جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
آيات الإعجاز: قال الله تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}
[النور: التفسير اللغوي: جاء في لسان العرب: يغشاه: غشيت الشيء تغشية إذا غطيته. لجّي: لُجة البحر: حيث لا يدرك قعره... ولجّ البحر: الماء الكثير الذي لا يُرى طرفاه. ولُجّ الليل: شدة ظلمته وسواده. فهم المفسـرون: ذكر الإمام القرطبي في تفسيره للآية الكريمة ما يلي: "المراد بهذه الظلمات ظلمة السحاب وظلمة الموج وظلمة الليل وظلمة البحر، فلا يبصر مَنْ كان في هذه الظلمات شيئاً". مقدمة تـاريخيـة: لقد اعتقد الإنسان قديماً بخرافات عديدة عن البحار والمحيطات، ولم تتوفر للبحارة آنذاك معرفة علمية حقيقية عن الأحوال السائدة في أعماق البحار حيث كانت المعلومات عن التيارات البحرية نادرة. وهذا ما حدا بالخرافات إلى الإحاطة بالبحار الراكدة التي لا يمكن أن تعبرها البواخر، حيث اعتقد الرومان القدماء بوجود أسماك مصاصة لها تأثيرات سحرية على إيقاف حركة السفن، ورغم أن القدماء كانوا على علم بأن الرياح تؤثر على الأمواج والتيارات السطحية إلا أنه كان من الصعوبة بمكان معرفة شيء عن الحركات الداخلية في البحار. ويبين تاريخ العلوم أن الدراسات المتصلة بعلوم البحار وأعماقها لم تبدأ إلا في بداية القرن الثامن عشر عندما اخترعت الأجهزة المناسبة لمثل هذه الدراسات الدقيقة، ومن هذه الأجهزة التي استعملت لقياس عمق نفاذ الضوء في مياه المحيط هو "قرص سيتشي" (The Secchi disk) وهو عبارة عن قرص أبيض يتم إنزاله في الماء ليسجل العمق الذي تتعذر رؤيته كنقطة قياسية. ومع نهاية القرن التاسع عشر تم استخدام الوسائل التصويرية التي تم تطويرها خلال الثلاثينات من القرن العشرين، حيث استعملت الخلايا الكهروضوئية. ويعود الفضل في تفسير ظاهرة الأمواج الداخلية للدكتور "إيكمان" (V.W.Ekman) في أوائل القرن العشرين. حقائـق علمية: - اكتشف العلماء أن البحار والمحيطات مغطاة بسحب ركامية كثيفة تحجب قسماً كبيراً من ضوء الشمس. - تمتص مياه البحار ألوان الطيف الضوئي تدريجياً كلما زادت هذه الألوان تعمقاً، فتنشأ مستويات من الظلمات داخل هذه البحار ويشتد الظلام بعد عمق 1000 متر حتى إذا أخرج الإنسان يده لم يراها. - كشفت علوم البحار الحديثة عن وجود أمواج عاتية في البحار العميقة. - استطاع العلماء من مشاهدة الأسماك في البحار العميقة على عمق يتراوح بين (600 م – 2700 م) والتي تستخدم أعضاء مضيئة لترى في الظلام وتلتقط فريستها. التفسير العلمي: كشفت علوم البحار الحديثة في النصف الثاني من القرن العشرين عن أسرار مدهشة في أعماق البحار والمحيطات، وسنقتصر هنا على ذكر ظاهرتين هما: ظلمات البحر العميقة وحركة الأمواج الداخلية. 1- الظاهرة الأولى : ظلمات البحر العميقة : غالباً ما تكون البحار والمحيطات مغطاة بسحب ركامية كثيفة تحجب قسماً كبيراً من ضوء الشمس، كما يظهر في أكثر صور الأقمار الاصطناعية، فتعكس هذه الغيوم كمية كبيرة من أشعة الشمس وتحجب قسماً كبيراً من ضوئها، وأما الضوء الباقي فيعكس الماء قسماً منه، ويمتص القسم الآخر، الذي يتناقص تناقصاً رأسياً مع تزايد عمق المياه. وهذا ما أشارت إليه الموسوعة البريطانية. وقد ذكر جيرلوف في كتابه (Marine Optics) أنه ينخفض مستوى الإضاءة في مياه المحيط المكشوفة