|
|
بعد إعـادة نشر الرسـوم:
بارتياح وترحيب استقبلت جميع الأوساط تحرك وزارة الخارجية باستدعاء سفير الدنمارك, وقرار وزير الإعلام بمنع توزيع أي صحيفة تنشر الرسوم المسيئة للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام, بعد أن عاودت17 صحيفة دنماركية وصحيفتان المانيتان وواحدة أمريكية, وأخري بريطانية نشر هذه الرسوم التي أقامت الدنيا ولم تقعدها قبل عامين, وأحدثت وقتها ردود فعل رسمية وشعبية كان أبرزها الدعوة للمقاطعة الشعبية لمنتجات الدول التي تنشر صحفها هذه الرسوم..
وقد تصورنا أن الأمور هدأت, وأن هذه الدول وصحفها أدركت خطورة ما أقدمت عليه بدعوي حرية التعبير.. لكن ماحدث مؤخرا واعادتها المحاولة مرة أخري يؤكد أن هناك إصرارا وحملة للتطاول علي الرسول الكريم والأمة الإسلامية.. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل هذه الحملة مدبرة؟ وهل المقاطعة الشعبية وردود الفعل الرسمية لم تكن كافية لتوصيل الرسالة؟ وماهي الإجراءات التي يمكن اتخاذها في هذه الحالة( خاصة من الناحية القانونية).
قبل أن نجيب عن السؤال الأكثر الحاحا: لماذا بدأت هذه الحملة الآن من جديد؟ نذكر القارئ بأنها بدأت منذ عامين تقريبا حينما نشر الرسام( كورت فيسترجارد) هذه الرسوم في صحيفة يولاندس بوستن الدنماركية, والتي رفضت الاعتذار بعد احتجاج المسلمين, بل وعلي المستوي الرسمي رفض المسئولون هناك الاعتذار من منطلق أن حرية التعبير تكفل ذلك, وأقام المسلمون هناك دعوي ضد الصحيفة في المدينة التي تصدر بها, ولكن تم حفظ الدعوي فأعادوا اقامتها, ثم حفظها النائب العام هناك للمرة الثانية.
وقد اندلعت مظاهرات وقتها في بعض البلدان الإسلامية, وتم استدعاء سفراء الدنمارك في بعض هذه الدول وإبلاغهم بالاحتجاج الرسمي, وعلي المستوي الشعبي نظمت حملة شعبية لمقاطعة المنتجات الدنماركية في العالم الإسلامي نجحت في تكبيد شركات الألبان والأجبان وغيرها خسائر بلغت134 مليون يورو( ما يعادل170 مليون دولار) حسب احصاءاتهم الرسمية.
أما في مصر فقد تباينت ردود الأفعال, فعلي المستوي الرسمي استدعت الخارجية المصرية القائم بأعمال سفارة السويد أيضا لأن بعض صحفها نشرت الرسوم, وطلبت توضيحا, وقد برر القائم بالأعمال وقتها ماحدث بأنه ليس الموقف الرسمي للحكومة السويدية ولا يمثل الشعب السويدي الذي يحترم كل الأديان, واستنكرت لجنة الشئون العربية بمجلس الشعب نشر الرسوم, وطالب الأعضاء باستدعاء سفراء السويد والدنمارك وإبلاغهم بالاحتجاج الرسمي
وقام أحد المحامين برفع دعوي قضائية بمصر ضد الصحفية, وطالب بقطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع الدنمارك والنرويج, ورفضت محكمة القضاء الإداري هذه الدعوي علي اعتبار أن هذا القرار خاص بالحكومات باعتبارها سلطة حكم وليست سلطة إدارة لأنه يدخل في نطاق أعمال السيادة.
وذهب مع وفد واجتمع معهم في الدنمارك لكن يبدو أن فكرته لم تثمر عن شيء بخصوص الحوار بين الشرق والغرب!
