اسهبت وسائل الاعلام في الحديث عن مشروعي المهندس ممدوح حمزة والدكتور فاروق الباز المطروحين للنقاش الآن بشدة, لحل العديد من المشاكل المصرية المتعلقة بالتخفيف من أزمة التكدس السكاني الرهيب الذي يكاد يخنق أنفاسنا,
والحد من سرطان انتشار العشوائيات في كل مكان علي أرض مصر, وايقاف مسلسل هدر مواردنا الارضية الزراعية بالبناء والتعدي عليها بمختلف الطرق, والتخفيف من وطأة مشكلة البطالة المنتشرة في كل بيت مصري الآن تقريبا.في هذا السياق, يمكننا أن نضع أيدينا, علي بعض النقاط الجديرة بالاهتمام مثل:
ـ ضرورة التأني والحذر الشديد في إصدار القرار النهائي المتعلق بأولوية تنفيذ أي منهما, فقد عانينا كثيرا ولانزال من التسرع في اتخاذ قرارات متعجلة في مشروعات مماثلة سابقة, ثبت لدينا الآن وبعد فوات الأوان أنها مشروعات باهظة التكاليف, وبطيئة العائد, ومحفوفة بمخاطر التعثر, وعدم وضوح الجدوي الاقتصادية والاجتماعية لها!؟ ولدينا العديد من الامثلة لتلك المشروعات, والتي سميت في حينها المشروعات القومية.
ـ ان الفكرة الاساسية للمشروعين معا هي فكرة نبيلة وضرورية وملحة أيضا, وان اختلفت وسائل تنفيذهما وغاياتهما والنطاق المكاني لكل منهما, وهما يشتركان معا في أولوية الخروج إلي الصحراء كمتنفس وحيد لحل الكثير من مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية التي استعصت علي الحل حتي الآن.
ـ لدينا الآن أولوية قصوي لعلاج المرض العضال المتعلق بتآكل الرقعة الارضية الزراعية بفعل عوامل متعددة لا داعي للحديث عليها مجددا, حيث باتت معروفة للجميع, مما ترتب عليه ـ بكل أسف ـ انخفاض بل تدهور متوسط نصيب الفرد في مصر من الاراضي الزراعية من حوالي فدان واحد في عام 1800 إلي نحو 1 فدان فقط حاليا, وينتظر ان يصل ـ ان استمرت الأوضاع الحالية علي ماهي عليه ـ إلي حوالي 0.50 فدان في عام 2050 وهي متوسطات وان كانت تثير الكثير من الخوف والحزن معا, إلا أنها تدفعنا في الحقيقة إلي ضرورة العمل علي تدارك ذلك الخطر المحدق بنا جميعا, ومن ثم الشروع في تبني أفكار مناسبة لمشروعات واقعية تعالج مشكلات آنية ملحة أولا, وبما يتوافر لدينا من موارد وامكانات حالية, وهي محدودة كما نعلم جميعا إلي حد كبير.
ـ ينبغي اعادة النظر في حل مشكلة التعدي علي الاراضي الزراعية, حيث نشأت تلك المشكلة بشكل أساسي نتيجة لزيادة الطلب والضغط السكاني علي ذلك المورد بشكل مستمر منذ فترات بعيدة, فمن المعروف اقتصاديا ان حاجة الناس للسكن هي حاجة ضرورية فطرية وغريزية مثلها في ذلك مثل حاجتهم للغذاء والشراب, ولذلك فان تجريم البناء علي الاراضي الزراعية وتغليظ العقوبات علي مرتكبيها والاعتماد فقط علي هذا الحل المستحيل,لم ولن يؤدي نهائيا إلي التوقف عن البناء عليها.في نفس الوقت الذي لم نوفر فيه لهؤلاء البشر البديل الملائم لوقف ذلك الجرم, ومن ثم تعقبهم بالعقاب عند الاستمرار والاصرار علي المخالفة مع وجود البديل المناسب, تفعيلا واعمالا للمقولة الخالدة إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع!
ندعو ـ في ظل ظروفنا الاقتصادية الحالية ومحدودية مواردنا الاستثمارية ـ إلي الأخذ بحل وسط مابين المشروعين المقترحين مع كل تقديرنا لصاحبيهما ويتلخص هذا الحل فيما يمكن تسميته بـ(المشروع البديل) حيث يجب ان يكون توجهنا الآن لايجاد حل سريع لمشكلة التعدي والبناء علي الاراضي الزراعية (حل قصير ومتوسط الأجل!؟) ولن يكون ذلك ممكنا بالقطع, دون ايجاد البديل المناسب لهذا الجرم, وتعتمد فكرتنا الاساسية علي تطوير مفهوم ومضمون ومحتوي مشروع ما كان يسمي التوسع والبناء في الظهير الصحراوي وهي مساحات لا تبعد عن الوادي كثيرا, ويمكن ان تكون بذلك الامتداد الطبيعي لنقل الكثافة السكانية الريفية, بتوطينها هناك بشكل مخطط ومنظم. وبحيث لا تتحول إلي عشوائيات جديدة, علي أن ينحصر دور الدولة في توصيل البنية الاساسية والمرافق اللازمة لإعاشة السكان هناك فقط.
ـ ان هذا البديل يتفق مع ما أكدته نظرية التمنطق والذي يري أن حركة البشر أو السكان تميل عادة للتحلق أو للتمحور حول المركز مناطق الوجود القديمة ولا تبتعد عادة عنها, وعندما تضيق بهم السبل فيها ـ كما هو حادث الآن عندنا ـ فانهم يتحركون من النطاق المكاني القديم إلي نطاق آخر غير بعيد, وهكذا ومع توالي تلك الانتقالات وامتدادها وتحركها بمرور الزمن, سوف نجد أننا تمكنا بالفعل من توسعة الوادي والدلتا, بشرط ان يتم كل ذلك بكثير من التخطيط والضبط والربط, والرقابة وبما سيؤدي في النهاية إلي زيادة التوجه للصحراء والخروج الآمن لها, كقدر لا مفر منه, وإيجاد حل عملي وموضوعي للمشكلة, ولكن بقدر كبير من الحذر والتدرج وعدم الاندفاع إلي المجهول!
د. حسام بريري
أستاذ الاقتصاد الزراعي ـ جامعة الازهر
المصدر: جريدة الاهرام - أ.د/ حسام بريرى استاذ الاقتصاد الزراعى - كلية الزراعة-ج الازهر
ساحة النقاش