و لعلّ ما البارز في العنوان هو عنصرين ؛ القيادة و الأزمات، و كلاهما موضوعان يخصص لهما مؤلفات ، و الغرض من الجمع بينهما في هذا اللقاء هو مجاراة لما يحدث في عالمنا العربي ، الذي وضعت إطاراته السياسية و الإدارية على المحك، و من خلال هذا العنوان سنبرز الأفكار الآتية :
- التعريف بالقائد السياسي - الإداري
- التغييرات على الصعيد الإقليمي و تأثيراتها على القيادة و القاعدة
- القائد أوقات الأزمات صفات و تحديات
إنّ الإدارة هي فن من فنون انجاز المهام من خلال عمليات التخطيط ،و اتخاذ القرارات و التنظيم ضمن حدود الموارد المتاحة ومتابعة الانجازات بغرض الوصول للأهداف المحددة. و لن تتم هذه العمليات الإدارية إلاّ في إطار وجود قائد إداري نشط قادر على بث روح التعاون و التعامل داخل المؤسسة أو الكيان الإداري و السياسي الذي يرأسه و يقوده.
إنّ عملية القيادة و وجود قائد في التنظيم السياسي و الإداري، أمر في غاية الأهمية حتى ترتب الحياة، و يقام العدل و تنظم الطاقات و الجهود لتصب في إطار المخططات و البرامج المنشودة
فهي عموما فن التأثير على الآخرين لتنفيذ القرارات ، أو كما يقول الأستاذ «وليام وايت»؛ هي فن اتخاذ التدابير، وشحذ وتحفيز الجماعة الفاعلة، من خلال السلوك الفعلي و القولي للقائد. فالقيادة هي الدالة على مهارة القائد، وقوة تابعيه، لتحقيق هدف مخطط، وفي ظروف معينة.
و هي على ذلك تعتمد قدرات فكرية و أخرى فنية؛
ا/ القدرات الفكرية :
وهي تلك الصفات المتعلقة بطريقة التفكير والتحليل والتقويم، ومن ثم القدرة على اختيار أفضل البدائل وأنجع الحلول، ومعرفة الأهداف الرئيسية الإستراتيجية من الأهداف الجزئية التكتيكية.
و مجمل الصفات الفكرية و الشخصية هو الرأي الحصيف، القدرة على التخطيط و التنظيم.
ب/ الصفات الفنية :
وهي مجموعة الصفات المكتسبة، وتتمثل خصوصا في المهارات المتعلقة بطبيعة العمل، وتتحدد بالمستوى التعليمي، إضافة إلى ما يكتسبه القائد من تجربة و حنكة في الميدان العملي وبواسطة التكوين والتدريب، فهما أساس تنمية القدرات التطبيقية للمديرين.
و مجمل الصفات المرافقة للصفات الفنية هي محاسبة النفس ، تحرير النفس من الأنانية و تقبله رأي الأخر ، تشجيع من يقدم أراء مفيدة ، العمل في إطار جماعي، و النظر للمرؤوسين على أنهم عاملين معه و ليس عنده.
فالقيادة الفعّالة هي التي تتماشى و المستجدات الطارئة فعليها أن تكون ابتكاريه الرؤية و الطرح بعيدة الرؤى (نظرة مستقبلية) متنبئة بالأحداث التي قد تعصف بكيانها، فهي الطريقة التي يمكن أن تدعم بها مراكز القوة و السلطة السياسية الحقة.
و لدعم البنى الرئيسة و مجابهة الأزمات المحتملة و المتسارعة الخطى في زمن التقلبات الاقتصادية و التكنولوجية المؤثرة في الحياة السياسية و من تم الاجتماعية، توجب معرفة القيادة أثناء الأزمات ما هي سماتها و الخصائص المتطلبة في الحالات غير العادية. و قبل تحديدها سوف نعرج على الوضع الإقليمي الذي دون شك يؤثر في العملية السياسية القيادية كما أثرت فيه هي و جعلته في غليان كفوهة بركان محموم.
- التغييرات على الصعيد الإقليمي و تأثيراتها على القيادة و القاعدة:
إنّ ما يشهده العالم العربي من انتفاضات حتى لا أقول ثورات لان الفرق واضح وضوح الشمس بين الانتفاضة و الثورة هذه الأخيرة التي تحتاج إلى استعدادات و خطوات و وقت طويل للإعداد و التنفيذ، قد حددت في الدراسات و عند منظري الثورات و المؤرخين لها لا داع للخوض فيها .
