23 من ذي القعدة 798هـ

 

مفكرة الإسلام: كانت ولاية السلطان «بايزيد الصاعقة» على الدولة العثمانية إيذانًا ببدء عهد جديد في حركة الجهاد الإسلامي على الجبهة الأوروبية، إذ كان بايزيد مشهورًا بسرعة حركته وانتقاله من مكان لآخر بلا تعب أو كلل واشتهر أيضًا بقوة انقضاضه، لذلك لقبوه بالصاعقة، وقد قام بمحاصرة «القسطنطينية» سنة 794هـ وضيق عليها بشدة، ولكن كان في رأسه هدف آخر، حيث انقض كعادته على «بلغاريا» وفتحها بعد حرب خاطفة وأصبحت بلغاريا من يومها ولاية عثمانية.

كان سقوط بلغاريا بمثابة الشرارة التي أطلقت مخاوف صليبي أوروبا، وعلى رأسهم ملك المجر «سيجسموند» الذي شعر باقتراب الخطر العثماني من حدود مملكته، فهرع إلى البابا «بونيفاس» التاسع وتوسل إليه وهو راكع بين يديه، أن يعلن الحرب الصليبية على الدولة العثمانية، ولم يكن «بونيفاس» في حاجة لتوسلات «سيسجموند» لأنه هو الآخر كان قلقًا للغاية من تصاعد نجم العثمانيين وطموحاتهم في أوروبا وتصميمهم على فتح القسطنطينية، فأعلن الحرب الصليبية على الدولة العثمانية، واستجاب لدعوته كل من أهل ألمانيا وفرنسا وإنجلترا وأسكتلندا وسويسرا ولوكسمبرج وإيطاليا وفرسان المعبد في مالطة وقبرص، وبلغ تعداد الحملة الصليبية مائة وعشرين ألفًا من المقاتلين تحت قيادة ملك المجر «سيجسموند».

هذه الضخامة العددية أدخلت الغرور في قلب قادة الحملة وظنوا أن النصر حليفهم لا محالة، وقرروا التسرع في الهجوم على العثمانيين، وانحدروا مع نهر الدانوب حتى وصلوا إلى مدينة «نيكوبلس» شمال بلغاريا وحاصروها ثم اشتبكوا مع الحامية العثمانية بالمدينة وهزموها للفارق الكبير بين الطرفين، وكان بايزيد وقتها مشغولاً بالقضاء على ثورة بعض الإمارات الشمالية، فلما وصلت إليه أخبار هذه الحملة الجرارة، تحرك بمنتهى السرعة والخفة المعتادة عنه، واتجه إلى مدينة نيكوبلس ومعه مائة ألف مقاتل، وكعادته انقض كالصاعقة المحرقة على التحالف الصليبي ولم يبال بالفارق بين الجيشين وذلك يوم 23 من ذي القعدة 798هـ، ولهول الصدمة فر كثير من الصليبيين من أرض المعركة على رأسهم «سيجسموند»، وانتهت المعركة بهزيمة ساحقة للتحالف الصليبي ووقوع كثير من قادته وأمرائه أسرى في يد المسلمين، ومن هؤلاء أمير «لوكسمبرج» الذي أقسم للسلطان «بايزيد» ألا يحاربه مرة أخرى، فرد عليه بايزيد بكل عزة وثقة بنصر الله عز وجل: «إني أجيز لك ألا تحفظ هذا اليمين، وأنت في حل من الرجوع لمحاربتي، إذ لا شيء أحب إلي من محاربة جميع مسيحي أوروبا والانتصار عليهم»، ثم قال كلمته الشهيرة التي أرعبت كل نصارى أوروبا: «سأفتح إيطاليا وسأطعم حصاني هذا الشعير في مذبح القديس بطرس بروما».

أدت هذه المعركة لنتائج هامة منها: ضعف مكانة المجر في الصراع ضد العثمانيين، واتخاذ بايزيد لقب سلطان الروم وهو دليل على وراثته لدولة سلاجقة الروم القديمة، وقد أخذ الصفة الشرعية بذلك من الخليفة العباسي المقيم بالقاهرة، كما فتحت الطريق أمام تدفق الآلاف من المهاجرين والمجاهدين للأناضول للانضمام للدولة العثمانية، وكان لهؤلاء المجاهدين أثر كبير في فتح القسطنطينية بعد ذلك.

المصدر: مفكرة الاسلام
  • Currently 90/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
30 تصويتات / 166 مشاهدة
نشرت فى 11 ديسمبر 2009 بواسطة moonksa

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,194,525