ولكن لماذا عادت هذه الحملة من جديد؟ السبب المباشر هو ما ادعته الشرطة الدنماركية مؤخرا من اكتشافها مخططا لقتل الرسام وأنها ألقت القبض علي ثلاثة أشخاص أحدهم تونسي الجنسية, والثاني دنماركي مسلم, والثالث من أصل مغربي ووجهت لهم تهمة التخطيط لعمل إرهابي, لكن الأدلة لم تكن كافية فتم الافراج عنهم وبعدها قامت الدنيا هناك فتضامنت17 صحيفة مع هذا الرسام وأعادت نشر الرسوم المسيئة تحديا للمسلمين واندلعت المظاهرات من جديد.. فماذا نحن فاعلون؟
موقف الأزهر الشريف لخصه الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر أثناء كلمته في افتتاح الملتقي الدولي لخريجي الأزهر الذي استضافته ماليزيا, حيث وصف إعادة نشر الرسوم بـ التصرف الأحمق, وأن ذلك يهيج مشاعر أكثر من مليار ونصف المليار مسلم في العالم, وأنها تصرفات بلهاء, وأكد في نفس الوقت أن الإسلام حرم قتل المدنيين حتي لو كانوا من الأعداء.
ويقول الدكتور منيع عبدالحليم محمود( استاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر) ان اعادة نشر الرسوم المسيئة يكشف عن أن الشعوب الاسكندنافية دخلت معنا في دور من المعاندة وإثبات الكراهية وهو ماتأكد من خلال التكرار الجماعي للصحف بنشر رسومات مسيئة للرسول حتي تضع المسلمين في موقف يجبرهم علي أن يحاولوا مقاومته والشعوب الإسلامية رسمية وشعبية لا تستطيع هذه المقاومة بالصورة التقليدية, ولكن المقاومة تأتي بأساليب أخري من خلال الشباب ومواقعهم علي شبكة الانترنت بأن يوضحوا لهذه الشعوب الكثير عن الفكر الإسلامي, وعن حياة الرسول ورد الاعتبارلديننا بمحاولة تقديمه بالصورة المثلي التي يرجوها كل مسلم.
وبالنسبة للناحية القانونية ضد من تبنوا هذه الأفكار الهدامة ورئيس البرلمان هناك في الدنمارك الذي تطاول فهذا يحتاج الي دفوع قانونية تبدأ بالبرلمان بحملة في الاتحادات البرلمانية العالمية وعندنا الدفوع القانونية من اشتراكنا في المحافل القانونية علي مستوي العالم, وقد فشلت الدعوة في المرة السابقة ربما لانه لم يتقدم لها محامون كبار, وكان محامو أصحاب الرسوم كبارا في مكانتهم القانونية, لذلك كسبوا القضية فياحبذا لو قمنا بإشاعة جو قانوني تتضافر فيه نقابة المحامين لتقديم أفضل الحلول لإخراس هذه الألسنة, فمجرد وضع رأس الرسول صلي الله عليه وسلم علي شكل قنبلة يجعل كل مسلم ارهابيا, لذا يجب تضافر كل الشعوب الاسلامية ومنها دول غنية تتولي تمويل الحملات اللازمة إعلاميا وقانونيا لنصرة الإسلام.
أما الدكتور محمد رأفت عثمان( عضو مجمع البحوث الإسلامية ومجمع فقهاء الشريعة بأمريكا) فيقول المطلوب اتخاذ اجراءات تضر بمصالح هذه الدول المستهينة بمقدساتنا, فالمواطن الغربي لا يهتم بالمثل التي نهتم بها ـ نحن المسلمين ـ ولكنه يهتم ويتأثر بالأمور المادية, ولذلك لابد من اجراء رسمي علي المستوي الدبلوماسي للرد علي هذه الإهانة والتباحث حول منع ذلك مستقبلا, وعلي المستوي الشعبي يجب تفعيل سلاح المقاطعة للإضرار بمصالحهم الاقتصادية فإهانة الدين مجال لا تسامح فيه لأنه يمس عقيدتنا التي ليس لنا قيمة بدونها.
القصاص في القانون الدولي
ويوضح الدكتور جميل محمد حسين( استاذ القانون الدولي وعميد حقوق بنها ونائب رئيس مجمع الاعلام بالولايات المتحدة الأمريكية) أن الأمر يتطلب أن تجتمع الدول العربية كلها من خلال جامعة الدول العربية أو منظمة المؤتمر الاسلامي والتي تضم حكومات55 دولة اسلامية وهي ليست بالعدد القليل ويمكنهم اتخاذ اجراء منظم وفعال ضد الدول المسيئة لنا, بالاضافة لمقاطعة ثقافية واقتصادية رسمية طويلة المدي ستؤتي ثمارها.
