جريدة أخبار الجمهورية الدولى

رئيس التحرير محمود أبومسلم

 

الأسطورة التي اختلفت أمهات المصادر التاريخية حولها رابعة العداوية المتصوفة

 

كتب/ محمود مسلم

الأسطورة التي اختلفت أمهات المصادر التاريخية حولها رابعة العدوية المتصوفة

تيسير النجار

قالت رابعة العدوية : " إني عبدت الله شوقاً إِلى الجنة، ولا خوفاً من جهنم، وإنما أعبده لكمال شوقي إليه، ثم أنشدت :

اُحِبُّكَ حُبَّيْنِ حُبَّ الْهَوَىْ

وحُبّاً لأنَّكَ أَهْلٌ لِذَاْكَ

فَأَمّا الذي هُو حُبُّ الْهَوى

فَشُغْلِيْ بِذِكْرِكَ عَمّنْ سِوَاكَ

وَأَمَّا الذي أَنْتَ أَهْلٌ لَهُ

فَحُبٌّ شُغِلتُ بِهِ عَنْ سِوَاْكَ

فَلا الْحَمْدُ فِيْ ذَاْ وَلاْ ذَاْكَ

وَلَكِنْ لَكَ الْحَمْدُ فِيْ ذَاْ وَذَاْكَ

ويروى عن رابعة العدوية إنه حينما توفي زوجها أراد المتصوف الحسن البصري أن يتزوج بها، فَطََرحت رابعة أسئلة على الحسن البصري، وعجز الحسن عن الجواب، فحينما رأتْ رابعة خلو الحسن البصري عن تلك المعارف التي تبحثُ عنها امتنعت عن قَبولِ طلبه، وأرسلت إِليه الأبيات التالية:

راحَتِيْ يَا أُخْوَتِيْ في خَلْوَتِيْ

وَحَبِيْبِيْ دَاْئِماً في حَضْرَتِيْ

لَمْ أَجِدْ عَنْ هَوَاهُ عِوَضاً

وَهَوَاْهُ فِي الْبَرَاْيَاْ مِحْنَتِيْ

حَيْثُمَا كُنْتُ أُشَاْهِدْ حُسْنَهُ

فَهوَ مِحْرَاْبِيْ إِليهِ قِبْلَتِيْ

يَاْ طَبِيْبَ الْقَلْبِ يَاْ كُلَّ الْمُنَىْ

جُدْ بِوَصْلٍ مِنْكَ يُشْفِيْ مُهْجَتِيْ

يَاْ سُرُوْرِيْ وَحَيَاْتِيْ دَاْئِماً

نَشْأَتِيْ مِنْكَ وَأَيْضاً نَشْوَتِيْ

قَدْ هَجَرْتُ الْخَلْقَ جَمْعاً أَرْتَجِيْ

مِنْكَ وَصْلاً فَهوَ أَقْصَىْ مُنْيَتِيْ

رغم ثبوت هذه الأشعار الواردة في القصة انها لرابعة ، الاّ ان القصة جميعها من نسيج الأسطورة التي غلفت حياة رابعة العدوية بأروع القصص والحكايا ، فهذه القصة التي يوردها صاحب كتاب " الروض الفائق في المواعظ والرقائق " الشيخ الحريفيش ، تخلو من الصحة بسبب الفارق التاريخي ما بين ولادة الحسن البصري الحاصلة في سنة 21 هـ ( = 642م ) ، والمتوفي سنة 110 هـ ( ت 728 م ) ، فيما توفت رابعة العدوية سنة 180 هـ ، وبسبب الفارق التاريخي لا تصح القصة بالمطلق، وحول هذه القصة تحديداً يعلق المفكر المصري عبد الرحمن بدوي في كتابه " شهيدة العشق الإلهي ، رابعة العدوية " بانها غير صحيحة مطلقاً مبرراُ ذلك بقوله :" رابعة العاشقة لم تتزوج ، وانما نسجت حولها الأساطير التي حاولت ان تضعها بمنزلة هي منزلة القديسة ، ونجحت العديد من القصص في وضعها بمنزلة " الاسطورة " ".

