- السؤال: وقع في يدي كتيب أثار فيه مؤلفه شبهات حول الحجر الأسود، ورد الأحاديث التي وردت في استلامه وتقبيله زاعمًا أنها تنافي دعوة الإسلام للتوحيد، ونبذ الأوثان. فما رأيكم في هذا الموضوع ؟
الإجابة:
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه إلى يوم الدين، وبعد :
الدراسة السطحية آفة من آفات المتعلمين عندنا، والتعجل في إصدار الحكم قبل الرسوخ في العلم، ودون الرجوع إلى أهل الذكر، ثمرة سيئة لهذه السطحية . وما أصدق ما قيل: إن الذين يتشككون في الدين إما جهلاء، أو متعلمون تضخمت في أذهانهم بعض المعلومات، على حساب معلومات أخرى أهم منها. ذلك أن إثارة الشبهات حول موضوع كاستلام الحجر الأسود، وردّ الأحاديث الواردة فيه ببساطة ضلال مبين، وغفلة عن طبيعة العلم، وطبيعة الدين :
طبيعة العلم: أن ترد جزئياته إلى قواعده، وعلم الحديث له قواعده وأصوله التي وضعها علماؤه لمعرفة المقبول من المردود في الأحاديث، وطبقوها بكل أمانة ودقة ما استطاعوا، وبذلوا جهود الأبطال في سبيل تنقية السنن النبوية، وتبليغها إلينا . أما قيمة الأحاديث التي رووها في شأن الحجر الأسود ؟ فنورد عليك بعضها؟:
روى البخاري عن ابن عمر ـ وسئل عن استلام الحجر الأسود ـ فقال: رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستلمه ويقبله.
وعن نافع قال: رأيت ابن عمر استلم الحجر بيده ثم قبل يده، وقال " ما تركته منذ رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يفعله " متفق عليه.
وعن عمر: أنه كان يقبل الحجر الأسود ويقول: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقبلك ما قبلتك " رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة.
قال الطبراني: إنما قال عمر ذلك، لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام، فخشي أن يظن الجهال أن استلام الحجر من باب تعظيم الأحجار كما كانت تفعل العرب في الجاهلية، فأراد أن يعلم الناس أن استلامه اتباع لفعل رسول الله، لا لأن الحجر يضر وينفع بذاته، كما كانت الجاهلية تعبد الأُوثان.
والأحاديث المذكورة أحاديث قولية صحيحة ثابتة، لم يطعن فيها عالم من علماء السلف أو الخلف، على أن الأمر أكثر من ذلك، فإن هذه سنة عملية متواترة تناقلتها الأجيال منذ عهد النبوة إلى الآن بلا نكير من أحد، فأصبحت من مسائل الإجماع، ولا تجتمع الأمة على ضلالة، وهذا وحده أقوى من كل حديث يروى، ومن كل قول يقال. ومن المقرر لدى أهل العلم جميعا: أن (التواتر) يفيد العلم اليقيني.
هذا من ناحية العلم . وأما من ناحية الدين: فالمؤمنون يعرفون تمام المعرفة أنه يقوم أول ما يقوم على الإيمان بالغيب (في جانب الاعتقاد)، وعلى الخضوع والانقياد لأمر الله (في جانب العمل) وهذا هو معنى لفظ الدين، ولفظ العبادة.
والإسلام ـ باعتباره دينًا ـ لا يخلو من جانب تعبدي محض، وإن كان أقل الأديان في ذلك . وفي الحج ـ خاصة ـ كثير من الأعمال التعبدية، ومنها تقبيل الحجر الأسود، والأمور التعبدية هي التي تعقل حكمتها الكلية وإن لم يفهم معناها الجزئي، والحكمة العامة فيها هي حكمة التكليف نفسه، وهي ابتلاء الله لعباده ليعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه.
