة العربية الإسلامية، اعترفت بالكيان الصهيوني عام1949، و عملت على تطوير علاقاتها مع الغرب ثم مع إسرائيل(من1994 اتفاقيات عسكرية و تجارية،كاتفاقيتين 1996 لإقامة تمارين جوية و بحرية مشتركة و إمكانية تحليق القوات الجوية الإسرائيلية على هضبة الاناظول. فأدت هذه العوامل إلى توثر العلاقات العربية-التركية.
إلى جانب النزاع المائي بين الدولتين يوجد نزاع حدودي
أ - مشكلة لواء الاسكندرونة: تطفوا المشكلة إلى السطح مرات فتزيد العلاقات توثرا بينهما، و تعود جذور المشكلة إلى 20 اكتوبر1921عندما أقرت فرنسا و تركيا في اتفاقية أنقرة على تخطيط الحدود بين تركيا و سوريا بإقامة نظام إداري خاص للاسكندرونة علما أن فرنسا اعترفت بأحقيته لسوريا في وثيقة رسمية عام 1920.
اجتاحت القوات التركية اللواء عام1938،دون أن تجابهها فرنسا بل على العكس من ذلك راحت توقع معها اتفاقية يوم23/06/1939 لضم اللواء للسيادة التركية و أصبح يعرف باسم هاتاي.
جددت سوريا المطالبة به عام 1994في معهد السلام الأمريكي فاتهمتها تركيا باحتلالها المناطق حدودية 50كلم على طول الحدود بينهما. وجه الرئيس التركي"ديميرال سليمان) يوم19/10/1997 خطابا يحذر فيه سوريا من أية محاولة للمطالبة باللواء. و الماء هو أحد الوسائل التي تضغط به تركيا على سوريا للاعتراف بسيادة تركيا على اللواء. و للإشارة أن اللواء يجري فيه القسم الأدنى لنهر العاصي، و يقع في اللواء ميناء هام "ميناء الاسكندرونة" و بالمنطقة خيرات زراعية.
ب-مشكلة الموصل:وقعت تركيا في الماضي اتفاقية تبعية للموصل العراقي، إلاّ أن تركيا و بعد انهيار العراق في حرب الخليج الثانية،بدأ اتساع نطاق العمليات العسكرية التركية في الشمال العراقي خاصة عام1997 وصلت إلى مشارف الموصل.
لما بدأت تهتم بالموصل بعض القوى التركية،ففي 1994 كشفت صحيفة(جريت)عن خطة كان يعدها رئيس تركيا(اوزال)(الذي حكم ما بين1989-1993) لتقسيم العراق إلى ثلاثة دويلات(عربية-كردية-تركمانية) وتأسيس فيدرالية تركية من الدويلات الكردية و التركمانية أي الموصل،و كركوك النفطية، و من مطالب الحزب التركي القومي(المتطرف) ضم شمال العراق لتركيا(في نظره حق تاريخي اقتطعته بريطانيا زمن الاستعمار). و قد طالب ديمرال إعادة ترسيم الحدود و استرداد إقليم الموصل بتاريخ 03/05/1995.
2- الجوار العربي-الإيراني: يعرف هذا الجزء توثرا منذ خمسينات و ستينات القرن العشرين.لاسيما حول الجزر الثلاثة
رفضت إيران التعامل مع اللجنة الثلاثية التي شكلها مجلس التعاون الخليجي في جويلية 1999 للتفاوض مع السعودية و عمان و قطر و هي دول لها علاقات طيبة و وطيدة معها. فجاء في إحدى بيانات مجلس التعاون الخليجي أن الجزر الثلاثة من حق الإمارات و دعوة إيران لقبول إحالة النزاع على محكمة العدل الدولية.
دول الجـــوار الإفـــريـــقــي:
1-اثيويبا: تعد أحد أهم دول القرن الإفريقي، تعرف توترات مع دول عربية حدودية، تعتبر هي و إسرائيل الوحيدتان غير العربيتان اللتان تطلان على البحر الأحمر؛ أي تجمعهما مصالح إستراتيجية مشتركة و هي مصالح تتعارض و المصالح العربية المطلة على البحر الأحمر، و تشارك إثيوبيا اليمن و جيبوتي التحكم في مضيق باب المندب، و الأهم أنها تسيطر على قدر عالي من منابع نهر النيل تضم لوحدها85%من منابعه أهم القضايا التي تشكل نقاط التوتر مع دول الجوار العربي:
أ-النزاع الصومالي-الإثيوبي:تحوّل إلى نزاع مسلح بسبب إقليم اغادير داخل إثيوبيا لكن يضم صوماليون، تطالب به الحكومة الصومالية( و كان التقسيم قد تم بعد الحرب العالمية الثانية من طرف ايطاليا الوصية و كانت على دوائر العرض أم خطوط الطول و لم تدخل أمور أخرى في تقسيم الشعبين في هذه الحالة).