إلى نسبة 10% من مستواه عند السطح على عمق 35 متراً، وإلى 1% على عمق 85 م، وإلى 0.1% على عمق 135م، وإلى 0.01% على عمق 190م. ويشتد الظلام بعد عمق 1000 متر حتى إذا أخرج الإنسان يده لا يراها. هذه الحقائق العلمية المدهشة ذكرها القرآن الكريم الذي أنزل على عرب في الصحراء لا يعرفون السباحة ولا خوض البحار والمحيطات، حيث جاء في الآية الأربعين من سورة النور قول الله تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}، فهذه الآية تتطابق مع تلك الحقائق، إذ قررت أن البحار العميقة غالباً ما تعلوها السحب، وفي قوله تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ} تدل على انعدام الرؤية ويؤكد ذلك أيضاً قوله تعالى: {فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} فاللجي هو الشديد الظلمة والعمق، والأسماك في ذاك العمق ليس لها عيون بل إنها مجهزة بنور بيولوجي كما ورد في الموسوعة البريطانية وهذا وجه قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} فهذه الأسماك قادرة على استبيان طريقها ومعرفته من خلال أعضاء منيرة خلقها الله تعالى في جسمها. وقاع البحر المنحدر يتغير لونه بصورة تدريجية إلى الأزرق حتى يختفي تماماً مع تزايد العمق، كما أن نفاذ ألوان طيف الضوء إلى البحار تتناسب عكسياً مع ازدياد العمق، فكلما زاد العمق نشأت ظلمة حالت دون رؤية بعض ألوان الطيف الضوئي. ولذلك قال الله تعالى {َظُلُمَات} ولم يقل (ظلمة) وقال: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ}. لقد لاحظ الدكتور "وليام هي" “HAY” أن الصيادين قادرون على استخدام الاختلاف الظاهر في لون الماء لتحديد العمق بدقة ملحوظة، وأبسط جهاز علمي لقياس عمق نفاذ الضوء في مياه المحيط هو قرص سيتشي (The Secchi disk) الذي يتم إنزاله في الماء ليسجل العمق الذي تتعذر رؤيته كنقطة قياسية (أساسية). 2- الظاهرة الثانية: حركة الأمواج الداخلية : إن صورة طبقات الأمواج التي تعلو إحداها الأخرى على سطح البحر تأخذ بالعقول، وهذه الظاهرة للأمواج معروفة تماماً لدى البحارة والصيادين، ولكن الشيء الأشد غرابة الذي لم يعرفه الإنسان إلا قبل مائة سنة فقط، هو تلك الأمواج الداخلية الموجودة في أعماق البحار، والتي تتولد على امتداد السطح الفاصل بين طبقتين من المياه المختلفة من حيث الكثافة والضغط والحرارة والمد والجزر وتأثير الرياح كما ورد في الموسوعة البريطانية. والاختلاف في كثافة المحيط المفتوح أقل منه في المناطق الساحلية التي تصب فيها المياه العذبة من أنهار وجداول وغيرها. ويتشكل السطح الفاصل بين الكثافات المختلفة عند منطقة الهبوط الحراري الرئيسي فيفصل مياه السطح الدافئة عن مياه الأعماق الباردة. وقد يتراوح سمك طبقة المياه الدافئة من بضع عشرات إلى مئات من الأمتار. وهذه الأمواج التي تتشكل على هذا السطح الفاصل بين الطبقتين المائيتين المختلفتين في الكثافة والملوحة والحرارة، تشبه الموجات السطحية، ولكن لا يمكن أن تشاهد بسهولة من فوق سطح الماء، وتستهلك عملية تكونها جزءاً كبيراً من الطاقة التي كان يمكن استخدامها لدفع سفينة ما إلى الأمام. فنجد بعض السفن التي تبحر في هذه المياه تفقد فجأة قدرتها على التقدم، داخلةً فيما يعرف بظاهرة المياه الراكدة التي كان الفضل في تفسيرها ودراستها للدكتور السويدي فان