في سيكولوجية الفن (2)
(الفن كنظام)
مسيرة النظام
في عملية التذوق الفني
إعداد:
دكتور/ مراد حكيم بباوي
أستاذ الثقافة الفنية والمناهج وطرائق التدريس المشارك
رئيس قسم تكنولوجيا التعليم
· مقدمة:
تعرض الكاتب في إحدى مقالاته أن التربية الفنية مادة علمية دراسية للتربية عن طريق الفن. تهدف تطوير السلوك البشري، حيث تهتم بالبنية السلوكية الإيجابية لتنمية قدرات أفراد المجتمع الإنساني المرتبطة (بنعمة البصر والبصيرة) وما يحتاجاه من قدرات الملاحظة والإدراك والتمييز بين المثيرات الحسية واللمسية والبصرية. وذلك من خلال ممارسة العمليات الإنتاجية للفن. ودعي كل المختصين والمتخصصين للاهتمام بتناول (الفن كنظام) وكيفية تدريسه، مع وضع في الاعتبار أن أحد أساليب فهم نظم الفنون للدارسين والممارسين ـ وخاصة التشكيلية ـ يأتي من خلال التعرف على كيفية قراءة مفردات العمل الفني، وهذا ما يستلزم التعرف على (سيكولوجية عملية التذوق الفني) للعمل التشكيلي.
· التذوق كوسيلة اتصال:
إن التذوق عملية مستمرة ومصاحبة لتجربة المتذوق المتطورة مع تطور الفكر الفنى، وتقوم في هذه العملية بناء صرح فكري بين :
·الفنان :
(المرسل) وفكره"المعرفة"/ ورسالته/ ومهاراته/ ووجدانه وأحاسيسه...
· والعمل الفني:
(الرسالة) ككيان ومحتوى فكري وفني وعلمي وتشكيلي (من مفردات تشكيلية/ وأسس فنية تطبيقية/ ووسائط وخامات تشكيل/ وأساليب تقنية للتعبير)...
·قنوات الإرسال:
(الوسيط) من خلال وسائل الإعلام المختلفة/ والمعارض/ والمتاحف ...
·والمتذوق :
(المتلقي) المشاهد "المتذوق"، الذي يقرأ العمل الفني (يعكس مراحل بناءه) أي من الخلف للأمام للمرور على كل مراحل عمليات البناء منذ كان فكرة تخالج شعور (الفنان)... حتى وصل إلى النتيجة النهائية (كصورة) مثلاً..
·عملية التذوق:
والتذوق تقوم وظيفته على ما يلى :
الموقف الحدسى:
وهو أن الموضوع الماثل أمام المتذوق يسهم في عمليات البرهنة والاستدلال العقلى, ويدفع إلى الحدس المباشر والعيان الملموس؛ فيميل إليه أو ينفر منه.
الطابع العاطفى:
أو الوجدانى أى أن الموضوع الفنى الماثل أمام المتذوق غير فيه أحاسيس وانفعالات خاصة .
التداعى:
وقد تنبه هذه الانفعالات ذكريات ماضية للمتذوق فيشعر بالتأثر.
التقمص الوجدانى:
أو التوحد وهو أن يضع المتذوق نفسه موضع الأثر الفنى؛ فتتحقق بينهما مشاركة وجدانية؛ وهذا هو ما يجعل هناك مشاركة لأبطال العمل الفنى آلامهم وأفراحهم, ويظهر على قسمات وجوهنا ما يشير إلى تفهمنا لمواقف أبطالها وتوحدنا معهم.
التوقف:
أى "توقف تيار الفكر العادى لمثول شئ غير مألوف أمام الذات” لاستقبال المثير الجديد.
العزلة: وتعنى "استئثار الموضوع بكل انتباه الإنسان، بحيث يعزله عن العالم المحيط به، ويجعله يحيا فى داخله منفصلاً عن العالم.
وبذلك فالمتذوق يبدأ بالسيطرة على الموضوع الجمالى ثم يستنير الموضوع أمامه تدريجياً, وهنا تبدأ الذات فى التراجع والتنحى عن امتلاك الموضوع، ويأخذ الموضوع دوره فى السيطرة على المتذوق؛ فيتحقق نوع من التعاطف بينهما نتيجة للتقمص الوجداني، فيكون على المتذوق أن ينصت إلى ”موضوع الجمال“ على نحو ما ينطبق به وجوده الحسى، ودلالته المعنوية، وشحنته الوجدانية.
ومعنى هذا أن المتذوق فى هذه الحالة قد نفذ إلى الكيفية الوجدانية للموضوع، وأنه اقترب من الحدس الأصلى للفنان الذى أبتدع هذا الموضوع، وعاش تجربته، وأحس بذاته خلال الأداء... ويصبح الحكم الجمالى مجرد شهادة على الموضوع الخاص بالمؤلف ”الفنان“, وهو جمال تولده عملية قراءة العمل الفنى من جانب المتذوق، عندما يقف موازياً للبناء الفكري والفنى (للعمل الفني) ومتحاوراًً معه ومع الفنان.