|
أخيرا اجابت وسائل الإعلام الألمانية والأمريكية علي السؤال الصعب الذي حير العالم لعشرات السنين: أين طبيب الموت النازي اريبرت هايم؟ هل مات في مكان مجهول أم أنه لايزال علي قيد الحياة في مكان ما؟ وجاءت الاجابة بالأمس فقط, لقد توفي طبيب الموت النازي في القاهرة عام1992 بعد أن عاش فيها لمدة30 عاما, مات بعد أن أشهر إسلامه وعاش بين أهلها في سلام وأمان دون أن يحاول أحد كشف اسراره رغم أنه ظل مطاردا من صائدي قدامي النازيين ولكنه مات ودفن في مقابر الفقراء بالقاهرة إلي أن تم الكشف عن لغز اختفائه وموته بالأمس فقط.
وقد اشتهر هايم, الذي عرف لفترة طويلة من عمره باسم طبيب الموت, باسم طارق حسين فريد واعتنق الإسلام في مطلع الثمانينيات وعلي الرغم من الشكوك التي سيطرت علي المحيطين به حول احتمال هروبه من شيء ما, إلا أن احدا لم يسع للتطفل عليه أو لمعرفة أي شيء عن ماضيه, مما اتاح له الفرصة للحياة بشكل طبيعي وفي غاية البساطة, حيث مارس رياضته اليومية المفضلة وهي المشي25 كيلو مترا حتي يصل إلي الأزهر الشريف وسط المدينة, كما كان يرتاد كافيتريا جروبي بشكل منتظم حيث وجد ضالته من الحلوي الغربية, التي اعتاد أن يهادي بها اصدقاءه من المصريين البسطاء ليجتذب حبهم وصداقتهم.
وعلي الرغم من مرور نحو16 عاما علي وفاته, اكتشفت محطة تليفزيون زد.دي.اف الحكومية الألمانية من خلال تحقيق مشترك مع صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية, أكثر من100 وثيقة مخبأة في غرفة هايم التي اقام بها لأكثر من10 سنوات في فندق قصر المدينة بوسط القاهرة. وتضمنت هذه الوثائق جواز سفر مصريا وطلبا للحصول علي إقامة وشيكات ووثائق بنكية, بالإضافة إلي خطابات شخصية وتقارير طبية, لتكشف بذلك الغموض الذي كشف اختفاء وهروب طبيب الموت بعد الحرب العالمية الثانية : لتبدأ ملابسات قصة الهروب الخيالية في الظهور واحدة تلو الأخري.
وأكدت محطة التليفزيون الألمانية أن أيبرت فرديناند هايم هو طبيب نمساوي عمل مع القوات النازية الخاصة بالقائد الألماني الراحل أدولف هتلر في معسكرات الاعتقال النازي بالنمسا. وبين أروقة معسكرات بوفخالد وزاكسن هلوزن ومات هاوزن, ارتكب هايم الكثير من الجرائم الوحشية باسم الطب ضد المئات من المعتقلين اليهود وغيرهم من المحتجزين ليستحق بذلك لقب طبيب الموت ومكانة كواحد من ابرز مجرمي الحرب المطلوب القبض عليهم.
وقد واجه هايم اتهامات بإجراء عمليات جراحية ضد المعتقلين بدون مخدر لانتزاع أعضاء من سجناء أصحاء, ليتركهم بعد ذلك للموت علي طاولة العمليات.. ولكن يبدو أنه لم يكتف بذلك بل ذهب إلي حد حقن المعتقلين بالسموم, وفي بعض الاحيان حقن قلوبهم بالبنزين, ووصلت به الوحشية إلي حد الاحتفاظ بجمجمة احد المساجين, ولكنه تمكن من الهروب من أيدي الشرطة الألمانية ـ التي لاحقته بتهمة ارتكاب جرائم حرب ـ عام1962, حيث عاش وانجب طفلين وعمل كطبيب للأمراض النسائية.
ولكن لم تنجح أي جهة في اكتشاف مكان اختفائه وأين عاش, أو حتي نبأ وفاته عام1992 حتي يومنا هذا.
