عندما اجتمعت لجنة تحضيرية من ممثلين عن كل من سوريا ولبنان والأردن والعراق ومصر واليمن (بصفة مراقب) فى الفترة 25/9 إلى 7/10/1944 رجحت الاتجاه الداعى إلى وحدة الدول العربية المستقلة بما لا يمس استقلالها وسيادتها. كما استقرت على تسمية الرابطة المجسدة لهذه الوحدة بـ "جامعة الدول العربية" وآثرته على مسمى "التحالف" و "الاتحاد" كون الأول يشير إلى علاقة عارضة والثانى يعبر عن علاقة تجب الاختصاصات المتفق على تحويلها للمنظمة العربية الناشئة. وعلى ضوء ذلك تم التوصل إلى بروتوكول الإسكندرية الذى صار أول وثيقة تخص الجامعة والذى نص على المبادئ الآتية:
- قيام جامعة الدول العربية من الدول العربية المستقلة التى تقبل الانضمام إليها ويكون لها مجلس تمثل فيه الدول المشتركة فى الجامعة على قدم المساواة.
- مهمة مجلس الجامعة هى: مراعاة تنفيذ ما تبرمه الدول الأعضاء فيما بينها من اتفاقيات وعقد اجتماعات دورية لتوثيق الصلات بينها والتنسيق بين خططها السياسية تحقيقات للتعاون فيما بينها وصيانة استقلالها وسيادتها من كل اعتداء بالوسائل السياسية الممكنة، والنظر بصفة عامة فى شئون البلاد العربية.
- قرارات المجلس ملزمة لمن يقبلها فيما عدا الأحوال التى يقع فيها خلاف بين دولتين من أعضاء الجامعة ويلجأ الطرفان إلى المجلس لفض النزاع بينهما. ففى هذه الأحوال تكون قرارات المجلس ملزمة ونافذة.
- لا يجوز الالتجاء إلى القوة لفض المنازعات بين دولتين من دول الجامعة كما لا يجوز اتباع سياسة خارجية تضر بسياسة جامعة الدول العربية أو أية دولة من دولها.
- يجوز لكل دولة من الدول الأعضاء بالجامعة أن تعقد مع دولة أخرى من دول الجامعة أو غيرها اتفاقات خاصة لا تتعارض مع نصوص هذه الأحكام وروحها.
- وأخيراً الاعتراف بسيادة واستقلال الدول المنظمة إلى الجماعة بحدودها القائمة فعلاً. كما اشتمل البروتوكول على قرار خاص بضرورة احترام استقلال لبنان وسيادته، وعلى قرار آخر باعتبار فلسطين ركناً هاماً من أركان البلاد العربية وحقوق العرب فيها لا يمكن المساس بها من غير إضرار بالسلم والاستقلال فى العالم العربى، ويجب على الدول العربية تأييد قضية عرب فلسطين بالعمل على تحقيق أمانيهم المشروعة وصون حقوقهم العادلة.
- وأخيراً نص فى البروتوكول على أن (تشكل فوراً لجنة فرعية سياسية من أعضاء اللجنة التحضيرية المذكورة للقيام بإعداد مشروع لنظام مجلس الجامعة، ولبحث المسائل السياسية التى يمكن إبرام اتفاقيات فيها بين الدول العربية.)
ووقع على هذا البروتوكول رؤساء الوفود المشاركة فى اللجنة التحضيرية وذلك فى 7/10/1944 باستثناء السعودية واليمن اللتين وقعتاه فى 3/1/1945 و 5/2/1945 على التوالى بعد أن تم رفعه إلى كل من الملك عبد العزيز آل سعود والإمام يحيى حميد.
