سأتناول الهدف والغاية منه ثم الأساليب التي تسبق العقاب.

والغاية من وراء عقاب الأطفال: هو تعديل السلوك السلبي لديهم إذا لم تُجدِ الطرق المسبقة على عملية العقاب، وهذا يعني أن العقاب ليس هدفًا في حد ذاته ولا انتقامًا من الطفل بل هو وسيلة لتقويم السلوك، والواقع أن العقاب يُحدث ألمًا في نفس الطفل، لكن المطلوب ألا يكون هذا الألم مهينا أو مذلاً أو يُفقد الطفل آدميته أي لا يترك أثرًا نفسيا أو بدنيا بالغًا، ونحن في حياتنا الدنيا نتعلم من المواقف المؤلمة ربما أكثر من المواقف المبهجة التي نمر بها.

كما أن العقاب لا يأتي إلا في مرحلة متأخرة بعد عدة أساليب، وهي:

أولا: التعليم:

فلا يصح أن يعاقب الطفل على شيء يجهله أو يجهل السلوك الصحيح فيه؛ فلا يصح مثلاً أن أضرب أو أحرم أو حتى أنظر نظرة المغضب على أمر يجهله الطفل، كذلك لا يصح أن يعاقب الطفل على سلوك لم ينبه عليه أنه خطأ من قبل.

ثانيا: التدريب والتذكرة بالسلوك الصحيح خاصة في مرحلة الطفولة المبكرة:

فيمكن أن ينبه الطفل على ألا يأتي بسلوك غير مرغوب فيه مرة؛ وإذا بالطفل يقع في نفس السلوك مرة أخرى لا لشيء إلا أنه نسي التنبيهات أو التعليمات الخاصة بذلك السلوك، فإذا نبهت طفلاً على أن يجمع الدمى بعد الانتهاء من اللعب بها مثلاً فقد ينسى هذا التنبيه ولا يجمع لعبه في مرة تالية، فهنا لا بد أن يذكر بما يجب فعله مرة أخرى ولا يعاقب.

ثالثا: التبصير بالعاقبة:

فمثلاً إذا كنت اتفقت مع ابني على أن ينتهي من دروسه ومذاكرته أولاً قبل أن يبدأ اللعب لكنه لم يلتزم بهذا الاتفاق؛ فعليَّ حينئذ أن أوضح له أهمية الالتزام بما تم الاتفاق عليه، كما أوضح له عاقبة الأمر إذا لم يلتزم به: فمن تأخر في أداء المهام المطلوبة منه إلى تأخره في النوم إلى نهوضه متأخرًا وربما يتأخر على موعد المدرسة إلى احتمالية تعرضه إما للعقاب بالمدرسة أو على الأقل لموقف لا يحبه إلى فقدانه التركيز نتيجة لعدم كفايته من النوم.

رابعا: تركه يواجه نتيجة اختياره أحيانا:

في بعض المواقف سأترك ابني يواجه عاقبة خطئه ليتعلم منها، وذلك إذا أصر على اختيار محدد مثل أن يلعب أولاً قبل إتمام واجباته المدرسية، فإذا تفلت منه الوقت ولم ينته من واجباته، فعليه حينئذ الذهاب إلى المدرسة لمواجهة نتيجة اتخاذه قرار اللعب في الوقت غير المناسب.

وبالطبع ليس المطلوب أن أتركه يواجه كل قراراته، فإذا أصر مثلاً على عدم الذهاب مطلقًا إلى المدرسة فلن أتركه ينفذ هذا القرار ويتحمل نتيجة اختياره ليرى بعد سنوات أثر ونتيجة هذا القرار، والفيصل في هذا الأمر أن أتركه يتحمل مسئولية اختياره إذا لم يكن قراره هذا مصيريا.

خامسا: توضيح طريقة للمساعدة:

فمثلاً إذا كان ابنك يتصرف بطريقة غير لائقة في أثناء التسوق فيمكنك أن تعرضي عليه طريقة حتى يكف عن هذا التصرف بأن تحددا معا قائمة بالطلبات قبل الذهاب إلى مكان التسوق، وعليه هو اختيار هذه الطلبات ووضعها بالعربة الخاصة بالتسوق.

سادسا: التعبير بحزم عن عدم استحسانك لموقف ما:

فإذا تصرف بشكل غير لائق مثلا في أثناء زيارتكما للأهل أو المعارف فعليك الحديث معه على انفراد بشكل حازم بأن عليه أن يسلك سلوكًا أفضل من هذا.

