5 - مصر وجامعة الدول العربية:
بدأ دور مصر البارز فى الجامعة منذ إنشائها ، إذ كان على مصر أن تصوغ مشروع البيان من جملة الصيغ المتعددة التى طرحت. وبطبيعة الحال لم يكون تحرك مصر نحو بناء تجمع إقليمي عربى وليد الصدفة او اللحظة التاريخية التى شهدت ميلاد الجامعة العربية. فقد عاشت مصر عبر تاريخها الطويل واعية لعروبتها التي تأصلت بها منذ الفتح الإسلامي لديارها وغدت وجهها المشرق على امتداد 14 قرنا منذ ذلك الفتح الإسلامي حتى اليوم.
وهذا ما عبرت عنه كلمة الحكومة أمام مجلس الشيوخ المصري في 30 مارس سنة 1943 بتأكيدها على رؤيتها العربية واستقلال تحركها عن الدفع البريطانى لايجاد تجمع عربى. فقد ورد فيها أن اندفاع مصر نحو حركة الاتحاد العربي ليس مرتبط أو مترتبا على تصريح لأنتوني إيدن وزير خارجية بريطانيا أمام مجلس العموم البريطاني في 26 مايو سنة 1941 والذي أيده في بيان آخر في 24 فبراير 1943 تضمن أن بريطانيا تعمل على تقوية الروابط السياسية والثقافية والاقتصادية بين البلاد العربية.
ولقد كان من الطبيعي أن تقوم مصر بدور رئيسي للعمل على تحقيق الربط العضوى العربى، ليس فقط بحكم مايتوافر لها من امكانيات وثقل سياسى على المستويين العربى والدولى ، ولكن ايضا لتوافر عدد من العوامل الموضوعية التى كانت وراء ترجيح الدور المصرى وقبوله من جانب كافة الاطراف العربية والدولية ، نذكر منها:
ـ الموقف المصرى المتميز من قضية فلسطين والدور الخاص الذى لعبه رئيس الوزراء فى ذلك الوقت مصطفى النحاس ، بالاضافة لتنامى الفكر العروبى فى مصر ودفعه للمكانة المصرية العربية عاليا.
ـ استناد منهاج التحرك المصرى على تجميع الكيانات العربية على قاعدة الرضاء والتنازلات المتبادلة وليس على قاعدة فرض المواقف. ولذا لجأت الدبلوماسية المصرية الى عدد من الآليات المرنة لتجميع الأفكار والمشروعات العربية المختلفة الخاصة بالوحدة والتعاون الاقليمى. فقد استند التحرك المصرى الى منهاج توسيع نطاق التشاور، وتبادل الأفكار بحرية، وعدم الانحياز لطرف على حساب طرف آخر. ثم محاولة التوفيق بين كافة الأفكار والمشروعات السياسية التى طرحت. وأخيرا الخروج بصيغ توفيقية تحظى بالموافقة.
ـ تحسن العلاقات المصرية السعودية ، وقيام مصر بدور موازن بين الكيانات العربية ، فى الوقت الذى كانت هناك منافسات حادة بين الهاشميين والسعوديين.
ـ توافق المصالح بين المنطقة العربية عموما وبريطانيا حول تدعيم أسس التعاون الاقليمى فى المنطقة العربية تحسبا لمستقبل المنطقة بعد انتهاء الحرب.
ـ شيوع الافكار الدولية الداعمة لبناء تنظيمات اقليمية فى مناطق العالم المختلفة كسبيل لتقليل فرص قيام حروب عالمية اخرى .
وقد انطلقت الدبلوماسية المصرية في الفترة من 20/9/1944 الى 7/10/1944 بدعوة ممثلي ست دول عربية مستقلة هي سوريا والعراق والسعودية ولبنان وشرق الأردن واليمن لحضور اجتماع اللجنة التحضيرية للمؤتمر العربي العام، والذي تمخض عن توقيع هذه الدول على بروتوكول الإسكندرية فى 7 اكتوبر 1944 والذي كان بمثابة تصريح عن المبادئ التي تقوم عليها جامعة الدول العربية والخطوط العامة لنظام التعاون بين الدول الأعضاء في الحاضر والمستقبل.