ومما رواه الهجوري في كشف المحجوب قال: "جاء أمير البصرة إلى رابعة يعودها وقد حمل إليها أموالاً كثيرة وسألها أن تستعين بها على حياتها، فبكت ثم رفعت رأسها إلى السماء وقالت: هو يعلم أني استحي منه أن أسأله الدنيا وهو يملكها فكيف آخذها ممن لم يملكها. وحذرت أمير البصرة أن يعود إلى مثلها".

مثل هذه القصة والتي سبقتها الكثير من القصص التي نسبت لرابعة العدوية وذلك بغية الرفع من علو منزلتها ، فقد روت امهات المصادر التاريخية حولها القصص الكثيرة لتتجلى كراماتها وتمكث في أذهان الناس وكأنها المنزهة عن أي خطأ .

ومن تلك القصص "ان ابراهيم بن أدهم ذهب الى الحج ماشياً على قدميه ، وكان يتوقف كل خطوة ليصلي ركعتين فبلغ الكعبة بعد أربعين عاماً وكان يقول : " غيري يسلك هذا الطريق على قدميه ، اما انا فأسلكه على رأسي " . ولما بلغها لم يجدها فبكى وقال : " وا أسفاه ! أأظلم بصري حتى لم اعد أرى الكعبة ؟ " . فسمع عندها صوتاً يقول : " يا ابراهيم ! لست اعمى ، لكن الكعبة ذهبت للقاء رابعة " . فتأثر إبراهيم ثم رأى الكعبة وقد عادت الى مكانها .. ثم شاهد رابعة تتقدم فقال لها " أي رابعة! يا لجلال أعمالك ! ثم ما تلك الضجة التي تحدثينها في الدنيا ! فالكل يقول ذهبت الكعبة للقاء رابعة !.. فأجابته : " يا إبراهيم ! وما تلك الضجة التي تثيرها انت في الدنيا بقضائك اربعين عاماً حتى تبلغ هذا المكان ؟ فالكل يقولون ابراهيم يتوقف في كل خطوة ليصلي ركعتين ". فقال ابراهيم : " نعم امضيت اربعين ربيعاً أجتاز هذه الصحراء " . فقالت رابعة : " يا ابراهيم لقد جئت انت بالصلاة ، اما انا فقد جئت بالفقر " . ثم بكت طويلاً .

رغم الاختلاف الحاصل في كتب التاريخ والسير عن ولادة ونشأت رابعة العدوية المتصوفة التي ما روتها سوى كؤوس العشق الالهي فان أغلب تلك المصادر تكاد تتفق ان رابعة العدوية ولدت في بيت فقير في البصرة بالعراق . توفي والدها وهي طفلة ثم لحقت به الام فاصبحت رابعة واخواتها بدون معيل . ولما دبَ الجفاف في البصرة ووصل الى حد المجاعة تركت هي واخواتها المدينة ثم فرَق الزمن بينهم فأصبحت ربيعة وحيدة مشردة .

إختلف المؤرخون حول هوية رابعة وحياتها فالبعض قال إنها مولاة لآل عتيق كما يقول ابن خلكان في " وفيات الأعيان "، وهم من بطون قيس ، والبعض قال إن آل عتيق هم بني عدوة كما يقول المؤرخ السمعاني في كتابه " الأنساب " ، فيما يذهب المؤرخ الصوفي فريد الدين العطار في " تذكرة الأولياء " ان رابعة كانت مغنية وعازفة ناي ، وانها كانت على قدر كبير من الجمال والحسن ثم تابت فتصوفت. وقال آخرون إنها ولدت رابعة لاخواتها فسميت رابعة ، وانها عاشت في البصرة خلال القرن الثاني الهجري ، وقد عمَرت حوالى ثمانين عاماً .