إيكمان (V.W.Ekman) في أوائل القرن العشرين كما جاء في الموسوعة البريطانية. وقد قال عز وجل: { فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ} والمعنى أن الموج يغشى البحر اللجي وهذا ما أكده علماء البحار حيث قالوا بأن البحر اللجي العميق يختلف عن البحر السطحي وأن الأمواج الداخلية لا تتكون إلا في منطقة الانفصال بين البحر السطحي والبحر العميق. ولهذه الأمواج الداخلية أنواع مختلفة أهمها ما ينشأ في المضايق والقنوات، فمثلاً عند مضيق جبل طارق، يتسبب التدفق الداخلي للتيار السطحي القوي، والتدفق الخارجي للتيار السفلي، في دخول الأمواج الداخلية من المحيط الأطلسي إلى المضيق، كأنها أمواج متكسرة، مثل الأمواج المزبدة على الشاطىء، مما يتسبب في قدر كبير من الاضطرابات الداخلية. إذن: هناك سحاب وهناك موج سطحي وأمواج داخلية، فإذا سقط الشعاع الضوئي من الشمس، فإن السحاب يمتص بعضه فتحدث ظلمة، فإذا سقط على الموج السطحي عكس هذا الموج بعضه أيضاً، فإذا نزل الشعاع إلى الموج الداخلي انعكس وحدثت ظلمة، ثم إن كثافة الماء العميق تمتص ما بقي من أشعة الشمس على عمق 1000 مترٍ، فيتم الظلام في هذه المنطقة أي في البحر اللجي العميق {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ}. مراجع علمية ذكرت الموسوعة البريطانية: "إن جزيئات الماء والأملاح الذائبة، والمواد العضوية، والأجسام الدقيقة العالقة تجتمع معاً لتسبب انخفاضاً في شدة الإشعاعات الشمسية المتاحة كلما ازدادت تعمقاً". وتذكر الموسوعة البريطانية أيضا: "بشكل عام، أي فصيلة من الأسماك صنف (Osteichthyes) موجودة في أقصى أعماق المحيطات، عادة فوق الـ 600 م وحتى إلى حد 2700 م (2000 إلى 9000 قدم). الفصائل التي تمثل أكثر من دزينة من العائلات السمكية البحرية، تتميز بأفواه كبيرة وبوجود عضو مضيء على بعض أو عدة أجزاء من الجسم. والأعضاء التي تنتج الضوء تقوم بجذب فريستها أو الأزواج الممكنة. هذه الميزات وغيرها من السمات الغريبة التي تتميز بها أسماك البحر العميق، تظهر التكيفات التطورية مع الضغط الشديد والبرد وبالأخص بيئتهم المظلمة". وأيضا تذكر الموسوعة البريطانية: "الأمواج موجودة أيضاً في السطوح الداخلية للمحيطات، هذه السطوح تمثل أطباقاً من التغير السريع في كثافة الماء مع ازدياد العمق، والأمواج التي تصحبها تدعى الأمواج الداخلية. سبب وجود هذه الأمواج الداخلية يكمن في تأثير قوى المد والجزر أو في تأثير الرياح أو تقلبات الضغط. أحياناً، يمكن لسفينة ما أن تسبب في حدوث أمواج داخلية إذا كانت هناك طبقة علوية قليلة العمق والملوحة". ويذكر نفس المصدر (الموسوعة البريطانية): "كشف "إيكمان" عن نظريته ومواهبه التجريبية في دراسته لما يسمى بالماء الراكد الذي يؤدي إلى تحريك بطيء للقوارب لتصبح تتردد واقفة في مكانها بسبب انتشار طبقة من المياه العذبة فوق هذا البحر والآتية من ذوبان الثلوج". وجه الإعجاز في الآية القرآنية : هو تصريحها بوجود ظلمات في أعماق البحار متراكمة فوق بعضها البعض، ووجود أمواج داخلية في البحار والمحيطات العميقة والتي غالباً ما تغطي هذه البحار والمحيطات سحب ركامية تحجب قدراً مهماً من أشعة الشمس، وهذا ما كشفت عنه دراسات علماء البحار في أواخر القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين.
ساحة النقاش