الغليان الشعبي و الحراك الاجتماعي نابع من جملة من الدوافع كتآكل الشرعية لدى القادة السياسيين بشكل عام ، و الفساد السائد بكامل أشكاله الإداري و السياسي و المالي و بالتالي الأخلاقي، و إقصاء الجماهير من المشاركة السياسية الحقة، و احتكار دوائر صنع القرار في يد أقلية محدودة، و عدم احترام لبعض من حقوق الإنسان، كلها دوافع دفعت بأبناء الشعب للخروج للشوارع مطالبين بالتغيير دون هوادة و لم يعد الأمر يقبل وعودا و لا إصلاحات تجميلية تنتهي بإجراءات فوقية، فرغم وعود الإصلاح و تعديل الدستور في تونس ثم في مصر إلا أن الإصرار الشعبي على رحيل الحاكم و كل رفقائه في النظام السياسي كان مطلب موحدا و لا رجعة فيه لان الوعود كثرت و استمرت لربع قرن من الزمن دون أدنى تغيير واضح و ملموس. و هو حال اليمن وسوريا و الأردن و ليبيا أيضا.
إن الاهتزاز الواضح في الثقة بين الحاكم و المحكوم جعلت الحراك الاجتماعي بالخروج للشوارع و الاعتصام انتظارا لرحيل الحاكم و من معه في قمة الهرم السلطوي ضرورة لابد منها ، و هي تقع في حالات فشل النظام المتكرر لحل الصراعات و الأزمات أو على الأقل الإخفاق في إدارتها أو ضبطها .
فان كان في الماضي حدوث الثورات و الانتفاضات نادرا ما يحدث ، و كان الانتقال السلطوي العنيف يتم عن طريق الانقلابات العسكرية أو السياسية، فان اليوم الشعوب شاركت سياسيا بطريقتها أرادت بها تغييرا جذريا قائلة لا للإصلاح فاضحة القيادات السياسية التي لم تحسن أداء مهامهما لاسيما في حالات المشاكل و الأزمات الكبرى.
و إن كان بعض المحللين يربط هذه الانتفاضات بتأثير و إيعاز أجنبي ، و يفسر أن الانتفاضة الأولى في تونس و ما تلاها في الدول الأخرى تشبه ما حدث في أوروبا الشرقية بداية القرن الواحد و العشرين كحال الثورة البرتقالية في اكرانيا عام 2004، و قد حملت فيها نفس الشعارات منها "ارحل" و الشعب يريد إسقاط النظام،و ذلك باللغة الأوكرانية و الانجليزية ، و نصبت الخيام في الساحات العامة و الكبرى كحالة ميدان التحرير بمصر و الساحة الكبرى في اليمن. إلاّ آن الأمر اتضح فيما بعد لما فضحت وسائل الإعلام الثورة البرتقالية التي قدم لمعظم شبانها 50 دولار لمن يحمل علما برتقاليا، و 200دولار لمن ينصب خيمة و يبيت فيها،...إلى حين إسقاط النظام و رحيل حاكمه.
إلاّ أن التفكير في التلفيق للخارج ما يجري بالداخل أي في عالمنا العربي دون كشفه بالدليل و البرهان يكون مضيعة للوقت، و التحوّل إلى إصلاح سريع و ملموس ضرورة حثمية لتفادي الحراك الشعبي الذي لا يدفعه جيش و لا قانون وقت التذمر العارم و الانفجار.
و كما تعلمون سادتي أن الجزائر ليست بمنأى عن ما يحدث في الجوار و على المستوى الإقليمي عامة، بل الشعب الجزائري لاسيما الفئة الشابة منه تطمح لتغيرات جذرية و فورية لأنها تشكو محن عديدة و مختلفة جراء الفساد الذي ينخر القطاعات و الهياكل الإدارية العامة، فلذلك أصبح تحرك القادة هو السبيل الأوحد و الأمثل لوضع جدار عازل قوي لأفكار ثورية تختمر في ذهن الشعب و قد لا تنتظر الكثير من الوقت لتنفذ.
و عليه سنوضح أهم ما صفات و سمات القيادة السياسية أثناء الأزمات و كيفيات التحدي.
- القائد أوقات الأزمات صفات و تحديات :
إنّ الأزمة هي الحالة غير العادية التي يتعرض لها كائن حي أو مؤسسة أو هيكل إداري _ سياسي، و مصطلح الأزمة يعني من حيث المبنى اللغوي ، الشدة أو الضيق ، و يشير إلى الاضطراب وعدم التوازن وتوقف العمل، و الأزمة فترة صعبة في حياة المؤسسة، الدولة أو المجتمع . فهي تنطوي على درجة أقل حدة، و تفاقمها سريع، يشعر فيها المجتمع المصاب بالعجز والشلل. إضافة إلى أنها موقف مفاجئ ، و بالتالي تصعب عملية اتخاذ الحلول السريعة لهول الفاجعة و اضطراب السلوك، فهي لحظة حرجة حاسمة يصاب بها الفرد، مشكلّة صعوبة حادة في التصرف وتجعله في حيرة بالغة وغير قادر على اتخاذ قرار صحيح مما تسبب له قصور في المعرفة واختلاط الأسباب بالنتائج.