الأمور التعبدية هي التي تكشف عن العبودية الصادقة لله من العبودية الزائفة. العبد الصادق يقول عند أمر الله مقالة الرسول والمؤمنين: (سمعنا وأطعنا)، والعبد المتمرد على ربه يقول ما قاله اليهود من قبل: (سمعنا وعصينا). ولو كان كل ما يكلف به العبد مفهوم الحكمة للعقل جملة وتفصيلا، لكان الإنسان حينما يمتثل إنما يطيع عقله قبل أن يكون مطيعًا لربه.
وحسب المسلم أنه ـ حين يطوف بالبيت، أو يستلم الحجر ـ يعتقد أن هذا البيت وما فيه أثر من آثار إبراهيم عليه السلام، ومن إبراهيم ؟ إنه محطم الأصنام، ورسول التوحيد وأب الملة الحنيفية السمحة (إن إبراهيم كان أمة قانتًا لله حنيفًا ولم يك من المشركين). (النحل: 120).
شبهة عبادة الحجر الأسود
السؤال: بعض المستشرقين والمبشرين وأشباههم يثيرون شبهة سخيفة، وهي أن المسلمين يعبدون الحجر الأسود فكيف نرد على هذه الشبهة؟
الإجابة:
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه إلى يوم الدين، وبعد :
الواقع أن المسلمين لا يعبدون إلا الله عز وجل، كان المشركون قد أدخلوا الحج بعد إبراهيم عليه السلام بعض أوضار الوثنية وبعض أدران الجاهلية حتى إنهم كانوا يقولون في التلبية: لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك.. يعنون الأصنام فجاء الإسلام وأبطل هذا، قال: (لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك).
التوحيد هو جوهر الإسلام وروح الإسلام، ولذلك لا يوجد في الحج أي شيء يمس هذا التوحيد، الحجر الأسود هو مبدأ الطواف يعني لا بد من مكان ننطلق منه فهو نقطة الانطلاق، فمن عند الحجر يبدأ الطواف وينتهي عنده، ثم الحج هو في الحقيقة عبادة مليئة باللغة الرمزية، ما معنى اللغة الرمزية؟ يعني مثلا تجد الدول لديها شيء اسمه العَلَم.. ما هو العلم؟ خرقة من القماش، فيها خطوط حمراء أو بيضاء أو صفراء، أو نجوم وشيء من هذا، ولكن يعبرونها رمزا للدولة، ولو أن واحدا داسها أو أهانها أو نحو ذلك، لاعتبر ذلك إهانة للدولة، ولذلك نرى الآن بعض الفلسطينيين عندما يحبون أن يغيظوا إسرائيل يحرقون العلم الإسرائيلي مثلا، هذه لغة الرمز. والشاعر العربي عبر عن هذا قديما حينما قال:
أمـر عـلى ديار لـيلـى أقبل ذا الجدران وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا
فتقبل الحجر الأسود ليس لأن الحجر الأسود له قدسية خاصة أو لأنه يعبد من دون الله، ولذلك من المأثور أن الواحد يقول عند الحجر الأسود " اللهم إيمانا بك وتصديقا بنبيك ووفاء بعهدك " إيمانا بك وليس بالحجر، وتصديقا بالتوحيد وليس بالوثنية، ووفاء بعهدك؛ وعهده التوحيد (ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين. وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) يس: ولذلك عندما وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند الحجر الأسود قال: " أيها الحجر إني أقبلك وأنا أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك " أي أنه فعل ذلك التزاما بفعل وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني مناسككم " أقبلك اتباعا وليس اعتقادا في أنك تضر أو تنفع.
وهذه عقيدة كل مسلم. ولذا يستحب إذا قبل الحجر الأسود أو التمسه، أو أشار إليه من بعيد، كما يفعل معظم الحجاج اليوم، أن يقول: باسم الله، والله أكبر. أجل باسم الله وحده، لا باسم الحجر، والله أكبر من كل ما سواه، لأنه الخالق، وما سواه مخلوق، فهل يقول هذا من يعبد الحجر؟
إن المسلم لا يعبد إلا الله، ولا يستعين إلا بالله، وهو ما يعبر عنه في كل ركعة من صلواته اليومية حين يقرأ في فاتحة الكتاب (إياك نعبد وإياك نستعين) الفاتحة .