اتخذت السياسة المصرية الرافضة للسياسات العنصرية عدة أشكال، فلم تقتصر على الجهود الدبلوماسية او المقاطعة، بل إنها ساهمت بفاعلية فى دعم الصندق الذى أنشئ لتدعيم حركة المقاومة للنظم العنصرية فى افريقيا، كما أنها استقبلت الفارين من اضطهاد النظام العنصرى فى جنوب افريقيا.

وعلى مستوى دعم حركات التحرير، فمن الملاحظ ان حقبة الخضوع للاستعمار، وما عرفته مصر من نضال من اجل التحرر الوطنى، قد اكسبت المجتمع المصرى خبرة تاريخية وتوجها أصيلا فى الخمسينيات والستينيات نحو مساندة حركات التحرر الوطنى فى الوطن العربى والافريقى وسائر دول العالم الثالث. ومن الملاحظ ايضا أن تجربة مصر فى استقلال السودان،ودورها فى استقلال ليبيا، وتجربة المقاومة الشعبية ضد العدوان الثلاثى عام 1956، قد تركت ردود فعل عديدة على مسار حركة التحرير فى افريقيا.
ومن هنا كانت لمصر علاقة محورية مع حركات التحرر الوطنى الافريقية، سواء بالفلسفة او بالتنظيم او بنطاق العمل.
ويمكن القول ان نقطة البداية ترتبط بانعقاد مؤتمر باندونج عام 1955 الذى حضره أربع دول افريقية هى: مصر وليبيا وإثيوبيا وليبريا وكل من ساحل الذهب (غانا) والسودان كمراقبين حيث قامت فى يناير 1956 بتشكيل لجنة عليا مهمتها تخطيط سياسة مصرية تجاه القارة الافريقية، والاشراف عليها. وقى هذا الاطار كان الدور المصرى الفاعل تجاه قضية الصومال من خلال موقعها كعضو فى المجلس الاستشارى التابع للأمم المتحدة فى الصومال (حيث كانت الصومال تحت الوصاية)، وتأييد مصر لحركة الماو ماو فى كينيا، حيث كانت كينيا فى مقدمة الأقطار التى استطاعت الثورة المصرية ان تتصل بالحركة الوطنية فيها وتؤيدها وتدعمها . كذلك لجأت مصر الى تنويع أساليب دعمها لمناهضة الاستعمار، ففى عام 1957 تم تأسيس رابطة تعرف بإسم رابطة التضامن الأفروآسيوى، وذلك لإضفاء طابع دولى على دورها، الذى تعددت أشكاله.
واتساقا مع الرؤية المصرية القائمة على أن لكل عصر قضاياه وأولوياته، وخاصة بعد غلق العديد من الملفات السابق الإشارة إليها باستقلال كافة الدول الافريقية، كانت دعوة الرئيس مبارك فى عام 1990 الى إخلاء أفريقيا والشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، وقد حظيت الدعوة بتقدير افريقى واسع، حيث صدر قرار مؤتمر القمة الأفريقي الـ31 المنعقد فى أديس أبابا فى يونيو عام 1995 باعتبار أن أمن الشرق الأوسط جزء من أمن أفريقيا وأن إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في أفريقيا سوف يشكل قوة دفع للجهود الرامية نحو إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط .
ولم يكن الاهتمام المصرى منصبا على القضايا السياسية فحسب، بل إن قضايا التنمية والتعاون الاقتصادى استحوذت على حيز ليس بالقليل من التحرك المصرى منذ أواخر السبعينيات وحتى الآن (وإن أخذ الاهتمام شكلا تصاعديا). فقد ساهمت مصر فى خطة العمل التى وضعت فى مؤتمر القمة الاقتصادي في لاجوس أبريل 1980 من أجل تنمية القارة الأفريقية. وقد تضمنت هذه الخطة التعاون الافريقى فى عدة مجالات هى الغذاء والزراعة والصناعة والتجارة والمال.
كما استضافت مصر قمة أفريقية مصغرة في مارس 1987، سعت من خلالها لإلقاء مزيد من الضوء على مخاطر مشكلة الديون وإمكانيات تفاقمها.كذلك شاركت مصر في القمة الاستثنائية التي عقدت بأديس أبابا في 30 أكتوبر 1987 والتي خصصت لمناقشة القضايا الأفريقية والموقف الأفريقي من أزمة الديون.ومن الملاحظ ان الرئيس مبارك أعطى أهمية لأزمة الديون أثناء فترتي رئاسته للمنظمة في الدورة 25 عام 1990 والدورة 29 عام 1993 ، اذ انها حظيت بالكثير من المناقشات والمؤتمرات سواء على المستوى الافريقى أو على المستوى الدولى، وذلك فى محاولة لتفعيل خطط التنمية الافريقية والتخفيف من وطأة ديون الدول الأفريقية .
كذلك شاركت مصر بجهود كبيرة فى إعداد الإعلان الخاص بالمشاركة الأفريقية في جولة أورجواي للمفاوضات التجارية متعددة الأطراف تحت مظلة اتفاقية الجات، وهو الإعلان الذي وافق عليه القادة الأفارقة في مؤتمر القمة 27 في ابوجا ـ يونية 1991. ويمثل هذا الإعلان رسالة سياسية موجهة إلى دول العالم بضرورة اخذ المصالح الاقتصادية الافريقية في الاعتبار عند إقرار الاتفاقية. وقد تم التوقيع على المعاهدة المؤسسة للجماعة الاقتصادية الأفريقية في هذا المؤتمر كإحدى الوسائل لتحقيق التعاون والتكامل بين الدول الأفريقية وتحقيقا لأحد أهداف ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية.
وعلى مستوى دعم التعاون الأفريقي العربي، فقد كان للجهود المصرية في هذا الشأن دور بارز حيث شاركت مصر في عدة مؤتمرات لتنمية الصادرات العربية الأفريقية وإقامة منطقة عربية وأفريقية للتجارة الحرة. كما استضافت مصر مؤتمر رجال الأعمال العرب في مارس 1995 والذي تقدمت فيه بورقة لإنشاء اتحاد مصرفي مع الدول الأفريقية.
كما شاركت مصر في المنتدى التعاوني العربي الأفريقي في أكتوبر 1995، بالإضافة الى ذلك فقد استضافت مصر اجتماعات لجنة تقويم مسيرة التعاون العربي الأفريقي في فبراير 1996. كذلك استضافت مصر لأول مرة اجتماع للسفراء العرب والأفارقة بالقاهرة في يناير 1997 لمناقشة سبل إعادة إحياء التعاون العربي الأفريقي. ومن المعروف ان القاهرة كانت قد شهدت ميلاد التعاون العربى الافريقى ، باستضافتها لمؤتمر القمة العربى الأفريقي الأول عام 1977، الذى كان إقرارا من جانب كافة الأطراف بأهمية مصر ودورها المحورى كحلقة وصل بين التكتلين العربى والأفريقي.
وبشكل عام فقد استند التحرك المصري فى افريقيا على ضرورة الالتزام الأفريقي بالمبادئ الخمسة التي اقرها ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية، وهي مبادئ قدسية الحدود وعدم المساس بها، وعدم التدخل في الشئون الداخلية، واحترام سيادة كل دولة عضو، وسلامة أراضيها وحقها في كيانها المستقل، وتسوية المنازعات بين الدول الأفريقية بالوسائل السلمية داخل الإطار الأفريقي.

 

 

المصدر: أ/ ايمن عبد الوهاب - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN53.HTM
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 194 مشاهدة
نشرت فى 5 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

284,138