التشبيه الضمني
التشبيه الضمني هو الذي لايوضع فيه المشبه والمشبه به في أي صورة من صور التشبيه المعروفة بل يلمحان في التركيب ويفهمان من المعنى وهذا التشبيه يدل على التفنن في أساليب التعبير ومن ذلك أن الكاتب يوحي بالتشبيه الغير مصرح به وهو يفيد أن الحكم الذي أسند إلى المشبه ممكن الوقوع ومعنى ذلك أن المشبه به في التشبيه الضمني يكون برهانا على الحكم الذي أسند إلى المشبه وقد ورد كثيرا في الشعر العربي ومن ذلك قول المتنبي:
من يهن يسهل الهوان عليه**مالجرح بميت إيلام
فهنا المشبه أو الحكم الذي أسند للمشبه سهولة الذل لمن اعتاده والمشبه به الميت إذا جرح لايحس بألم والشاعر يوحي بالتشبيه وفكرته تتضمن تشبيها لم يصرح به ولو صرح به لقال إن من يعتاد الهوان يسهل عليه تحمله كالميت إذا جرح لايحس بألم وقد جاء الشاعر بالمشبه به كبرهان ودليل على أن الحكم الذي أسند إلى المشبه ممكن الحدوث ومن التشبيه الضمني قول أبي فراس الحمداني
سيذكرني قومي إذا جد جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
وقول ابن الرومي
قديشيب الفتى وليس عجيبا
أن يرى النور في القضيب الرطيب
ومن أمثلة التشبيه الضمني في القرآن الكريم في سورة البقرة، حيث يقول الله سبحانه وتعالى (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ..) [البقرة:266]إلى آخر الآية.
فلقد تضمنت الآية تشبيهاً ضمنياً لمن لا ينفق أمواله في سبيل الله، أو يتبع إنفاقه بالمن والأذى؛ فإن ذلك يجعل المال ممحوقاً محترقا، تماماً كالثمرات التي أصابها إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت؛ فهو تشبيهٌ ضمني، يدعم القضية بأسلوبٍ واضح ومن أمثلة التشبيه الضمني في القرآن الكريم اﻵيات اﻵتية التي تمهد للتشبيه الضمني فيما بعد يقول تعالى (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ) [فاطر:25].
نعم جاؤوهم بكل هذا السيل من البينات ولكنهم كذبوا واتبعوا الشهوات، فماذا كان المصير؟!
إن الله يوضح ذلك فيقول: (ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ)[فاطر:26].
لقد كان النكير شديداً، وكان الأخذ رهيبا، فلم يبق لهم أثر، ولم يبق إلا من آمن وادكر.
ولكي يطمئن الرسول أكثر ويصبر على من كذب وكفر؛ يوضح الله له أن الناس مختلفون في النفوس والقلوب، فمنهم من يستجيب ومنهم من يكذب، فلا يبتئس ولا ييأس، بل يستمر في البلاغ والإنذار، ولا يزعجه تعنت الكفار، فالناس مختلفون في الأفكار والأبصار.
وهذا الإيضاح يأتي في الآية التي تلي، حيث يبين الله هذا الاختلاف بأسلوب التشبيه الضمني فيقول: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنْ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنْ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ) [فاطر:27، 28].
إذن فالحياة وما تحويه من الأشجار والأحجار والجبال والدواب والأنعام مختلفة الأشكال والألوان، وما دام الأمر كذلك فالناس جزءٌ من هذه البيئة؛ فلا بد أن يكونوا مختلفين كذلك؛ فمنهم الطيب ومنهم الخبيث، ومنهم الخصب ومنهم النكد، ومنهم الناعم ومنهم القاسي، ومنهم اللين ومنهم الصلب، ومنهم الغافل الجاهل، ومنهم العالم العاقل.
وعليه فلن يستجيب لك يا محمد إلا العاقل العالم، ولهذا يختم الله الآية بقوله: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ
ساحة النقاش