و عليه فالأزمة تتصف بالمواصفات الآتية :
- المفاجأة لأنها حدث غير متوقع الحدوث تجعل الإنسان فاقدا للقدرة على التفكير السليم.
- نقص المعلومات و البيانات
- ضيق الوقت : وجود قيود زمنية لاتخاذ القرار لان الأزمة تهدد كيان الدولة بالانهيار فتفقد هيبتها في المجتمع الدولي.
- القلق ؛ نظرا لضيق الوقت و تسارع الإحداث و كثرة الإشاعات
و حالة عدم حلها أو إدارتها واحتوائها سيثبت الكيان الإداري السياسي فشله و ينهار و تفقد الثقة للأبد في قادته و متخذي القرار .
لذلك نحن في هذه الآونة في حالة أزمة مشكلّــة من أزمات متعددة و متراكمة مع الزمن، إضافة إلى تأثيرات شديدة من الخارج ، تجعل القيادي في مختلف المستويات القيادية أن يتسلح بالنباهة و حسن التنبؤ و الحذر . فان كنا نتحدث في السابق القريب عن كيفية إدارة الأزمات و تسييرها (crisis management) فاليوم حان الحديث عن كيفية حلها من جذورها بإعطاء دواء فعال و ناجع مقبول و مرضي في الوسط الشعبي.
و لذلك متطلبات هي :
تقدير الموقف الازموي و تحليله ؛ بمعرفة أطراف الأزمة و الأطراف المساعدة لها، و تشريح حالها ؛ أي معرفة أسبابها الحقيقة الخفية ، و تحديد المصالح الكامنة و راء صنعها و افتعالها إن شك في الأمر انه مفتعلا، و معرفة الأهداف المرجوة من الأطراف ، ثم التخطيط العلمي لحلها عن طريق وضع عدد من السيناريوهات ؛ أي تلك التخيلات التي يمكن من خلالها إيجاد حل للازمة، و دراسة كل سيناريو و اختيار الأنسب من حيث مدى قبوله من الشعب أي الأغلبية ، اختيار غير المتسبب في الخسائر المادية و البشرية،
ثم التدخل السريع لإنهاء الظرف الازموي بتنفيذ السيناريو المختار بدقة لغاية استرجاع السمعة القيادية و لا ينته الأمر في تنفيذ البرامج إنما مواصلة مراقبة تنفيذها و بعدها معرفة صداها لدى الشعب.
لذلك حتى و إن لم تكن أزمات على القادة أن يدربوا مرؤوسيهم بإعداد نموذج افتراضي للازمة و يجعلهم يفكرون في حلول و أساليب لإطفاء نارها، و ذلك لإعداد فرق الأزمة أو خلايا الأزمة.
و القائد في ظروف الأزمة يجد نفسه في وضع نفسي متوتر للغاية و عليه في الوقت ذاته القيام بكل العمليات الإدارية المعتادة في ظروف غير معتادة و لعل أصعب ما يواجهه هو الاتصال الإداري و الاتصال الجماهيري هذا الأخير الذي يكون عبر وسائل الإعلام لطمأنة الجماهير الشعبية و في نفس الوقت لتكذيب الإشاعات بشجاعة و حزم مع تجنب الوقوع في الكذب و الأخطاء لان اكتشافها من طرف الشعب سيحطم عمله.
و بما أن الوضع التكنولوجي فرض علينا تغييرا حتميا فان الواجب أن يكون قائد الأزمة و فريقه متمرسان في آليات التعامل الالكتروني مع الجماهير التي تستعمله و التي هي في اتساع، و لعل الأزمات التي تـتـخبط فيها الكيانات الإدارية و السياسية في الدول العربية يتضح أن مفعولها زاد بزيادة التعبئة المضادة دون وجود تعبئة تجابهها و ترد عليها في الوقت اللازم. فان الإعلام الالكتروني مفعوله مرشحا أن يتعاظم مستقبلا إما الإعلام الكلاسيكي، و لذلك نسمع اليوم تداول مصطلح الإدارة الالكترونية و قد يأتي يوما تجابه فيه الأزمات الكترونيا و هي الأخرى صفات إضافية يجب أن يتحلى بها قائد الأزمة و فريقه، و لعل ذلك سيأتي في عهد الحكومة الالكترونية المرتقبة النشأة.
إضافة إلى صعوبة اتخاذ القرار الصائب، فالقرار هو موقف، أو حلّ يوضع لمواجهة المشاكل وعادة ما يصاغ في شكل خطاب سياسي، أو قانوني، أو برنامج أو سياسات عامة، يرى فيه مسئول النجاعة والفعالية. فعملية اتخاذه في الحالات العادية حيث توفر المعلومات و الوقت هو ليس بالسهل فما بال اتخاذه في ظروف عصيبة. فهو كما يصفه علماء الإدارة قرار ذو طبيعة استثنائية.
