3- الإرهاب وحرب العصابات :
أما فيما يتعلق بحرب العصابات فهو أسلوب للقتال المحدود يقوم به مجموعة من المقاتلين وذلك فى ظروف مختلفة عن الظروف المعتادة للحرب، وبغض النظر عن أن تكون هذه الفئة من المقاتلين من القوات الحكومية أو غير النظامية. وهناك أوجه للتمييز بين الظاهرة والإرهاب أهمها:
أ- تمارس وحدات حرب العصابات أنشطتها بقوات عسكرية تقليدية من خلال الهجمات المفاجئة، حيث يتم التركيز على المبانى الحكومية والجيش ومراكز الشرطة، بينما لا يفرق الإرهابيون بين الأهداف العسكرية والمدنية، كما أنهم لا ينتظمون فى وحدات عسكرية.
ب- تتركز عمليات حرب العصابات فى الأماكن الجبلية ومفارق الطرق والقرى والمستنقعات، بينما تتركز الأنشطة الإرهابية فى المناطق الحضرية والمقاهى والأندية ودور السينما والمسرح.
ج - عادة ما يكون أفراد القوات المسلحة الحكومية هم المستهدفون بعمليات رجال حرب العصابات، بينما المستهدفون من العمليات الإرهابية هم من غير العسكريين أساسا كرجال السياسة والإدارة الحكومية ورجال الدين والمواطنين العاديين.
د- تهدف أنشطة حرب العصابات إلى التقليص التدريجى للمساحات المحتلة وإلحاق أكبر قدر من الخسائر المادية والمعنوية فى صفوف العدو، بينما تستهدف العمليات الإرهابية، إثارة الذعر للتأثير على السلوك السياسى للدول.
هـ- من يمارس أنشطة حرب العصابات عادة هم حركات التحرير الوطنية والمقاومة الوطنية ضد الاحتلال أو الجماعات الانفصالية ضد قوات وجيش الدولة، بينما لا يستخدم الإرهابيون أساليب حرب العصابات فى عملياتهم لأن العمليات الإرهابية متباعدة زمنياً ولا تتركز فى مكان واحد وهى عمليات متفرقة.
4- الإرهاب والجريمة السياسية:
ظهرت فكرة الجريمة السياسية، باعتبارها جريمة من نوع خاص يعامل مرتكبها معاملة خاصة تختلف عن تلك المقررة لمرتكبى الجرائم الأخرى، بعد الثورة الفرنسية وما جاءت به من مبادئ وأفكار سياسية لا تعتبر المجرم السياسى بالضرورة عدواً للدولة، بل قد يكون مجرد خصم للجهاز الحكومى وأنه فى الغالب صاحب عقيدة ورأى مقتنع بآرائه بما يدفعه إلى التضحية فى سبيل مبادئه. وقد أدت هذه النظرة إلى إرساء مبدأ هام من مبادئ القانون الدولى وهو مبدأ حظر التسليم فى الجرائم السياسية ، مما أثار السؤال عن الفارق بين الجريمة السياسية والجريمة العادية .
وانقسم الفقهاء إلى ثلاث فرق:
فريق رأى أنه يجب الأخذ بالمعيار الشخصى بمعنى أن الدافع أو الباعث على اقتراف الفعل أو الغرض الذى يهدف إلى تحقيقه هو أساس التفرقة، فإذا كان الباعث أو الدافع سياسياً كانت الجريمة سياسية.
وفريق ثان يأخذ بالمعيار الموضوعى الذى يعتبر أن أساس تحديد نوع الجريمة سواء سياسية أو عادية هو نوع الحق المعتدى عليه بصرف النظر عن الباعث أو الدافع على ارتكاب الجريمة أو الهدف الذى ارتكبت من أجله.
وفريق ثالث يرى أن أساس التفرقة هى الظروف التى ارتكبت فيها الجريمة، فإذا ارتكبت فى ظروف عادية فهى جريمة عادية حتى لو كان الباعث سياسياً، وتعتبر جريمة سياسية إذا ارتكبت فى ظروف غير عادية كحرب أهلية أو ثورة.