ما تتفق حوله امهات المراجع حول رابعة العدوية انها أول من نقل الزهد إلى الأفق الصوفي الإسلامي، وهي أول من حول الزهد من الخوف إلى الحب، ومن البركة إلى المعرفة، ومن الحرمان إلى الرضا، ومن القسوة إلى الإشراق، وهي أول من جعلته ذات ألوان روحية، وأهداف وجدانية، وأطلقت فيه تيار التسامي الروحي والتحليق إلى الأفق الأعلى.

وانها أول من تقرب إلى الله من خلال " الحب الالهي " وكانت هي رائدة في هذا المجال الصوفية ، ومما أثر عنها : "اكتموا حسناتكم كما تكتمون سيئاتكم". وأحاديث رابعة عن الزهد، هي القبس الذي اهتدى به المتصوفة بعدها، كما اهتدوا بنورها ونهجها في المحبة والمعرفة.

ما يقوله المؤرخون عن رابعة الكثير فمنهم من وقف معها ومنهم من وقف ضدها . فالبعض يراها تبالغ في تصوراتها وخيالها لأنها اعتبرت أن تشوقها للجنة إنما يشكل خطيئة تقترفها . وقد روى عنها المنوي ، في هذا المجال : دخلت جماعة على رابعة يعودونها من مرض ألم بها فسألوها عن حالها فقالت والله ما عرفت لعلتي سبباً . عرضت عليَ الجنة فملت بقلبي لها. واحسست ان مولاي غار عليّ فعاتبني ، فله العتبى .. وهنا تعني أن الله عاتبها على هذا الميل لأنه مولاها وحبيبها !.. فتابت وقررت ألا تعود اليه ابداً.

ويروي فريد الدين العطار: أن رابعة كانت صائمة وهي في مناجاة وغربت الشمس وليس لديها طعام، فغمغمت: إلى متى تعذبين نفسك يا رابعة، وتحملينها مشقة ليس بعدها مشقة!؟ وصك أذنها طرق على الباب فذهبت فإذا برجل في يده إناء ممتلئ بالطعام، تركه وانصرف، فتناولت الإناء ووضعته في زاوية من الغرفة وتشاغلت بإصلاح القنديل، فدخلت هرة فأكلت ما في الإناء، فلما عادت رابعة وجدت الإناء خاوياً، فقالت في نفسها: لا بأس أفطر على الماء. وذهبت لتحضر الماء فانطفأ القنديل. فلم تطق احتمالاً فقالت: اللهم لم هذا العذاب؟ وأحسست ندماً فأطرقت في استحياء ، وسمعت صوتاً: – لو شئت يا رابعة وهبنا لك ما في الدنيا، ومحونا ما في قلبك من نار العشق، لأن قلباً مشغولاً بحب الله لا يشغل بحب الدنيا.

رابعة العدوية كانت تنام على حصيرة بالية. وكان موضع الوسادة قطعة من الطوب، وكانت تشرب من إناء مكسور، وتطوي ليلها مسهدة، تصلي لله وتناجيه ، كما وبارك الله لها في عمرها، فعاشت وعمرت، فوق الثمانين وازدهرت حياتها وأينعت، وتكونت حولها مدرسة الروحانية الإسلامية " الحب الالهي " التي تمتد على التاريخ كصفحة مشرقة حتى الآن .

قالت عبدة خدمتها: "ولما حضرت رابعة الوفاة دعتني، فقالت: يا عبدة: لا تؤذني بموتي أحداً، ولفيني في جبتي هذه. قالت فكفنّاها في تلك الجبة وخمار صوف كانت تلبسه". كانت زاهدة ولم تتخل عن زهدها حتى عند وفاتها. إنها لا تريد أن تشغل الناس بشأنها، غير أن طائفة من الصالحين جاؤوا وجلسوا حولها، والروح في وداع" .

رابعة العدوية لاتكاد تخلو مدينة عربية من مسجد ، أو مدرسة ، أو جامعة ، أو ساحة تحمل اسم هذه المتصوفة العاشقة التي انذرت حياتها لمذهبها الصوفي في " حب الله " حتى ان هناك مسلسل وفيلم قدتهما الشاشة المصرية عنها .

