الاعتقاد بأن الغزو سهل يفسر الكثير من الحروب، والدول الأكثر تعرضاً للخطر هى تلك الدول التى تشعر بأن أمنها ضعيف (مثل ألمانيا )، لأن هذه الدول يكون عندها شك هائل فى نوايا الدول الأخرى. والحرب العالمية الأولى يمكن تلخيصها فى عبارة واحدة : ألمانيا كانت تشعر بأن أمنها مهدد، وسعت إلى الحصول على الأمن عن طريق تهديد أمن كل جيرانها، وهذا خلق لها كابوسا مرعبا هو اجتماع كل جيرانها عليها لهزيمتها. وموقف ألمانيا، فى القرنين التاسع عشر والعشرين، لا يختلف كثيرا عن موقف إسرائيل. فهى رأت منذ نشأتها أن أمنها لا يمكن صيانته إلا عن طريق عقيدة عسكرية هجومية.
وبهذه الطريقة يمكن أن نفسر عدم انخراط الولايات المتحدة فى حروب هجومية كثيرة: فهى تشعر بالأمن بسبب موقعها الجغرافى الحصين، وبالتالى فمن النادر أن تشتبك فى حروب مع الدول الأخرى من اجل الحصول على الأمن.
ثانيا : أنــواع الحروب
حتى اليوم يجد الكثيرون صعوبات كبيرة فى تحديد أى من الصراعات المسلحة يمكن أن نطلق عليه حربا. فهناك حالات كثيرة يستخدم فيها العنف ولكنها تقع فى المنطقة الرمادية بين السلام والحرب. وعلى سبيل المثال فقد أعلنت الولايات المتحدة بعد الهجمات الإرهابية على برجى التجارة فى نيويورك فى 11 سبتمبر 2001 أنها فى حالة حرب، فى حين أن من نفذوا هذه العملية الإرهابية لم يكونوا أعضاء فى القوات المسلحة لأى دولة من الدول، وإنما كانوا أفرادا فى شبكة إرهابية عالمية هى منظمة القاعدة فهل يمكن اعتبار ما حدث فى11 سبتمبر حربا؟ . . هذه مسألة شائكة وتختلف فيها الآراء .
ولذلك فقد حاول البعض وضع معايير يمكن من خلالها أن نميز بين الحرب وغيرها من ظواهر الصراع التى يستخدم فيها العنف. ومنها مثلا معيار عدد القتلى، ووفقا لهذا المعيار فإن أى نزاع مسلح يؤدى إلى مقتل اكثر من آلف فرد يمكن إن يطلق عليه حرب. وهناك من يركز على البعد القانونى فيقول بأن الحرب يمكن تمييزها عندما تقوم الدول بإعلانها، ولكن هذه النظرة تعتبر قديمة جدا.
وبشكل عام يمكن تقسيم الحروب على النحو التالى :
1ـ حروب الهيمنة :
هى حروب تخوضها الدول للسيطرة على النظام العالمى كلية، ويطلق عليها الحروب العالمية أو الكونية، وآخر هذه الحروب كانت الحرب العالمية الثانية. واليوم لا يمكن أن تحدث هذه النوعية من الحروب دون أن تؤدى إلى دمار البشرية.
2ـ الحرب الشاملة :
هى حروب تخوضها الدول لغزو الدول الأخرى واحتلالها، والغرض هنا هو الوصول لعاصمة الدولة المعادية وإجبار حكومتها على الاستسلام، وفى حالات نادرة يتم ضم إقليم الدولة المهزومة إلى إقليم الدولة المنتصرة كما فعل صدام حسين مع الكويت عندما أطلق عليها المحافظة العراقية التاسعة عشرة.
والحرب الشاملة كما نعرفها اليوم نشأت من أيام نابليون الذى قام بإدخال مفهوم التجنيد الإجبارى واسع النطاق، وسخر الاقتصاد الفرنسى كله للحرب.