وفي 4 فبراير سنة 1945 انعقدت في القاهرة لجنة سياسية فرعية من ممثلي الدول العربية سالفة الذكر لوضع نظام لجامعة الدول العربية على وجه يتفق مع روح ونص بروتوكول الإسكندرية. وقد انعقد المؤتمر العام في الفترة من 17 و22 مارس 1945 وتم التوقيع على ميثاق الجامعة والذي دخل حيز التنفيذ في 10/5/1945.
وهكذا خطت مصر والدول العربية الأخرى ـ رغم ما بينها من تباينات وخلافات ـ خطوة كبيرة على طريق الترابط المؤسسى، على الرغم من أهمية التباينات التى أظهرتها مباحثات تشكيل الجامعة العربية بين الدول العربية والصيغة التى انتهت اليها، والتى أسهمت فى تدعيم الدولة الوطنية على حساب المشروعات الوحدوية. ولكن كان لتردى الأوضاع فى فلسطين وفشل المحاولات العربية لإيقاف المد الصهيونى واليهودى بها، اثره الواضح فى تحويل القضية الفلسطينية وخاصة بعد حرب 1948 لتصبح قضية محورية لمصر.
ومع قيام ثورة يوليو 1952 دخل متغير جديد فى علاقات مصر بالبيئتين العربية والدولية معا، تمحور بالأساس حول قضية استقلال الإرادة الوطنية. ولذا فقد أعطت القيادة المصرية الجديدة أهمية كبرى لقضية تصفية الاستعمار الاوروبى التقليدى وبصفة خاصة فى الإطارين العربى والأفريقى.
ولذا برزت عدة توجهات نحو تفعيل العمل المشترك العربى في إطار جامعة الدول العربية كان في مقدمتها الدفاع عن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. كما كانت مصر من أوائل الدول التي وقعت على قرار مجلس الوحدة الاقتصادية التابع للجامعة بشأن اتفاقية الوحدة الاقتصادية عام 1957، وعلى قرار مجلس الوحدة الاقتصادية بإنشاء السوق العربية المشتركة. كذلك تعاظم دور مصر في إثراء نشاط جامعة الدول العربية وتدعيم دورها بدعوتها إلى عقد مؤتمر قمة عربي طارئ فى يناير 1964 ردا على محاولة إسرائيل تحويل مياه نهر الأردن، وقد اتخذت عدة قرارات في هذا المؤتمر أهمها إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية وتشكيل القيادة العربية الموحدة .
ومع قيام الرئيس السادات بزيارة اسرائيل عام 1977 وتوقيع مصر على معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، اتخذت الدول العربية في مؤتمر القمة العربي ببغداد في نوفمبر 1978 قرارا بتجميد عضوية مصر في جامعة الدول العربية ونقل مقر الجامعة الى تونس بالرغم من ان الحكومة المصرية كانت قد أكدت في أكثر من مناسبة أن الوحدة والتضامن العربي ركن أساسي في السياسة الخارجية المصرية، وهو ما أكده وزير الخارجية المصري مستندا فى ذلك الى أحكام المادة السادسة من المعاهدة المصرية الإسرائيلية والتى توضح أن الالتزامات العربية المتعلقة بمعاهدة الدفاع المشترك والتعاون بين الدول العربية تكون لها الأولوية على الالتزامات المترتبة على المعاهدة المصرية الإسرائيلية، وذلك استنادا لإحكام ميثاق الأمم المتحدة.
وانطلاقا من هذا الموقف فقد حرصت الحكومة المصرية في بيانها بتاريخ 3 أبريل 1979 على إعلان عدم اعتدادها بالقرارات التي صدرت في مؤتمرى بغداد في نوفمبر 1978 ومارس سنة 1979 وتمسكها بالمحافظة على جامعة الدول العربية في مقرها الشرعي بالقاهرة.