ولم يتعرض المشرع المصرى لمفهوم الجريمة السياسية من خلال قانون العقوبات الشامل لبعض الجرائم، غير أنه جرى العمل فى قضاء محكمة النقض المصرية على الأخذ بالمعيار الشخصى للجريمة السياسية.
والتفرقة بين الإرهاب والجريمة السياسية مسألة محسومة فى المجتمع الدولى على الأقل منذ معاهدة باريس عام 1937، الخاصة بمكافحة الإرهاب والتى استبعدت بصورة قاطعة جرائم الإرهاب والجرائم الأخرى التى ترتكب بغرض دنئ من نطاق الجرائم السياسية. وتكرر النص على استبعاد جرائم الإرهاب من نطاق الجرائم السياسية فى أغلب الاتفاقيات الثنائية وكل الاتفاقيات متعددة الأطراف وجميع الاتفاقيات الدولية والإقليمية بشأن تسليم المجرمين.
أما كلمة سياسية فلا تنطبق إلا على الآراء والأفكار والمعتقدات التى تشكل منهجا فكريا معينا قد يتفق أو يتعارض مع فكر مجموعة سياسية أخرى. وقد تحظر السلطات نشاطا سياسيا معينا أو الترويج لفكر سياسى معارض عن طريق الخطابة أو المنشورات أو الملصقات أو أى وسيلة أخرى لا يستخدم فيها العنف أو التحريض عليه. وهذه النوعية من الأفعال هى فقط التى يطلق عليها لفظ جرائم سياسية أو أفعال سياسية يجوز حماية مرتكبيها بمنحهم حق اللجوء السياسى.
وقد عبر هذا الاتجاه عن نفسه منذ زمن طويل. فأحد أهم مذاهب التفريق بين الجرائم السياسية والجرائم الأخرى هو ما يعرف بمذهب جنيف وهو ما ذهب إليه المعهد الدولى للعلوم الجنائية فى دورته المنعقدة فى جنيف عام 1892 أى منذ أكثر من مائة عام ويقوم على المبادئ الآتية:
أ - عدم جواز التسليم فى الجرائم السياسية المحضة جرائم الرأى.
ب- عدم جواز التسليم فى الجرائم المركبة- الجرائم السياسية النسبية- إلا إذا تضمنت أفعالا خطيرة مثل القتل أو الخطف أو التخريب وغيرها.
ج- الأفعال المرتكبة أثناء الثورات والحروب التحريرية والمدنية لكسب المعركة يستفيد فاعلها من حق اللجوء السياسى إلا إذا كانت من أفعال النذالة والضرر والوحشية.
د - الأفعال الفردية الخطيرة من حيث الأخلاق والاعتداء على الحقوق العادية لا تستفيد من حق اللجوء السياسى والذى عرفه الفقه القانونى تحت إسم مذهب الاستثناء.
وهناك بعض المعايير التى من خلالها يمكن التمييز بين الجريمة الإرهابية والجريمة السياسية. فالضحايا فى حالة الجريمة الإرهابية غير محددين بذواتهم فى أحيان كثيرة بما يساهم فى خلق شعور عام بالخطر يؤدى إلى إشاعة حالة من الرعب فى المجتمع، بينما فى حالة الجريمة السياسية لا يقع ضرر مادى جسيم على إناس من المجتمع، وينعدم فيها الإحساس بالخطر العام، وليس لها ضحايا لأنها تتعلق غالباً بإبداء رأى مخالف.
لذا منح القانون الدولى من يرتكب مثل هذه الأفعال ويكون مطارداً من السلطات المحلية حق اللجوء السياسى بينما حرم هذا الحق على المجرم الإرهابى . لذا لا يعتبر القانون الدولى الجريمة الإرهابية جريمة سياسية بأى حال من الأحوال حتى ولو كان الدافع أو الباعث لها سياسياً ومن ثم تعتبر جريمة عادية تخضع لقواعد وشروط تسليم المجرمين أو محاكمتهم وعقابهم.
ساحة النقاش