ومع الثورة الصناعية زاد الحماس لمفهوم الحرب الشاملة التى أدخلت المجتمع والاقتصاد كله فى المجهود الحربي، وقد كانت الحرب الشاملة الأولى - بالمعنى الكامل- هى الحرب العالمية الأولي. ولكى نعرف الفرق بين طبيعة هذه الحرب وطبيعة الحروب التى سبقتها يكفى إن نقارن عدد قتلاها الذى بلغ نحو 15 مليونا بقتلى المعركة التى انتصر فيها بسمارك على النمسا فى عام 1866 الذين بلغ عددهم 36 ألفا.
فى الحرب الشاملة يتم تجنيد المجتمع كله للحرب، فى حين يعتبر مجتمع العدو كله هدفا مشروعا. وعلى سبيل المثال فقد قام الأمريكيون والإنجليز بقذف المدن الألمانيـة - مثل درسدن - بصواريخ V2 فيما كان يعرف بسياسة القذف الأستراتيجى التى كان الهدف منها إضعاف الروح المعنوية للعدو، وقد أدت هذه السياسة إلى مقتل حوالى 600 آلف مدنى ألمانى.
إن الحرب الشاملة تحدت أعرافاس وقيما توارثتها البشرية منذ القدم بشأن المسموح به والممنوع فى الحرب، عندما اعتبرت أن المجتمع كله يعتبر هدفا مشروعا فى وقت الحرب.
وكان أول من أشار إلى مفهوم الحرب الشاملة هو الضابط الألمانى فون درجولتز فقد ألف كتابا فى عام 1883 عنوانه الأمة تحمل السلاح وفى هذا الكتاب تحدث عن أن موجة المستقبل لن تكون الحروب بين الجيوش النظامية فقط ، وإنما الأمة كلها سوف تكون هدفا فى المعارك، وبالتالى فإن الأمة كلها مطالبة بأن تحمل السلاح. وقد دارت الحرب العالمية الأولى بنفس الصورة التى تخيلها هذا الضابط الألماني.
وفى عام 1936 ألف الضابط أركان حرب اريك لوندروف، الذى كان رئيسا لأركان الجيش الألمانى خلال الحرب العالمية الأولي، كتابا عنوانه الحرب الشاملة. وفى هذا الكتاب حاول لوندروف أن يهدم الفكرة القائلة بضرورة التفرقة بين الجيش والشعب، ودعا إلى أن يكون البلد كله، عسكريين وغير عسكريين، رجاله ونساؤه وأطفاله عبارة عن جيش ضخم، كل يخدم فى موقعه. وعلى رأس هذه المنظومة لابد من وجود قائد عسكرى ذى سلطة مطلقة بما فى ذلك الحق فى تجاوز السلطة القضائية وإعدام من يرى انه يعوق المجهود الحربى من المجتمع. وقد وصل لوندروف إلى أقصى درجات التطرف عندما قال بأن هذا النظام لابد ألا يقتصر على زمن الحرب، فقد بلغ من اتساع نطاق النزاعات الحديثة ومن طول فترة الإعداد لها ما يقتضى أن تستمر هذه الدكتاتورية العسكرية على الدوام.
إن هذه الآراء المتطرفة كانت تمثل خلاصة تفكير المدرسة العسكرية الألمانية التى كانت ترى أن الكفاءة هى اعظم إنجاز للإنسان، ومن ثم لابد من البحث عن شتى السبل التى من شأنها أن توجه الهياكل الاجتماعية لتحقيقها. وقد تحولت هذه الآراء إلى واقع مروع فى الحربين العالميتين اللتين شهدتا مذابح وحشية لا سابق لها فى التاريخ البشرى.
المصدر: جمال رشدي - موسوعة الشباب السياسية
http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/Y1UN14.HTM
نشرت فى 13 أكتوبر 2011
بواسطة mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
284,201
ساحة النقاش