ولقد مثل هذه البروتوكول الوثيقة الرئيسية التى وضع على أساسها ميثاق جامعة الدول العربية وشارك فى إعداده "أى الميثاق" كل من اللجنة السياسية الفرعية التى أوصى بروتوكول الإسكندرية بتشكيلها ومندوبى الدول العربية الموقعين على بروتوكول الإسكندرية، مضافاً إليهم مندوب عام كل من السعودية واليمن وحضر مندوب الأحزاب الفلسطينية كمراقب. وبعد اكتمال مشروع الميثاق كنتاج لستة عشر اجتماعا عقدتها الأطراف المذكورة بمقر وزارة الخارجية المصرية فى الفترة بين 17/2 و 3/3/1945 أقر الميثاق بقصر الزعفران بالقاهرة فى 19/3/1945 بعد إدخال بعض التنقيحات عليه. تألف ميثاق الجامعة من ديباجة وعشرين مادة، وثلاثة ملاحق خاصة الملحق الأول خاص بفلسطين وتضمن اختيار مجلس الجامعة مندوباً عنها "أى عن فلسطين" للمشاركة فى أعماله لحين حصولها على الاستقلال . والمحلق الثانى خاص بالتعاون مع الدول العربية غير المستقلة وبالتالى غير المشتركة فى مجلس الجامعة. أما الملحق الثالث والأخير فهو خاص بتعيين السيد عبد الرحمن عزام الوزير المفوض بوزارة الخارجية المصرية كأول أمين عام للجامعة لمدة عامين. وأشارت الديباجة إلى أن الدول ذات الصلة وافقت على الميثاق بهدف تدعيم العلاقات والوشائج العربية فى إطار من احترام الاستقلال والسيادة بما يحقق صالح عموم البلاد العربية.
فئة الحكام التنظيمية والإجرائية الخاصة بالعضوية، ومجلس الجامعة واللجان الدائمة والميزانية، ومقر الجامعة وأمانتها العامة، والامتيازات الدبلوماسية والانسحاب من الجامعة أو الفصل منها، وتعديل الميثاق، وأخيراً إجراءات التصديق عليه وفئة الأحكام الموضوعية الخاصة بالتزامات الدول الأعضاء قبل بعضها البعض، والتى شملت احترام كل دولة لنظام الحكم فى الدول الأخرى وحل منازعاتها بالطرق السلمية وتنسيق سياساتها الخارجية بما لا يضر بمصالح أى منها والتعاون فى رد الاعتداء عن أى من دول الجامعة والتعاون فى مختلف الشئون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وبالفعل شكل المجلس لجنة لهذا الغرض عرضت مشروعاتها عليه فتولى إقرارها بعد تعديل ما رآه مناسباً. وفى 22/3/1945 تم التوقيع على ميثاق جامعة الدول العربية من قبل مندوبى الدول العربية عدا السعودية واليمن اللتين وقعتا على الميثاق فى وقت لاحق. وحضر جلسة التوقيع ممثل الأحزاب الفلسطينية واصبح يوم 22 مارس/آذار من كل عام هو يوم الاحتفال بالعيد السنوى لجامعة الدول العربية.
ومن واقع تحليل ميثاق جامعة الدول العربية والمبادئ التى اشتمل عليها يمكن تسجيل الملاحظات الثلاث الآتية: الأولى أن الميثاق جاء توفيقا بين الاتجاهين القطرى والقومى مما انعكس على اعتبار الجامعة منظمة تقوم على التعاون الاختيارى بين الدول الأعضاء فيها على أساس قاعدتى المساواة والاحترام المتبادل للاستقلال، كما انعكس على وضعها كمنظمة بين الحكومات وليست سلطة فوقية تعلوها. والثانية أن الميثاق جسد حالة من التوافق السياسى والرضاء العام بمعنى ان الجامعة لم تنشأ من خلال قيام قوة إقليمية مسيطرة بفرض إرادتها على الآخرين بل جاءت ثمرة لمجموعة من التوازنات بين الأطراف المعنية. والثالثة أن مبدئى السيادة والمساواة رتبا الأخذ بقاعدة الإجماع فى التصويت واختيارية نظام الأمن المشترك وحل المنازعات بالطرق السليمة.
ومثل هذا الرضاء العام كأساس لبناء المنظمة كانت له إيجابية كما كانت له سلبياته. أما أنه كان عاملا إيجابيا فلأنه حافظ على تماسك النظام وضمن له مرونته وحال دون انفراد دولة واحدة أو عدد محدود من الدول بالسيطرة على الجامعة. وأما أن له سلبياته فلأن قاعدة الإجماع أدت أحيانا إلى قدر من الجمود والشكلية فى الأداء بحيث تحركت الجامعة بفعالية حيثما توفر الإجماع لقراراتهما والعكس صحيح.
ساحة النقاش