2 ـ مراحل التنشئة السياسية :
تمر عملية التنشئة بعدد من المراحل التى ترتبط بنمو الفرد وتطوره، وهى مرحلة الطفولة ثم المراهقة وأخيراً النضج والاعتدال. ويتحدد السلوك السياسى للفرد فى مرحلة النضج بدرجة ما بخبرات التنشئة التى يكتسبها فى مرحلتى الطفولة والمراهقة.
ويتلقى الفرد فى كل مرحلة من هذه المراحل جزءاً من عملية التنشئة. كما يتعرض ايضاً فى كل مرحلة إلى أداة أو أكثر من أدوات التنشئة التى قد تكمل بعضها البعض أو قد يتعارض بعضها مع البعض الآخر.
فالإنسان فى مختلف مراحل حياته يعايش مؤسسات عديدة، بعضها مفروض عليه ـ كالأسرة أو المدرسة مثلاً ـ وبعضها الآخر إرادى ينضم إليه طوعاً دون ضغط، ويتلقى من كل هذه المؤسسات خبرات وقيم واتجاهات ومبادىء يختزنها فى ذاكرته ووجدانه لتساهم بطريق مباشر أو غير مباشر فى تحديد مواقفه وسلوكه بعد ذلك.
3 ـ أدوات التنشئة السياسية :
تتنوع وتتعدد الأدوات التى تلعب أدواراً رئيسية فى عملية التنشئة. فتحت تأثير الأسرة والمدرسة وجماعات الرفاق وأدوات الاعلام يكتسب الفرد قيماً ومعايير واتجاهات منها ما هو اجتماعى له آثاره السياسية، ومنها ما هو سياسى. وسوف نتناول هذه الأدوات على النحو التالى :
أ ـ الأســـرة :
تعتبر الأسرة من أهم أدوات التنشئة السياسية وأعظمها تأثيراً فى حياة الأفراد فهى أول جماعة يعيش فيها الفرد، وهى التى تقوم بإشباع حاجاته البيولوجية وما يرتبط بها من حاجات سيكولوجية واجتماعية خلال مراحل حياته الأولى، وهى التى تنقل إليه كافة المعارف والمهارات والاتجاهات والقيم التى تمكنه من أن يعيش حياة اجتماعية ناجحة بين أفراد المجتمع.
وقد أكدت معظم الكتابات التى تناولت التنشئة على أن الأسرة هى أهم أدوات التنشئة نظراً لما لها من تأثير حلزونى يمتد ليطوق كل الأدوات الأخرى مثل جماعات الرفاق والمدرسة والسلطة ووسائل الإعلام وغيرها.
وتعتبر الأسرة المدرسة الأساسية لكل طفل لأن ما يتعلمه فيها يبقى معه طوال حياته. فعن طريقها يكتسب قيمه الاجتماعية، ومعايير سلوكه، ويكتسب ضميره الآمر الناهى الذى يثيبه على خير ما يقوم به ويعاقبه على شر ما يقترفه، وعن طريقها ايضاً يكتسب الطفل المعايير العامة التى تفرضها أنماط الثقافة السائدة فى المجتمع.
ب ـ المدرسة :
وتقوم المدرسة بعملية التنشئة السياسية عن طريقين :
(1) التثقيف السياسى : ويتم هذا التثقيف من خلال مواد معينة كالتربية الوطنية والتاريخ. وتهدف التربية الوطنية إلى تعريف التلميذ بحكومة بلده، وتحديد السلوك المتوقع منه، وزرع مشاعر الحب والولاء القومى فى نفسه، ويرمى تدريس التاريخ بما يتضمنه من انتصارات وهزائم إلى تعميق إحساس الطالب بالفخر والانتماء القوميين.
(2) طبيعة النظام المدرسى : فالمدرسة وحدة اجتماعية لها طابعها الخاص الذى يساعد بدرجة كبيرة فى تشكيل إحساس التلميذ بالفاعلية الشخصية وفى تحديد نظرته تجاه البناء الاجتماعى القائم.
(3) جماعة الرفاق :
تعرف جماعة الرفاق على أنها الجماعة التى تتكون من أصدقاء الطفل الذين يتقاربون فى أعمارهم وميولهم وهواياتهم، كما أنها الجماعة التى ينسب إليها الفرد سلوكه الاجتماعى ويقيمه فى إطار معاييرها وقيمها واتجاهاتها وأنماط سلوكها المختلفة.
وجماعات الرفاق لها دور فى التنشئة السياسية من خلال حث أعضائها أو الضغط عليهم ليعملوا وفق الاتجاهات وأنماط السلوك السياسية الى تقبلها الجماعة، فالفرد قد يصبح مهتماً بالسياسة أو متابعاً للأحداث السياسية لأن أحد أو بعض رفاقه المقربين يفعلون ذلك.
(4) دور المؤسسات الدينية :
تقوم المؤسسات الدينية بدور كبير فى عملية التنشئة وذلك لما تتميز به من خصائص فريدة أهمها : إحاطتها بهالة من التقديس، وثبات وإيجابية المعايير السلوكية التى تعلمها للأفراد، والاجماع على تدعيمها.
والدين له مؤسساته التى تعمل على تحقيق أهدافه وغاياته السامية، ولا يقف الدين عند حدود العبادات وإقامة الشعائر الدينية، بل ان الدور الذى يقوم به فى تنشئة الأفراد يكاد يعكس آثاره على بقية المؤسسات الأخرى العاملة فى مجال الضبط الاجتماعى، ولذلك يعد الدين والمؤسسة التى تعمل على تحقيق أهدافه عنصراً أساسياً من عناصر التنشئة.
وتقوم المؤسسات الدينية بدورها فى عملية التنشئة من خلال:
- تعليم الفرد والجماعة التعاليم الدينية والمعايير السماوية التى تحكم سلوك الفرد بما يضمن سعادة الفرد والمجتمع.
- إمداد الفرد بسلوكيات أخلاقية.
- تنمية الضمير عند الفرد والجماعة.
- الدعوة إلى ترجمة التعاليم السماوية السامية إلى سلوك عملى.
- توحيد السلوك الاجتماعى والتقريب بين مختلف الطبقات الاجتماعية.
(5) دور مؤسسات العمل :
وتؤثر مؤسسات العمل فى التنشئة من خلال ما يدور داخلها من علاقات واتصالات ومعاملات بين الرؤساء والمرؤوسين ، وبين العاملين فى هذه المؤسسات بعضهم البعض بحيث أنه كلما اتسمت هذه العلاقة بالود والتعاون والمشاركة فى اتخاذ القرارات ، وفى تسيير أمور المؤسسة، كلما كان الفرد أكثر ميلاً للمشاركة خارج نطاق العمل، أما إذا اتسمت هذه العلاقة بالحقد والكراهية والتسلط، كلما كان الفرد أكثر ميلاً إلى السلبية واللامبالاة فى داخل وخارج بيئة العمل.
ساحة النقاش