ولد الهدى فالكائنات ضياء **** وفم الزمان تبسم وسناء ...
بقلم/
الشيخ زكريا الخطيب مدير الدعوة بأوقاف الشرقية
كان عبدالله بن عبدالمطلب من أحب ولد أبيه إليه, ولما نجا من الذبح وفداه عبدالمطلب بمائة من الإبل, زوجه من أشرف نساء مكة نسبا. مشي عبدالمطلب بن هاشم بابنه عبدالله فخطب له آمنة فزوجها إياه وخطب إلي نفسه في مجلسه ذلك هالة بنت وهيب بن عبد مناف ابنة عم آمنة وتزوجها, فقال الناس: فلج عبدالله علي أبيه. لأن وهبا كان أشرف قريش.وحملت السيدة آمنة بنت وهب برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في شعب أبي طالب عند الجمرة الوسطي أو الكبري وولد رسول الله في دار أبيه عبدالله, والتي وهبها رسول الله فيما بعد لعقيل بن أبي طالب, فلم تزل في يده حتي توفي, فباعها ولده إلي محمد بن يوسف أخي الحجاج بن يوسف, فضمها إلي داره التي يقال لها: دار ابن يوسف, حتي أخرجتها الخيزران أم الخليفتين الهادي والرشيد فجعلتها مسجدا يصلي فيه.( تاريخ الطبري158/2)وهي الدار التي في الزقاق المعروف بزقاق المولد, وهي الآن محل مكتبة مكة المكرمة لحظة الميلاد: حضر ميلاد النبي قابلته الشفاء بنت عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة, وهي أم عبدالرحمن بن عوف وابنة عم أبيه عوف, قالت: لما ولدت آمنة محمدا صلي الله عليه وآله وسلم وقع علي يدي, فاستهل, فسمعت قائلا يقول: رحمك ربك. فأضاء لي ما بين المشرق والمغرب, حتي نظرت إلي بعض قصور الشام.( أبو نعيم في دلائل النبوة)وحضرت أم عثمان بن أبي العاص فاطمة بنت عبدالله, قالت: شهدت آمنة لما ولدت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فما شيء أنظر إليه من البيت إلا نورا, وإني لأنظر إلي النجوم تدنو حتي إني لأقول: ليقعن علي. فلما وضعته خرج منها نور أضاء له الدار والبيت حتي جعلت لا أري إلا نورا.( الطبراني في المعجم الكبير) وحضرت حاضنته ودايته أم أيمن بركة الحبشية, تقول عن رعايته: ما رأيت رسول الله شكا جوعا قط ولا عطشا, وكان يغدو إذا أصح فيشرب من ماء زمزم شربة, فربما عرضت عليه الغذاء فيقول: أنا شبعان ولما بعث رسول الله آمنت به, ثم أعتقها وأنكحها زيد بن حارثة فأنجبت له أسامة, ولم يطل بها الأجل بعد وفاته صلي الله عليه وآله وسلم إلا خمسة أشهروحضرت ثويبة ميلاد النبي, فأسرعت تبشر عمه أبا لهب وكان مولاها, فأعتقها فرحا بمولده, فكان ذلك سببا في تخفيف العذاب عنه وأما السيدة آمنة فقالت: رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور أضاء لي قصور بصري من أرض الشام, ثم حملت به فوالله ما رأيت من حمل قط كان أخف ولا أيسر منه, ووقع حين ولدته وإنه لواضع يديه بالأرض رافع رأسه إلي السماء وبصري كانت أول موضع من بلاد الشام دخله نور الإسلام قال ابن رجب: وخروج هذا النور عند وضعه إشارة إلي ما يجيء به من النور الذي اهتدي به أهل الأرض, وزالت به ظلمة الشرك منها, كما قال تعالي:( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين* يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الي النور بإذنه ويهديهم إلي صراط مستقيم) المائدة:1615.
وفي سجوده صلي اله عليه وآله وسلم عند وضعه إشارة إلي أن مبدأ أمره علي القرب, قال الله تعالي:( واسجد واقترب) وقال صلي الله عليه وآله وسلم: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد. فحال محمد صلي الله عليه وآله وسلم يشير إلي مقام القرب من الحضرة الإلهية فما أكرم مولده الشريف عند من عرف قدره وبركته قال ابن إسحاق: فلما وضعته أمه أرسلت إلي جده عبدالمطلب: أنه قد ولد لك غلام فاته فانظر إليه. فأتاه فنظر اليه وأخذه فدخل به الكعبة; فقام يدعو الله ويشكر له ما أعطاه ثم خرج به إلي أمه فدفعه إليها وسماه محمدا, وهذا الاسم لم يكن العرب يألفونه, فسألوه: لم رغب عن أسماء آبائه؟ فأجاب: أردت أن يحمده الله في السماء, وأن يحمده الخلق في الأرض وولد صلي الله عليه وآله وسلم مختونا مسرورا مقبوضة أصابع يديه, مشيرا بالسبابة كالمسبح بها وروي أن عبدالمطلب ختنه يوم سابعه وجعل له مأدبة. وروي أن جبريل عليه السلام ختنه حين شق صدره.وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله: من كرامتي علي ربي أني ولدت مختونا ولم ير أحد سوأتي( رواه الطبراني وأبو نعيم وابن عساكر من طرق).وقال الحاكم في المستدرك: تواترت الأخبار بأنه صلي الله عليه وآله وسلم ولد مختونا.وعن العباس عم النبي قال: ولد رسول الله مختونا مسرورا. فأعجب جده عبدالمطلب وحظي عنده وقال: ليكونن لابني هذا شأن. ومختونا: أي مقطوع الختان, ومسرورا: أي مقطوع السرة من بطن أمه. وروي أبو نعيم عن ابن عباس قال: كان في عهد الجاهلية إذا ولد لهم مولود من تحت الليل وضعوه تحت الإناء لا ينظرون اليه حتي يصبحوا, فلما ولد رسول اله طرحوه تحت برمة, فلما أصبحوا أتوا البرمة فإذا هي قد انفلقت اثنتين وعيناه صلي الله عليه وآله وسلم إلي السماء فعجبوا من ذلك.وفي انفلاق البرمة عنه صلي الله عليه وآله وسلم إشارة إلي ظهور أمره وانتشاره, وأنه يفلق ظلمة الجهل ويزيلها.