واستمرارا للنهج المصرى الرافض لقطع أواصر الصلة مع العالم العربى ، فإنه على الرغم من المقاطعة العربية لمصر، فقد ظلت مصر محافظة على مسئوليتها العربية والقومية وخاصة مع تولى الرئيس مبارك للحكم. فقد شكلت التطورات التى شهدتها القضية الفلسطينية سواء فيما يتعلق بالممارسات اليهودية داخل الأراضى المحتلة او فيما يتعلق بغزو لبنان وخروج القيادة الفلسطينية منها( حيث أمنت مصر هذا الخروج ) من جانب، وقيام الحرب العراقية الايرانية ومساندة مصر للعراق حتى انتهت الحرب من جانب ثان، مدخلا لإعلاء السمات القومية للسياسة الخارجية المصرية من ناحية، وسبيلا لاستعادة العلاقات الدبلوماسية مع غالبية الأطراف العربية وفقا لمقرارات قمة الاردن 1987 من ناحية أخرى. فتشير جملة التفاعلات المصرية العربية التى تمت خلال فترة المقاطعة وخاصة فى الفترة ما بين 1983ـ 1987 الى ان غياب الشق الدبلوماسى لم يمنع وجود تفاعلات حقيقية ونشطة بين مصر والعديد من الدول العربية.
ومنذ صدور قرار عودة مقر الجامعة الى القاهرة فى 21/5/1989، ومصر تحرص على إيجاد وسيلة منتظمة لعقد مؤتمرات القمة العربية، باعتبارها اعلى مستوى لاجتماعات الجامعة، وهو ماتحقق بالفعل فى قمة القاهرة 2000 باتفاق مصر وباقى الدول العربية الاعضاء فى الجامعة على دورية انعقاد القمة بحيث تكوين سنوية ـ كماسبقت الاشارة ـ وقد انعقدت بالفعل القمة الدورية الاولى فى الاردن فى مارس 2001. ومن جملة القرارات التى اتخذتها هذه القمة قرار تعيين السيد عمر موسى ( وزير الخارجية المصرى) أمين عام للجامعة العربية اعتبارا من مايو 2001، وذلك خلفا للسيد عصمت عبد المجيد التى تولى منصبه منذ عام 1990. ومن المعروف أن عبد الرحمن عزام بك كان اول أمينا عاما للجامعة وقد استمر فى منصبه منذ عام 1945 وحتى تولى السيد عبد الخالق حسونة منصبة كأمين عام فى عام 1952. وقد خلف السيد حسونة السيد محمود رياض الذى تولى منصب امين الجامعة منذ عام 1971 وحتى تم نقل مقر الجامعة الى تونس وتعيين السيد الشاذلى القليبى فى عام 1979 الذى استمر فى منصبه حتى عودة مقر الجامعة للقاهرة عام 1990 وتعيين السيد عصمت عبد المجيد.
والحقيقة أن تعطل دورية إنعقاد القمة العربية لم يقف عائقا امام حرص مصر على تبنى هذه الوسيلة وخاصة فى مواجهة التحديات الكبرى مثل الدعوة الى عقد مؤتمر قمة عربي طارئ بالقاهرة في أغسطس 1990 لمناقشة غزو العراق للكويت، والدعوة لقمة القاهرة في يونيو 1996 لمناقشة عملية السلام ومطالبة إسرائيل بمواصلتها. كما استضافت مصر في أكتوبر 2000 مؤتمر قمة عربي طارئ آخر لبحث القضية الفلسطينية ردا على العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين والمواجهات الدموية بين الجانبين بعد فشل قمة كامب ديفيد في سبتمبر 2000.
وهكذا يتضح الحرص المصرى على العمل العربى من خلال قنوات ومؤسسات جامعة الدول العربية مع تنوع هذا العمل بحيث يصب فى جوانب التعاون المختلفة وخاصة الاقتصادية. فقد كانت مصر فى مقدمة الدول الداعية لاقامة تجمع اقتصادى عربى موحد، وفى مقدمة الدول التى وقعت عام 1998على الاتفاقية الخاصة بإقامة منطقة تجارة حرة فيما بين الدول العربية جميعا.
ساحة النقاش