لكن اذا كان القائد يتصف بالمرونة و يقبل الرأي الأخر و يشجع المبادرات الفردية و الجماعية فانه سيجد فريق العمل متعاونا معه فتكون عملية التنسيق سهلة . كما تتطلب الأزمات تفويض بعض من السلطات لفريق العمل خاصة في حالة انتشار الأزمة في أكثر من مكان و في أوقات متشابكة، مما يتطلب تعاون و إشراف و متابعة، فعلى القائد أن يتقبل تفويض المهام إلى غيره، أي تسليم بعض صلاحياته، و هذا لن يتم إلا اذا كان القائد محرر نفسه من الأنانية و الفردانية و الأسلوب الأوتوقراطي و الميل المركزي ، فكثير ما يذهب بعض القادة الأوتوقراطيين إلى منع و حجب المعلومة عن أعضاء فريق العمل و الذي يكون له علاقة وثيقة بالميدان إلاّ لسبب واحد ان يبرز نجمه في تسيير و حل الأزمة إلاّ أن الأزمات الداخلية أم الدولية أنها لا تحل بطريقة فردية دون تنسيق و تعاون جماعي بعيدا عن المركزية في الفهم الإداري التقليدي.
و عودة إلى الجماهير لان القائد عليه بالإشراف و قادة الإداريين (فريق العمل الازموي) ، إضافة إلى وجوب قيادته لشحذ الهمم و إشراك المواطنين في عملية مجابهة الأزمة و تغيير الوضع ، و هذا ما يسميه علماء النفس بفن التأثير على الآخرين " INFLUENCE ".
فتقع عليه عملية التعبئة الجماهيرية و الإشراك الجماهيري في مجابهة الأزمة و حلها، و براعته في استقطاب اكبر قدر جماهيري ممكن من قوى المجتمع الحي و التأثير فيهم حتى يساهموا في الحل معه.
و هذه العملية تتم بسهولة إذا عرف نوع المجتمع الذي يتعامل معه و عادة المجتمع يصنف لفئات معروفة عند علماء السياسية و على رأسهم "روبرت دال"، و هي :
فئة المجتمع الحي المتفاعل (ينفعل و يتفاعل من أحداث الأزمة) عادة نسبة محدودة لكن مؤثرة على المجتمع.
فئة أفراد المجتمع الخامل يستسلم أفرادها للواقع المزري دون مقاومة يصابون بإحباط نفسي شديد ، و هنا يبرز دور القائد الفعال Leadership.
فئة ثالثة تتأرجح بين الايجابية و السلبية و يطلق عليها الفئة المتفرجة و تمثل اكبر نسبة من المجتمع و هي أصعب فئة لأنها تصغي للإشاعات و تزيد عليها.
لذلك على قائد الأزمة أن يحصن قراراتـه و يشرك فريق العمل و يشجعه، و يعبئ الشعب و يرّد على الأكاذيب و الإشاعات في وقتها دون كذب ، و يستقطب الجماهير الشعبية لإشراكها في حل الأزمة ليس في إطار شعارات و إنما بإظهار أن حلّ الوضع المتأزم سيخدم الحلم الجماهيري فعلا.
و أن تكون قيادته شورية وسطية، ولقد أوجزها و وصفها الخليفة عمر (رضي الله عنه) في قوله : «إن هذا الأمر لا يصلح فيه إلا اللّين في غير ضعف، والقوي في غير عنف».
الخاتمة :
يعمل العديد من القادة اليوم على التغيير في منظماتهم أولا قبل أن تلسعهم نيران انتفاضات و ثورات الشعوب عملا على استرداد السمعة الطيبة و الهيبة . و لا يمكن أن يقوم بالوظائف القيادية المذكورة إلاّ القادة الفاعلين أو ما يطلق عليهم اليوم النجوم STARS في محافظ الموارد البشرية ، إلى جانب عنصر القوة و العزيمة التي لا تتأتى إلاّ بالقدرة على المسؤولية و التشبع بالروح الأخلاقية و الوطنية على حد سواء. و هذا كله يعتمد على العقل الإنساني مرشدها للصواب و الحق و قد صدق فيلسوف الحضارات "مالك بن نبي" لما ذكر في كتابة المسلم في عالم الاقتصاد ؛ «إن المجتمع في منطلقه يتمتع دائما بسلطان اجتماعي، يمثله الإنسان والأرض والزمان الذين يملكهم في الحالات جميعا، لكنه لا يملك سلطانا ماليا دائما»(1).
(1) – مالك بن نبي، المسلم في عالم الاقتصاد،ط 3،الجزائر– سوريا : دار الفكر،1407هـ / 1987 م ،ص 39.