سابعًا: أعطيه اختيارات:

فإذا كنتما في زيارة أو مكان التسوق وأساء التصرف فيمكنك هنا إعطاؤه اختيارات بقولك: لك أن تختار إما أن تتصرف بشكل لائق أو ننصرف.

ثامنا: حددي توقعاتك:

عندما يخطئ ابنك في شيء كأن يرمي بملابسه في حجرته؛ فعليك أن تحددي ما المتوقع منه كأن تقولي له: كان من المتوقع أن أرى ملابسك معلقة في المكان المخصص لها.

تاسعا: علميه كيف يمكن إصلاح ما أفسد:

فعندما يسكب ابنك مشروبًا على ملابسه مثلاً بعد تحذيرك إياه بأن يغير ملابسه أولاً أو يضع منشفة قبل احتسائه هذا المشروب؛ فإنك حينئذ عليك تعليمه كيفية غسلها ثم اتركيه يفعل ذلك بنفسه.

سيدتي.. هناك ملحوظة لا بد من الانتباه لها، وهي: ليس شرطًا أن تستخدمي الأساليب السابقة بنفس الترتيب، ولكن هي أساليب تستخدم وفق الموقف الذي تتعرضين له مع طفلك.

عاشرًا: العقاب:

وهو آخر مرحلة يمكن أن نلجأ إليها بعد استنفاد كل الخطوات السابقة وله وسائل متعددة:

أولها النظرة الغاضبة، ثم إعادة التنبيهات بأسلوب غاضب، ثم الحرمان من أمر يحبه، ثم التجهم والمقاطعة، ثم التهديد بإبلاغ بابا (على ألا يكون كل دور الأب منحسرًا في عملية التهديد هذه)، ثم الضرب ولكن بشروط: ألا يكون مبرحًا، ألا يكون في وقت الغضب، ألا يكون انتقاميا، ألا ترتفع يدك عند الضرب، ألا نستسهله فيصبح عادة عند كل خطأ، ألا يكون أول وسيلة للعقاب.

ونأتي لأهم نقطة برسالتك وهي كيف يمكن أن نعاقب الطفل دون أن يتعلم الكذب ليتفادى العقاب:

أولا: لو اتبعت الطرق السابقة فلن يلجأ طفلك للكذب؛ لأن هناك بدائل كثيرة جدا استخدمتها بدلا من العقاب تدل على تفهمك واستيعابك لطفلك.

ثانيا: الطفل الذي يكذب أو بمعنى أدق يعتاد الكذب هو ذلك الطفل الذي لا يشعر بحب والديه ولا بدفء العلاقة بينه وبينهما ويشعر بأنهما حين يعاقبانه ينتقمان منه، وهو ذلك الطفل الذي لا يفهم أسباب المنع وأسباب الرفض لما يطلب منه، وهو ذلك الطفل الذي يشعر دائما بالقهر والذلة في التعامل وعدم التقدير لمشاعره أو احترامها.

وهو ذلك الطفل الذي يشعر بالملاحقة الدائمة والتركيز على كل كبيرة وصغيرة في حياته، وهو ذلك الطفل الذي يملى عليه دائما ما يفعل دون ترك فرصة كي يبادر هو نفسه بالكف عن ارتكاب الخطأ، وحينما يخطئ نتتبع أخطاءه ونتعقبها ولا نترك له مساحة للتراجع عنها من تلقاء نفسه.

وهو ذلك الطفل الذي يواجه دائما بسؤال مباشر مستفز: أأنت الذي فعلت هذا أو ذاك؟ وهو ذلك الطفل الذي نكثر من عتابه ولومه على أخطائه مهما كانت بسيطة، وهو ذلك الطفل الذي يتهم بالكذب أو يطلق عليه هذه الصفة، كل هذا هو الذي ينشئ طفلاً يعاني من الكذب فضلاً عن الاضطرابات النفسية التي تلحقه.

فاحرصي سيدتي -وحتى نتفادى العقاب قدر المستطاع ولتنمية الضمير من ناحية أخرى- أن تستخدمي الأساليب السابقة وأن تنشئي طفلك بعيدًا عن هذا الجو وهذه البيئة التي ذكرتها آنفًا.

  • Currently 216/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
72 تصويتات / 1273 مشاهدة
نشرت فى 3 نوفمبر 2009 بواسطة moneelsakhwi

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,167,435