2-إثيوبيا–اريتريا:أخذت اريتريا استقلالها عن إثيوبيا، بعد أن قدمت لها الدعم الدول العربية. و لأسباب تتعلق بالموقع البحري تسعى إثيوبيا إلى التدخل في الشؤون الداخلية الاريترية لاسترجاع منفذ بحري. لا تنتمي للدول العربية اريتريا.
3-السنغال-موريتانيا: تتأثر العلاقة بينهما لوجود سببين هما؛
أ-محور المياه (حول نهر السنغال) على خط الحدود بينهما.وذلك ما عطل مشروع على النهر يفيد الزراعة السنغالية و الموريتانية و المالية(ينبع منها).
ب-أسباب التداخل العرقي القبلي جنوب موريتانيا بهدف ضم الجزء الجنوبي لها مستقبلا؛أي ضم ضفتي نهر السنغال لها، و كانت الحرب بينهما وشيكة عام1989.
4-التشاد: بسبب التداخل العرقي القبلي بينها و بين ليبيا و السودان، إضافة إلى احتمال اكتشاف ثروات طبيعية في مناطق الحدود و شريط " أوزو" كان مشكل حدودي مع ليبيا و حل في ظروف الحصار الغربي على ليبيا.
5-أوغندا –السودان: التوتر الحدودي بينهما بشأن رافد نهري مهم من روافد نهر النيل الأبيض يسمى "بحر الجبل ، و سيستمر التوتر ما لم يتم التوافق على آلية التسوية. (كما أن أوغندا كانت تدعم قوات التمرد السودانية،إضافة إلى متمردي المالي و النيجر(التوارق)).
6-الكونغو الديمقراطي(الزائير)-السودان: النزاع بينهما بسبب متمردي السودان اللذين يستخدمون الأراضي الكنغولية كمنفذ أثناء الهجوم أو الانسحاب من السودان( للعلم أن الكونغو الديمقراطي له علاقات وطيدة بإسرائيل).
7-كينيا –الصومال-السودان: تحتل كينيا إقليمين عربيين هما؛ انفدي الصومالي و مثلث ايلميElemi السوداني.
تمثل تهديد مباشر للأمن السوداني بسبب دعمها للمتمردين، إضافة للوجود العسكري الأجنبي في كينيا(قواعد عسكرية أمريكية) وعقدت مع بريطانيا اتفاقا يسمح باختراق المجال الجوي الكيني. كما تربطها علاقات وطيدة مع الإدارة الإسرائيلية.
8-النزاع المغربي-الجزائري:بمجرد استقلال الجزائر قامت مجابهة عسكرية حدودية بينهما عام1963 عرفت باسم حرب الرمال، لما اعتبر جزء من الجنوب الجزائري(نواحي تندوف و جنوب واد درعة زوصفاني زاورارة) قطعة جغرافية مغربية. لولا الوساطة العربية و الأجنبية لما طالت الحرب. حاولت الجامعة العربية فض النزاع من خلال لجنة الوساطة تكونت من ممثلي تونس،لبنان،مصرن،ليبيا، و عقد دورة استثنائية للجامعة(19/10/1963)، لكن فشلت المبادرة، و تم إبرام اتفاق توقيف الحرب بعد الاتصال المباشر بين رئيس الجزائر"احمد بن بلة" و الملك المغربي أثناء مؤتمر القمة الأولى جانفي1964.
وقعت اتفاقية ايفران(15/01/1964) و تلمسان(24/05/1964)أين اقر المغرب بالصفة الجزائرية للمناطق المتنازع عليها، و أخرى بتلمسان نفس العام، لكن تبقى أزمة الحدود قائمة بين الطرفين.
9- النزاع حول الصحراء الغربية: أكثر النزاعات تعقيدا في منطقة المغرب العربي،لم يتم التوصل إلى حل له ليومنا هذا.ارتبط النزاع بإعلان اسبانيا عن اكتشاف الفوسفات في باطن الصحراء الغربيةعام1963، لذلك تمسكت اسبانيا بالصحراء، و فصلتها عن المغرب.
و تاريخ استقلال الصحراء بعد عقد اتفاقية مدريد14/11/1975،سلمت بموجبها اسبانيا الشمال و الوسط الصحراوي، بينما عاد الجنوب لموريتانيا، بينما الجزائر فقد عارضت ما جاء في اتفاقية مدريد و اعتبرته مجحفا في حق الصحراويين،
و راحت تدعم جبهة البوليزاريو(*).
وجد المغرب نفسه معزولا فطالب تشكيل لجنة من الأمم المتحدة لاستفتاء الشعب الصحراوي حول رأيه في الاستقلال أم البقاء في الكيان المغربي. و بقي مشروع الاستفتاء محل خلاف بسبب مسالة تحديد من هم أصحاب الحق في الإدلاء بأصواتهم !