على الرغم من الشعبية الواسعة التي تمتع بها حزب الوفد، والتي جعلت المؤرخين يتفقون علي أنه كان حزب الأغلبية بلا منازع ، إلا انه لم يحصل علي اغلبية برلمانية في جميع الانتخابات . فقد فاز في بأغلبية كبيرة في كل انتخابات حرة بينما فقد هذه الاغلبية في الانتخابات التي شهدت تدخلا لصالح بعض أحزاب الاقلية التي كان معظمها انشقاقا عليه.
ونتجت هذه الانشقاقات إما عن تغير الظروف التي أتاحت التقاء تيارات متعددة في اطار الوفد خلال المرحلة التي كان أقرب فيها الي تجمع وطني عريض، أو الي خلافات وصراعات علي النفوذ والتأثير والزعامة .
وقد بدأت هذه الانشقاقات مبكرا عندما خرج معظم قادة ومؤيدي اتجاه حزب الأمة الذي كان قد تكون عام 1907 كما سبقت الاشارة - وأسسوا حزب الاخوان الدستوريين عام 1922. وكان هذا هو الانشقاق الحزبي في عهد زعيم الأمة الأول سعد زغلول الذي ترفي في اغسطس 1927 وخلفه مصطفي النحاس.
وكانت اهم النتائج التي أسفرت عنها هذه الانشقاقات هو ظهور العديد من الأحزاب التي حرصت بدورها رغم انشقاقها عن الوفد علي تأكيد صلتها بثورة 1919 وانتسابها لها . في هذا الاطار ظهر حزب الأحرار الدستوريين عام 1922 برئاسة عدلي يكن باشا، نتيجة تراكم خلافات بين سعد زغلول وعدد من اعضاء الوفد خلال المفاوضات مع الانجليز . وتركزت هذه الخلافات علي كيفية ادارة المفاوضات وبصفة خاصة مدى المرونة فيها ، حيث كان هؤلاء الأعضاء أكثر ميلا الي المرونة والحلول الوسط بينما كان سعد زغلول أكثر ميلا الي التشدد. وقد استمد هذا الحزب اصوله الفكرية من حزب الأمة حيث ركز علي مبادئ الحرية واتسم بالاعتدال السياسي الذي عرف به حزب الأمة وضم في عضويته كبار المفكرين والسياسيين أمثال أحمد لطفي السيد وطه حسين ، ومحمد حسين هيكل وغيرهم . وكلهم رموز معبرة عن الاتجاه الليبرالي الذي يؤمن بالحرية الفردية ويعتبر الفرد ركيزة المجتمع ويرفض أي تقييد لحريته السياسية أو الفكرية. وإن كان الحزب بحكم تركيبته الفكرية كان أقرب الي أحزاب النخبة المحدودة (مثله مثل حزب الأمة) بخلاف الوفد الذي كان حزبا شعبيا واسع النطاق.
وجدير بالذكر أنه كانت هناك انشقاقات عن الوفد لن يترتب عليها تأسيس أحزاب جديدة وأهمها انشقاق عام 1932 عندما رفض مصطفي النحاس اقتراح بعض قادة الحزب تشكيل حكومة ائتلافية لمفاوضة الانجليز ، وأصر علي اعادة العمل اولا بدستور 1923 الذي ألغاه اسماعيل صدقي عندما ترأس الحكومة عام 1930.
ومع ذلك اسفر انشقاقان آخران عن تأسيس اثنين من أهم أحزاب الاقلية في تلك المرحلة .
وكان أولهما انشقاق اثنين من ابرز قادة الوفد وهما احمد ماهر ومحمود فهمي النقراشي . وكان هذا أول انشقاق لا يرتبط بخلاف علي القضية الوطنية وإنما بصراع علي النفوذ والسلطة داخل الحزب بعد توقيع معاهدة 1936 التي تصور البعض انها أنهت النضال من اجل الاستقلال . وقد تشكلت الهيئة السعدية في اواخر عام 1937 بزعامة أحمد ماهر باشا ومحمود فهمي النقراشي الذي احتل منصب رئيس وزراء مصر في اواخر الاربعينيات. وحرص الحزب وقياداته علي تأكيد الانتساب الي ثورة 1919 ، كما حرص النقراشي علي اظهار ارتباطه الوثيق بزعيم تلك الثورة سعد زغلول ، ومن هنا كانت تسميته بالهيئة السعدية وتسمية اعضائه بالسعديين .
كما ظهر في نفس السياق حزب الكتلة الوفدية نتيجة انشقاق السكرتير العام لحزب الوفد والرجل الثاني فيه مكرم عبيد خلال وجود الوفد في الحكم (وزارة مصطفي النحاس باشا الخامسة فبراير - مايو عام1942) حيث ظهر الخلاف داخل هذه الوزارة ، وهو الخلاف الذي أدي الي اصدار مكرم عبيد الكتاب الأسود الذي اتهم فيه قيادة الوفد وبعض وزرائه بمخالفة القانون والتورط في ممارسات اعتبرها فاسدة.
وكان هذا الانشقاق الأخير من أكثر الانشقاقات التي تم فيها تبادل الاتهامات بين أعضاء الوفد والمنشقين عليهم خاصة فيما يتعلق باستغلال النفوذ للاثراء والفساء .
وفي مقابل حزب الوفد والأحزاب المنشقة عنه والتي انتسبت كلها الي ثورة 1919، عرفت التجربة الحزبية الثانية وجود أحزاب أخري لم تنسب الي الثورة مثل الحزب الوطني (الذي استمر من التجربة الأولي) ، والأحزاب التي نشأت في ارتباط مع الملك والقصر مثل حزبي الاتحاد ، والشعب . وخارج نطاق الأحزاب وجدت ايضا جماعات وتنظيمات ذات طابع ايديولوجي مثل جماعة الاخوان المسلمين وحركة مصر الفتاة والتنظيمات الشيوعية المختلفة التي نشطت تحت الأرض.
ساحة النقاش