وفاة الإمام سراج الدين البُلقيني
11 من ذي القعدة 805هـ ـ 2 يونية 1403م
مفكرة الإسلام: أحد الأئمة الأعلام والمجتهدين المطلقين، وأحد المجددين لهذه الأمة، الإمام عمر بن رسلان بن نصير السراج أبو حفص الكناني البُلقيني ثم القاهري الشافعي، وُلد سنة 724هـ ببُلقينة من الغربية وأظهر منذ نعومة أظفاره حافظة عجيبة، فحفظ القرآن وهو في السابعة، وأمَّ الناس وحفظ الشاطبية وكتب الفقه الشافعي والمحرر والكافية في النحو لابن مالك وهو في العاشرة فحمله، أبوه إلى القاهرة وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وعرضه على مشايخ الوقت مثل السبكي والقزويني فبهرهم بفرط ذكائه وكثرة محفوظاته، واستوطن القاهرة وأخذ في سماع الحديث وحضور الدروس، وأدى فريضة الحج سنة 740هـ، وزار بيت المقدس وسمع من شيوخها وعلمائها، وطاف البلاد، وكان كل من يلتقي به ينبهر به ويعظمه لحفظه الفريد، وكان شيوخه أمثال أبي حيان والأصبهاني يعظمونه جدًا، وأذن له الأئمة بالإفتاء والتدريس وتولى مناصب الإفتاء والقضاء بالشام ومصر.
جرت للبلقيني محنة شديدة وتعصب عليه الأشاعرة خاصة السبكية بالشام بسبب قول العماد بن كثير له: «أذكرتنا سمت ابن تيمية» وقول ابن شيخ الجبل «شيخ الحنابلة» له: «ما رأيت بعد ابن تيمية أحفظ منك» فثارت الأشاعرة عليه بسبب اقتدائه بابن تيمية، وكان البلقيني صحيح العقيدة، شديدًا على ابن عربي الصوفي ويفتي بحرمة قراءة كتبه، مشهورًا بصفاء الخاطر وسلامة الصدر واشتغاله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مهما كانت عواقب ذلك، وسلاطين المماليك مشهورون بنزفهم وحدّتهم ومع ذلك لا يبالي فيبطل المكوس ويغلق الحانات.
طال العمر بالبلقيني حتى لم يبق من العلماء من يدانيه فضلاً على أن يزاحمه، وظل مقبلاً على الاشتغال بالعلم تدريسًا وفتوى، ولم يكمل مصنفاته لأنه كان يشرع في الشيء ولسعة علمه وكثرة محفوظه يطول عليه الأمر، حتى أنه كتب من شرح البخاري على نحو عشرين حديثًا مجلدين، ورغم سعة علمه وقوة حفظه وشدة ذكائه إلا إنه كان سريع البادرة سريع الرجوع للدليل والحق إن فاته، وكان مجتهدًا مطلقًا واستكمل آلة الاجتهاد، ولكن خوفه من أن يلقى نفس مصير ابن تيمية شيخه وقدوته ظل مجتهدًا في نطاق المذهب الشافعي، وقد رزق قبولاً عند الناس في كل مكان، فلا تركن النفس إلا لفتواه، وقد عده علماء زمانه أحد المجددين فقالوا: «إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة لهذه الأمة من يجدد لها دينها بدئت بعمر؛ يعني عمر بن عبد العزيز، وختمت بعمر؛ يعني البلقيني»، وقد مات في 11 من ذي القعدة 805هـ ودفن بالقاهرة.
ساحة النقاش