رابعة العدوية البصرية ، الزاهدة ، الخاشعة ، العابدة المشهورة ، قضت عمرها منذ توبتها وهي تحترق بنار الحب الالهي حتى أصبحت تروى عنها أحوال الزهد ، ومن تلك القصص ما قاله قال خالد بن خداش : سمعت رابعة صالحاً المريّ يذكر الدنيا في قصصه فنادته : يا صالح ، من أحب شيئاً أكثر من ذكره .

وفي رواية آخرى عن بشر بن صالح العتكي قال : استأذن أناس على رابعة ومعهم سفيان الثوري ، فتذاكروا عندها ساعة ، وذكروا شيئاً من الدنيا ، فلما قاموا قال لخادمتها : إذا جاء هذا الشيخ وأصحابه فلا تأذني لهم ، فإني رأيتهم يحبون الدنيا .

ورغم كثرة الأخبار المتواترة التي تروى عن رابعة فان أهمها ما قالها المؤرخ ابن كثير : وقد ذكروا لها أحوالاً وأعمالاً صالحة ، وصيام نهار وقيام ليل ، ورؤيت لها منامات صالحة.

ومن أحوالها ما قاله عبيس بن مميون العطار، حدثتني عبدة بنت أبي شوال ، وكانت تخدم رابعة العدوية قالت : كانت رابعة تصلي الليل كله، فإذا طلع الفجر فكنت أسمعها تقول : يا نفس كم تنامين ، وإلى كم تقومين ، يوشك أن تنامي نومة لا تقومين منها إلا ليوم النشور .

** رابعة العدوية بمثابة ببلوجرافيا

رابعة العدوية ، عذراء البصرة البتول ـ عبد المنعم قنديل ـ مكتبة التراث الإسلامى ـ القاهرة ـ 1987م.

رابعة العدوية المفترى عليها ـ مايسة عبد الحافظ ـ جريدة الأهرام ـ أعداد 20و21و28مارس 1991م

. • نزهة الفضلاء 2 مجلد /635.

البداية والنهاية لا بن كثير مجلد 10/186.

تذكرة الأولياء ، فريد الدين العطار ، مجلد 1 ، ص 59 ـ 61 .

إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي جزء 4 ـ ص : 27 .

شفاء السائل لتهذيب المسائل لولي الدين عبد الرحمن بن خلدون .

• " شهيدة العشق الإلهي ، رابعة العدوية " لعبد الرحمن بدوي ، وكالة المطبوعات ، الكويت ، 1978.

تاريخ الاسلام لشمس الدين لذهبي.

سير اعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي .

نفحات الأنس من حضرة القدس لعبد الرحمن الجامي .

مرآة الزمان لأبي المظفر يوسف المعروف بسبط ابن الجوزي .

كتاب سير السالكات المؤمنات الخيرات لأبي بكر الحصيني .

شرح الأولياء تصنيف عز الدين بن عبد السلام ابن غانم المقدسي .

التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع لأبي الحسين محمد بن أحمد الملطي .

شذرات الذهب لأبن العماد الحنبلي .

كنوز الأولياء ورموز الأصفياء لأبي الليث محرم لن أبي البركات محمد الزيلي .

BACKGROUND: #ffff99; MARGIN: 0cm 0cm 0pt; mso-margin-top-alt: auto; mso-

msALm

صحفى محمود ابو مسلم الموقع أخبار رياضية – ثقافية- فنية- اجتماعية –حوادث وتحقيقات- زورنا على مواقعنا الإخبارية والإعلامية 01280688635 01023399536

  • Currently 90/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
30 تصويتات / 169 مشاهدة
نشرت فى 10 فبراير 2009 بواسطة msALm

جريدة أخبار الجمهورية الدولى الالكترونى

msALm
الأخبار الفنية الرياضية السياسية - التحقيقات- قضايا المجتمع - قضايا المرأة -حوادث - بريد القراء - صالة التحرير- أعلانات - »

عدد زيارات الموقع

897,699

تسجيل الدخول

ابحث