وعلي الرغم من تأكيد المحققين في ألمانيا وإسرائيل أن هايم حي يرزق في منطقة ما في أمريكا اللاتينية بالقرب من سيدة تدعي أنها ابنته غير الشرعية في شيلي, إلا أن شهودا من مختلف انحاء العالم واصلوا الادعاء بأنهم شاهدوه في ممكان أو آخر مما ضلل المحققين علي مدي عشرات السنين.
ولكن حقيبة اوراق قديمة سلمتها عائلة دومة المالكة لفندق قصر المدينة لمحطة زد.دي.اف كشفت كل ملابسات هذه القصة فقد حملت وثائق صفراء قديمة تحتوي علي كل القرائن التي تشير إلي أن الطبيب النازي الهارب ليس الا الرجل الأجنبي الطبيب الذي عرفه جيرانه باسم طارق حسين فريد, حيث حمل الاثنان نفس تاريخ ومحل الميلاد وهو28 يونيو عام1914 في مدينة رادكرسبرج النمساوية.
كما حصلت المحطة الألمانية علي صورة من شهادة الوفاة تم استخراجها من قبل السلطات المصرية وتؤكد أن المشار اليه طارق حسين فريد توفي عام1992, كما اعترف ابنه روديجر هايم ـ53 عاما ـ المقيم في مدينة بادن بادن الألمانية للمرة الأولي بأن طارق حسين فريد هو اسم والده عقب اعتناقه الإسلام, مؤكدا أنه كان يقيم في مصر وتوفي متأثرا بمرض سرطان الأمعاء.
وقالت زد.دي.اف أنه في القاهرة كان هايم يتلقي تمويلا من تحويلات نقدية كانت ترسلها اليه شقيقته علي فترات غير منتظمة. وكان التمويل يأتي من عوائد عقارات مؤجرة في برلين يملكها الطبيب النازي.
وأشارت المحطة إلي أن هايم طلب التبرع بجسده للابحاث الطبية بعد موته, مؤكدة ان هذا لم يحدث لاسباب دينية.
واستبعدت زد.دي.اف امكانية العثور علي رفات الطبيب النازي, نظرا لدفن في مقابر الفقراء بالقاهرة القديمة وهي مقابر يعاد استخدامها مرة أخري كل بضعة أعوام. وأوضح هايم الابن أنه التقي بأبيه للمرة الأولي في مصر عام1976 من خلال رحلة رتبت لها عمته. وأشار إلي أنه التقي به داخل فندق قصر المدينة البسيط بوسط القاهرة. وأكد أن والده تعرف عليه علي الفور وقضي اسبوعين معه, ولكنه لم يتحدث معه عن الادعاءات التي تتردد حول ارتكابه أعمالا وحشية وجرائم حرب لانه ببساطة لم يكن علي علم بها.
وأكد افرايم زوروف المدير الإسرائيلي لمركز سايمون وزينثال لمطاردة النازية ان العالم العربي مكان مناسب للاختباء وأكثر أمنا من أمريكا اللاتينية, وأعرب عن دهشته من وفاة هايم, خاصة أن المركز كان يستعد لزيادة المكافأة المرصودة للقبض علي هايم إلي1,3 مليون دولار, ولكنه أشار إلي صعوبة التأكد من هذه المعلومات وان كانت محتملة وقوية نظرا لعدم وجود قبر أو جثمان أو احتمالية لإجراء تحليل الحمض النووي للتأكد من هوية الطبيب النازي.
وأكد زوروف أن هذه المعلومات ستعرض ابن هايم للمساءلة القضائية بسبب تستره علي مجرم حرب, خاصة ان روديجر قد أكد من قبل ان الاتصال الوحيد الذي اجراه مع والده كان عبر بطاقتين عثر عليهما عام1962 في صندوق البريد الخاص بالأسرة.
وتشير التقارير إلي أنه لم يتم اعتقال هايم سوي مرة واحدة فقط بعد الحرب العالمية الثانية, عندما احتجزته القوات الأمريكية في ألمانيا, الا أنها اطلقت سراحه لجهلها التام بالاتهامات الموجهة اليه ولكن فريق التحقيق الأمريكي لجرائم الحرب فتح التحقيقات مجددا بعد أقل من عام, استنادا إلي بعض الشهادات ضده ولكن زورف أكد أن كل الشهود المباشرين ضد هايم كانوا قد ماتوا في مراكز الاعتقال النازي, ولذلك لايوجد هناك شهود عيان ضده علي الإطلاق.
|