فى الفصل السابق تناولنا الأسباب التى تؤدى بالدول إلى الدخول فى صراعات مع بعضها البعض. وأشرنا إلى إن أغلب الصراعات الدولية تدار بدون استخدام العنف.
ولكن اخطر الصراعات على الإطلاق هى تلك التى تستخدم الوسائل العسكرية فى حسمها، وفى هذه الحالة فإن الصراع يتحول إلى حرب.
والحقيقة أن الدول اليوم ـ بشكل عام ـ لا تواجه الحروب كثيرا، وانما تواجه ما يعرف بـ الأزمات الدولية. والأزمة الدولية هى موقف من مواقف الصراع الدولى يكون على رجال الدولة أن يتخذوا فيه قرارا هاما ومصيريا فى ظل هامش ضيق من الوقت.
وفى ظل الأزمة يقع رجال الدولة غالبا تحت وطأة ضغوط هائلة: الوقت ضيق، والقرار صعب ، والأعصاب مشدودة. . الخ .
وتحتاج الأزمات الدولية إلى حنكة هائلة للتعامل معها، فهى تتطلب من صانعى القرار أن يضعوا كل المعلومات والخيارات أمام متخذ القرار، بدون تشويه او تحيز. وهناك مشاكل معروفة تواجه القادة فى وقت الأزمات منها مثلا أن تكون المعلومات متأثرة بالنسق العقائدي، ومنها المبالغة فى احتمال وقوع أمر يرغب فى حدوثه، والتقليل من احتمال وقوع حدث غير مرغوب فى وقوعه.
وعلى سبيل المثال، فعندما اتخذ الرئيس جمال عبد الناصر قراره بتأميم شركة قناة السويس فى 26 يوليو 1956، كان يستبعد احتمال تدخل بريطانيا وفرنسا عسكريا، وعندما أثار أحد الوزراء المصريين احتمال استخدام بريطانيا لإسرائيل فى شن غارة على مصر كان جواب ناصر إن ذلك صعب، لأن من شأنه القضاء على مركز بريطانيا فى الشرق الأوسط. وقد سئل كذلك عن احتمال تدخل الجيش الفرنسي، كان جوابه أن الفرنسيين منشغلون تماما فى الجزائر ويحتاجون إلى شهرين على الأقل لإعداد الغزو.
وبالرغم من أن الرئيس عبد الناصر اتخذ قرار التأميم بشكل فردى (وهذه من اخطر الطرق فى إدارة الأزمات الدولية) فإن بعض وزرائه حاولوا تنبيهه ـ بعد إعلانه التأميم ـ إلى العواقب الخطيرة التى يحملها قرار مثل هذا، ومن هؤلاء سيد مرعى الذى قال : يا سيادة الرئيس، إن القرار الذى اتخذته هو حلم كل مصري، ولكن هذا القرار معناه فى نفس الوقت أننا سندخل فى حرب مباشرة مع بريطانيا وفرنسا والغرب كله .
ومن النماذج التى يستخدمها المحللون كثيرا للإشارة إلى تعقيد المواقف فى وقت الأزمات، والى الدور الذى يلعبه متخذو القرار فى تجنب وصول الأزمة إلى حافة الهاوية، نموذج أزمة الصواريخ الكوبية فى 1962، حيث قام الاتحاد السوفيتى بوضع صواريخ فى كوبا قادرة على تهديد مدن الولايات المتحدة بضربة نووية. وكان الزعيم السوفيتى نيكيتا خوروتشوف قد اتخذ هذا القرار الخطير دون استشارة اغلب معاونيه.
وعند معرفة الرئيس الأمريكى كيندى بهذا الإجراء السوفيتي، قرر عقد مشاورات موسعة مع مستشاريه استمرت لعدة أيام، لاتخاذ القرار المناسب فى هذا الموقف الخطير الذى يقول الكثيرون إن العالم كان اقرب ما يكون فيه إلى الحرب النووية.
وفى البداية كان رأى المستشارين أن الحل الوحيد هو القيام بضربة جوية لإزالة الصواريخ التى وضعها الاتحاد السوفيتى فى كوبا. ولكن كيندى كان يعرف فى نفس الوقت أن الإقدام على مثل هذه الخطوة قد يقود إلى حرب نووية شاملة يروح ضحيتها الملايين من الأرواح. كما كان مدركا أن عدم القيام بأى إجراء معناه الرضوخ للابتزاز السوفيتى مما يضع مصداقية الولايات المتحدة موضع الشك، ويهدد بأخطار اكبر فى المستقبل.
فى هذا الوقت صمم الرئيس كيندى على أن يقرأ كل عضو فى مجلس الأمن القومى كتابا عنوانه مدافع أغسطس والكتاب يعرض لكيفية تورط دول أوروبا. فى الحرب العالمية الأولي. وذكر الرئيس كيندى مستشاريه بالمحادثة التى جرت فى عام 1914 بين اثنين من المستشارين حول أصول هذه الحرب. سأل أحدهما كيف حدثت الحرب؟ ورد المستشار الآخر: آه لو كنا نعرف. وكانت هذه هى طريقة كيندى فى التأكيد على مقدار الخطر الذى يمكن أن ينتج عن الخطأ فى التقدير .
والمهم انه بإتاحة مزيد من الوقت، استطاع فريق المستشارين أن يتوصل إلى بديل آخر، بخلاف الضربة الجوية والقبول بالأمر الواقع، وهو إعلان الحصار البحرى على كوبا لإقناع الاتحاد السوفيتى بجدية الولايات المتحدة فى اتخاذ خطوات اكثر حدة وإعطاء خوروتشوف ـ فى نفس الوقت ـ منفذا للتراجع بشرف.
وقد نجح هذا القرار فى امتصاص الأزمة، فقد تراجع الاتحاد السوفيتى (فى مقابل تخلى أمريكا عن صواريخ لها فى تركيا). . وتجنب العالم حربا نووية محققة .
ولكن كل الأزمات لا تنتهى بمثل هذه الطريقة، فبعض الأزمات تتحول إلى حروب. والحرب تعد اخطر المسائل فى موضوع الصراع الدولي، بل أن الكثيرين يرون إن موضوع الصراع الدولى يتعلق أساسا بأسباب نشوب الحروب. وسوف نحاول فيما يلى مناقشة هذه الأسباب.
المصدر: جمال رشدي - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/Y1UN14.HTM
نشرت فى 13 أكتوبر 2011
بواسطة mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
284,301
ساحة النقاش