الكاتب / عبد الحميد بسيونى
على الساحة فى أرض الوطن بعد صناعة دستور محمل بجملة من القواعد والإجراءات والبنود الانتقالية ، إعلام يغلب عليه الفاسد والتالف والمشوه والممول بأموال مشبوهة وتوجهات ملتبسة وأفكار مشوشة واعتقادات مختلطة ، وسفاهات وتفاهات وقذارة تملأ أغلب الساحات ، وقليل من النظافة والحيرة والخوف . على الأرض أو ربما تحتها أحزاب كل أعضائها رئيس وعضوين أو ثلاثة وربما عشرة أو مائة أو ألف ، بلا قدرة أو فاعلية بصحيفة صفراء باهتة ، مقاصدها الحكم بلا طرق وصول إلا الانتهازية والتملق والكذب والنفاق والادعاء ، أحزاب بلا جماهير ، فاتها الزمن وسقطت ، لا تعبر عن إرادة أو شعب أو ثورة أو علم ، واهنة لا تحقق طموحات ، ولن تحقق النتائج . فى الفضاء شباب ثائر أو واهم أو مشوه أو مدان أو حالم ، وشباب نضال لوحات المفاتيح متضخم على ذاته وأقرانه ، وشباب يظن الغنيمة تغييرا يحمله على الأكتاف بلا صلة مع العصر إلا كبسة زر على لوحة مفاتيح أو كلمات على صفحة لا يقرأها إلا أقران مهووسون بالهوية الإلكترونية ، فوضى شباب وشباب فوضى بلا خبرة أو وعى أو مسئولية أو وسائل ، شباب لا يجاهد نفسه ، فى ندوة علمية صاح شاب "على جثتى الشعر الأبيض" كأنه يقاتل طواحين الهواء ولا يدرى أنه يسبح فى الغباء ، وشباب رائع يوشك أن يضيع أو ينصرف أو ينزوى تاركا المجال للأموال والاستباحة والفجاجة والبلطجة بكل أنواعها . بين التراب والطين جماهير غفيرة لا تعرف الثورة كثيرا ولا تريد إلا لقمة عيش ، وانتهازية واضحة لا تعرف إلا الذاتية والاستغلال ، وحجم تمويل سياسى خارجى وداخلى يقاتل بشراسة وبكل أنواع البلطجة وبكل وسائل الفساد والإفساد ، ويلتهم كل حق وكل خير وكل صواب ، وتيارات فى حالة إنكار لا ترى إلا من ثقب باب وضعت عليه صورة واحدة للمشهد كله . على ظهر الثرى ناس لم يتقبلوا حقائق الزمن أو الحقيقة ، الشعب المصرى متدين الطبع والطبيعة ، الدين فاعل أصيل مهما ارتكب بعض أفراده أو المتحدثين باسمه أو المدعين من أخطاء وخطايا ، الدين عماد حياتنا شاء أو أبى أى إنسان ، والدين متغلغل فى كل لحظات الحياة العادية للناس العادية ، الإقصاء مستحيل ومرحلة مد الجسور قادمة دون أدنى شك فالوشائج أقوى والطبائع أعمق ، ولن تقوم حرب دينية أو صراع دينى فقد مضت الأوهام . بين عمق الأرض وفى ماء النيل وصفحة السماء تبحث مصر عن البدائل ، فلا هى مصر الثورة ولا هى مصر الدولة ، حالة فوضى انتقالية منافقة ومتدفقة ، وطموحات بلا حدود بعضها دون وعى أو دراسة أو فهم ، ساحة ممتلئة عن آخرها وخالية إلى حد الفراغ ، مناخ صعب ومخابرات من كل جنس ولون تعبث بضراوة ، وفساد راسخ يبحث عن كل ثغرة ، طرق متعددة وبدائل مقامرة أو مغامرة ، طريق أمانى العدو وأحلام الأبناء فى ظروف صعبة أفرزت أسوأ ما فى الناس ، انقسام يجتاح مصر ، ورخاوة وأهواء تطبيق القانون ، وعنف شهدته وتشهده مصر ، لحظة فارقة بين مزاعم عسكرة البلاد أو رجوع عقارب ساعة إلى الوراء ، وحقيقة عودة نظام قديم وفساد ، أو حلم الانطلاق إلى طريق السلامة ، لحظة قدرية قد تضيع وتهدر الوقت ، فى مرحلة غير مستقرة توازن أحوال وأحلام الناس وطموحاتهم ، لحظة حرجة بين مستقبل سلطة مصر وبدائل مطروحة وعدو قابع وتربص بنا وفينا ومنا ، لحظة فوضى عودة سلطة سيئة واستبداد وغياب البدائل فى طريق طويل . الثورة زمن وجراحة تستأصل ، وبحاجة إلى تفكير جديد إلى مستقبل يتحرك يتخطى فجوات الأجيال ، ويحدد طريقا نسير فيه ونخطو عليه إلى مكان فى مستقبل نستطيع التفكير والتغيير . فى مصر خير أجناد الأرض وهم فى رباط إلى يوم الدين ، ولم ولن تكون القوات المسلحة قوة بلطجة سحبت السلطة من هذا لتسلمها إلى ذاك أو تتسلمها نيابة عن الناس رغما عنهم ، وسوف تبقى كما هى حامية البلاد وذودا عن الوطن . نهاية التاريخ مرهونة بنهاية البشر ، ومصر باقية دائما وإلى الأبد قبل وبعد كل التاريخ وكل الجغرافيا وكل البشر ، كنانة الله فى أرضه .