التصدي للحوثيين: رؤية أخرى

قلوبنا جميعاً مع جنودنا البواسل في جنوب المملكة الذين يقومون بمهمات بطولية في صد اعتداء المتمردين الحوثيين والدفاع عن أراضي المملكة وحماية أمنها، نسأل الله لهم النصر والثبات. ولاشك أننا جميعاً وتضامناً مع إخواننا في القوات العسكرية بمختلف قطاعاتها نتابع وباهتمام شديد العمليات العسكرية، وأشعر كغيري من المواطنين بارتياح ولله الحمد، إلا أنني ومن زاوية المتخصص في قضايا العلاقات الدولية رأيت تسجيل عدة ملاحظات آمل أن يكون فيها ما يسهم في دعم الجهود المبذولة من كافة الجهات للتصدي للعدوان بأقل الخسائر:
أولا: حتى الآن لا أعلم السبب الذي دفع المتمردين الحوثيين إلى انتهاك سيادة المملكة والاعتداء على حرس الحدود وترويع المواطنين السعوديين في عدد من القرى. هذا سؤال لم أجد له إجابة ولم نتوقف عنده كثيرا سوى انطباعات عابرة وتفسيرات لا نعلم صحتها، وأظن أن معرفة الجواب لهذا السؤال أمر مهم وسيسهم في دعم استراتيجية التصدي لهم.
ثانياً: من خلال متابعة تغطية وسائل الإعلام السعودية في الداخل والخارج للعمليات العسكرية شد انتباهي المبالغة في التغطية فهي تصور العمليات ضد المتمردين وكأنها حرب شاملة وتستخدم عناوين "نارية" بعضها يذكر بما كانت وسائل الإعلام العربية تستخدمه من شعارات في تغطيتها للحروب مع إسرائيل. في المقابل نجد أن بعض وسائل الإعلام تقلِل من شأن المتمردين الحوثيين إلى درجة الاحتقار ووصفهم بالجرذان. وهذا ما يثير التساؤل، فإن كان العدو بهذا الضعف والهوان فلماذا تهويل العمليات العسكرية والتعامل معها إعلاميا كحرب نظامية، كما أنه ليس من الملائم التقليل من شأن الخصم مهما كانت قدراته محدودة، فهو لابد أنه يملك من المقومات ما يجعله يواصل الحرب وأقل هذه المقومات التي تعمل لصالحه طبيعة المنطقة الوعرة التي تساعده على شن حرب عصابات. لاشك أن للإعلام دوراً مهماً في دعم العمليات العسكرية بالتعبئة وشحذ الهمم ولكن هذا الدور يتطلب صياغة دقيقة وحذرة للتغطية والمتابعة.
ثالثاً: تذكر الأخبار اليومية حالات قبض على أعداد من المتسللين إلى المملكة وتصفهم بالمتسللين الحوثيين. وهنا أظن أننا بحاجة إلى وقفة للتأكد من دقة هذا الوصف، فنحن نعلم أن مشكلة التسلل للمملكة قديمة ومستمرة وهي نتيجة للأوضاع المعيشية الصعبة التي تجد فيها الكثير من الأسر اليمنية نفسها مضطرة للتوجه نحو المملكة طمعاً في مساعدة أو فرصة عمل حتى لو بشكل غير نظامي. هذه مشكلة تعاني منها الدول ذات الأوضاع الاقتصادية الجيدة التي تجاورها دول فقيرة، ولعل مشكلة تسلل المهاجرين المكسيكيين نحو جارتهم الكبيرة الولايات المتحدة أفضل شاهد على ذلك. هذه المشكلة بحاجة إلى معالجة شاملة منها إجراءات تأمين الحدود وكذلك برامج تعاون مع الحكومة اليمنية تشارك فيها دول مجلس التعاون لمعالجة الأوضاع المعيشية المتردية وحل مشكلة البطالة بين الشباب اليمني من منظور استراتيجي لاستقرار المنطقة كلها.
لكن علينا الحذر من النظر إلى مشكلة التسلل في إطار التمرد الحوثي. فمن ناحية فإن نسبة هؤلاء المتسللين إلى الحوثيين تعطي المتمردين دعماً دون أن نعي ذلك حيث يمكنهم ذلك الزعم بكثرة أتباعهم، ومن ناحية أخرى فإن معاملة هؤلاء المتسللين كعناصر حوثية قد تكون لها نتائج عكسية على موقفهم من التمرد باتجاه دفعهم نحو الحوثيين.
رابعاً: الملاحظة الأخيرة وهي الأهم، هي أن استمرار العمليات العسكرية هذه المدة رغم ضعف الخصم يدعو للقلق، وأخشى أن تكون مؤشراً على تحول العمليات إلى حرب استنزاف، خاصة أن هناك أكثر من جهة يسرها تورط المملكة في حرب طويلة بهدف إضعافها وشغلها عن مسؤولياتها العربية والإسلامية. وإذا كانت إيران المتهم الأول بتبني هذا الاتجاه رغم نفيها لهذه التهمة، إلا أن هناك أطرافا أخرى لا تريد الخير للمملكة وقد لا ترى بأساً في انشغالها في شأنها الداخلي. والأخبار بدخول عناصر من القاعدة على خط المواجهة وتحالفهم مع الحوثيين في الاعتداء على المملكة مؤشر خطير آخر على هذا الاتجاه نحو تحويل المواجهة إلى حرب استنزاف. لذلك ومن أجل تجنب هذا الاحتمال فأظن أننا بحاجة إلى دعم العمليات العسكرية بمسارات أخرى للتحرك لصد العدوان، وعلينا أن نتذكر أن تمرد الحوثيين مشكلة يمنية بالدرجة الأولى، وهناك خلاف حول أسباب التمرد، فالحكومة تتهمهم بمشروع انقلابي ضد النظام والسعي لإحياء الإمامة، وفي المقابل يزعم الحوثيون أنهم تحركوا لأسباب تتعلق بالتهميش والإقصاء في مجتمعهم وعدم جدية الحكومة في حل المشاكل التي تواجه منطقتهم. وفي ظني أننا لسنا مطالبين بتأييد رؤية دون أخرى، ولكن المهم والمؤكد هو أن استقرار اليمن يعد مطلباً إستراتيجياً للمملكة، فأمن البلدين لا ينفصل عن بعض والمملكة معنية بالدرجة الأولى باستقرار اليمن وسلامة أراضيه، إلا أن هذا الهدف لا يتحقق إلا من خلال إستراتيجية شاملة تعالج جذور المشكلة و ليس مجرد أعراضها وهو ما يجب التباحث فيه مع الأشقاء في اليمن. فليس بيننا وبين الحوثيين خلاف للتفاهم حوله كما يزعمون ولكن مشكلتهم داخل اليمن، وهذا ما يمكن للمملكة بثقلها ومكانتها وحكمتها الدبلوماسية أن تساهم فيه. حفظ الله بلادنا من كل شر.

 

كاتب المقال :صالح محمد الخثلان

المصدر: جريدة الوطن
  • Currently 120/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
40 تصويتات / 138 مشاهدة
نشرت فى 12 ديسمبر 2009 بواسطة moonksa

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,194,506