علاماته، ولكن للأطباء في العصر الحديث فهما جديدا للموت، كما ظهر عندهم مصطلح الموت الدماغي، ونريد أن نعرف العلاقة بين الموت عند الفقهاء والموت عند الأطباء، وماهو مفهوم الموت عند هؤلاء وهؤلاء؟
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
رغم أن الناس يعرفون الموت والحياة بالتجربة والمشاهدة إلا أن تعريف الموت مثل تعريف الحياة تكتنفه كثير من الصعوبات في بعض الأحيان فالكائن الحي يتنفس ويتغذى وينمو ويتكاثر ، وربما يتحرك إلا أن الفيروسات خارج الخلايا التي تستعمرها لا تنمو ولا تتكاثر ولا تتغذى بل تتبلور مثلما يتبلور الجماد في بعض أشكاله وأنواعه.
والفيروسات تختلف عن كل الكائنات الحية من البكتريا إلى الإنسان في أنها لا تحتوي إلا على أحد الحامضين النووين ( دن أ ) أو ( رن أ ) بينما كل خلية حية أو بكتيريا تحتوي على الحامضين النوويين دنا ورنا كليهما.
وفي جسم الكائن الحي المتعدد الخلايا مثل الإنسان أو الحيوان أو النبات ، تموت ملايين الملايين من الخلايا كل يوم بل كل لحظة ويخلق الله بدلا منها ملايين أخرى دون أن يموت الكائن الحي بأكمله .
مفهوم الموت في الحضارات الإنسانية:
تتفق جميع الحضارات الإنسانية بما فيها الفرعونية المصرية القديمة ، والبابلية، والآشورية والصينية ،والهندية ،واليونانية، والأديان السماوية الثلاثة : اليهودية ،والنصرانية ،والإسلام ، في أن الموت هو مفارقة الروح للجسد .
ثم تخلف الحضارات والأديان بعد ذلك اختلافات شتى في هذه الروح .. وهل تعود إلى هذا الجسد أم تعود إلى جسد آخر كما تختلف في كيفية خروجها وخلوصها من هذا البدن ويعتقد البوذيون والهنادكة والشنتو على سبيل المثال أن الروح تظل حبيسة في الجسد وبالذات في الجمجمة عند الموت وأنها لا تنطلق إلا بعد حرق الجثة وانفجار الجمجمة ولذا تراهم يحرقون جثث موتاهم ؛ثم إن الهنادكة والبوذيين يعتقدون بتناسخ الأرواح ، وأن الروح الشريرة تعاد في جسد حقير مثل الكلب والخنزير ،وتظل في تلك الدورات حتى تتطهر وأن الروح الصالحة الخيرة تظل تنتقل في الأجساد الخيرة حتى تصل مرحلة النرفانا وهي السعادة الأبدية المطلقة في الروح المتصلة بالأبد والأزل كما يزعمون.
الموت في الإسلام:
أما في الإسلام فإن مفهوم الموت هو خروج الروح من الجسد بواسطة ملك من الملائكة هو ملك الموت ، قال الله تعالى: ( قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكّل بكم ثم إلى ربكم ترجعون ) السجدة 11 ويساعده كوكبة من الملائكة يقومون بنزع النفوس نزعًا من الظالمين قال تعالى: ( ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم ) الأنعام 93 وقال تعال:ى ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ) النساء 97.
أما الطيبون فتتولاهم ملائكة الرحمة وتبشرهم برضوان من الله ومغفرة وسلام منه ورحمة . قال الله تعالى ( الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ) وقال تعالى ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ) الفجر 27-30.
ويأتي الإسناد في بعض الآيات مباشرة لله تعالى ، حيث الفاعل على الحقيقة هو الله سبحانه وتعالى حيث يقول: ( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) الزمر 42.
وبين الموت والنوم شبه واتصال قال الإمام على بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه : " الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا وإذا انتبهوا أبصروا وعرفوا ما كانوا فيه من غفلة قال تعالى: " لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ) ق 22 .
ولا نريد الخوض في دراسة الصلة والفرق بين الموت والنوم؛ لأن لهذا الموضوع مجال آخر من البحث وإن كان كلاهما يعبر عن مرحلة معينة من الغياب عن الوعي والإدراك الظاهر.
والموت عند المسلمين كافة هو انتقال الروح من الجسد إلى ما أعد لها من نعيم أو عذاب والروح مخلوقة مربوبة خلقها الله سبحانه وتعالى كما خلق سائر الكائنات ، ثم هي بعد ذلك خالدة والمقصود بموتها مفارقتها الجسد.
قال الإمام ابن القيم في كتاب الروح:ـ والصواب أن يقال: أن موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها وخروجها منها فإن أريد بموتها هذا القدر فهي ذائقة الموت ، وإن أريد أنها تعدم وتضمحل وتصير عدمًا محضًا فهي لا تموت بهذا الاعتبار .
وقد ذكر الفقهاء علامات على الموت منها : ( انقطاع النفس ، واسترخاء القدمين ، وعدم انتصابهما ، وانفصام الكفين وميل الأنف وامتداد جلدة الوجه ، وانخساف الصدغيين ، وتقلص الخصيتين مع تدلي الجلدة ، وبرودة البدن ) وهذه العلامات جميعها ليست علامات مؤكدة على الموت ما عدا انقطاع النفس الذي ينبغي أن يستمر لفترة من الزمن ، وقد تنبه بعض الفقهاء إلى احتمالات الخطأ في تشخيص الوفاة : فقرر التريث في تشخيص الوفاة : قال الإمام النووي في روضة الطالبين (فإن شك بأن لا يكون به علة ، واحتمال أن يكون به سكتة ، أو ظهرت إمارات فزع أو غيره ،أخّر ( أي تشخيص ) إلى اليقين بتغير الرائحة أو غيره ) .
وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم علامة هامة تحدث في كثير من الحالات عند الاحتضار وخروج الروح . عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الروح إذا قبض اتبعه البصر ) أخرجه مسلم .
وعن شداد ابن أوس يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن قال ( إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر ، فإن البصر يتبع الروح ، وقولوا خيرًا فإنه يؤمن على ما يقول أهل الميت ) . أخرجه احمد في مسنده .
نشرت فى 7 نوفمبر 2009
بواسطة moneelsakhwi
عدد زيارات الموقع
1,167,422
ساحة النقاش