وأضاف أنه يمكن محاكمة هؤلاء أمام المحاكم العربية والإسلامية تطبيقا لمبدأ الحماية مما قد يوصف بأنه يسيء للعرب والمسلمين ومن حق المحاكم المختصة في الدول العربية والإسلامية محاكمة هؤلاء وفقا لنص القانون, فالرسول الكريم رمز وقيمة ويمكن تطبيق ذلك خارج الإقليم من خلال قانون العقوبات أو تتفق الدول العربية علي إنشاء محكمة مختصة أو اللجوء للجمعية العامة للأمم المتحدة والأجهزة التابعة لها وإصدار قرارات ليست مجرد إدانة فقط بل عقوبات فعلية محددة أو التهديد بعقوبات إذا ما تكرر ذلك مرة أخري.
ويقول الدكتور عيد أحمد الغفلول( أستاذ القانون العام بحقوق بنها) من وجهة نظري أن الرد علي الرسوم المسيئة يجب أن يكون علي المستويين الرسمي والشعبي ومن واجب الحكام المسلمين أن يتصرفوا علي قدر الرسول عليه الصلاة والسلام وأمامهم الكثير ليقوموا به كوسائل دبلوماسية, أما علي المستوي الشعبي فيمكن المقاطعة لمنتجاتهم وكان له تأثيره في المرة السابقة, بالإضافة للاعتراض في مظاهرات سلمية, والدساتير في كل الدول العربية والإسلامية تتيح للأفراد حق الشكوي إلي السلطات والمجالس التشريعية والنقابات وتقوم تلك الجهات بدورها في الضغط علي الحكومات للقيام بإجراء مناسب بعيدا عن الإثارة.
أما بالنسبة لمقاضاة أصحاب الرسوم والصحف فهذا النوع من القضايا يحبط في الغرب لأن هذه الشعوب تؤمن إيمانا مطلقا بحرية التعبير بلا حدود وقد عاشت هذه الشعوب حتي بداية عصر التنوير في صراع مرير مع رجال الكنيسة الذين حولوا حياتهم إلي جحيم وفي نهاية المطاف خرجت هذه الشعوب من عباءة الدين وطلقته ثلاثا وأصبحوا في عداء مستحكم مع أي دين دون تفرقة, وهم في ذلك مخطئون فإذا كانوا لا يؤمنون بفكرة المقدس فنحن نحترم المقدسات الدينية, وينبغي عليهم انطلاقا من ثقافاتهم السياسية احترام الآخر فلم يقل أحد أن حرية التعبير في الغرب علي ما تنطوي عليه من قدسية شديدة يمكنها أن تلغي حق الآخر.
وبالتالي فالرسوم محاولة لجس النبض ومعرفة رد الفعل فيما لو حاربوا الدين الإسلامي مباشرة في مرحلة تالية وبالتالي فالسكوت عن هذا الأمر شئ خطير. وعلي المستوي القضائي يجب ملاحقتهم قضائيا في بلادهم أمام محاكمهم عن طريق تشكيل هيئة دفاع من أساتذة القانون الذين لديهم إيمان بهذه القضية ودرسوا في الغرب ولديهم دراية كاملة بقوانينه.
دور اتحاد المحامين العرب
يقول عبد العظيم المغربي( نائب الأمين العام لاتحاد المحامين العرب): في تقديري هذه الحملة تعبر عن أمرين أولهما: هو الضعف والهوان الذي يعيشه العالم الإسلامي في هذه المرحلة وأيضا العالم العربي مما جعل شأن العرب والمسلمين يهون ويفقد تقديره في نظر الغرب, ثانيهما: هو ما يرتبط بذلك من زيادة هيمنة اللوبي الصهيوني العالمي مدعوما بالمسيحية الصهيونية ومدعوما بانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالقرار.
وقد تلاحظ لنا أن منظمات المجتمع الأهلي المعنية بحقوق الإنسان والشعوب في الغرب ذاته أصبحت تتعرض لاضطهاد ويتعرض شخوصها ورموزها لمضايقات عديدة الأمر الذي دفعنا علي المستوي العالمي لأن نعقد لقاء لمناقشة مدي الظاهرة انتهينا فيه إلي اجتماع دولي يعقد في بروكسل26 فبراير الجاري لمناقشة هذا الأمر ودراسة وضع أجندة للعمل المشترك عليها في المرحلة المقبلة, وسوف نناقش موضوع رفع قضايا قانونية في مواجهة هذا الاعتداء علي الإسلام وسيكون أيضا علي أجندة اجتماع الأمانة العامة للجنة التعبئة الشعبية في الوطن العربي لدراسة تحرك شعبي عربي جامع في مواجهة هذه الإساءة. |
