فى كل رمضان ندخل فى نفس النقاش , هل يكون هدفنا هو ختم القراّن ؟ أم دراسة و تدبر القراّن؟ هل الهدف يكون ختم خمس او ست ختمات ام تدبر و دراسة مثلا سورة البقرة؟ و الخلاصة التى توصلت اليها ان فى كلٍ خير. فالأحاديث التى يحثنا فبها النبى (ص) على زيادة رصيد الحسنات فى رمضان كثيره مثل أن السنُة فى رمضان تعادل ثواب الفرض فى غير رمضان و ان الفرض يعادل ثواب سبعين فرض فى غير رمضان و ان الحسنة فى اى وقت غير رمضان بعشر امثالها و لكن فى رمضان هى بسبعين ضعف و قراءة القراّن هى منجم حسنات لأن الحرف بحسنة و الحسنة بعشر أمثالها و لأننا فى رمضان فالحسنة بسبعين كما وضحنا فتخيل جزء القراّن فيه كام حرف! كل هذا هو دافع فئة "الختمات" أو فئة الناس اللى هدفها عدد الختمات فى رمضان.
و لكن يجب ألا نغفل حديثا هو من أهم الأحاديث التى نسمعها فى رمضان و هو الحديث الذى يشرح مجالسة جبريل النبى (ص) فى كل رمضان يعلمه و يدارسه القراّن و هذا الحديث هو دافع فئة "التدبر" اللى هدفهم الخروج من رمضان و لو على الأقل بفهم و تدبر أيه واحدة من القراّن.
و دعونى أقول لما لا نحاول ان نفعل الأمرين معاً! نقرأ و نتدبر القراّن فى نفس الوقت ﴿فاقرئوا ما تيسر منه﴾ و ﴿كتاب أنزلناه إليك مبارك ، ليدبروا آياته ، وليتذكر أولوا الألباب﴾ ﴿أفلا يتدبرون القرآن ؟ ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا﴾
فبدأت ختمتى و طبعاً البداية بسورة البقرة و توقفت عند الأية الخامسة ﴿ أولئك على هدىُ من ربهم وأولئك هم المفلحون﴾ و تأثرت ببلاغة و جمال القراّن مع انى قرأت هذه الأية أكثر من مئة مرة من قبل. فلو تدبرت كلمات الأية لتخيلت أن "الهدى" هنا مثل الأرض يقف فوقها مجموعة من الناس المشار اليهم فى الأية "اولئك على" ثم ترتفع هذه الأرض لتعلو بهؤلاء الناس و تسمو بهم فوق كل شىء و لكن لتصل بهم الى مكان محدد وهى الغاية التى وضحها الجليل تبارك و تعالى فى أخر الأية و هى "الفلاح". فكأن الهدى هنا هو وسيلة والفلاح هو الغاية.
و الشاهد أن الهدى لم يأت ليقيد حركتك فى الحياة و يستذلك و انما جاء ليرفعك لأنه ببساطة منهج جاء من الله سبحانه تعالى.
لكن ما هو الفلاح؟.. المعنى العام هو الفوز و أصلها فى المعجم "فلح" و الفلاح هو النجاة و البقاء فى الخير و"الفلح" هو الشق كما يفعل الفلاح قبل أن يزرع يجب أن يشق الأرض ليضع البذرة! ولذلك أختار الله هذه الكلمة بالذات "المفلحون" و ليس "الفائزون" أو "المؤمنون" ...لتتعلم البشرية كلها أن الايمان و الطريق الى الله كالفلاحة, فيه مجهود يتطلب شق الأرض و تهيئتها لزرعها تماماً كما تفعل التوبة بتائبها بتنقيته و تهييئه للسير فى طريق الله ثم مراعاة البذرة حتى تنبت و تكبر كما يجب أن نفعل بمراعاة الأيمان و تجديده دائماُ بالأعمال الصالحة و أغتنام أيام الله فى الطاعة و البعد عن المعاصى فتكون النتيجة محصولاُ عظيماً اذا قسناه على عملية الفلاحة أو انساناُ ذو قيمة يعمَر الأرض و ينشر الخير و يسير الى الله حتى يدخل الجنة.
ما أجمل القراّن حين نجالسه و يجالسنا, حين نتدبر اياته و نعيش معه تجد نفسك كأنك تقرأه لأول مرة
ساحة النقاش